“عندما استدعيتُ إيفريت للمرة الأولى، كنت أعتقد أنه سيكون مثل كلاي. لأن الأرواح العليا التي أعرفها كانت هادئة ولطيفة. لكن هذا الكائن كان عنيدًا للغاية وعدوانيًا.”
“هاها، عادةً ما تكون أرواح النار كذلك.”
فأرواح النار بخلاف أرواح الأرض، متخصصة في الهجوم.
“أشعر وكأنه يشبهني.”
“لا أظن ذلك. جلالتك لستَ شخصًا عنيدًا ولا عدوانيًا.”
“من يدري؟ ربما تقولين ذلك فقط لأنكِ لا تعرفينني جيدًا.”
“أنت صديق الماركيز الشاب، وأنا أثق في حكمه.”
فهي تعلم أنه لا يقيم علاقات صداقة بسهولة.
“هاها، عندما تقولين ذلك لا أستطيع إنكار الأمر.”
أرأيت؟ كيف يمكن لشخص يتحدث بهذه الطريقة أن يكون عنيدًا؟
هارسيز في نظر إيزابيلا كان من أهدأ الأشخاص الذين قابلتهم بعد ثيو.
صحيح أن لديه حزمًا يليق بولي العهد، لكنه كان لطيفًا وعمليًا وليس عنيدًا.
كان مرنًا في تقبل آراء الآخرين، وحتى ما قد يُعتبر أنانية في أفعاله كان دائمًا يهدف لحماية مواطني الإمبراطورية وجعلها أقوى.
‘لهذا السبب يجب أن يصبح إمبراطورًا.’
كانت إيزابيلا تعلم أن فايتشي قد يستهدف ولي العهد.
‘كما حاولوا التدخل في مناجم بيت ماكا مبكرًا، ربما سيحاولون هنا أيضًا…’
كان عليها أن تتأكد من بعض الأمور.
‘لا أعلم إن كان يليق بي أن أطرح مثل هذا السؤال…’
“كيف حال جلالة الإمبراطور؟”
فالجميع يعرف عن مرض الإمبراطور، لذا لن يكون السؤال إساءة كبيرة.
لكن التفاصيل الدقيقة تبقى أمرًا سريًا.
كانت إيزابيلا تدرك أن هارسيز لن يخبرها بالكثير.
لكنها بفضل حياتها السابقة، كانت تعرف حالة الإمبراطور جيدًا.
لذلك كانت تنتظر أن تستشف من رد فعل ولي العهد ومن كلماته القليلة حقيقة الوضع.
ورأت في عينيه للحظة وهجًا خافتًا وشفتاه انطبقتا بقوة لبرهة.
لكن سرعان ما ابتسم ابتسامة هادئة وقال:
“حالته كما هي.”
منذ أن سقط الإمبراطور، اندلعت الحرب واستمرت عامين.
وهذا يعني أن مرور أكثر من عامين على آخر مرة فتح فيها والده عينيه.
“لكن لا تقلقي، الإمبراطورة دائمًا بجواره.”
قال ذلك معتقدًا أن قلقها هو مجرد قلق مواطن على حاكمه.
لكن إيزابيلا شدّت شفتيها أكثر.
‘بل المشكلة هي الإمبراطورة ذاتها.’
لو أخبرته، هل سيصدقها؟ لا، سيظنها مجنونة، وقد تنقلب الأمور عليها.
“سمعت أن مملكة هيليبور سترسل دواءً نادرًا، أليس كذلك؟”
“أها، يبدو أنكِ سمعتِ. نعم لقد وعدوا بذلك.”
فقد صرخوا بهذا الأمر علنًا قبل رحيلهم، لذا فكل النبلاء تقريبًا يعرفون.
“ألا يجب التأكد من الأمر جيدًا؟”
قالت وهي تعبس دلالةً على عدم ثقتها بمملكة هيليبور.
ابتسم ولي العهد ابتسامة خفيفة وقد فهم نيتها.
“لا تقلقي، الإمبراطورة ستتأكد من كل شيء. الأطباء بجوارها جميعهم متميزون، ولن تسمح للمملكة أن تعبث.”
قال ذلك ليطمئنها، لكن إيزابيلا ازدادت ضيقًا.
‘لكن المشكلة في الإمبراطورة نفسها!’
يا لها من رغبة في قول كل شيء، لكن لكل حقيقة وقتها المناسب.
أخذت نفسًا عميقًا لتُهدّئ غضبها، ثم أومأت.
“من الأفضل أن تزور يا جلالتك الإمبراطور من حين لآخر. الإمبراطورة مهيبة بلا شك، لكن لو ساعدتها يا جلالتك فسيُسعد ذلك جلالة الإمبراطور حتمًا.”
اذهب وتأكد بنفسك، أرجوك!
غلفت كلماتها بدبلوماسية.
كانت تفهم سبب تركه كل شيء للإمبراطورة.
فهي مهما كانت والدة فايتشي تبقى الإمبراطورة، والجميع يعتقد أنها تحب الإمبراطور بشدة.
بل إن إخلاصها له في رعايته يُعتبر أمرًا يُضرب به المثل، حتى أن البعض يظن أنها تبالغ في التضحية بنفسها.
لم يتخيل أحد مهما كانت الصراعات السياسية أن تُقدم على إيذاء الإمبراطور.
ولهذا السبب، ترك ولي العهد أمر رعايته بالكامل لها.
“أظنني بدأت أفهم لماذا يقدركِ ليكاردو.”
قالها ولي العهد فجأة بعد كلامها.
“قد يبدو شخصًا خفيفًا، لكنه في الحقيقة دقيق الملاحظة.”
الآن وقت الإعجاب؟!
إيزابيلا كانت تود أن تمسكه من ياقة ثوبه وتهزه حتى يستيقظ لو لم يكن ولي العهد.
لكن لم يكن أمامها سوى الابتسام.
“لهذا السبب عندما قال إنه سيعهد إليكِ بالميدالية الذهبية، تساءلت كثيرًا عمّا ترغبين فيه.”
لأن المرأة التي يثق بها ليكاردو، ماذا ستكون رغباتها؟
طرق ولي العهد بأصابعه على الميدالية الذهبية الموضوعة على الطاولة أمامه، ثم سأل:
“قولي لي، ماذا تريدين الحصول عليه؟”
“لا أريد شيئًا لأمتلكه، بل أود الحصول على إذن لرؤية شيء ما.”
أسند هارسيز ذقنه على أصابعه مشيرًا لها أن تتابع.
“أود الدخول إلى أرشيف دويتشلان.”
تأملها ولي العهد بهدوء، رغم أن الطلب كان مفاجئًا للغاية.
“هل سيكون الأمر صعبًا؟”
سألت بإضافة هذه العبارة، ففتح شفتيه ليقول:
“لم أتوقع هذا الطلب.”
كان يتوقع أن تطلب مالًا أو أرضًا.
أو ربما تسرّع الموافقة على المشاريع التي يسعى إليها بيت ماكا.
أو ربما شيئًا بسيطًا لإشباع مصالح شخصية.
فكّر في احتمالاتٍ عدّة، لكن هذا الاحتمال لم يخطر له قطّ.
“ذلك المكان يحوي جميع سجلات الأباطرة السابقين، إنجازاتهم وفضائحهم أيضاً.”
كان كلام وليّ العهد أمراً تعرفه هي أيضاً.
“لكن… تريدين أن تريه؟”
كيف ينبغي أن أفسّر هذا؟
هل هو مجرّد فضول؟ لا، فالتضحية بميدالية ذهبية لمجرد إشباع الفضول لا يَستقيم منطقياً.
حتى أكثر الناس سذاجة يعرفون ذلك.
إذن، معنى ذلك أنّ هناك شيئاً تريد أن تراه هناك.
ما الذي قد ترغب في رؤيته؟
انخفضت نظرات وليّ العهد عن إيزابيلا لتتّجه نحو ركبتيها.
هناك حيث كان إيفريت الخاص به ما يزال واضعاً رأسه على ركبتيها، يغفو بين الحين والآخر.
ولا يزال شعوره يتردّد إليها.
دلال… راحة…
وما زال أيضاً ذلك الإحساس بالذنب.
لماذا لا يزول هذا الإحساس بالذنب؟
هل له علاقة برغبتها في رؤية قاعة السجلات؟
“لا يوجد هناك شيء عن وليّ العهد، بل عن الأباطرة فقط.”
فلو كانت تريد التأكّد من وجود أيّ ذكرٍ للقاء جمعهما، فلن تجده.
لكن إيزابيلا أومأت برأسها.
“نعم، أنا أعرف ذلك.”
ابتسم وليّ العهد وهو يسند ذقنه على يده ويقول بنبرة تتسلّل منها الفضول أكثر من الشكّ:
“أيُّ سرٍّ من أسرار العائلة المالكة تودّ روحانيتنا إيزابيلا أن تعرفه؟”
كان فعلاً فضولياً… ما الذي تودّ معرفته؟
وهل يشبه ما أودّ معرفته أنا؟
ابتسمت إيزابيلا قليلاً بنبرة تحمل شيئاً من الدلال:
“حين تقول سرّ، تجعلني أبدو كمن يريد دخول قاعة السجلات بنوايا خبيثة.”
“أنا فقط مهتمّة بالتاريخ.”
“مهتمّة بالتاريخ…؟”
إذن، هي تريد قصصاً لا توجد في كتب التاريخ العادية.
أيّ نوعٍ من القصص تلك…؟
مرت في ذهن وليّ العهد بعض الحوادث والتواريخ المطويّة من السجلات.
وفي تلك اللحظة فتحت إيزابيلا فمها:
“أنا روحانية الأرض كما تعلم. وأودّ معرفة المزيد عن الروحانية السابقة للأرض.”
كان جواباً صريحاً…
مع أنّ غايتها الحقيقية كانت معرفة كلّ ما يتعلّق بـ أسرة الدوق لويد، لكن لا يمكنها البوح بذلك، فاستخدمت اسم أوفيليا كذريعة.
“آها… عن تلك السيدة إذن.”
تمتم هارسيز بصوت منخفض، وارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة تحمل مزيجاً من المشاعر.
لاحظت إيزابيلا شيئاً غريباً في كلامه:
لقد ناداها بـ “تلك السيدة”…
وليس “تلك المرأة” أو “تلك الخائنة”، بل السيدة.
‘حتى قبل قليل حين تحدّث عن كْلاي كان هكذا.’
لم يُخفِ الحديث عنها، ولم يصفها بخبثٍ كمجرّدة متّهمة بمحاولة اغتيال الإمبراطور.
بدأ التساؤل يتسرّب إلى قلب إيزابيلا.
ما العلاقة التي جمعته بتلك السيدة؟
حين ظهرت تلك المرأة، كان وليّ العهد في الرابعة من عمره.
وحين حاولت اغتيال الإمبراطور وفرّت، كان في السادسة.
أي في سنّ تسمح بترك ذكرى واضحة عنها.
الواضح أنّ صورتها في ذاكرته ظلّت إيجابية حتى اليوم.
“حقاً، من الطبيعي أن تثير فضولكِ. فقصّتها نادراً ما ذُكرت خارج القصر الإمبراطوري.”
استدرك وليّ العهد سريعاً تصحيح اللفظ الذي أفلت منه للتوّ.
لقب “تلك السيدة” خرج من فمه بلا قصد.
“لقد فتّشتُ حتى مكتبة جمعية الأرواح، ولم أجد شيئاً.”
“وهذا طبيعي. فهي لم تكد تغادر القصر الصغير الذي منحه لها جلالته.”
غرفتها وحديقة القصر الخلفية كانتا المكانين الوحيدين اللذين يمكن أن يُعثر عليها فيهما.
حتى الخادمات المسؤولات عن شؤونها صرفتهنّ تقريباً جميعاً، فصارت تستعمل القصر الشاسع وحدها، إلّا من خادمة للتنظيف وطاهٍ للبقاء وحديقة، هذا كلّ من كان يعمل في قصرها.
في صغره، لم يكن وليّ العهد يفهم ذلك.
لكن بعدما كبر، صار يعرف السبب.
فمن غير الطبيعي أن يُخصّص قصر مستقلّ لروحانية مهما علت مرتبتها.
كان جليّاً أنّ الإمبراطور كان يخصّها بعناية فائقة، وذلك أمر لم يكن ليروق للإمبراطورة أبداً…
ولا شكّ أنّ تلك المرأة كانت تدرك ذلك.
الآن فقط أدرك أنّها كانت تتوخّى الحذر من الإمبراطورة.
‘لذلك لا توجد عنها أيّ روايات تُذكر.’
لم يكن لها لقاءات كثيرة، ورفضت كلّ دعوات النبلاء واهتمامهم.
قيل عنها كلام كثير بأنها متعجرفة، لكن ما دام الإمبراطور يتغاضى، فلم يكن أحد يجرؤ على محاسبتها.
ثمّ إنّها كانت تظهر كلّما احتاجت الإمبراطورية إليها أو استدعاها الإمبراطور، فتستعرض قوّة الأرواح، لذا لم يكن بالإمكان ذمّها كثيراً.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات