حين ذُكر سبب آخر من الأسباب التي أفسدت خطتها، عبست الإمبراطورة وهي تملأ كأسها.
وجهها الذي كان دائم الابتسام أمام الناس كان يتجعد كثيرًا في مثل هذه الأماكن السرية.
“تلك… تلك الفتاة، أليست ابنة تلك المرأة؟”
“أي امرأة؟”
“أعني الأرض الخاصة بالإمبراطور.”
“هاه، لا تفتح موضوع تلك المرأة. ما زلتُ أرتجف من الغضب كلما تذكرتُها.”
“وكأنكِ لم تخونيه أيضًا، لمَ كل هذا الاستغراب؟”
“على الأقل لم أفعل مثل ذلك الرجل بشكل علني! لقد جلب تلك المرأة القذرة إلى القصر! لا يُصدق.”
تنهّدت الإمبراطورة وهي تسترجع تلك الذكرى، ولم تُخفِ انزعاجها.
“مهما كان، كيف له أن يُدخل إلى القصر امرأة كانت في الأصل عبدة!”
“أما أنا، حين علمت أنها ذهبت إليه بعدما كنا نظنها ميتة… تخيلي كم شعرت بالسخرية!”
ضحك الأمير هيليبور بسخرية أيضًا وهو يستعيد تلك الأيام.
كان ذلك قبل عشرين عامًا.
عندما زار الإمبراطور المملكة، أقيمت هناك مباراة بين مستحضري الأرواح والسحرة.
وكانوا متأكدين من فوزهم، لكن الفائز كان دوق لويد من الإمبراطورية.
وبما أن الإمبراطورية فازت، كان على المملكة أن تُهدي الإمبراطور هدية.
حينها أشار الإمبراطور إلى امرأة عبدة، وطلب أن يأخذها.
كانت جميلة نوعًا ما، لكنها كانت مجرد عبدة قذرة لا اسم لها.
والأدهى أن الإمبراطور حينها كان قد تزوج حديثًا، والإمبراطورة كانت ترافقه في تلك الرحلة.
ولأن الإمبراطورية لم يكن فيها نظام عبودية، طلب الإمبراطور تحريرها من العبودية رسميًا قبل أخذها، وهذا ما جعل الأمر أكثر غرابة.
لكن المملكة وافقت.
وقتها فكّر الأمير ‘حتى الإمبراطور الراقي لا يختلف عن غيره، يريد امتلاك الجميلات.’
لكن المشكلة أن تلك المرأة كانت تعجب الأمير نفسه.
ولأنه لم يُرد أن يفقد دميته، حبسها في غرفة وأحرق القصر الصيفي عليها.
وبما أن الجثة التي عُثر عليها كانت مربوطة في الغرفة، ظن الجميع أنها ماتت حرقًا.
المملكة قدّمت اعتذارها عن الإهمال في حفظ الهدية، وأغدقت الإمبراطور بالمجوهرات.
لكن بعد عام، علم الأمير من الإمبراطورة أن تلك المرأة أصبحت بجانب الإمبراطور!
لقد تظاهرت بالموت، واختبأت في عربة الوفد العائد إلى الإمبراطورية.
ولم يكن هذا كل شيء.
فقد اتضح لاحقًا أن تلك المرأة تملك موهبة استثنائية في الارتباط بالأرواح، وتحت تعليم خاص من الإمبراطور نفسه أصبحت مستحضرة أرواح من المستوى الأعلى.
بل وصلت إلى مستوى الإمبراطور تقريبًا، واستطاعت استدعاء أربعة أرواح بعنصر التراب (الارض) من المستوى الأعلى.
حتى أنها حصلت على اسم جديد وهو أوفيليا.
كان الأمر لا يُصدق.
لكن لم يكن بالإمكان الاعتراض؛ وثائق العبودية احترقت، والمرأة أُعلن موتها في المملكة، ووجهها أصبح مليئًا بالحروق فلم يعد أثر للوشم الذي يميز العبيد.
“أتعلم؟ بسبب القناع الذي كانت تضعه تلك المرأة، لم أقم حفلة تنكرية واحدة منذ عشرين سنة.”
كانت تحب الحفلات التنكرية في شبابها، لكن أوفيليا كانت دائمًا ترتدي قناعًا أسود لتغطية الحروق، مع شعر طويل ورداء فضفاض، فلم يعرف شكلها أحد سوى الإمبراطور والإمبراطورة، لأنهما رأياها قبل الحادث.
والآن أضيف الأمير هيليبور إلي القائمة، لأنه كان يملك تلك الدمية.
“ألا ترين أن مستحضرة الأرواح من بيت ماكا تشبهها بشكل مريب؟”
“ماذا؟ لا تقل كلامًا سخيفًا.”
“أعرف أن كلامي يبدو غير منطقي، فالعبدة ماتت قبل 18 عامًا أثناء محاولة اغتيال الإمبراطور.”
‘بالطبع، كانت محاولة الاغتيال هذه من تدبير الإمبراطورة، لكن الناس صدقوا أن أوفيليا كانت القاتلة.’
“بسبب ذلك انتشرت شائعات تقول إنها جاسوسة أرسلناها نحن.”
وبالفعل، عندما ظهرت العبدة الميتة في قصر الإمبراطور، توترت العلاقات بين المملكة والإمبراطورية.
ومع الحادثة التي تلت ذلك، وهي إبادة عائلة لويد بعد ست سنوات، وصلت العلاقة إلى القطيعة التامة.
“لكن… كلما فكرت بالأمر، أجدها تشبهها بشكل كبير. لو وُضع ختم العبودية على جبهتها وفردنا تجاعيد شعرها…”
لقد أصبح يتخيل وجه تلك المرأة في ذاكرته الباهتة.
“انتظر… أليست تلك المرأة أيضًا مستحضرة أرواح عنصر الأرض؟”
تمتمت الإمبراطورة بوجه جاد، ولم يُعرف إن كانت تقصد أوفيليا أم إيزابيلا.
لكن أيًّا كان المقصود، فالإجابة صحيحة في الحالتين.
“كم عمر تلك المستحضرة الجديدة؟”
“يقولون إنها في الثامنة عشرة.”
“هاه…؟”
وضعت الإمبراطورة يدها على جبينها بضيق.
“أنت تقول إنهما متشابهتان؟”
“ألم تشعري بذلك أنتِ أيضًا؟”
أجاب الأمير بلا مبالاة، وكأنه يتساءل إن كان وحده من شعر بهذا.
لكن الإمبراطورة هزت رأسها:
“لم أرها حتى الآن، فمتى كان عندي وقت لأفكر في هذا؟”
فقد كانت تتذرع بخدمة الإمبراطور لتتغيب عن كل المناسبات، خشية أن يكتشف الأطباء الغرباء سر حالته.
لذلك لم تحضر الاحتفالات بالنصر، ولا حفلات الرقص، ولا حتى مهرجان الصيد، فلم ترَ لا إيزابيلا ولا ثيو بعد.
“حقًا؟ إذن حاولي رؤيتها مرة. ستشعرين بنفس الشيء الذي شعرتُ به.”
قال الأمير بخفة وهو يضيف الثلج إلى كأسه.
“قد يكون الأمر مجرد دوبلغانغر تجاوز الزمن…”
(دوبلغانغر: يُستخدم للدلالة على نسخة أخرى من الشخص، سواء من بعدٍ موازٍ، أو عبر الزمن، أو مجرد كيان يشبهه بشكل غامض)
“لم تمت.”
“ماذا؟”
توقفت يد الأمير التي كانت تسكب الشراب فوق الثلج.
لكن الشراب ظل يتدفق.
“تلك العبدة، لم تكن ميتة…!”
“قالوا إنها مات.”
“ذلك الكلام قيل فقط لإسكات الضجة التي أثارها جانب هيليبور بكثرة احتجاجه وإصراره على البراءة وممارسته الضغوط!”
“…لم تمت إذن؟”
“لقد هربت. أرسلت جميع رجالي للبحث عنها، لكننا لم نجدها!”
“الهرب هو اختصاصها.”
هربت من المملكة أيضًا.
هربت من القصر المحترق، ثم هربت حتى من القصر الإمبراطوري.
لعلها بارعة في الاختباء مستعينة بسحر الأرض الدفاعي الذي تتقنه الأرواح الترابية.
على أي حال، سواء كانت الإمبراطورة أم الأمير، كلاهما اختبر مرارة إفلاتها من أيديهم.
“لحظة، متى كان ذلك؟”
أنزل أمير هيليبور الزجاجة التي كان يميلها حتى فاضت الكأس.
وبملامح في غاية الجدية، أخذ يحسب الوقت الذي قالت فيه الإمبراطورة إنها ماتت.
“بعد محاولة اغتيال الإمبراطور، كان هروبها منذ… ثمانية عشر عامًا بالضبط؟”
“ثمانية عشر عامًا…!”
صرخت الإمبراطورة صرخة قصيرة بعد أن أنهت الحساب معه.
وأضاف الأمير بصوت منخفض:
“تلك المستحضِرة الأرواح عمرها ثمانية عشر عامًا…”
“هاه.”
انطلقت من شفتيه ضحكة جافة.
كم هو الشبه بينهما.
بل وحتى كونها مستحضِرة أرواح الأرض أيضًا.
حتى العمر متوافق.
ثم إن تلك الفتاة كانت يتيمة.
يقال إنها فقدت أمها في سن الرابعة، فإذا حسبنا الأمر على أن العبدة الهاربة ربّتها ثم ماتت…
“صحيح. إنها ابنة الأرض.”
إنكار ذلك كان أصعب من القبول به؛ مصادفة مدهشة حقًا.
* * *
قررت بعثة مملكة هيليبور أن تمكث قليلًا بعد.
‘لا بد أنهم سيمكثون أيامًا أخرى لاحتساء الخمر مع فايتشي كالعادة.’
لم يكن ذلك مفاجئًا؛ فقد تصرفوا بالطريقة ذاتها في حياتها السابقة.
وأيًّا كانت تغييرات جدولهم، فلم يكن لذلك أي علاقة بإيزابيلا.
ما يهمها الآن هو ما أمامها.
وضعت الصحيفة التي كانت تقرؤها جانبًا، وأخذت تقلّب صفحات كتاب عن التاريخ الحديث عثرت عليه في أرشيف المكتبة.
‘أيعقل أن لا أجد أي شيء؟’
كانت تحاول البحث عن معلومات عن أسرة دوق لويد، لكن لم تجد شيئًا.
كأن كل ما يخصهم قد اقتُلع عمدًا.
اقتلاعًا غريبًا إلى درجة جعلت جميع الثغرات تدلّ على أنها حكاية أسرة لويد.
على سبيل المثال، كانت في الإمبراطورية دوقيتان قبل ثلاثة عشر عامًا، لكن فجأة منذ أحد عشر عامًا، تقلّص العدد بشكل مريب إلى واحد.
وفي المواضع التي تحدّثت عن الدوقين، ورد اسم دوق ديرفيس مرارًا، لكن اسم لويد كان كالإبرة في كومة قش.
‘حتى لو كان خائنًا، أيمكن أن يُمحى بهذه الدرجة؟’
فالخيانة في النهاية جزء من التاريخ.
عادةً، يتركون القصة كما هي، لكنهم يصفون إعدام الخائن بوحشية ليزرعوا الخوف في النفوس حتى لا يجرؤ أحد على الحلم بالخيانة.
لكن هذا بدا مختلفًا.
‘كأنهم يريدون محو اسمه من التاريخ تمامًا.’
بهذا المستوى من الإخفاء، سيطوي النسيان أسرة لويد كليًّا بعد مرور خمسين سنة بلا شك.
‘حدث أن حاول الأباطرة محو عيوبهم من قبل، لكن هل بلغ الأمر هذا الحد؟’
أغلقت إيزابيلا الكتاب وهي تفكر مليًّا.
‘ليس هنا إذن. عليّ البحث في جمعية المستحضِرين. فبما أنه كان من كبار المستحضِرين، فلا بد أن هناك أثرًا له هناك.’
ففي الجمعية، يُذكر اسمه بين أعظم أربعة مستحضِري أرواح في التاريخ.
صحيح أن الجمعية تابعة للإمبراطورية، لكنها ليست جزءًا من البلاط.
فحتى الإمبراطور لا يملك عليها سيطرة كاملة؛ لا يتعدى نفوذه أن يكون واحدًا من أعضاء مجلسها.
ولهذا السبب، حين سُلب من فايتشي مقعده، لم يتمكّن من استعادته حتى بـ سلطان الإمبراطور.
‘إن لم أجد أي معلومات في الجمعية أيضًا، فأين أبحث إذن؟’
أأزور أرض الدوقية السابقة؟
إنها بعيدة جدًا، وفوق ذلك منطقة محظورة الآن، ولا يمكن دخولها بسهولة.
كانت غارقة في تفكيرها حين انفتح الباب ودخلت كاساندرا.
“أوه، سبقتني وجئت تنتظرين؟”
كانت كاساندرا قد أخبرتها أن لديها ما تقوله بخصوص مشروع أدوات الأرواح، فجلست إيزابيلا تنتظرها.
***
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات