“حين اكتشفنا أن سحرتنا قادرون على نقش الدوائر السحرية قسرًا، اضطربت الجمعية السحرية بأسرها. غير أنهم ما لبثوا أن أدركوا أنّ وجود الدائرة لا يعني أن كلّ أحدٍ قادر على أن يصبح ساحرًا عظيمًا، فخمدت الضجة سريعًا.”
لقد مرّ السحرة من قبل بمثل هذا التغيير الجذري.
وكان يظن أنّ ما يمرّ به مستحضرو الأرواح الآن وإن كان متأخرًا قليلًا فلن يختلف كثيرًا.
“طالما راودني هذا الاعتقاد، لكن القارّة لم تكفّ يومًا عن الفصل بينهما، وعن المقارنة وإشعال الخصومة. كم كان ذلك مؤسفًا…….”
والحقيقة أنّ مملكة موفيو تضمّ من السحرة أكثر مما تضمّ من مستحضري الأرواح.
وإن لم تكن متطرفة في ذلك كإمبراطورية دويتشلان أو مملكة هيليبور، إلا أنّ القطيعة بين الفريقين ما زالت قائمة.
“غير أنّي حين سمعت أنّ الدوقة الكبرى تنوي تأسيس الأكاديمية، وأنها ستضم السحرة ومستحضري الأرواح دون تمييز… بل وستحتضن كذلك التجارة والإدارة وفنون السيف وكلّ موهبة دون استثناء، شعرت بفرحٍ لا يوصف.”
لقد أسعده أن يجد في هذا العالم حالِمًا مجنونًا مثله.
بل وأعجبه أكثر أن ذلك الحلم لم يتوقف عند حدّ الخيال، بل اقترن بعزمٍ على تحويله إلى حقيقة.
لذلك بذل جهده ليكون له نصيب في هذه الأكاديمية.
“أما أنا، فقد غمرتني السعادة حين أدركت أنّ الأمير فيليب يشاركُني الفكر ذاته.”
“شكرًا لأنكِ أصبحتِ رفيقة دربي.”
“هاها.”
لم تستطع إيزابيلا أن تكتم ضحكتها حين وصفها فيليب لا بـ “الصديقة” ولا بـ “الرفيقة”، بل بـ “رفيقة الدرب”.
بل بدا أنّ هذا الوصف أنسب لوضعها ما دامت تخوض صراعًا مع أعراف العالم برمّتها.
“على ذكر ذلك، هل استمتعتم بموعدكما ذاك اليوم؟”
سأل فيليب بعدما انتهى من حديث الأكاديمية.
ثم أضاف مبتسمًا:
“لم أكن أعلم من قبل أنّ ماء مستحضري الأرواح يختلف عن ماء السحرة. لكنني أدركت ذلك وأنا أجول في الدوقية.”
وبأطراف أصابعه شكّل قطرة ماء.
“فماء الأرواح يتحكم في الماء الطبيعي، أما ماء السحرة فيغلب عليه طابع العناصر، لذا يختلف الشعور به.”
ولأنها لمست في مائه جوًّا يخالف جوّ ماء ثيو، فقد فهمت إيزابيلا كلامه مباشرة.
“لكن مهما اختلفا، فالماء ماء، ولذلك أشعر نحوه بألفة. هاها.”
بل وأقرّ أنه وجد نفسه أكثر انجذابًا إلى الماء الطبيعي، وشاركها تجربته.
غير أنّ إيزابيلا لم تستطع أن تجيبه كما ينبغي، واكتفت بابتسامة متكلفة؛ إذ تذكّرت شجارها مع ثيو في ذلك اليوم.
فقال فيليب معتذرًا:
“لكن عليّ أن أقدّم اعتذاري إلى خطيبك حين أراه.”
“هاه؟ إلى ثيو؟”
“أظن أنّي استحوذت على وقت الموعد أكثر مما ينبغي، فبدوتُ كأني أزعجتُه.”
وحكّ عنقه مبتسمًا بخجل.
فقالت إيزابيلا:
“آه… بل نحن من تصرّفنا بغير لباقة ذلك اليوم.”
فثيو يومها بدا متضايقًا بوضوح، مما جعلها تشعر بالحرج. لكن فيليب لوّح بيده نافيًا.
“لا، بل خطئي أكبر، فقد جئت إلى الدوقية دون سابق إنذار.”
وكان يبدو بصدقٍ متأسفًا.
“بوصفي ساحر ماء، وددت أن أكون مقرّبًا من دوقٍ يستحضر أرواح الماء، لكنني أخشى أنّني قد تركتُ في نفسه نفورًا منذ البداية. هاها.”
لقد كان فيليب رغم كونه أميرًا صاحب طبعٍ بسيط وصريح، يفهم الموقف ويبوح بما في قلبه بلا مواربة.
ثم سأل مبتسمًا:
“هل ستحضران سويًا حفل الرقص؟”
“نعم، سنذهب معًا.”
“إذن يحسن أن أقدّم تحيّتي له كما يجب يومها.”
وتأمل فيما لو يجلب معه هدية، ثم نهض؛ إذ جاء سكرتيره يخبره أنّ موعده التالي قد حان.
قال معتذرًا:
“سمعت أنّك ستزورين الأكاديمية الأسبوع المقبل؟ يؤسفني أنني لن أتمكن من مرافقتك شخصيًا.”
فأجابته:
“بل على العكس، سيأتي المسؤول الإداري بنفسه أليس كذلك؟ إنها فرصة لأطرح عليه بعض الأسئلة، وأنا سعيدة بذلك.”
فكان من المقرر أن يتولى جوشوا تعريف الأمير بالمكان بدلًا من إيزابيلا. وقد ارتدى فيليب معطفه الذي ناوله السكرتير دون أن يبدي أيّ امتعاض.
“إذن، أراكِ في حفل الرقص.”
“نعم، وأتمنى لك جولة ممتعة.”
ابتسم فيليب، وانحنى قليلًا، ثم اعتمر قبعة أخرى غير التي ارتداها البارحة، وغادر.
أما إيزابيلا، فبقيت تتابع من النافذة عربة الأمير وهي تبتعد حتى غابت عن ناظرها. ثم أطلقت تنهيدة طويلة.
وتمتمت:
“آه… لا يمكنه الاستمرار في إخفاء ذلك الوجه طوال الوقت.”
لقد تذكّرت ملامح ثيو.
فهو لا يغيّر تعابيره كثيرًا، غير أنّ إيزابيلا وحدها كانت تميز أدقّ الفوارق فيها.
لكن وسط الأرستقراطيين الأذكياء المتيقّظين، سرعان ما يلتقطون مثل هذه اللمحات الخفية.
كانت إيزابيلا تحب صراحة ثيو.
لكن بعيدًا عن مشاعرها، فقد باتت تلك الصفة غير ملائمة له الآن وهو دوق.
أما الأمير الثالث فيليب موفيو، فطبيعته بسيطة ولا يحب المناورات السياسية، ولذا مرّ الأمر معه بسهولة. غير أنّ ثيو سيقابل في المستقبل أشخاصًا من طينة مختلفة تمامًا.
فكيف لا يقلقها ذلك؟
تمتمت:
“بالأمس لم نتمكن حتى من الحديث كما يجب…….”
لم يكن ثمّة وقت لا لاعتذار ولا لتبرير.
وقد بقي ما جرى البارحة الذي لم يكن خصامًا صريحًا ولا صلحًا صافيًا عالقًا في ذهن إيزابيلا كغصّة.
وبينما كانت شاردة في تفكيرها، التفتت إلى خادمتها وسألتها:
“كم الساعة الآن؟”
“قرابة الثانية عشرة والنصف يا آنستي.”
وأضافت الخادمة تسألها إن كانت تود تناول الغداء، لكن إيزابيلا لوّحت بيدها نافية:
“سأتجاوز الغداء اليوم.”
“لكن الصوم يضرّ بالصحة.”
“سأتناول شيئًا في الدوقية.”
قالت ذلك وهي تسرع بخطواتها، فقد أحست أنّها إن لم تفرّغ صدرها من هذا الضيق سريعًا فلن تقوى على إنجاز أي شيء آخر.
“سأعود مساءً!”
هتفت وهي تلتقط معطفها وتندفع خارجة من الغرفة. فنادت الخادمة خلفها:
“عليكِ أن تصحبي معكِ حرسًا على الأقل!”
فأجاب صوت من ورائها:
“سأرافقها أنا، سأرافقها!”
لقد كان إدوارد وقد سارع بالانضمام إليها. مع أنّه في قرارة نفسه كان يدرك أنّ دوقة تستحضر الأرواح العليا لا تحتاج في الحقيقة إلى حراسة.
***
وصلت إيزابيلا إلى الدوقية في لمح البصر.
قال إدوارد الذي لم يكد يلحق بها قبل انطلاقها وهو يتأمل أسوار القصر وقد أخذت تلوح:
“حقًا، لا أحد يستخدم الأرواح العليا كوسيلة نقل سوى حضرتكِ.”
فأجابت إيزابيلا وهي تربّت على ظهر كلي:
“لأن كلاي أسرع من أي جواد.”
وكأنّ كلاي يوافقها الرأي، أطلق زمجرة طويلة مدوّية.
فسأل إدوارد وهو يمسح على ظهر الروح ذي الملمس الخشن الذي اعتاده وأحبه مع كثرة الركوب:
“لكن ثيو لا يستخدم إيلايم. هل لأنّها روح ماء فلا تصلح للركوب؟”
“يمكن الركوب عليها، لكن الأمر لا يوافق ذوق ثيو لا أكثر.”
ثم تذكّر إدوارد روح ليكاردو وسأل:
“وهل يمكن أن يكبر السيلايم أيضًا إلى هذا الحد؟”
فأجابت إيزابيلا بعد أن استحضر ذهنها صورة سيلايم الطائر:
“على حد علمي بين أرواح الرياح شورييل أفضل من سيلايم للتنقل، لأنها أسهل للركوب.”
نعم، يمكن زيادة الحجم، غير أنّ حمل نسر أهون بكثير من جرّ غزال في كل مكان.
“وفوق ذلك، شورييل أسرع من كلاي وإيلايم بكثير، فهو روح رياح في النهاية.”
كانت قد جربت سباقًا مع ليكاردو، فأدركت الفرق بنفسها.
أما السبب الأكبر الذي جعلها تعتمد على كلاي في تنقلاتها بين أراضي الدوق والدوقة الكبرى، فهو السرعة.
ولعله كان هناك سبب آخر أيضًا……
“ها قد جئتِ ثانيةً يا دوقتنا!”
“هاها، رأيناكِ من بعيد فأعددنا الترتيبات.”
لقد صار حرس الأسوار يعرفونها بسهولة، مما يسّر لها الدخول.
“شكرًا لكم، أحسنتم عملًا!”
فدخلت دون حتى أن تنزل من كلاي. وبعد أن تبادلت التحايا مع الوجوه المألوفة، تابعت إلى قصر الدوق مباشرة.
وحين وصلت، كان كبير الخدم بانتظارها.
قالت وهي تعيد كلاي:
“ربطة عنقك جميلة اليوم يا كبير الخدم.”
فاكتفى بابتسامة رقيقة، ثم حيّا إدوارد الواقـف خلفها، وقاد الاثنين إلى الداخل ببساطة طبيعية.
“صاحب السعادة منشغل قليلًا، لذا ستنتظرين قليلًا.”
“آه، أكان لديه موعد مسبق؟”
سألته بدهشة.
إذ لم تتحقق أصلًا من جدوله قبل أن تهرع إليه، فإن كان مشغولًا بموعد آخر فلن تستطيع أن تلومه.
“إن كان الأمر كذلك فسأعود. فما اليوم إلا يوم من بين أيام.”
لقد جاءت دون إنذار كي لا يمنحها فرصة الرفض، لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تقطع عمله.
“لا يا آنستي إنما هو منشغل بالتحضيرات لحفل الرقص. وسيكون مسرورًا جدًّا حين يعلم أنكِ حضرتِ.”
“التحضير لحفل الرقص؟”
نظرت إليه متسائلة عن معنى كلامه، غير أنّه اكتفى بابتسامة غامضة.
“تفضلي بالدخول أولًا.”
ثم أضاف وهو يقودها إلى صالون الاستقبال:
“فالغيوم تتجمع على نحو مقلق. انتظري هنا قليلًا، وسأذهب لأخبره أنكِ وصلتِ.”
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات