لن أخدع مرتين [ الفصل 12 ]
(( بغير اسم ليكالدو إلى ليكاردو))
الحدود الجنوبية الغربية لإمبراطورية دويتشلان.
أخيراً، وضعت الحرب الطويلة أوزارها، واقترب يوم العودة.
كان موكب العائدين طويلاً، لكن ترتيبه بسيط.
في المقدمة، سار ليكاردو وعدد من مرافقيه المقربين، يتبعهم في الوسط الجرحى وعربات الإمداد، أما المؤخرة فكانت للمدفعية.
وتولى بعض المرافقين مهمة البقاء في الخلف للتأكد من أن أحداً لم يتخلف.
وخلال انشغال الجميع بالاستعداد، كان ثيو واقفاً على الجانب، مستنداً إلى شجرة، وعيناه مسمّرتان على رسالة بين يديه.
> “ رأيت في الجريدة حديثًا عن بطل من أبطال الحرب. قيل إن بينهم مستدعي أرواح مائية… لا أعلم لماذا، لكنني تخيلته أنت.”
كانت تلك آخر رسالة وصلته منها.
> “ سواء كنتَ هو أم لا، أردت أن أقول إنني فخورة بك. لكن بقدر ما أفخر بك، يقلقني حالك…
إن كنتَ هو، فكم من الألم والمعاناة تكبدتَها حتى تبلغ ما أنت عليه؟
وإن لم تكن، فأفكر كم من المعارك تخوضها كل يوم لتبقى كما أنت… وهذا يوجعني أيضاً.”
كانت الرسالة منذ بدايتها حتى نهايتها مغمورة بالقلق عليه.
> “ أنا بخير، ولكن لهذا السبب أشعر بالذنب أكثر، وأشتاق إليك أكثر، وأقلق عليك أكثر.
رغم أنك تقول مراراً إنك بخير، لا أستطيع إلا أن أقلق. طوال اليوم أفكر بك، ويملأك رأسي حتى آخره.
مهما أكلتُ من طعام لذيذ، أو جربت أشياء جديدة، يظل كل شيء فارغاً من دونك…”
أرفقت تلك المشاعر العذبة بشيء من الحنين والحب.
> “ عذراً، أظنني كنت كثيرة التذمّر في هذه الرسالة. لسبب ما، أشعر أنني أكثر ضعفاً هذه المرة.”
رغم اعتذارها، كان تيو يعلم جيداً كم من المرات كتبت ومزّقت قبل أن تكتب له هذه الكلمات البسيطة.
> “ أقولها في كل مرة… لكنني أشتاق إليك. جداً.
أحبك.
فتاتك إلى الأبد،
بيلا.”
‘ يا لها من فتاة محبّة.’
قرأ الرسالة عشرات المرات، ولم يجد فيها ولو لمحة تشير إلى رغبتها في إنهاء العلاقة.
قال البعض إنها ربما كانت تخفي أمراً، لكن ثيو كان يعرفها أكثر من أي أحد.
كان يعرف حالتها النفسية من وقع خطواتها فقط.
ما كانت لتُفلت يد العلاقة بهذه البساطة.
ولهذا كان شعوره بالاختناق يتضاعف.
وما زاد الطين بلّة أن لا أحد من دار الأيتام يرد على مراسلاته، وكأنهم جميعاً اختفوا.
“هاه …”
حتى التنفس بات مرهقاً عليه.
“ثيو .”
اقترب منه ليكاردو، وكان برفقته إدوارد وجوشوا ودايفيد، رفاق الحرب والمقربون من كليهما.
وحين رأوا كآبة ثيو العالقة على ملامحه، انعكس الحزن على وجوههم هم أيضاً.
قال ليكاردو:
“ الحرب انتهت، لكن وجهك ما زال عابساً كما هو.”
“ أعتذر.”
“ ما قلتُ ذلك لتعتذر.”
ألقى ليكاردو نظرة على الرسالة في يد ثيو وهزّ رأسه بأسى.
منذ أن انقطعت الرسائل، لم تغب تلك الغمامة الحزينة عن وجهه.
شحب وجهه تدريجياً وثقلت كتفاه.
كان ليكاردو يعلم أن ما يبدو عليه من الجفاء، ما هو إلا خجل في التعبير، وأن قلبه طيب وعطوف.
فقد كان يضحي بنفسه ليعالج الآخرين حتى لو أرهقه ذلك.
لكن مؤخرًا، باتت كآبته حادة لدرجة جعلت محادثته أمرًا صعبًا.
قال ليكاردو وهو يشير إلى ناحية:
“ الاستعدادات مكتملة. سنتوجه مباشرة إلى العاصمة، فأنت بحاجة لحضور حفل النصر الرسمي.”
“…”
“ لا تنظر للأمر بسلبية. بعد انتهاء الحفل، يمكنك العودة إلى بلدتك. ومن العاصمة سيكون من الأسهل أن تتحرى عن أخبار كومّ.”
“…نعم .”
أجابه بكلمات، لكن وجهه ظل كما هو، بلا روح.
وقد أدرك ليكاردو أن أي من كلماته لن تكون عزاءً لثيو، فتنهد واستدار ليذهب إلى جواده.
لكن جنديًا أوقفه.
“ سيدي، وصل رسول خاص.”
“ رسول؟“
كان من المعتاد أن يتولى الجنود المكلفون بالإمدادات استقبال المراسلات، لذا فإن إرسال رسول خاص يعني أن الرسالة شديدة الأهمية.
ربما أمر إمبراطوري أو مراسلة سرية من إحدى الأسر النبيلة.
أشار ليكاردو للرسول أن يقترب.
قال الرسول:
“ لحسن الحظ وصلت في الوقت المناسب، حتى لا تضيع الرسالة بين الطرق.”
ثم أخرج من طيات سترته رسالة صغيرة.
ظنّ ليكاردو أنها تتعلق بترتيبات موكب النصر أو حفل التنصيب، كما اعتاد أن يستلم من القصر.
لكن الختم كان ختماً آخر، ختم أسرة ماركيز ماكا.
‘…أمي؟ ‘
شعر بالارتباك.
والدته لم تكن من النوع الذي يرسل رسائل.
حتى أثناء خدمته في الجبهة، لم تصله منها رسالة اطمئنان واحدة.
فلماذا الآن، بعد نهاية الحرب؟
فتح الرسالة بقلق، فكانت مقتضبة بشكل غريب:
> “ عثرت على طفل أرعاه.”
لا تحية، لا مقدمة، لا شيء سوى هذا السطر الجاف.
قد يبدو الأمر بارداً، لكن ليكاردو شعر بالعكس، شعر بالاطمئنان، فهي تمامًا كما عهدها.
‘ طفل؟ هل تعني أن هناك روحياً جديداً؟‘
فقد كشفت الحرب عن عدد غير متوقع من المستدعين النادرين، بفضل اختلاط العامة بالنبلاء في ساحة المعركة.
نظر ليكاردو بطرف عينه إلى ثيو، فهو الآخر كان واحداً من تلك الاكتشافات.
كان ينوي ترشيحه ليكون تحت رعاية عائلة ماركيز.
لكنه تراجع بعد أن علم أن الإمبراطور سيمنح الألقاب بنفسه.
فما حاجته لرعايتهم إذا سيُمنح لقباً رسمياً؟
لذا ظل يراقب بصمت… إلى أن جاءه الآن خبر عن طفل جديد.
لكن ما أدهشه كان ما كُتب في أسفل الرسالة:
> “ ملاحظة: يبدو أن الأمير فايتشي تسلل إلى أراضي الماركيز مؤخرًا. راقب محيطك جيدًا. من الواضح أنه يخطط لشيء أحمق مجددًا.”
بعكس الرسالة الجافة، كانت هذه الملاحظة تحوي نبرة حذرة وأمًا قلقة.
‘ فايتشي يكرهني… هذا معروف. ولكن ما الداعي لهذا التحذير؟‘
أخذ ليكاردو يعيد قراءة الملاحظة مرارًا.
‘ راقب من حولك؟‘
كان أمرًا غريبًا.
ألقى نظرة حوله. رأى موكب العائدين… وثلاثة من أصدقائه ينظرون إليه بقلق.
“ سيدي؟ هل هناك ما يقلقك؟“
كان المتحدث جوشوا، الألطف بينهم.
لكن ليكاردو لم يُجب.
كان جوشوا قد نشأ معه منذ صغره، وتربّى في كنف عائلة الماركيز.
أما دايفيد، فهو الابن الأكبر لعائلة باتوكا، وفرع تابع للماركيز. وهو أيضًا شقيق كاساندرا باتوكا.
وإدوارد، الذي تعرّف عليه خلال الحرب، وارتبط به بفضل إنقاذه لحياته.
هؤلاء الثلاثة… لا يمكن أن يكونوا تأثروا بـ فايتشي.
فهم من أولئك الذين يمكنه أن يثق بهم حتى في أصعب لحظات المعركة.
لكن… إن لم يكونوا هم، فمن الذي “ عليه أن يراقبه“ ؟
في هذه الأثناء، قاطعه صوت من خلفه.
“ سيدي، هل هناك أمر ما؟“
استدار ليكاردو، والتقت عيناه بعيني ثيو.
وبلمح البصر، خطر في باله:
‘ هل ثيو مشمول ضمن من “ عليه أن يحميهم“ ؟‘
“ هل هناك خبر سيء في الرسالة؟“
سأله ثيو، فانخفضت عينا ليكاردو نحو الرسالة في يده.
‘ الرسالة؟‘
‘ مستحيل…’
فجأة، شعر كأن أحدًا صفعه بقوة على رأسه.
‘ لماذا لم أفكر بهذا من قبل؟‘
أعاد نظره إلى رسالة ثيو، تلك التي باتت مهترئة من كثرة ما أعاد قراءتها.
“ثيو .”
“ نعم سيدي؟“
“ عن حبيبتك…”
“ تقصد إيزابيلا؟“
تغيرت نظرة ثيو فوراً، وظهرت فيها الحذر والتوتر.
“ نعم. تلك الفتاة…”
تردد ليكاردو قليلاً، ثم سأله:
“ هل انقطاع رسائلها… أمر غريب فعلاً؟“
“نعم .”
كانت إجابته فورية، قاطعة، دون أي تردد.
لم يكن سهلًا التمييز: هل هو إخلاص أعمى؟ أم إيمان عميق؟
‘ ربما يبدو غبياً أحياناً، لكنني أعلم أنه ليس أحمقاً.’
كان ليكاردو مقتنعًا بأن الفتاة تخلّت عن ثيو.
مثل كثيرات، انتظرت قليلاً، ثم وقعت في حب رجل آخر.
لكن، بالنظر إلى ثقة ثيو العمياء، كان من الواضح أن ثمة أمراً آخر.
‘ وإذا كنت أنا هو الأحمق الذي أساء الظن بها… ؟‘
أما فايتشي… فمن المؤكد أنه لم يرق له وجود مستدعي أرواح عالِ الرتبة بجوار عائلة الماركيز.
أراد أن يُبعد ثيو عنها، لكن ليس بطريقة مباشرة.
أسلوب فايتشي ليس المواجهة… بل الخداع.
فمن السهل عليه الوصول إلى اسم إيزابيلا إذا بحث عن ماضي ثيو…
وإذا أراد أن يهدم ثيو، فما عليه سوى أن يضربه في أضعف نقاطه:
وهي الرسائل.
فأشد ما يؤلم جنديًا مرميًا في أتون الحرب، هو غياب رسالة من حبيبته.
—
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 12"