كانت مهمة فرسان فونيكس وباحثي برج السحر مقسّمة بوضوح.
تركّز الفرسان على جمع بقايا نفس التنين الممزوجة بمادة ‘الميبل فالماتم’، بينما كان الباحثون يهيمون في الجبال بحثًا عن نوع جديد من البقايا لم يُجمع من قبل.
“حتى لو كنتِ محمية، لا تذهبي بعيدًا جدًا.”
قال ماكس، أصغر فرسان فونيكس الذي انضم إلى بعثة الجمع مجددًا، بصوت مملوء بالقلق.
لم أره منذ زمن طويل. تذكرت كيف كان يشرح لي بهدوء عن إقليم إيفلين وكارسيون أثناء موكب بعثة الجمع الأولى.
كان أيضًا ضمن من شاركوا في القضاء على التنين الأسود، أليس كذلك؟ فهو من تحدث إليّ أول مرة بعدما تعرّف عليّ من خلال صورة كارسيون.
تساءلت كم سيكون مصدومًا لو عرف أنني أنا تلك التي في الصورة.
ابتسمت له محاولةً طمأنته.
“معي اللورد هيلغريت والسيد أولاند، أليس كذلك؟”
ألقى ماكس نظرة جانبية على الرجلين المتشاحنين على بعد خطوات، ثم أومأ وكأنه اقتنع.
“صحيح، إن كانا هما، فلا داعي للقلق فعلًا.”
“هل هما بارعان لهذه الدرجة؟”
كان من الغريب أن يقتنع بهذه السهولة، فسألت بصوت خفيض. فجاء رده مفاجئًا:
“لقد حقّق كلاهما إنجازًا كبيرًا في حملة القضاء على التنين الأسود.”
“حقًا؟”
“هل تظنين أن الأمير كارسيون قضى عليه وحده؟ كان عدد قوات الحملة بالآلاف.”
“أوه…..”
“حوالي سبعة آلاف منهم خاضوا المعركة في الخطوط الأمامية.”
“هل كنتَ من بينهم يا ماكس؟”
سألته وكأنني أمدحه، فحك رأسه بخجل.
“كححم، كنت مجرد جندي حينها، لذا لم أكن من الأبطال البارزين. لكنني كنت أسمع أخبار الخطوط الأمامية مباشرة.”
نظرت من جديد إلى إيفان وأولاند وهما يتشاجران كعادتهما.
حاولت التّنصت على حديثهما، لكن ما سمعته لم يبدُ أبدًا كحديث بين أبطال حملة التنين.
“يجب أن تكون زجاجة ويسكي كاملة، على الأقل!”
“لا، لمَ علينا أن نشرب قبل المبارزة أصلاً؟”
“هه. وكأنني أرغمتك على المبارزة بتهديد السلاح. الخاسر يذهب ليضرب مؤخرة رأس كارسيون. أليست هذه مكافأة؟”
“لن أنكر أن الأمر مغرٍ. المشكلة فقط في الويسكي.”
“يجب أن نزيد من صعوبة التحدي. تسك تسك، دوق ضعيف هكذا؟”
كان هذا تقريبًا مضمون حديثهما.
هممم…
المعلم كما هو، لا يتغير. يحب الرهانات كثيرًا.
حتى كارسيون كان يبارزه في المبارزات بشرطيات غريبة.
الخاسر يقوم بخمسمئة تمرين ضغط. الخاسر يدور عشرين مرة حول ساحة التدريب وهو يحمل كيس طحين.
الخاسر يقطع شريحة لحم تحت المطر وهو يبتل. وكانت كل تلك التحديات تنتهي بخسارة كارسيون.
تذكرت منظره وهو يرمي المنشفة بعد أن خرج من الحمام، يقول إنها أول مرة يأكل فيها شريحة لحم بمذاق فظيع كهذا.
ضحكت بخفة في داخلي، وشعرت بامتنان مفاجئ تجاه غريزندورف.
صرت كثيرًا ما أجد نفسي ممتنة لهذا النوع من الذكريات.
من الجميل أن يكون للمرء ذكريات يمكنه أن يتأملها بهذا الحنين.
“إذًا، سننطلق أولًا.”
تحرك الفرسان الذين كانت تنتظرهم مهمة شاقة من الأعمال البدنية بسرعة.
كان عليهم العمل بأقصى سرعة بعد أن قل عددهم. لوّح ماكس مودّعًا واستدار.
وفي لحظة قصيرة، رأيت نظره يمر على ليونيل الذي كان واقفًا بصمت في الزاوية، ثم يتراجع.
بدا متعجبًا من هذا الساحر الذي يقف وحده، لكنه لم يُبدِ نية التدخل.
راقبت ظهره وهو يبتعد، ثم نظرت خلسة إلى ليونيل. بدا كما لو كانت سحابة ممطرة فوق رأسه.
هو من أصرّ على مرافقتنا، فلمَ يبدو بهذه الكآبة الآن؟
أوجعني قلبي، لكنني قاومت رغبتي في التوجه نحوه. لن أكون أنا من يقترب أولًا.
<قلت لكِ إنني لا أستطيع إعادتها! لا أستطيع! لقد قدمت تنازلات كبيرة بإعادة تلك الذكريات قبل موتكِ!>
ذلك الصوت المنفعل ظلّ يلتصق برأسي ولا يرحل.
<ستتخلين عني.>
تلك التمتمة البائسة التصقت بروحي كالأفعى. كأنني غُصت في البحر وأنا أحمل على ساقيّ أثقالًا من ليونيل.
لكنني لم أُظهر شيئًا من هذا الحزن، بل صفّقت بمرح لأجذب انتباه الجميع.
“حسنًا، لنتأكد من المعدات الأخيرة وننطلق!”
رغم قلة العدد، كان عليّ أن أقودهم.
وهكذا، انطلق أربعة باحثين، واثنان من فرسان الحماية، وساحر واحد، نحو جبال دنيبروك.
***
لثلاثة أيام، كنا قد جمعنا أنواعًا مختلفة من بقايا نَفَس التنانين، وقررنا أن نكرّس وقتنا بدءًا من اليوم للبحث والدراسة.
بالطبع، فرسان فونيكس كانوا لا يزالون يتجولون في سلسلة جبال دينيبروك كما هو معتاد، و”نحن” المقصود بهم هنا هم الباحثون التابعون لبرج السحر.
“علينا أولًا أن نفهم المبدأ.”
وضعت الطوب الذي جلبته كعينة فوق الطاولة وبدأت أشرح.
“يجب التركيز على المكوّن الخاص بأوراق شجرة الميبل فالماتم. انظروا لهذا، عندما نُشعل النار، يبدو كأنه يشتعل للحظة، ثم يخبو بسرعة، أليس كذلك؟ هو يحترق بسرعة شديدة.”
الآخرون الثلاثة كانوا يستمعون باهتمام، مومئين برؤوسهم بين حين وآخر. ايديرا كانت تدون ملاحظات في دفترها.
“…..لهذا السبب يقاوم نيران السحر.”
عندما أنهيت الشرح، ضغط بينجين على الهالات السوداء تحت عينيه وسأل:
“سمعت أننا نحتاج إلى الزجاج أيضًا، هل نركّز عليه أولًا؟”
“صحيح. ويجب أن نصنع تماثيل أيضًا…..”
تلعثمت قليلًا عند النهاية، فأضاف جايل رأيه وهو يبعد زجاجة الجعة عن فمه.
“بخصوص ذلك، من المستحيل عمليًا أن يقوم البشر بنحت حجر يتحمل هجوم تنين. وإن كان الحجر ضعيفًا بما يكفي للنحت، فلن يكون ذا فائدة.”
“فماذا تقترح إذن؟”
سأل بينجين، فصمت جايل لحظة قبل أن يواصل:
“نصبه في قوالب كما نفعل مع الأسمنت.”
“آه، إذًا نصنع مادة سائلة تتصلب وتتحول إلى مادة صلبة تمنح التأثير الدفاعي المطلوب؟”
“بالضبط.”
كانت فكرة جيدة. بدأنا نتبادل المعرفة، ونناقش عند الحاجة، وكلٌّ ركّز في بحثه.
كلما رفعت رأسي من شدة التركيز، أجد الساعات قد مرت، وكلما نظرت من النافذة، يتبدل الليل والنهار.
“آهآآآ.”
بعد عدة أيام كهذه. تثاءبت بشدة وتمططت.
“آنسة لينا، أظنني صنعت شيئًا ما.”
كنت أفكر في الصعود لغرفتي قليلًا لأخذ قسط من الراحة، لكن ايديرا أوقفتني وهي تمسك بشيء زجاجي غائم المظهر، وإن كان غير واضح تمامًا.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 72"