الفصل 65. الصديق الذي هرب من المنزل
تم تصفية قائمة الفريق الثاني لجمع الموارد.
ولسببٍ ما، تم اختيار عدد أقل من فرسان فونيكس مقارنةً بالخطة الأصلية.
إذا قارنّا بعدد الثلاثمئة شخص الذين ذهبوا في الجولة الأولى، فإن عدد العشرين شخصًا يبدو ضئيلًا جدًا.
أما الباحثون التابعون لبرج السحر، فقد تم إضافة ثلاثة أسماء جديدة إلى القائمة، من ضمنهم أنا.
اعتمدت في اختياري على آراء زملائي الباحثين، وفي النهاية دوّنت أسماء آيديرا وبنجين وجايل.
جميعهم سحرة من المستوى المتوسط.
ورغم أنني لا أستطيع استخدام السحر، إلا أن التشكيلة كانت متوازنة.
لكنني لم أقصد ذلك بتاتًا.
في الحقيقة، سألت إيسولا أولًا.
<آسفة، أنا منغمسة في بحثي حاليًا.>
لكنها قالت إنها لا تريد الانتقال إلى مكان آخر.
كانت تقول إن بحثها في أوجه، ولم ترد قطعه فالمنتصف، لذا لم ألحّ عليها أكثر وتراجعت.
قالت إنها تشعر بالوحدة عندما لا يكون هناك من تعرفه.
المرشحان التاليان كانا بيلا وجيف، فسألت الاثنين معًا لأنهما حبيبان.
<ماذا أفعل… لقد حجزنا تذاكر لأوبرا قبل شهر.>
<دفعنا ثمنًا باهظًا، ولا يمكننا إلغاؤها. ثم إن بيلا العزيزة كانت متحمسة لها.>
<…أرى. إذًا كنتما تتواعدان منذ ذلك الحين.>
ندمت على سؤالي دون داع، ولم أواصل إلحاحي.
كدت أرتكب كارثة.
كدت أعاني بين حبيبين.
شاهدت مشهدًا حميميًا يثير القشعريرة بينهما، فهربت من المكان بسرعة.
ثم، بعقلانية وبصيرة، وجدت نفسي أعقد مقابلات فردية.
وفي النهاية، تم اختيار ثلاثة أرواح يعانون من ركود في أبحاثهم ولا يواعدون أحدًا.
ايديرا بدت متحمسة جدًا.
“سنذهب إلى جبال دنيبروك لجمع أشياء جديدة. ربما نحصل على نتائج افضل.”
“لا تذهبوا إلى أماكن عميقة جدًا.”
لا أعلم إن كانت هذه وصية كارسيون التي انتقلت إليّ، لكنني بدأت أقلق حتى قبل أيام من موعد المغادرة.
تدخل بنجين بصوت مكتئب.
يبدو أن أبحاثه لم تسر على ما يرام، فقد كانت الهالات السوداء تحت عينيه أغمق من المعتاد.
“ألم نستكشف بالفعل سفوح الجبال السطحية؟”
“لكن غياب فرسان توتين قد يجعل الأمر خطرًا.”
“هل تستهينين بفرسان فونيكس؟”
“لم أقصد ذلك…”
آه، لا فائدة من الحديث.
رغم محاولاتي للمنع، في الحقيقة لم أظن أننا سندخل أعماق موطن الوحوش.
جبال دينيبروك شاسعة، وكان هناك متسع كافٍ للتجول دون الاقتراب من المناطق الخطرة.
وبما أن الأجواء كانت هادئة حين كنا نقيم في أراضي إيفلين، لم أشعر أننا ذاهبون إلى مكان وعِر.
“كخ كخ، كنت أفتقد بيرة تلك القرية.”
قال جايل وهو يربت على بطنه ويمرر لسانه على شفتيه بشغف.
يبدو أن مجرد التفكير فيها جعله يسيل لعابه.
“جايل، أنت لا تذهب فقط من أجل الشرب، صحيح؟”
“عندما أسكر، يأتيني الإلهام.”
“…..”
نظرت إليه بعين الشك.
لكن جايل بدا غارقًا تمامًا في فكرة تذوق نبيذ مقاطعة ايفلين، ولم تؤثر نظرتي فيه إطلاقًا.
حسنًا.
طالما يعمل جيدًا، فلا بأس.
عند التفكير في فعالية الجرعات المضادة للثمالة التي صنعها، لا يمكن الاستهانة بمهاراته.
وبينما كنا نتبادل الأحاديث السخيفة، اقترب وقت الغداء.
صارت أحاديثنا الأربعة أكثر تكرارًا، مما جعلنا غالبًا ما نتناول الغداء معًا.
ربما كان الشعور بالانتماء لمهمة مشتركة هو ما جمعنا.
وهكذا، اقترب يوم رحيلنا إلى أراضي إيفلين شيئًا فشيئًا.
كنت أتمنى أن يمر الوقت سريعًا، وأنا أحمل في قلبي مشاعر الترقب والحماسة الغريبة.
***
“سموك، ألا تفكر في الزواج؟”
تحول طريق العودة من العمل، المُزَيَّن بأشجار الصفصاف، إلى جلسة استشارات.
عندما طرحت سؤالي، أدار إيفان وجهه بملامح متجهمة.
بدا عليه الضيق قليلًا.
لكنني لم أعد أتأثر.
ربما لأني أدركت أنه، رغم ملامحه، يجيب دائمًا على أسئلتي، وهو في الحقيقة شخص طيب.
ابتسمتُ وواصلت التحديق فيه، أطالب بإجابة.
فزمّ بين حاجبيه وحوّل نظره إلى الأمام متجنبًا عيني.
“لماذا، هل قام سموه بطلب يدكِ؟”
“لا.”
“لم يفعل؟”
تفاجأ وسرعان ما التفت إليّ.
أومأت برأسي لأؤكد له أنني جادة.
“نعم.”
دار بعينيه كأنه يفكر، ثم أطلق صوتًا مستاءً.
“لا يزال يفتقر إلى الجدية، كالعادة.”
“لا تقصد كارسيون، أليس كذلك؟”
“ومن غيره؟ إنه الرجل الذي لم يرضَ حتى بعد قتال التنين، وأرسلني إلى جبال دينيبروك لعامين متتاليين. والآن تقولين إنه صديقك مجددًا…”
شعر على ما يبدو بأنه قال أكثر مما ينبغي، فقطع كلامه فجأة.
ولأول مرة، راقب رد فعلي.
ضحكتُ بخفة لأزيل التوتر.
“أنا أعلم كل شيء.”
“…حسنًا. من الجيد أنكِ تعرفين.”
“نعم. أعلم أن كارسيون يحبني.”
“..…”
بدا إيفان معقد المشاعر.
ارتاح لأنه لم يكن هو من أفشى مشاعر قائده، لكن في الوقت نفسه، أظهر نوعًا من الانزعاج لعدم تقدم العلاقة حتى الآن.
يا إلهي.
يبدو أنه فهم الأمر بشكل خاطئ. اعتقد أنه يظن أننا لم نتجاوز مرحلة الصداقة بعد.
بادرت على الفور لتصحيح سوء الفهم.
“أنا أواعد كارسيون بجدية.”
“……!”
اتسعت عينا إيفان بدهشة. ثم تمتم بصوت خافت،
“لم يكن مثيرا للشفقة تمامًا، إذن.”
كارسيون…
ما هي الصورة التي يأخذها الناس عنك بالضبط؟
أنت بطل الإمبراطورية، فلماذا ينظر إليك المحيطون بك وكأنك شخص تافه؟
“لذا، كنت أسأل عن الزواج. ماذا يجهز الرجال عادةً قبل التقدّم بعرض زواج؟”
“…….”
أطلق إيفان صوت تنهد، كمن يُفكر بعمق.
كنا قد وصلنا إلى شارع تجاري صاخب. وبما أننا سنصل إلى المنزل قريبًا، بدأت أشعر بالتوتر.
“ألا يكفي أن يكون لديه مشاعر حب؟”
“الكلام وحده لا يكفي، أليس كذلك؟”
“تقصد شيئًا مثل الخاتم؟”
أجابني بإيماءة.
بالطبع أعرف هذا. من لا يعرف عن ذلك المشهد الرومانسي حيث يجثو الشخص على ركبة واحدة في مكان أنيق ليقدم الخاتم؟
“هل تعتقد أنه يستغرق وقتًا طويلًا لاختيار الخاتم؟”
“……؟”
نظر إليّ إيفان بنظرة استسلام تام
لا تنظر إليّ هكذا… لقد استجمعت شجاعتي لأيام قبل أن أتمكن من فتح الموضوع. آه، يا لي من مسكينة.
“هل هناك سبب يجعلكِ على هذا القدر من العجلة؟”
طرح إيفان سؤالًا أصابني في الصميم.
أشحت ببصري ولففت الحديث، إذ شعرت بالإحراج من قول الحقيقة..
“سأذهب قريبًا إلى إقطاعية إيفلين. قد لا أراه لمدة شهر أو شهرين، فظننت أنه كأي رجل… سيرغب في التقدّم قبل ذلك.”
“لست متأكدًا. قد يكون العكس تمامًا.”
“عكس؟”
نظرت إليه بعينين لامعتين.
أنزل إيفان بصره قليلًا، ثم نظر أمامه وتحدث ببرود.
“على أية حال، إن تقدم الآن أو لاحقًا، ستنفصلان لشهرين على الأقل. لذلك، ربما يفضّل أن يستغل هذا الوقت للاستعداد لتقدّمٍ مميز… مجرد رأيي.”
وكان واضحًا أنه أضاف الجملة الأخيرة بسرعة، وكأنه خشي أن يكون كارسيون يخطط لشيء بالفعل، فلا يريد أن يُفسد المفاجأة بالإفشاء.
حدّقتُ في وجهه بصمت. بدا لي أنه لم يكن يعرف شيئًا، بل كان هذا مجرد رأيه الصادق.
“آه…” أطلقت تنهيدة عميقة.
رغم أنه كان يضيق ذرعًا بمشكلتي، إلا أن إيفان عاملني بجدية. حتى تنهيدتي لم تمر مرور الكرام عنده.
“غريب.”
“ماذا؟”
“هل حصل شيء بينكما له علاقة بعرض الزواج؟”
“نعم؟”
ارتفع صوتي لا إراديًا، كمن ضُبطت متلبّسة.
“لا، لا شيء!”
تبًا. صوتي خانني.
احمرّ وجهي خجلًا. نظر إليّ إيفان بتلك النظرة التي تقول: “أنتما زوج مثير للشفقة فعلاً.”
وفي تلك اللحظة، وصلنا إلى المنزل.
“شكرًا لتوصيلي. لم يحدث شيء. فقط… فقط كنت أسأل، هاهاها…”
لماذا لا أجد المفتاح؟!
بدأت أفتّش في حقيبتي بجنون، أتعرّق توترًا وأنا أبحث عن المفتاح. وحين عثرت عليه، سارعت لفتح الباب.
“إلى اللقاء!”
قلت لإيفان الذي ما زال ينظر إليّ بتلك النظرة التي تُشعرك بالشفقة.
في المقابل، هز رأسه وكأنه فقد الأمل.
دُف!
أغلقت الباب بسرعة، وكأن حرارة خجلي قد بدأت تشتعل في جسدي كله. لوّحت بيدي لأطرد عني الحرج.
حادثة رفض عرض الزواج، سأحملها معي إلى القبر.
“هاه؟”
وبينما كنت أضع الحقيبة في غرفة الجلوس، وأهمّ بالدخول إلى غرفة النوم، توقفت في مكاني.
كان هناك شيء على أرضية غرفة الجلوس.
دقات قلبي تسارعت.
رفع مخلوق ضخم مغطى بفرو لامع رأسه ونظر إليّ بعينين بائستين. عيناه الحمراء القاتمة أطلقتا ارتجافًا في قلبي.
“… ليونيل؟”
الصديق الذي هرب من المنزل عاد في شكل كلب.
التعليقات لهذا الفصل " 65"