ولم أستطع اصطحاب ليونيل غير المدعو، خصوصًا في ظل العداء الذي لا يهدأ بينه وبين كارسيون.
“متى من المفترض أن تلتقي بذلك الوغد؟”
“قال إنه سيأتي ليصطحبني من البيت.”
“ماذا؟ إذن ستكونان معًا في المنزل من دوني…”
لا أدري إلى أي مدى وصلت تخيلات ليونيل، لكنه أمسك مؤخرة عنقه وكأن ضغط دمه ارتفع فجأة من الغيظ.
بالطبع لم أكن أنوي البقاء محبوسة في المنزل في اليوم الأخير من مهرجان التأسيس.
طَرق طَرق.
سمعنا صوت طرق على الباب في تلك اللحظة.
استدرنا معًا في نفس اللحظة.
“تفضل بالدخول.”
“انصرف!”
فوجئت بصراخ ليونيل الذي دوّى في أرجاء المكان.
لقد تم تدليله كثيرًا في برج السحر، فظن أنه أصبح شيئًا عظيماً!
“ليونيل! مهما كنت ساحرًا قويًا، الطرف الآخر أمير! بل الأمير العظيم الذي هزم تنينًا!”
خشيت أن يسمع كارسيون فرفعت صوتي أكثر لتوبيخ ليونيل.
لكن من ظهر خلف الباب لم يكن كارسيون.
“صاحب السمو الأمير كارسيون أرسلني. أنا دويمن، كبير خدم قصر بريتن.”
حتى في حركات انحنائه ووقوفه، ظهرت الهيبة والرقي.
وقد بدا التباين جليًا بينه وبيننا، نحن الذين كنا نرفع أصواتنا بلا أي لباقة.
تداركت الموقف وأبديت له الاحترام متأخرة.
“أنا لينا، يشرفني لقاؤك.”
لكنني كنت لا أزال بملابس النوم، ولم أكن أبدو محترمة جدًا، حتى في نظري.
آه… لماذا لم أبدّل ملابسي بعد؟ لم أتوقع أن يأتوا بهذه السرعة.
بينما أنا أحتضر خجلاً، نظر إلي دويمن بعينين عميقتين.
ثم أضاف كلمة تأخرت لحظة واحدة لكنها جعلت قلبي يخفق.
“الشرف لي.”
رمشت بعيني بسرعة عدة مرات.
نبرته وصوته المليء بالوقار، وعيناه التي بدأت تلمع برقة…
هذا الرجل لا بد أنه كان يعرف “رينيه إيفلين” منذ زمن بعيد.
فقد رافق كارسيون حين نزل إلى مقاطعة إيفلين، بما أنه كبير الخدم، فالأمر منطقي.
“هيه، دويمن. هل أصبحت أكثر عاطفية مع التقدم في السن؟”
سمعنا صوتاً ساخرًا في تلك اللحظة.
لم يأتِ بمفرده؟! أدهشني الأمر فمددت رأسي جانبًا.
في نفس اللحظة، فتح الباب بالكامل، وظهر زائر آخر كان مختبئًا خلفه.
رد دويمن بصوت متحفظ فيه شيء من الدهشة.
“سني وسن أولاند لا يختلفان كثيرًا.”
“لكني أعيش شبابي.”
ضحك أولاند بصوت خافت ولوّح لي بيده كأننا أصدقاء قدامى.
“رينيه، صباح الخير.”
“اسمي لينا، بالمناسبة.”
رددت ببرود.
ومن جانبه، أطلق ليونيل صوتًا مزيفًا لتنقية حنجرته، معبرًا عن انزعاجه.
لكن أولاند بدا كشخص يتصرف كما يحلو له.
“قيل لي أن أناديكِ بأي اسم.”
“تلك ملاحظة غير محترمة إطلاقًا.”
“إذن اعذري الأمير ‘العظيم’ عن ذلك التعليق.”
“…..”
سمع كل شيء إذًا.
كنت قد انزعجت حينها، لكن أولاند أسكتني بكلمة.
ثم، كأن شأني لا يهمه، التفت بنظره إلى ليونيل.
“أراك جاهزًا تمامًا.”
“… ما خطبك على وجه الأرض؟”
رمقه ليونيل بنظرات حذرة.
حتى من جانبي بدا الأمر حادًا، لكن أولاند لم يتأثر إطلاقًا وأشار له بالخروج.
“أنا المسؤول عنك.”
“ومن تكون أنت؟”
“أنا المعلم الذي يفوق الأمير العظيم عظمة.”
“أوه!”
انهار ليونيل بصيحة أخيرة.
انفتح فمي من الدهشة.
ما الذي حدث الآن بالضبط…؟ لم أرَ شيئًا…!
“لا زلت تحل الأمور بالقوة، كما هو متوقع.”
جاء صوت دويمن الهادئ وكأنه لا يليق بهذا المشهد الغريب.
أما أولاند، فكان أكثر غرابة، يحمل ليونيل الذي فقد وعيه على كتفه وكأن الأمر طبيعي.
“ليونيل هذا… لم يكن ليُهزم بهذه السهولة…”
سحرًا، قوة بدنية، قتالًا، في كل شيء كان يُعتمد عليه…
هل لأنني قريبة من قاتل التنين؟ الناس العظماء يحيطون بي من كل صوب.
في خضم صدمتي، انحنى لي دويمن برشاقة كأنه بجعة، وقال:
“تجهّزي جيدًا وتعالي. سأنتظرك في الخارج.”
آه، صحيح. ما زلت بملابس النوم.
لا أعلم ما الذي يجري، لكن لنبدأ بتغيير الملابس أولاً.
***
تحت ضغط وجود دويمن ينتظر في الخارج، تجهزت بسرعة الضوء.
أن أخرج في موعد مع كارسيون؟ حسنًا، كارسيون قال إنه ليس موعدًا، بل “أشبه بموعد”…
لكن أذني فهمت الأمر كأنه موعد تمامًا.
“هذا الفستان هو الذي اتّسخ بالنبيذ المرة الماضية، لذا لا.”
رغم أنني غسلته وأزلت البقعة، لم أكن أرغب في ارتداء نفس الملابس مرتين.
اخترت بسرعة فستانًا من فساتيني المفضلة، وارتديت إكسسوارات بسيطة لا تبدو متكلفة.
كنت أرغب أن أبدو جميلة، لكن من دون أن يبدو أنني بالغت في التزيّن.
أشعر بالحرج من أن يلاحظ كارسيون أنني اجتهدت من أجله.
على كل حال، ما إن خرجت حتى دلّني دويمن إلى العربة.
“إلى أين نحن ذاهبون؟”
اهتزت عيناه للحظة عند سؤالي.
ثم دار بعينيه كأنه يبحث عن إجابة، وسعل سعالًا خفيفًا.
“يبدو أن صاحب السمو قد أعدّ مفاجأة. أنا فقط أقوم بمهمتي في إيصالك، آنسة.”
“همم، فهمت.”
كنتُ أشعر بالفضول، لكنني لم أرد إحراج كبير الخدم، فصمتُّ.
وبعد لحظات قليلة.
“……أليس هذا القصر الإمبراطوري؟”
سألتُ بصوت مذهول. بما أنّه اليوم الأخير من مهرجان التأسيس، كنتُ أتوقع أن نستمتع بالاحتفال، فلماذا إذًا إلى القصر الإمبراطوري…؟ الشوارع مليئة بالأشياء الممتعة، فلمَ نحن هنا…؟
“سأرشدكِ.”
دويمن ابتسم بخفة، مواصلًا حماية مفاجأة سيده.
كنتُ قلقة، لكنني صمتُّ مجددًا.
وبعد لحظات قليلة.
“أوه! أتيتِ بمكياج؟ سأزيله الآن.”
“تم تجهيز ماء استحمام مع الروائح المعطرة.”
“سنجعلكِ نجمة اليوم. أولًا، تفضلي بخلع ملابسكِ.”
أنا من؟ وأين نحن الآن؟
انهالت عليّ وصيفات القصر، وبدأن ينزعن عني الإكسسوارات التي تعبتُ في تنسيقها، والفستان الذي كنتُ أحرص عليه، ثم بدأن بتنظيف وجهي وجسدي من الرأس حتى القدمين.
لم أجد تعبيرًا أدق من “الفرك والتلميع”.
حتى أصابع يدي، أظافري، بل وحتى أظافر قدمي، نالت كل واحدة عناية خاصة، لم أهتم بها في حياتي من قبل.
<افرغي يومكِ بالكامل. سيكون اليوم مزدحمًا منذ الصباح.>
صوت كارسيون دار في رأسي كدوامة.
ما الذي يدور في ذهن هذا الأمير؟
أين هو الطرف الآخر في هذا “الموعد”، ولماذا أتلقى، أنا، الفتاة العادية، عناية وصيفات القصر داخل القصر الإمبراطوري؟ وإلى أين يخطط لأخذي وهو يزيّنني بهذا الشكل من الرأس إلى القدمين…!
كل شيء غير مفهوم على الإطلاق، لكن بعيدًا عن مشاعري المتخبطة، بدأ جسدي ينبعث منه عطر لطيف، وشعري يُمشَّط بنعومة، وخاصرتي تُشد بالكورسيه.
“أوغ!”
تماسكتُ على العمود وأنا أتحمل ضغط الحزام حول خصري، لكن في داخلي غمرتني مشاعر غريبة.
لم أشعر بالفراغ.
رغم أن كل ما يحدث جديد تمامًا، لم أشعر أنه غريب. وكأن هذه الألفة الغامضة تملأ فراغًا في داخلي..
“أنتِ حقًا جميلة.”
وقفتُ أمام المرآة مرتدية الفستان، بمساعدة الوصيفات. مجاملة تحمل نبرة تملق دغدغت قلبي.
لكن كانت في نظرات الوصيفات نظرة غريبة.
وكأنهن يتوقعن شيئًا.
“شكرًا. لكن… إلى أين سأذهب مرتدية كل هذا؟”
منظري في المرآة كان فاخرًا إلى درجة تجعل الفستان الذي جئتُ به يبدو باهتًا. من المحرج قول ذلك، لكن من حيث المظهر، بدوتُ كإبنة أحد النبلاء.
لهذا، رغم سؤالي، كان لديّ شعور خفي بإجابة السؤال.
كارسيون يريد أخذي إلى عالم النبلاء.
“صاحب السمو سيأتي لمرافقتكِ بنفسه بعد قليل.”
قالت إحدى الوصيفات بابتسامة فخورة.
لم تكن إجابة وافية، لكنني لم أتابع السؤال.
مرافقة…؟
هل يمكن أن تكون حفلة نبلاء…؟
هل هذا الشعور المعقد في قلبي هو حماس… أم خوف؟ كانت مشاعري متشابكة، وفجأة سمعتُ صوت خطوات خلفي.
وبالتزامن مع التفاتي، دوّى صوت طرق خفيف على الجدار وكأنه إعلان بوصوله.
كارسيون وقف عند الباب مرتديًا بذلة رسمية أنيقة.
تلاقت نظرانا.
ثم انخفضت نظرته ببطء، تتبع منحنى الفستان حتى وصلت إلى قدمي، ثم عادت لترتفع بهدوء.
انقبض قلبي فجأة، فعضضتُ شفتاي دون قصد. لكن على عكس توتري، حرّك كارسيون شفتيه عدة مرات وكأنه يريد قول شيء.
وبعد تردد ممزوج بالخجل والترقب، نطق أخيرًا. لكن رغم ملامحه المأسورة، خرجت كلماته بشكل حاد بعض الشيء.
“..…تبدين مقبولة.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 49"