الفصل 39. الثعلب الماكر
ياااااه!
كيف يمكنه التحدث بهذه الطريقة!
كبحت رغبتي في الإمساك بياقة ليونيل وهزّه بعنف، ورسمت ابتسامة متصلبة على وجهي. على الرغم من أننا في الصيف، شعرت وكأن ريحًا باردة تهب بجانبي.
“العيش…معًا…؟”
خرجت الكلمة من بين شفتي كارسيون، مقطعة وكأنها قطع من الجليد.
شعرت بأن قلبي قد تقلص إلى حجم حبة فاصولياء، فسحبت يدي ببطء من على ذراعه، خشية أن ينفجر الغضب في وجهي.
ارتجفت حاجباه، وتشنجت عضلات فكه بعنف.
كان يحدق في ليونيل بنظرة أكثر حدة من قبل…
لكن، وعلى نحو مفاجئ، لم يرف له جفن.
حتى عندما كان بطل الإمبراطورية، الذي هزم تنينًا، يحدق فيه مباشرة!
هذا الرجل…
أليس ساحرًا أعظم مما توقعت؟
شعرت بخيبة أمل طفيفة تجاه صديقي منذ الطفولة، بينما كنت أنكمش مثل سلحفاة.
التوتر بين كارسيون، ذو النظرة الباردة، وليونيل، المبتسم بسخرية، كان لا يُستهان به.
“لقد عشت مع لينا منذ طفولتي.”
“تقصد في الميتم؟”
“وعندما كبرنا، عشنا معا. ألم تكن تعلم ذلك؟”
“….”
بدا وكأنه يتحداه بسؤاله، وكأنه يسأله: “لماذا تتظاهر بالجهل؟”
لم أفهم سبب استفزاز ليونيل لكارسيون بهذه الطريقة.
“كُح. كُح. صاحب السمو… كُح. كُح.”
تظاهرت بأنني مصابة بنزلة برد في منتصف الصيف، محاوِلةً لفت انتباه ليونيل، لكنه تجاهلني تمامًا.
“ليس الأمر مختلفًا عن شوتزن. العيش معًا أمر طبيعي بالنسبة لنا.”
“هل تعرف أن هذا المنزل الذي تعيش فيه بكل هذه الثقة هو المنزل الذي اشتريته أنا؟”
“لقد أخبرتني أنك أقرضتها المال، سأقوم بسداده قريبًا.”
“….”
هذه المرة، فقد كارسيون الكلام مرة أخرى، وبدا العِرق في صدغه بارزًا.
بينما كنت محصورة بينهما، غير قادرة على التراجع، ارتكبت أسوأ اختيار ممكن.
“هاها… لماذا لا ندخل إلى الداخل بدلًا من التحدث هنا؟”
يا إلهي…
كنت أحاول فقط كسر التوتر، فلماذا قلت ذلك…
لو كان بإمكاني العودة بالزمن، لشكرته فقط على إيصالي، وأخبرته أن بإمكانه المغادرة الآن…
مهلًا، أليس ليونيل من كان على وشك المغادرة في الأصل؟
غيرت كلامي بسرعة.
“في الواقع، أليس لديك مكان تذهب إليه، ليونيل؟”
“أوه؟”
بدا متفاجئًا.
اغتنمت الفرصة فورًا.
“لقد التقينا عند الباب أثناء خروجك، أليس كذلك؟ تابع طريقك. هل كنت ستتسوق؟ أم لديك موعد مع أحدهم؟”
“أوه، ومن غيركِ أعرفه هنا؟”
“قلت إن أصدقائي هم أصدقاؤك، أليس كذلك؟ ألم تصادق الكثير من الناس في برج السحر؟”
“….”
لابد أنني كنت واضحة جدًا في محاولتي طرده، لأن ليونيل عبس بعدم رضا.
بينما بدا كارسيون في المقابل منتصرًا.
“إذن، تابع طريقك.”
حتى أنه مد يده بأناقة مشيرًا إلى الباب، وكأنه يُفسح له الطريق.
عندها، ابتسم ليونيل رغم بروز أوردة في صدغه.
“كنت أشعر بالملل وأردت شرب الجعة، لكن بما أن لينا هنا، لا داعي للخروج.”
وبينما كان يقول ذلك، أمسك بمعصمي، وسحبني إلى الداخل.
وجدت نفسي فجأة داخل المنزل، وبينما كنت في حالة ذهول، أدركت أنني تركت كارسيون بالخارج.
أو هكذا ظننت.
سمعت صوت الباب يُغلق خلفي، فاستدرت بسرعة.
ثم…
“بما أنني تلقيت دعوة، فسيكون من غير اللائق أن أرفضها.”
“….”
دخل كارسيون بكل وقاحة.
تجمدت في مكاني، بينما حوّلت نظري بسرعة إلى ليونيل.
لا تزال شفتاه مرفوعتين بابتسامة، لكن حاجبيه كانا متجهمين بشكل واضح.
أما كارسيون، فقد بدا مستمتعًا، وابتسم ابتسامة المنتصر وهو يسير ببطء إلى الداخل.
لم يكتفِ بذلك، بل جلس في أكثر الأماكن راحة ووضع ساقًا فوق الأخرى.
“ليونيل. كنت أرغب في مقابلتك منذ فترة.”
“حقًا؟”
“لدي الكثير من الأسئلة لك.”
كان صوته خاليًا من أي مزاح.
حبست أنفاسي بهدوء.
لم يكن من الصعب تخمين الأسئلة التي تدور في ذهنه.
كلها تتعلق بي.
حياتي. ماضيّ.
وجدت نفسي أصغي بانتباه شديد.
“قبل خمس سنوات، فقدت شخصًا عزيزًا على قلبي.”
كان صوته هادئًا لكنه يحمل ثِقلًا كالصخر، مما جعل قلبي يضطرب.
“وبالمصادفة، قبل خمس سنوات، لينا فقدت ذاكرتها، والآن تبدو تمامًا مثل صديقتي. ما رأيك في ذلك، أيها الصديق من الملجأ؟”
نظر كارسيون مباشرة إلى ليونيل.
التقى ليونيل بنظراته للحظة، ثم تحدث بعد برهة.
“أعتقد أنها مجرد مصادفة مذهلة.”
“حقًا؟”
وقف كارسيون.
بدأ يقترب ببطء، خطوة بعد خطوة، متابعًا استجوابه.
“ليـنا تتقن آداب النبلاء بشكل مثالي. وهذا أمر مستحيل بالنسبة لشخص نشأ في ملجأ.”
“ليس بالضرورة. فقد كان هناك نبيل يرعى ملجأنا، وكان يأتي بانتظام ليُعلمنا هذه الأشياء.”
لم أسمع بهذا من قبل.
بدأت أفهم أخيرًا سبب إتقاني للآداب بشكل طبيعي. ظللت أستمع إلى حديث الرجلين بتركيز.
“من هو ذلك النبيل؟”
“لا أعرف اسمه.”
“ومن أي ملجأ خرجتَ؟”
“لا أتذكر ذلك أيضًا. لكن يمكنني تخمين الموقع تقريبًا.”
“لقد بحثت في جميع الملاجئ الواقعة ضمن نطاق أسبوع واحد من ركوب الخيل حول غابة هيلدين. لم أجد أي سجل لكما.”
“ربما دُمرت السجلات، أو أُغلق الملجأ في تلك الفترة، لا أعلم.”
تلاحقت الأسئلة والأجوبة بسرعة، حتى أنني نسيت كيف أتنفس.
كانت أسئلة كارسيون دقيقة، لكن ليونيل كان ينسلّ من بينها كالزئبق.
خطوة…
اقترب كارسيون خطوة أخيرة، متوقفًا أمام ليونيل مباشرة. لا شعوريًا، شهقت بصوت مسموع.
“كخ…!”
أمسك كارسيون بياقة ليونيل فجأة.
“من أنت؟”
“كخ… أتركني…”
“عيناك القرمزيتان… لا أدري لماذا لم أتعرف عليك منذ البداية.”
“ماذا تعني…؟”
في تلك اللحظة، حدث شيء لا يُصدق.
رفع كارسيون يده التي تمسك بياقة ليونيل، مما جعله يتدلى في الهواء!
“كك… كخ…”
تحولت ملامح ليونيل إلى الأحمر القاني، وهو يختنق ويقاوم بشدة.
“توقف! أنزله الآن!”
صرخت بصوت مذعور.
اهتز كارسيون للحظة لكنه لم يتركه.
“أنت ريو، أليس كذلك؟ أيها اللعين، كفاك تمثيلًا! تحوّل فورًا!”
“كخ…!”
“عن ماذا تتحدث؟! سيموت إن استمر الأمر هكذا! أرجوك، أنزله! وإلا لن أتحدث معك مجددًا أبدًا!”
بووم.
على ما يبدو، أثرت كلماتي فيه، فقد رمى ليونيل أرضًا بعنف.
سقط الأخير متدحرجًا على الأرض، وهو يلهث ويحاول استعادة أنفاسه.
أسرعت نحوه بقلق.
“ليونيل! هل أنت بخير؟”
“آه… يؤلمني…”
كان يمسك بعنقه متألّمًا، ولم أستطع لومه. لم أتوقع من كارسيون ردّ فعل عنيف كهذا.
نظرت إليه بغضب، لكنني لم أرَ أي أثر للندم على وجهه.
كان يعبس، ناظرًا إلى ليونيل باشمئزاز.
“ثعلب ماكر.”
“ماذا قلت؟!”
لم أصدق أذني.
أمسك برقبته وكاد يقتله، والآن يهينه؟
نهضت غاضبة.
“اعتذر لليونيل فورًا!”
“ماذا؟”
“الآن!”
“لن أفعل.”
عنيد!
كانت نظرته تقول: “لم أخطئ، لماذا أعتذر؟”
تنفست بعمق، محاولة السيطرة على غضبي.
“أفهم موقفك، ولكن لا يمكنك معاملة الناس بهذه الطريقة بناءً على ظنونك فقط.”
“….”
“هل أخطأت في كلامي؟”
“….”
لاحظت ارتجاف قبضته، بينما ظلّ يحدّق في ليونيل بغضب، قبل أن يرفع بصره إليّ.
وعندما تلاقت أعيننا، شعرت بوخزة في قلبي.
عيناه المحمرتان كانت تخفيان خليطًا من المشاعر المتفجرة.
آه…
لقد جرحتُه.
لكن كيف أصلح هذا؟
نظرت إلى ليونيل، ثم عدت إلى كارسيون.
رأيت حنجرته تتحرك كأنه يحاول ابتلاع شيء ما، ثم زفر بشدة وغادر المكان.
“صاحب السمو…”
“كح… كح…”
حين كنت على وشك اللحاق به، سعل ليونيل بشدة، مما جعلني أتوقف.
انحنيت نحوه وربّت على ظهره بلطف.
“هل أنت بخير؟”
“كح…!”
في هذه الأثناء، سمعت صوت الباب يُفتح ويُغلق، في صمت يثقل الهواء.
هذا ليس صحيحًا.
أغمضت عيني ببطء.
شعرت وكأن حجرًا ثقيلًا استقر في صدري.
التعليقات لهذا الفصل " 39"
الطرف الثالث هو الكلب🤩