بينما لا يزال مسندًا رأسه عليّ، تحدث كارسيون بصوت خافت.
لم يشر إليها بإيماءة أو بإصبعه أو بأي شيء آخر، لكنني عرفت على الفور أنه يشير إلى الغابة التي تشكل حدود الحديقة.
نظرتُ إلى الغابة الغارقة في الظلال الداكنة، وحبستُ أنفاسي بهدوء.
كانت الغابة تبدو وكأنها كانت في الأصل كثيفة، لكنها الآن تحمل أجزاء غير طبيعية، كأنها إناء مكسور تمت إعادة لصقه بصعوبة.
على سبيل المثال، كان هناك أشجار حديثة النمو مكتظة بجانب جذوع قديمة مقطوعة.
إذن، هذا ما يُقصد بعدم القدرة على إعادة بنائها بالكامل؟
شعرتُ بوخزة في قلبي وبقيتُ صامتة، قبل أن يواصل كارسيون حديثه بعد فترة من الصمت.
“رينيه التقطت كلبًا من هناك عندما كانت في السادسة.”
“أي قبل أن تلتقي بجلالتك.”
تذكرتُ أنني سمعتُ في مكان ما أنه جاء إلى مقاطعة إيفلين للعلاج عندما كان في الثامنة، فأظهرتُ معرفتي بالأمر.
أومأ كارسيون موافقًا، ثم رفع رأسه ببطء عن كتفي.
“لو كنتُ موجودًا حينها، لما سمحتُ بإحتفاظها بذلك الكلب أبدًا.”
“….”
ما الذي لديه ضد الكلاب؟
التقت نظراتنا، ورأيتُ في عينيه مشاعر معقدة للغاية، لدرجة أنني فقدتُ القدرة على الكلام للحظة. ما هذا؟ كأنه يحمل روحًا تنافسية حتى ضد كلب!
“لكن لماذا تتحدث عن هذا فجأة؟ صحيح أن الآنسة رينيه أحضرت كلبًا، لكن أنا….”
“ذهبتُ إلى كوخكِ.”
“.…!”
“إيفان رسم صورة وأرسلها لي. قال إنه رأى كلبًا هناك، ولم أستطع تجاهل الأمر.”
“.…ماذا؟”
لم أفهم ما الذي سمعته للتو. من ذهب إلى كوخي؟ من رسم ماذا؟ هل يقصد الكوخ الذي أعيش فيه مع ليونيل في غابة هيلدين؟ ولماذا أرسل شخصًا إلى هناك؟
لما لاحظَ كارسيون ارتباكي، تابع حديثه بإيجاز.
“رأيتِه في الزقاق في ذلك اليوم. عندما كنتِ تبحثين عن منزل في ذلك الحي الغريب.”
“آه.… ذلك الفارس.… لا، ليس هذا المهم الآن!”
صحيح. تذكرتُ أن إيفان، ذلك الفارس ذو الشعر الفضي الذي بدا مرعبًا، انتقدني بحدة في ذلك اليوم.
لكن هذه ليست النقطة المهمة الآن.
“هل تقول إنك ذهبت إلى منزلي دون إذن؟!”
“نعم.”
ردَّ كارسيون وكأنه لا يرى في ذلك أي مشكلة. وما قاله بعد ذلك جعلني أشعر بالذهول أكثر..
“وجدتُ شعر كلب هناك.”
“….”
“بما أنني وجدتُ شعر كلب، فإن تقرير إيفان يبدو صحيحًا، لكنني لم أجد الكلب نفسه.”
“.….”
لم أعرف كيف أستوعب الأمر.
لم أكن أعرف حتى لماذا يوجد شعر كلب هناك، ولا كيف ميزه كارسيون، والأهم من ذلك، شعرتُ بالإحراج من فكرة أنه تفحص منزلي بهذه الدقة.
لكن كل هذا ليس بقدر صدمتي من كونه دخل منزلي دون إذن!
“هذا تعدٍّ على ممتلكاتي!”
اعترضتُ بغضب، فردَّ كارسيون وكأنه لم يقصد ذلك عمدًا.
“كنتُ أبحث عن صديقك ليونيل. لكنه لم يكن هناك، فانتهى الأمر بهذا الشكل.”
“ليونيل لم يكن في المنزل؟”
“كان هناك كلب فقط.”
“….”
“لكن عندما وصلتُ، لم يكن حتى الكلب موجودًا.”
“….”
إذن، كل ما حصل عليه كان مجرد بعض شعر الكلب؟ كيف يُفترض بي أن أفهم هذا؟
عدم وجود ليونيل في المنزل.… ربما خرج ليبحث عني متجاهلًا ملاحظتي له.
بصراحة، لم أكن قلقة بشأنه، فهو ساحر بارع، لكن خوفي كان من أن يقبض عليّ ويعيدني إلى الكوخ مجددًا.
“قلتِ إن صديقك طفولتك ساحر، صحيح؟”
“نعم.”
“إلى أي مستوى؟ هل يمكنه استخدام سحر التبديل؟”
“أوه….”
دارت عيناي بتوتر. سحر التبديل هذا كان يُعتبر أسطوريًا. قلة فقط في التاريخ استطاعوا إتقانه.
صحيح أن ليونيل موهوب في السحر، لكن ليس إلى ذلك الحد….
“لا.”
بعد تفكير، هززتُ رأسي نافية.
لم يكن من المعقول أن أكون صديقة طفولة لساحر أسطوري.
يبدو أن كارسيون أيضًا رأى أن هذا الاحتمال ضئيل، فلم يسأل أكثر. فقط حدّق في وجهي بتعبير معقد، ثم فجأة تمدد على المقعد.
“سأكتفي بمشاهدة النجوم.”
“ماذا؟”
ارتفع صوتي بغير قصد من المفاجأة. والسبب؟ لأن كارسيون وضع رأسه على حجري!
“مهلًا، سموك!”
“ما المشكلة؟ نحن أصدقاء، أليس كذلك؟”
“أوه، هل هذا صحيح؟”
حاولتُ تذكر الأمر. في الواقع، سبق أن وضعتُ رأس ليونيل على حجري عدة مرات.
لكن… هل يُقارن ليونيل بكارسيون؟
آه، لا يهم.
أطلقتُ تنهيدة خفيفة وقررتُ تركه وشأنه. سأشاهد النجوم أيضًا..
كانت السماء قد ازدادت ظلامًا، وأصبحت النجوم أكثر تألقًا وسط ستار الليل الكثيف.
بينما كنت أتأمل النجوم وأبحث لا شعوريًا عن الكوكبات، شعرت بنظرة غريبة موجهة إليّ. فخفضت نظري إلى الأسفل، لأجد كارسيون يشيح ببصره سريعًا، متظاهرًا بأنه كان يحدق في السماء.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 28"