كان ذلك الشاب الغامض هو من قلب إيقاع النبلاء، مشوّشًا تناغمهم الأنيق على أنغام الفالس. شابٌ لم تعهده أعين الأرستقراطية في أيٍ من المناسبات الفاخرة.
ربما تأخر في وصوله، إذ عبر أبواب قاعة الحفل للتو، طويل القامة، رشيق البنية، يرتدي بدلةً بيضاء ناصعةً تكاد تُشعّ، ملتصقةً بجسده كأنها نُسجت خصيصًا له، مُبرزةً كل خطٍ من قوامه الأنيق.
ضيّقتُ عينيّ وأنا أتفحّص ملامحه بعناية.
“هل وُجد نبيلٌ مثله في الإمبراطورية من قبل…؟”
كان ينضح بهالةٍ ساحرة، تجذب الأنظار كالمغناطيس، خاصةً بشعره الفضي المتلألئ، الذي يشبه ضوء القمر في سماءٍ حالكة، مما جعله يبدو كنجمٍ لا يُخطئ في قاعةٍ متلألئة بالفخامة.
كان مظهره وحده لغزًا، كأنه وافدٌ من عالمٍ آخر لا ينتمي إلى هذه القاعة.
“حسنًا.”
“إنه شرفٌ عظيم.”
ما إن وافقتُ، حتى انحنى بأناقةٍ ملكية، وأمسك يدي برفق، قائدًا إياي إلى قلب القاعة. بدأ يتحرك على إيقاع الموسيقى، خطواته متناغمة مع الفالس.
“يبدو أنكَ لم ترقص منذ زمنٍ بعيد.”
قلتُ بابتسامةٍ خفيفة، وأنا أتأمل وجهه الوسيم. رغم هالته التي توحي بإتقانٍ فطري، كانت خطواته تفتقر إلى السلاسة. من الناحية التقنية، كان بعيدًا عن براعة كيليان أو لينيوس.
ابتسم بنبرةٍ بريئة:
“ربما لأن الحفلات نادرة في الأرجاء التي أتيتُ منها.”
“على أي حال، لم أعرف اسمكَ بعد. أظن أنها المرة الأولى التي أراكَ فيها.”
دار بي برشاقةٍ وهو يمسك يدي، وعلى الرغم من ضعف تقنيته، كان جسده مرنًا كالريح، يتحرك بخفةٍ لا تُنكر.
“أنا البارون بارنيت، أدير ضيعةً متواضعةً في ريف جنوب لاول. لذا لا أظن أن سموكِ سمعتِ بي. دعتني الليدي أدلر بنفسها لدعم مشاريع التنمية الإقليمية.”
“آه.”
أطلقتُ تنهيدةً خافتة وأنا أدور في حركةٍ أخيرة، ثم أمسك بخصري بلطف. تمسّكتُ بيده بقوة، ووضعتُ يدي الأخرى على ظهره. تجعّدت كابته البيضاء تحت قبضتي.
وعندما ضممته أقوى مما ينبغي، ابتسم بخفة، أنفه المستقيم يتجعد بطريقةٍ ساحرة.
“يبدو أن سموكِ جريئةٌ أكثر مما توقعتُ. هل أعجبتكِ؟ لا أريد أن يُعاديني زوجكِ المستقبلي.”
سحبتُ ابتسامةً جليدية، وجذبته من رقبته حتى كادت خصلات شعره الفضية تلامس شفتيّ. احمرّ عنقه خجلًا، فهمستُ قرب أذنه بنبرةٍ باردة كالصقيع:
“إذن… أين البارون بارنيت الحقيقي؟”
شددتُ قبضتي على ظهره، مانعةً إياه من الفرار.
“ما الذي تعنينه، سموكِ؟ أنا البارون بارنيت.”
كان صوته هادئًا كسطح بحيرةٍ ساكنة، كأنه توقّع هذا المشهد منذ البداية. حدّقتُ فيه بعينين كالخناجر.
“لا تتلاعب بي. لمَ تنتحل شخصيته وتقترب مني؟”
“سموكِ لم تقابلي البارون الحقيقي قط، أليس كذلك؟ ومع ذلك، أنتِ متأكدة أنني لستُ هو.”
“البارون بارنيت من عائلةٍ تتاجر بالنسيج في لاول، وهم من أثرى العائلات هناك.”
ومضت عيناه البنفسجيتان باهتمامٍ حاد.
“بدلتكَ تبدو فاخرة، لكن قماشها رخيصٌ للغاية.”
ألقيتُ نظرةً خاطفةً على طرف بدلته التي كنتُ أتشبث بها. رغم وسامته التي جعلتها تبدو ملكية، كانت مجرد تقليدٍ رديء، لا يليق بتاجر نسيجٍ ثري.
“آه، كان ينبغي أن أنتزع ملابس البارون وأرتديها.”
ابتسم ابتسامةً ماكرة. قابلتُ نظرته الحادة، وشددتُ قبضتي على يده.
“ويداكَ خشنتان كالحجر، ورقصكَ يفتقر إلى الأناقة. لا تشبه النبلاء أبدًا.”
“همم، ظننتُ أنني أرقص بمهارةٍ مقبولة.”
قالها بنبرةٍ هادئة وابتسامةٍ خفيفة. حدّقتُ فيه مباشرة.
“سواء سرقتَ ملابسه أو تدربتَ على الفالس، لم يكن ذلك لينفعكَ.”
“…….”
“لأنني أحفظ وجوه جميع نبلاء الإمبراطورية المدرجين في سجل الأنساب. ووجهكَ ليس بينهم.”
“آه، هذا محرجٌ حقًا!”
ضحك بخفة، كأن كشفه لم يُفاجئه. هتفتُ في وجهه:
“الحراس يملؤون هذه القاعة، ويكفي إشارةٌ مني ليقبضوا عليكَ. هل استعددتَ لذلك؟”
“اثنان عند الباب، أربعة في الحديقة، أربعة عند الشرفة، وستة يجوبون الداخل.”
التعليقات لهذا الفصل "134 || القصة الجانبية⁷"