الفصل 14
أدركَ رايان حينها تلك الحقيقةَ المرّة.
لا بدّ أنّ والده وشقيقيه قد ارتكبوا جُرمًا شنيعًا.
رغم أنّهم يعيشون دائمًا فوق القانون، إلا أنّ الفعلة كانت من الشناعة بحيث لا يمكنهم تجاهل نظرات العالم الخارجيّ.. شيءٌ مروّعٌ حقًّا.
وبالتأكيد، حاول عمُّه الذي كان طيّبًا دومًا أن يمنعهم.
“لقد جاء هذا في وقته، كنتُ أشعر بالصُّداعِ حقًّا بشأن كيفيّة التعامل مع هذا الشيء. كيف يجرؤُ مَن يحمل دمي على أن يولد عاجزًا بلا قدرة؟”
في سنّ الثانية عشرة، كان كَونُ رايان عديم القدرة حقيقةً مفروغًا منها.
“سيكون هذا الشيء أوّلَ مثالٍ لظهور القدرة في سنّ الثانية عشرة.”
بكلّ برود، وضع ذلك الرجل -الذي يُفترض أنّه أب- سيناريو ليتّهم طفله بكونه سفّاحًا.
“أعلِنوا للخارج أنّ قدرةً لم يستطع حاملها تحمُّلها قد انفجرت فجأةً عند ظهورها الأوّل، ممّا تسبّب في هذه المجزرة.”
الدماءُ التي تُورث القدرات الخارقة.
تلك الدماء هي مصدرُ سلطة والده.
لذا، فإنّ حقيقة إنجابه لعديم قدرة تُعدّ سمًّا ينهشُ في هيبة العائلة.
لم يكن رايان ابنًا في نظره، بل وصمةَ عارٍ قاتلة يجب إخفاؤها والتخلّص منها بأيّ ثمن.
“بالطبع، ستكثرُ الأقاويلُ والشبهاتُ في البداية، ولكن ماذا عساهم أن يفعلوا؟”
ابتسم والده برضا.
“قدِّموا هذا الشيء كالمتسبّب الرئيس في هذه المجزرة. احبسوه في السجن، ومع مرور الوقت سينسى الجميعُ كلّ شيء.”
استمع رايان إلى ذلك الصوت الذي يهوي عليه كحكمِ الإعدام وفكّر.
‘إذًا، هل سيتمّ التخلّي عنّي؟’
‘لو أخبرتُهم أنني لستُ عديم قدرة، وأنّ قدرتي قد استيقظت للتوّ، هل سيتوقّفون عن نَبذي؟’
كان الأمرُ بديهيًّا.
لقد مات عمُّه، وهو الآن يستطيع أن يكون الكيان “المفيد” الذي يعوّض قدرة عمه الجبّارة.
ذلك الرجل الذي يعامل ابنه كحشرة، سيغيّر موقفه تمامًا بلمح البصر.
كان بإمكانه أن يحظى بالحبّ بالتأكيد.
لذا، في تلك اللحظة، لم يملك قلبه الصغيرُ إلا أن يتردّد.
المنزلُ الكبير، الملابسُ الفاخرة، الوجباتُ الثمينة، المكانةُ العالية، والمعاملةُ الملوكِيّة.
كلّ ما استمتع به كفردٍ من عائلة فاسينبرغ، بالإضافة إلى عاطفة والده التي تاقَ إليها دومًا.
كانت المغرياتُ أقوى من أن تُرفض بسهولة.
ومع ذلك، كان هناك صوتٌ يشدُّه بعيدًا عن ذلك المسار.
–”رايان، أرجوك.. أنتَ بالذات لا تشبه والدك.”
والدته التي أغمضت عينيها وهي تحتضن رايان وحده حتى أنفاسها الأخيرة، بعد أن شاحت بوجهها عن أبنائها الذين صاروا نسخةً من والدهم.
–”لو استُخدمت القوةُ العظيمة في مكانٍ جيّد، لصار العالمُ مكانًا رائعًا، أليس كذلك يا رايان؟”
الشخصُ الذي اختلف مع والده في المبدأ.
عمُّه الذي كان يتألّم من قدرته أكثر ممّا يفتخر بها.
تلك الأصواتُ جعلت قرار رايان صلبًا كالحجر.
“هل أخطأ عمّي في حقّك لدرجةِ أن يستحقّ الموتَ هكذا يا أبي؟”
نهض رايان بهدوء واقترب من جثّة عمّه وسأل، ثمّ أغمض عينيّ عمه اللتين لم تنغلقا بعد.
“لقد كان عمّي قويًّا جدًّا. كان بإمكانه قتلُ شخصٍ مثلك لا يملك شيئًا في أيّ وقت.”
ذُعر الشقيقان عند سماع ذلك.
“مهلًا، هل جننتَ؟”
قال إليوت، أخوه الثاني، وهو يراقب ردّ فعل والده بحذر.
“نحن جميعًا لا يمكننا استخدام قوّتنا إلا لأنّ والدي يسمح لنا بذلك…”
“كفى.”
قاطع الدوق إليوت وابتسم.
“أكمل كلامك، دعنا نسمع ما لديك.”
“لكنّ عمّي كان يتبعك يا أبي، لأنّنا عائلة. فلماذا قتلته؟ إنّه شقيقك، لماذا؟”
“كما قلتَ أنت، لأنّه قويّ. إنّه شخصٌ يمكنه إبادةُ أفراد عائلتنا في لحظة. فكيف لا أحذرُ من شخصٍ يرفضُ اتّباع إرادتي باستمرار؟”
“آه، إذًا أنتَ قتلته أوّلًا لأنّك كنتَ خائفًا من أن يقتلك.”
تصدّع تعبيرُ وجه والده.
تدخل إليوت مرّةً أخرى بذعر.
“هل فقد هذا الحثالةُ عقله؟ عمنا هو المخطئ! هل تعرف كم كان الأمرُ شاقًّا علينا لأنّه تعجرفَ ورفض القيام بمهمّةٍ كانت قدرته ستنهيها في ثانية واحدة؟”
“مهمّة تحتاج قدرة عمّي؟ آه.. يبدو أنّكم ارتكبتم عملًا قذرًا آخر يا أبي.”
-طاخ!
“أيها الوقح! كيف تجرؤ على مخاطبة والدك هكذا!”
هوت يدُ ديفيد، الأخ الأكبر، بقسوة على خد رايان.
“أبعدوه عن ناظري الآن.”
بأمرٍ من والده، سحب ديفيد رايان بقبضةٍ خشنة.
“والدي!”
اهتزّت رؤيته وتذوّق طعم الدم المعدنيّ في فمه الجريح. صرخ رايان وهو يرفع عينيه المليئتين بالدموع والجنون.
“مهما كنتُ عديم قدرة، فأنا ابنك! حتى الحيوانات لا تتخلّى عن صغارها! هاههها!”
انفجر ضاحكًا بهستيريا وسط غضبه.
ورغم اليد التي كانت تجرّه بقوة، قاوم بتشبُّث وبصق بصقةً ممزوجةً بالدم عند قدميّ والده.
وسط صمتٍ رهيب، سأل رايان وهو يبتسم بتهكّم:
“لن تندم على ما فعلته اليوم، أليس كذلك؟”
سخر الأبُ من ابنه وهو يُجرّ للخارج قائلًا: “أيها الحشرة.”
***
أريدُ إبادة هذا المنزل اللعين بالكامل….”
تمتم رايان بنبرةٍ مرعبة.
‘آه، لا تستغرق في ذكرياتك وحدك!’
بدا وكأنّه يتذكّر شيئًا يثير غضبه بشدّة، وكنتُ أشعر بالضيق لأنني لا أملك وسيلةً لمعرفة ما يدور في رأسه.
“أنتِ ذكيّة وتعرفين الكثير، لذا تدركين معنى الانتقام الذي أتحدّث عنه، صح؟”
“نعم؟”
“أنا لا أنتقمُ لمجرّد شعوري بالظلم الشخصيّ. عائلتنا تشبه السنّ المنخور تمامًا. ذلك الإنسان الذي يُدعى والدي لم ينجب إلا نسخًا منه، وكلّهم يرتكبون أفعالًا مجنونة.”
“……”
“ليس لديهم أيّ نيّة لاستخدام قوّتهم في الخير.
لذا، أليس من الأفضل ذبحهم جميعًا لتعيش العائلات والبلاد، ويحلّ السلامُ في العالم؟”
لمعت عينا رايان. ظللتُ أنظرُ إلى جانبه وجهه لفترة طويلة.
في سنّ الثانية عشرة.
في العمر نفسه، كنتُ أرغب في العيش برفاهية داخل العائلة دون معرفة أيّ شيء.
أما رايان، فرغم وضعه اليائس في السجن، لا بدّ أنّه عاهد نفسه على اقتلاع جذور عائلته الفاسدة بيده يومًا ما.
‘لو كنتُ مكانه، لما استطعتُ فعل ذلك’.
أنا لم أستطع المقاومة بشكلٍ كبير حتى بعد معرفة حقيقة عائلتي.
كنتُ أخشى الموتَ لو أخطأت، وكان والدي وإخوتي يرعبونني.
لذا، هذا هو تكفيري.
تكفيرٌ عن حياتي الماضية كمتفرّجة، سيكون عذرًا مخجلًا لو قلتُ أنني كنتُ صغيرةً، أو جاهلةً، أو بلا حولٍ ولا قوة.
“……؟”
أمسكتُ بيد رايان بهدوء، فالتفتَ إليّ.
“ماذا هناك؟”
“أريدُ أن أصبح مقرّبةً منك يا أبي.”
“…ماذا؟”
المعلومات التي لدي.. قدرتي الخاصّة..
سأستخدمُ كلّ شيء لمساعدة رايان.
هذه المرّة، سأحطّم فاسينبرغ بطريقةٍ مختلفة عمّا حدث قبل العودة بالزمن.
وعندما ينتهي كلّ شيء.
أريد ألا يُلقّب رايان بـ “السفّاح”، بل أن يُعرف بـ “المُعاقب.”
“في البداية كنتُ خائفًا قليلًا، لكنني أظنّك حقًّا شخصٌ طيّب وشجاع.”
“…….”
أوه هذا لطيف، إنّه مُحرج.
رايان، الذي احمرّت أذناه بشكلٍ على غير العادة، تجنّب النظر في عينيّ وتلفتَ حوله، وعندما لمح ريڤان من بعيد، و صبّ غضبه عليه دون سبب.
“على أيّ حال! ما خطب هؤلاء الذين يُدعون أساتذة ليقوموا بتلك التجارب السخيفة؟”
“…….”
“أفهمُ غايتهم، لكن هل يعتقدون حقًّا أنّ شيئًا كهذا سينجح؟ زرعُ قدرةٍ في شخصٍ عاديّ؟ كيف سيستخدمها أصلًا؟”
ظلّ رايان يتذمّر لفترة طويلة عن كيف أنّ المحاولاتِ العبثيّة قد جعلت الأمور تسوء.
التزمتُ الصمت.
“يا أنتِ.”
عندما طال صمتي، وكزَ رايان كتفي بخفّة.
“يا أرنبة.”
نظرتُ إليه بذهولٍ وأنا غارقة في أفكاري.
“نعم..؟”
لم أتخيّل أبدًا أن يخرج هذا اللقب اللطيف من فم هذا العملاق..
“ماذا؟ هل تبكين؟ هل أنتِ تبكين حقًا؟”
“إيه؟ لا، لستُ كذلك.”
“بل تبكين!”
صرخ رايان بتفاجُؤ.
أبكي؟ كنتُ متفاجئةً مثله تمامًا.
عندما مسحتُ عينيّ، وجدتُني فعلًا–
أبكي دون أن أشعر.
“لماذا تبكين فجأة؟”
“… لا أدري؟ هذا، آه….”
تجربةُ زرع القدرة، <مشروع كونراد>.
أنا أعلمُ أنّ تلك التجربة قد نجحت في النهاية.
وأعلمُ أيضًا من هو الشخص الوحيد الذي نجح كفأرِ تجارب في ذلك المشروع.
“يا إلهي، لماذا تبكين!”
نايكي.
نايكي فالنسييه…
اسمُ حبيبي الذي حاولتُ جاهدةً ألا أتذكّره، خطر ببالي فجأة..
ولم أستطع منع دموعي من الانهيار.
***
نايكي فالنسييه.
هو الأمير الثالث لإمبراطوريّة فالنسييه.
بفضل مهاراته القتاليّة المذهلة، حصل على قيادة فرسان الإمبراطوريّة بمجرّد بلوغه سنّ السادسة عشرة.
والآن، كان يقودُ بنفسه عمليّات تطهير الوحوش التي تهدّد أمن البلاد.
لقد كان مثالًا للنبلاء الملتزمين، فهو سليلُ العائلة الإمبراطوريّة الذي لا يهابُ الموت.
“سموّك! احذر!”
في اللحظة التي سُمِع فيها صراخُ مساعده، التفت نايكي بسرعة.
فمٌ يزأرُ بعشرات الأسنان، وجسدٌ وحشيّ يتجاوز المترين بجلدٍ يشبه الدرع الحديديّ.
هذا الوحش كان يبدو بشريًّا للوهلة الأولى، لكنّه كان كائنًا مروّعًا في الحقيقة.
عندما رأى ذراع الوحش وهي تلوح أمامه، شعر نايكي غريزيًا.
لقد فات الأوان.
“سموّك!!!”
لم يكن هناك مفرّ. قطعت مخالبُ الوحش الحادّة شريانَ العنق بضربةٍ واحدة.
‘إنها إصابةٌ قاتلة’.
بمجرد أن أدرك ذلك، أغمض نايكي عينيه.
<قصيدة العودة>
و في تلك اللحظة–
تشاك.
عاد الزمنُ 30 ثانيةً إلى الوراء.
هذه المرّة، التفت نايكي قبل أن يسمع صراخ مساعده.
الوحشُ لم يقترب بعد.
طعن نايكي سيفه بعمقٍ في رقبته، وهي نقطةُ ضعفه.
كراااااك!
مع صرخةِ ألمٍ شديدة، لَفَظَ الوحشُ أنفاسه الأخيرة.
نايكي فالنسييه.
لديه سرٌّ يخفيه
منذ 13 عامًا.
بدأت تجربةُ زرع القدرة <مشروع كونراد> سرًّا وبموافقةٍ ضمنيّة من العائلة الإمبراطوريّة.
والحقيقةُ هي أنّه النتيجةُ الناجحة الوحيدة لتلك التجربة.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"