الفصل 9
كنتُ أظنُّ أنّني أقضي أيامًا هادئة في دوقيّة فيرناندي، لكن يبدو أنّ ثمّة شيئًا قد سار على نحوٍ خاطئ.
“نعم؟ تغيّر الطاهي؟”
“نعم. كان من المفترض أنْ يتم التبديل في الوقت المحدَّد، لكن العربة التي كان يستقلّها الطاهي الجديد تعرّضتْ لحادث، لذا سيتأخر قليلًا. للأسف يا آنِيت، علينا أنْ نُعدّ اليوم غداءً بسيطًا.”
لم تكن هناك حاجة لإخباري بأمرٍ كهذا يخصّ الدوقيّة، ومع ذلك شعرتُ بالأسى. كنتُ أودّ أنْ أشكره على الأطعمة اللذيذة التي كان يُعدّها طوال الفترة الماضية، لكن يبدو أنّه رحل بالفعل.
“ألم يُخبركِ سموّه؟”
“بماذا؟”
ألقى دايل نظرةً عليّ بوجهٍ متعجّب.
“قبل أيّام، طلب سموّه فجأة تغيير الطاهي. قلتُ له إنّ ذلك سيُحزنكِ، فأجاب أنّه سيُخبرك بنفسه ويمنحك فرصة لتوديعه.”
هذا أوّل مرّة أسمع بهذا!
بحثتُ في ذاكرتي، لكن سييون لم يقل لي شيئًا كهذا قط. كلّ ما كان يفعله هو النظر إليّ بعدم رضا وترديد كلمات مثل “لا أفهم”.
“أنا أيضًا أجد الأمر مؤسفًا. لقد عمل طاهي الدوقيّة عشر سنوات، فكيف يرحل فجأة هكذا؟”
“ولماذا غادر فجأة؟”
“لا أعلم. بدا أنّه تعلّق بالمكان على طريقته، لكن…”
وبينما كنتُ أراقب دايل وهو يهزّ رأسه، خطر لي فجأة خاطر مرعب.
لا يكون… مستحيل!
“آنِيت.”
ارتجفتُ حين سمعتُ صوتًا خلفي، والتفتُّ بسرعة. التقت عيناي مباشرة بعينيه الحمراوين الهادئتين كعادته.
“أيّ حديث ممتع هذا؟”
لم يكن الحديث ممتعًا أبدًا. نظرتُ سريعًا إلى دايل، لكنّه كان قد اختفى بالفعل.
“كنتُ أسمع أنّ طاهي الدوقيّة سيتغيّر اليوم.”
“هكذا إذًا.”
على الرغم من أنّه هو من سأل أوّلًا، إلا أنّ سييون لم يُبدِ اهتمامًا كبيرًا بالحديث، واكتفى بردٍّ فاتر وهو يمضي إلى الأمام.
ثبتُّ نظري على ظهره، ثم أسرعتُ بخطوات صغيرة حتى صرتُ بجانبه. مع أنّه شعر بلا شك بنظراتي، إلّا أنّه لم يلتفت إليّ.
وبينما أحدّق بملامحه الوسيمة من الجانب، سألتُ عن الشكّ الذي راودني.
“جلالتكَ، هل غيّرتَ الطاهي خشية أنْ أُقدِم على خطفه مثلما مزحتُ سابقًا؟”
لا أقول! أيمكن أنْ تكون مزحتي قد سبّبت هذه النتيجة؟
لكن ما كان في نظري مجرّد دعابة، تحوّل الآن إلى واقعٍ مُحرج.
“آنِيت. إنّها امرأة متزوّجة، وتجاوزت الأربعين.”
“ماذا؟!”
لا يُصدّق! هل أبعدها عنّي حقًّا؟!
“أنا أحترم أنّكِ تُحبّين النساء، لكن…”
توقّفتُ فجأة حين سمعتُ كلماته.
“ماذا؟ لا! أنا أحبّ الرجال!”
صحيح أنّني أعجب بالأخوات الكبيرات الأنيقات، لكن ذلك لا يتجاوز الإعجاب والاحترام. لم يكن حبًّا بمعنى الرغبة في التقبيل!
وفوق ذلك، لم أكن أعلم أصلًا جنس الطاهي! ومع ذلك حُوك حولي هذا الفهم الخاطئ! أظهرتُ وجهًا غارقًا في الظلم، لكن يبدو أنّه لم يصل إلى سييون.
“هكذا إذًا.”
أجاب ببرود، لكن ظلّت تعابيرهُ تحمل أثر الشكّ.
لماذا يبدو مقتنعًا تمامًا أنّني أميل إلى النساء؟! ضربتُ صدري بيدي بعصبية وقلتُ على عجل:
“جلالتكَ! أعتقد أنّ بيننا سوء فهم كبير!”
كنتُ أطرق صدري مرارًا حين أمسك سييون بياقتي وجذبني نحوه. لم يعُد يتصرّف مثل السابق حين كان يمسك بمعصمي عنوة.
لكن لم يكن لدي وقت للتفكير في ذلك. فقد صرتُ فجأة مُصوّرة كخائنة عاشقة لامرأة متزوجة!
“كنتُ أمزح فقط بخصوص خطف الطاهي! قصدتُ أنّ طعامه لذيذ جدًا، ولم أقصد أنْ أفعل شيئًا كهذا حقًّا!”
“مزحة…؟”
تمتم سييون وكأنّه لم يفكّر يومًا في أنّ الأمر قد يكون دعابة.
“وأُكرّر، أنا فعلًا أحبّ الرجال. إذا رأيتَني يومًا أحدّق في سيّدة جميلة بعينين متألّقتين أو سال لعابي، فاعلم أنّ ذلك إعجاب فقط، وليس حبًّا.”
“إعجاب إلى حدّ سيلان اللعاب؟”
“التعبير قاسٍ قليلًا، لكنني لا أسيل لعابي فقط على الطعام. حين أرى شيئًا وسيمًا أو جميلًا أو لطيفًا، أحيانًا لا أستطيع المقاومة.”
قطّب سييون حاجبيه، وكأنّه لم يفهم كلامي. بدا أنّ صراحتي المفرطة لم تزد إلا شكوكه.
“إذن، لماذا لا يسيل لعابك أمام وجهي؟”
“هاه؟”
“ألم تقولي إنّه وجه وسيم لدرجة أنّ مجرد النظر إليه قد يُفجّر نزيفًا من الأنف؟”
خطر!
“وقلتِ أيضًا إنّه وجه يجعل المرء يفكّر في أسماء أحفاده لمجرّد النظر إليه. هل فكّرتِ فعلًا؟”
سألني بجدّية غريبة، مع أنّ وجهه لم يُظهر اهتمامًا خاصًا بإجابتي.
لكن لماذا يبدو لامعً رغم بروده المعتاد؟ هل هو تأثير الجمال فحسب؟
حاولتُ أنْ أختار كلماتي بعناية. هو لن يهتمّ بإجابتي، لكن بالنسبة لي، أن أُحاصر بهجوم جماله أمر مختلف.
“ذا… جلالتكَ… الأمر مختلف قليلًا عن ذلك…”
“مختلف كيف؟ عليّ أنْ أحفظ هذا أيضًا؟ آنِيت لا تُبدي أيّ اهتمام بوجهي؟”
يا للكارثة. كلامه ليس رومانسيًا ومع ذلك يجعل قلبي يخفق بجنون.
أيها الرجل، إنْ لم تكن عاشقًا صادقًا، فتوقّف عن رمي مثل هذه الجُمل! تبدو وكأنك تُغويني!
لو لم يكن سييون هو نفسه الشرير في الفصول الإضافيّة، لكنتُ اندفعتُ نحوه!
“هل كان قولك إنّني وسيم محض كذبة؟”
وضعتُ يدي على أنفي سريعًا. أشعر أنّ أنفي سيفجّر دمًا فعلًا. مَن يمكنه تحمّل وسيمٍ يسألك مباشرة لماذا لم تسقطي في شباكه؟
“جلالتكَ! انظر إلى المرآة! كيف يمكن أنْ تكون وسامتك كذبة؟!”
لم تتحطّم كل مرايا الدوقيّة! لكن يبدو أنّ تقييمه لوسامته في الحضيض أصلًا.
“لكن آنِيت لا تشعر بأيّ شيء تجاه وجهي. لو كنتُ وسيمًا فعلًا، لكانت… “
“هاه! تريدني أنْ أُقبّلك مباشرة إذن؟ هل ستغفر لي ذلك؟!”
لقد قلتها. لساني الخفيف سبقني من جديد.
لكن لم أستطع تجاهل استخفافه بجماله. سواء كان ذلك بسبب افتقاده للحب في طفولته، أو بسبب خيبة حُبّه البائسة، فإنّ ثقته بنفسه منخفضة بشكلٍ غريب. أردتُ منه أنْ يُقدّر نفسه أكثر.
بالرغم من أنّني أُدرّبه على ألا يؤذي الآخرين، فإنّ سلامته النفسيّة لا تقلّ أهمية.
“جلالتكَ، احذر دائمًا! ليس الرجال وحدهم ذئابًا، حتى النساء قد يكونون ذئابًا أحيانًا!”
لو ألقيتَ هذه الكلمات العاطفيّة على أي امرأة عشوائيّة، فقد تقع في ورطة! خصوصًا مع واحدة ضعيفة أمام الجمال مثلي!
“انتبه دائمًا. وإنْ سمعتَ أحدًا يمدح وسامتك، فلا تتبعه، مفهوم؟! هذا سيكون في الاختبار أيضًا!”
ارتسمتْ على وجهي ملامح جادّة غاضبة، بينما ظلّ سييون صامتًا ثم رفع رأسه ونظر إليّ بعينيه الحمراوين مباشرة.
ذلك الهدوء في عينيه كان يجعلني دائمًا أتساءل عمّا يُفكّر به.
“آنِيت… هل تُفضّلين أنْ تكوني أنتِ مَن يُهاجم الطرف الآخر؟”
… تبًّا! من أين تأتيه هذه الاستنتاجات؟! يا ليتني أستطيع الدخول إلى رأسه لأفهم كيف يعمل!
في النهاية، صرف سييون الطاهي الجديد وأعاد الطاهي القديم. تغيّرٌ غريب أقلق دايل، لكن لم يكن بوسعي قول شيء.
ظننتُ أنّ هذه الحادثة الصغيرة في الدوقيّة قد انتهت بسلام، بعد أنْ انقشع سوء الفهم. لكن بدلًا من ذلك، وُلدتْ مشكلة جديدة.
“ألن تهاجميني اليوم أيضًا؟”
هذه الجملة صارت ما أسمعه منه كلّما جئتُ إلى مكتبه من أجل الدرس. منذ أنْ قلتُ له إنّ “كل النساء ذئاب”، وهو لا يتوقّف عن ترديدها.
لا يمكن أنْ يجهل معنى “الهجوم”. وللتأكّد، سألتُ دايل إنْ كان سييون قد تلقّى تعليمًا مناسبً بشأن مفاهيمهِ. فأجاب على الفور أنّه لم يجهله أبدًا، بل أضاف أنّه إنْ قرّر فلن يُجيد أحدٌ أكثر منه! أيُّ كلامٍ فارغ هذا!
“جلالتكَ، قلتُ لك مرارًا، لا تُردّد كلمات كهذه. الأمر خطير!”
“لكنني لم أقلها لأيّ أحد. أنا أقولها لكِ وحدك.”
“وتظنّ أنّني لستُ في خطر؟!”
وضعتُ يدي على خصري وحدّقتُ به من علٍ بينما كان جالسًا على الأريكة. مال رأسه قليلًا وهو ينظر إليّ.
“أنتِ مُعلّمة الحبّ خاصّتي يا آنِيت.”
… خطير. هذا الغزل البريء أخطر من أيّ غزل متعمّد.
لو وقع فعلًا في علاقة، قد يتحوّل إلى رجل بارع كالثعلب. بعد أنْ يتجاوز صدمة حبّه الأوّل، قد يصير ذلك الرجل الذي يُذيب قلب أيّ امرأة.
لكن لا بأس، سيحين الوقت. فكما يُقال: الحُبّ القديم يُنسى بحُبّ جديد. سأجد لك نصفك الآخر، جلالتكَ! ذاك الذي سيُبادلك الحبّ حقًّا!
وأنا أكتم نيران حماسي، رفعتُ يدي بلا وعي ووضعتها على كتفه. تجمّدتُ في الحال. يا للكارثة! فعلتُها دون قصد.
كان دايل قد أخبرني أنّ سييون يكره لمس الآخرين. لكن على عكس توقّعاتي، لم يُبدِ أيّ امتعاض، بل سأل بوجه هادئ:
“هل ستهاجمينني الآن؟”
سؤال… في منتهى الخطورة.
تحفة 😂😂😂
بجد الرواية جميلة جدا اتمنى تستمري بترجمتها ♥️
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
تحفة 😂😂😂
بجد الرواية جميلة جدا اتمنى تستمري بترجمتها ♥️