الفصل 7
“سموّه كان منذ صغره بارد المشاعر. لم يكن يضحك كثيرًا ولا يبكي أيضًا. السيّدة الراحلة، زوجة الدوق السابق… كانت ترى ذلك أمرًا غريبًا.”
“……”
“وحيث إنّ الدوق السابق لم يكن يهتمّ بالعائلة، لم يوجد أحد يمنع ما تعرّض له سموّه من إساءةٍ في طفولته.”
كانت طفولة سييون التي رواها دايل، بائسة بكل ما للكلمة من معنى. استحضرتُ صورة الصغير سييون، يتحمّل الإساءة بصمت، فيخنقني الحزن.
“ثمّ بعد أن توفّي الدوق السابق وزوجته باكرًا، بدأت تهديدات لا تنتهي من فروع عائلة فيرناندي. استغلّوا صغر سنّ سموّه ليحاولوا انتزاع كل شيء منه. وقد دافع عن كل ما يملك، لكنّه بلا شك تلقّى جراحًا كثيرة في تلك العملية.”
تخيّلتُ سييون الفتيّ يُظهر قوّة مصطنعة في مواجهة كبار أشرار. لم يُظهر دمعة واحدة، لكن ذلك زاد ألمي.
“وبعد أن اغتيلت المُرضعة التي رعته منذ طفولته على يد ذلك الفرع… عندها، أغلق سموّه قلبه تمامًا.”
انخفض صوت دايل فجأة. كان وجهه الجادّ يغمره القلق على سييون.
“منذ صغره، كان سموّه هادئًا نسبيًا، ولا يهتمّ بالآخرين. لكن ذلك كان بسبب البيئة القاسية التي نشأ فيها. حتى الآن، ما زال في بعض الأحيان يُظهر تفكيرًا بعيدًا عن المنطق المألوف.”
“……”
“الآنسة آنِيت. أرجو ألّا تخافي من سموّه كثيرًا.”
بصراحة، تفاجأتُ قليلًا.
لم يخطر ببالي أن يكون ماضيه بهذه القسوة.
في الرواية الأصلية، لم أُحدّد للخلفيات سوى للشخصيات الرئيسة، أمّا البقية فتركتها بلا تفاصيل.
لم تكن هناك حاجة لمزيد من المآسي، إذ كانت الرواية قاتمة بما فيه الكفاية.
لكن بسببي، كان أبطال القصة – أصحاب المصائر المأساوية – سيحظون بمستقبل هادئ. ما تبقّى لهم من مصاعب لن يتجاوز خلافات عاطفية بسيطة.
غير أنّ سييون كان مختلفًا. لم يكن لديه حبيب يواسيه ولا صديقٌ يسنده. لعلّه كان أكثر بؤسًا من الأبطال أنفسهم.
‘أشعر بالذنب، سامحني سييون.’
تمتمتُ في قلبي بكلماتٍ لا أستطيع قولها له مباشرة.
‘ليس خطأكِ.’
“ماذا؟”
دخل صوت غريب مع هبوب الريح. حككتُ أذني وسألتُ دايل باستغراب، فابتسم بخفوت وقال:
“قلتُ: أرجو ألّا تخافي من سموّه كثيرًا.”
هل سمعتُ خطأ؟ شددتُ أذني متأكّدة. حتى الريح هنا تصدر أصواتًا غريبة.
على أيّ حال…
“أنا قلق من أنْ يبقى سموّه وحيدًا طوال حياته. يقول دائمًا إنّه بخير، لكن ربما لشدّة ما عانى من الوحدة، لم يعد يشعر بالوحدة أصلًا…”
أومأتُ برأسي متفكّرة. أجل، من المرجّح أنّ سييون سيقضي حياته وحيدًا. وما قاله دايل عن فقدان الإحساس بالوحدة بدا منطقيًا.
فالإنسان إذا عاش طويلًا وهو منبوذ، يصبح الإحساس بالعُزلة أمرًا عاديًا، فلا يعود يراه مُحزنًا.
حينها فقط فهمتُ لِمَ قال إنّ حبّه القديم لم يكن جُرحًا. فالجرح لم يعد يؤلمه، حتى نسي أنّه جُرح.
“فهمت. سأبذل قصارى جهدي لمساعدة سموّه!”
عزمتُ على ذلك. أنا، آنِيت جيرنياس، سأجعل سييون فيرناندي يعرف الحبّ مثل أيّ إنسان طبيعي.
لقد بدّلتُ نوع هذه الرواية كلّه. فهل أعجز عن منحه قصة حبّ؟
“حقًّا؟ شكرًا جزيلًا، آنِيت. أنتِ داعمة بحق!”
“لكن عليك أن تساعدني أيضًا يا دايل!”
“بالطبع. إن كان من أجل سموّه، فسأفعل أي شيء!”
أوقدنا العزم معًا. انتظرني يا سييون فيرناندي! قريبًا ستذوق الحبّ الكبير الذي سيُنسيك كل ماضٍ أليم!
* * *
منذ صغري وأنا كثيرة التدخّل. فكيف أستطيع تجاهل شابٍّ بائس نشأ في القسوة، وفقدَ أوّل حبّه؟
تخيّلتُ جراحه الخفيّة، فإذا بالدموع تترقرق في عيني.
“سموّه، بدءًا من اليوم، ستكون دروسنا على الطريقة السبارطية.”
“سبارطية؟”
تجاهلتُ نظرته الحائرة. هناك طريقة كهذه… فقط لا تُحاول فهمها.
[ سبارطية وهي دولة يونانية قديمة اشتهرت بقوّتها العسكرية، ونظامها القاسي في التدريب والانضباط.
قصد البطلة هنا أنها ستمررهُ بتدريبٍ قاسيٍ وصارمَ ]
لم تكن لديّ مواهب خاصّة في الحب، لكنّني كنتُ صادقة في رغبتي بمساعدته. ولو رأيته يتجاوز ظلال ماضيه ليحبّ من جديد، سأشعر بفرحٍ يغمرني أنا أيضًا.
آه، مجرّد التفكير بالأمر مؤثّر للغاية.
مسحتُ دموعي، ثم طرقتُ على اللوح الصغير الذي طلبتُ من دايل إعداده.
“سنُجري اختبارًا كل يوم أحد. سأضع الأسئلة من الدروس الأسبوعية، لذا ركّز جيدًا يا سموّه.”
“هل سأحصل على أمنية إذا أحرزتُ نتيجة جيدة؟”
كان صوته هذه المرّة يلامس القلب، كأنّ طلبه انعكاس لحرمانه العاطفي القديم.
“نعم. كلّما نلتَ العلامة الكاملة، لك أن تطلب أمنية، وسأراكمها لك.”
صحيح أنّ ذلك ليس بالأمر السهل، لكنّه بدا متحمّسًا. أخذ قلمه وعيناه تلمعان.
كتبتُ على اللوح: “الحب – التعلّق – التمسّك”. كان عليّ أوّلًا اقتلاع جذور تلك الشخصية المهووسة الكامنة فيه.
“الكتب التي قرأها سموّك إلى الآن، معظمها عن التملّك. لكنّ هذا مختلف عن الحبّ الخالص.”
قطّب جبينه وكأنّه لم يفهم. شعرتُ بصوته يتردّد في أذني رغم أنّه لم يتكلّم: “وما الفرق؟”
“العلاقة تبدأ بالحبّ المتبادل. لكنّ التعلّق قائم على التملّك. الحبّ ثنائيّ، أمّا التعلّق فعادةً أحاديّ.”
“أليس التملّك يولد من الحبّ أساسًا؟”
“سموّه، التملّك يُقال عن الأشياء. أمّا البشر، فلا يمكن أن يملك أحدٌ أحدًا.”
حين شدّدتُ على كلامي، صمت سييون. بدا وجهه ساخطًا قليلًا.
“سأضرب لك مثالًا. أنا أحبّ طعام قصر الدوق كثيرًا. حين آكله أشعر بسعادة غامرة.”
أومأ موافقًا. لا شكّ أنّه يوافقني في لذّة الطعام.
“لكنّ الطعام يختفي بعد أن نأكله. نأكله، ونهضمه، وينتهي الأمر.”
“صحيح.”
“فهل يعني ذلك أنّ عليّ أن أخطف الطاهي وأحتجزه؟”
كراااك! انكسر القلم بين أصابع سييون. لم أكن أظنّ أنّ بوسعه كسره بقوّة يده فحسب!
تلعثمتُ فجأة. تحوّل مثالي من تحذيرٍ ضدّ التملّك إلى تهديد باختطاف الطاهي.
ولم تُتح لي فرصة التصحيح. تساقط الحبر من القلم المكسور ولطّخ يده.
نظرتُ مرّة إلى وجهه المتجهّم، ومرّة إلى قطرات الحبر المتساقطة، ثم أسرعتُ في أخذ القلم من يده.
“سموّه، هل تأذّت يدكَ؟”
مسحتُ الحبر بمنديل، وأمعنتُ النظر في أصابعه. فقد يكون انجرح من طرف القلم المكسور.
“هل تشعر بألم؟”
ربّتُّ بخفّة على أصابعه. لم أرَ جرحًا ظاهرًا، لكن ربما دخلت شظيّة دقيقة.
“أظنّ أنّني أشعر بألم.”
“حقًّا؟ أين؟”
ارتبكتُ. هل حقًا دخلت شظية؟
تفحّصتُ يده بدقّة، ولم أجد شيئًا. كانت يدُه القاسية نظيفة بلا خدش.
“يجب أنْ نستدعي الطبيب فورًا.”
وقفتُ متأهّبةً لأغادر، فإذا به يمسك بيدي فجأة. نظرتُ إليه مذهولة، فقال وهو يحدّق بي:
“آنِيت. نحن في وسط الدرس.”
سحبني نحوه، فمال جسدي تجاهه. تلاقت وجوهنا عن قُرب، وأمسك يدي بقوّة أكبر.
“المعلّم لا يترك الصف أثناء الدرس.”
“لكن… قلتَ إنك تتألّم؟”
“نعم.”
‘إذن يجب أن نُحضر الطبيب! هل الدرس أهم من ذلك؟’
حدّقتُ في وجهه الخالي من التعبير، ثم في يدي العالقة بين قبضته. تسرّب الشكّ إلى عقلي.
‘أهذا تظاهر بالألم فقط؟’
“سموّه، كيف يجب أن تمسك بالآخرين؟”
“باعتدال… هكذا قلتِ.”
أرخى قبضته ببطء، فعاد الدم إلى يدي وشعرتُ بوخزٍ مؤلمٍ،
سيظهر كدمة قريبًا بلا شك.
“وهناك أمر آخر، أليس كذلك؟”
شدّدتُ قبضتي على يده هذه المرّة. وجهه ظلّ هادئًا تمامًا. لم يكن يتألّم أصلًا.
اقتربتُ أكثر ونظرتُ في عينيه، لكن لم أستطع قراءة أفكاره.
“هل يجوز لي أن أمسكَ يدكِ؟”
سأل ببرود. تنفّستُ بعمق وهززتُ رأسي نافية.
“الحمد لله أنّك لم تُصب، سموّه. إذن يمكننا مواصلة الدرس الآن.”
إنْ كان يتظاهر فقط، فلن أتساهل معه أكثر.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات