الفصل 2
“عند التفكير بالأمر، لَمْ يكن لديّ أيُّ فُرصةٍ قط.”
“أهكذا هو الأمر…….”
“نعم. لكن إنْ قامت آنِيتْ اليوم بالتوقيع على هذه الأوراق، وقرّرتْ أن تُساعدني، فقد أتمكّنُ من ذلك. ذاك الذي يُسمّى حبًّا.”
صوتٌ رتيب، وملامحُ جامدة بلا انفعال. بدا سييون وكأنّه لا يهتمُّ بشيءٍ في هذا العالم، وهو يُفصح عن رغبةٍ غريبةٍ في الحب.
لكن، هل يُريد حقًّا أنْ يخوض علاقةً عاطفية؟
عيناها الحمراء اللّتان كانتا تُحدّقان بي بعمقٍ مُخيف، لم يكن فيهما أيُّ أثرٍ لمشاعر. لا توقّع، ولا فضول، لا شيء سوى سكونٍ عميق.
“آنِيتْ.”
“نـ-نعم؟”
لم يُمهلني وقتًا لأستغرب، حتى ناداني مُجدّدًا، وكأنّه لا يريد أنْ يتركني أفكّر.
وبعد صمتٍ قصير، تابع ببطء:
“أعلمُ أنّ الوضع الحالي ليس مُستساغًا لكِ.”
شعرتُ بوخزٍ في صدري. ابتسمتُ بتكلّفٍ محاوِلةً إخفاء ما فضحَه، رغم أنّني بذلتُ جُهدًا كي لا أُبدي نفورًا. على ما يبدو لم أنجح.
“لكن أرجو أنْ تُساعديني.”
اكتفى سييون بتلك الكلمات البسيطة، ولم يُضف شيئًا آخر.
كان غريبًا حقًّا. يتحدّث وكأنّه يتوقُ إلى علاقةٍ عاطفية، بينما نبرته جافةٌ تمامًا. بدا كأنّه لا يُبالي بخياري، أو أنّه يعرف النتيجة مُسبقًا. في كلامه أدبٌ ظاهر، لكن دون إكراه.
مع أنّ بإمكانه أنْ يفرض عليَّ ذلك بسلطته فحسب.
[آنِيتْ جيرنياس.]
تحت ثِقَل حضوره المُبهم، انتهى بي الأمر إلى التوقيع على العقد.
ربّما انجذبتُ قليلًا إلى وسامته الباردة أكثر من أيّ شيء آخر.
على الأقلّ، شروط العقد ليست سيئة من منظورٍ واقعي.
حسنًا، بما أنّ الأمر صار هكذا، فلتكن رحلةً يجب التمتّع بها إنْ كان لا مفرّ منها!
“بما أنّنا أنجزنا التوقيع، فلنُعرّف أنفسنا رسميًّا. أنا آنِيتْ جيرنياس. ومنذ الآن سأكون ’المعلّمة‘ التي ستُخصّص ساعتين يوميًّا، لستة أشهر، لأجل تعليمكَ أُسُس الحب.”
وضعتُ القلم على الطاولة بقوّة، ونهضتُ بجدّيّة، كما لو أنّني أُعلن بداية مُبارزة.
مددتُ يدي لمصافحته. حاولتُ أنْ أبدو واثقة، لكن كفّي كان مُبتلًّا بالعرق البارد.
مدّ سييون ، الذي سيُصبح تلميذي قريبًا، يده فورًا وأمسك بها. كانت يده الكبيرة باردةً كالجليد.
” سييون فرناندِي. وأنا أتطلّع بشوقٍ لتعلّم الحبّ من آنِيتْ .”
لا، رجاءً، لا تتطلّع لذلك……
لحظةً، شعرتُ بعينيه الباردتين تتلألآن كأنّهما عكستا ضوء النار. كان من المُفترض أنْ يكون شريرًا نقيًّا، لكنّه بدا للحظة كأنّه بريء.
“فلنُدرْسْ ونحن نحترم بعضنا، أليس كذلك؟”
نعم، أرجوك، خاصةً احترم سلامتي. ابتسمتُ وأنا أُحرّك يده قليلًا صعودًا وهبوطًا، لكن قبل أنْ أسحبها، ضغط قبضته عليّ أكثر.
“أوه!”
شعرتُ بأصابعي تكاد تتحطّم. قطّبتُ حاجبيّ من شدّة الألم، فخفّف قبضته قليلًا.
لقد وعدَ قبل ثلاث ثوانٍ فقط باحترام بعضنا! حاولتُ سحب يدي في كلّ اتجاه، لكنّه لم يُفلتها.
ما قصده بهذا؟ ربّما لطول ملامسة أيدينا، امتلأت راحتي بالعرق أكثر.
“جلالتُكَ، أظنّ أنّ يدي تبكي.”
“سيبدأ الدرس رسميًّا من الغد، لكن أيمكنني أنْ أطرح سؤالًا أوّلًا؟”
قبل أنْ أطلب منه الإفلات، سبقني بالسؤال. رفعتُ رأسي أنظر إلى ملامحه الجادّة.
“مـ-ما هو؟”
عيناه الثابتتان لم تَرمُش. تُرى ما الذي يُثير فضوله إلى هذا الحد؟ إنْ تذكّرتُ أنّه مُصنَّف كـ ’شرير بريء‘، فقد لا يكون سؤاله عاديًّا أبدًا.
حسنًا، ليأتِ بما يشاء! أنا مُستعدّة لِأَلّا أتفاجأ.
“عندما يُحاول المرءُ الذي أحُبّه أنْ يهرب، هل يجوز كسر ساقه؟”
“طبعًا لا يجوز؟!”
يا لَهذا الأحمق! كدتُ أختنق بالكلمات التي ابتلعتها.
“إذًا، كيف نمنعه من الرحيل؟”
سؤاله البريء جعلني أُصاب باليأس أكثر.
نعم، هذا كلّه عقابٌ لي على ما كتبتُه في الماضي.
في الجهة الخلفية من قصر الدوق، جلستُ أنا و سييون أمام نارٍ مشتعلة.
كانت كُتبٌ قديمة من مكتبته تُحترق فيها. أنا من بحث عنها وأشعلها.
『لا تَتعلّقْ بخادمتك المطرودة!』
روايةٌ بدا عنوانها مُبهجًا، لكنّها في الحقيقة سوداوية.
『ما الذي يُخفيه قصرُ ذلك البارون』
『الطمع: ماذا يحدث في غرفة ذلك المركيز……』
وعناوين أُخرى مهووسة بالاحتجاز والجنون.
“هل هذه الروايات من ذوقكَ يا جلالتكَ؟”
هل كان حلمه أنْ يُصبح مُلاحقًا مهووسًا؟! رمقتُه بعينين ضيّقتين. لكنّه ظلّ يُحدّق في النار.
“هناك روايات رومانسية عاديّة كثيرة. لماذا اخترتَ هذه القصص عن الهوس والقيود؟”
“ليست مسألة ذوق. اخترتُ أكثرها مبيعًا لأرى السبب.”
بل هو ذوقك، بلا شك.
التفتَ نحوي، وارتسمتْ في عينيه الحمراوين، تحت وهج النار، حِدّةٌ غريبة.
“لكنّ حبس الناس ليس مُمتعًا أبدًا.”
“…….”
“…….”
“هٕ-هكذا إذن. هاهاها…….”
يا إلهي، لقد جرّب ذلك بنفسه! لكن مع مَن؟ لا، لا أستطيع أنْ أسأل.
فلنطوِ هذا الموضوع!
“على أيّ حال! لا تقرأ مثل هذه الروايات مجدّدًا. اقرأ شيئًا أبسط، قصصًا عاديّة. الآن أصبح الرجل الطيّب هو الأكثر شعبية. التعلّق والاحتجاز يُدمّران أيّ علاقة. فالرواية ليست كالواقع.”
بدا وجه سييون عابسًا قليلًا. في نظر الآخرين، هو لا يزال بلا تعبير، لكن حاجبيه انخفضا بخفّة.
مُشكلة. إنْ تركتُه هكذا، قد يُعيد اختطاف البطلة كما هو مُقدَّر. عندها ستذهب كلّ جهودي سُدى. وقد تعود قصّتي روايةً مظلمة مُجدّدًا. تصوّرتُ هذا الاحتمال فأصابتني قشعريرة.
“فهمتُ أنّ الواقع يختلف عن الروايات.”
“بالضبط. لذا نحن بحاجة إلى شيءٍ واقعي أكثر…”
“لكن، آنِيتْ .”
اقتربت يده الكبيرة من وجهي. ارتعدتُ فورًا، وأطبقتُ أسناني بقوّة. لو ضربني بيده، لَتَكسّر فكي.
أيّ لغَمٍ دستُ عليه الآن؟!
“أنا ما زلتُ لا أفهم.”
لكن بدلاً من الألم، كان يُبعد عني ذرّات الرماد المتطايرة من النار.
كلّما اقتربتْ إحداها، كان يُبعدها بيده.
“لا أستوعبُ الفرق بين الحبّ العادي وتلك القصص. في النهاية، عندما يُحبّ المرء، تتولّد الغَيرة، وتتحوّل إلى رغبةٍ في التملّك، وقد تنتهي بالاحتجاز. كلّها تبدأ من الحب.”
“……هاه؟”
“لِماذا إذًا لا يُعتبر هذا حبًّا عاديًّا؟”
كان يُحدّق بي بصدقٍ وبلا خبث.
“وكون هذه الروايات كثيرة، ألا يعني أنّها قصص قابلة للحدوث في الواقع إلى حدٍّ ما؟ هل أنا مُخطئ؟”
كان يُفصح عن تفكيره المائل بوجهٍ شديد الهدوء. إنّه لا يفهم أصلًا لِماذا يُمنع تقييد الآخرين والتعلّق بهم حدّ الجنون.
دارت الأرض في رأسي. قبل الحب، عليّ أنْ أُدرّسه أبسط مبادئ العقل والرحمة.
أقسمتُ في داخلي أنْ أُصحّح خطئي الذي جعلته يولد بهذه الشخصية، خلال ستة أشهر.
“في الدروس القادمة سأشرح كلّ شيء! لماذا لا يُعتبر التعلّق عاديًّا، ولِمَ لا يجوز حبس مَن نُحبّه، ولماذا هناك أفعال محرّمة حتى لو كانت بدافع الحب!”
نظر إليّ مستغربًا لحماسي المفاجئ، ثم قال:
“مُثير للاهتمام.”
لكن نبرته ظلّت باردة كما هي.
رفع يده مُجدّدًا. لكن هذه المرّة، لم أرتعب. شعرتُ بأنّه لن يُؤذيني هكذا فجأة.
وبالفعل، لم يفعل. فقط لمس أطراف شعري القصير ونفض عنه الرماد.
“أتساءل ماذا سأفهم من تجربة الحبّ معكِ يا آنِيتْ .”
كلماته باغتتني. تلميذٌ ينتظر درسه؟ لا يُعقل. لكنّه بدا يتطلّع لما سيتعلّمه من ’علاقته‘ بي.
“هـ-هـم؟! حبّ؟!”
ارتجعتُ خطوةً للخلف، مُبتعدةً عنه. هذا الرجل يُلقي كلماتٍ خطيرة بملامح وديعة!
“لا أذكر أنّني وافقتُ على الدخول معكَ في علاقة.”
“لكنّكِ قلتِ أنّك ستُعلّمينني.”
“نعم! التعليم يعني درسًا، تدريبًا! ليس ’علاقة حبّ تعاقدية‘ أو ما شابه!”
مال برأسه وكأنّه
لا يفهم.
“لكنّنا وقّعنا عقدًا.”
ذاك العقد مختلف تمامًا عن ’عقد حب‘ يا هذا!
كتمتُ ما أردتُ قوله بصعوبة، وإلّا لتحوّل الموقف إلى مناظرةٍ طويلة تُفنّد كلّ مفاهيمه الخاطئة.
كان سييون يُقطّب حاجبيه متفكّرًا، كأنّه في حيرة. ثم سألني بجدّيّة:
“ما الفرق إذن؟”
آآه، بالله عليك!
سييون فرناندِي…… يبدو أنّ آخر تلميذٍ عليّ أنْ أُصلح مساره الأدبي، الذي يفتقدُ بشدّة إلى أبسط فهمٍ للعلاقات.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات