أن تصدر مثل هذه الكلمات ممن كان يضيق ذرعًا بخطوبته لي، ويفكر فيما بعد بكيفية الفكاك منها، أمرٌ ما كان ليخطر ببالي قط. حقًا إن أحوال الناس لا يمكن التنبؤ بها.
“لم أكن أحاول إخفاء الأمر، بل رأيت أنّ مهارتي ما زالت ضعيفة، فلم أرَ ضرورة لإظهارها.”
“……هكذا إذن.”
كان جوابه المتأخر قليلًا يترك في النفس غصة غامضة.
“إذن، إن احتجتِ إليّ في أي وقت، فأخبريني. سأساعدك.”
“……ولماذا؟”
‘ألم تكن تكرهني؟ لماذا صرت مؤخرًا تتصرف وكأنك شخص آخر؟’
تجهمت لويسا وهي تسأله، بينما رافاييل يبادلها النظرات دون أن يرمش، ثم حاد عنها أخيرًا وقال بصوت منخفض:
“لأننا… خطيبان، فلنقل ذلك.”
***
امتلأت قاعة الحفل عن آخرها.
ولأنها لم تُرِد لفت الأنظار، طلبت ألا يُعلن اسمها عند الدخول، لكنّ هذا لم يمنع سيل النظرات المتجهة إليها.
أرسلت لويسا نظرة سريعة حولها بحثًا عن ديميان.
“ألا يجب أن تذهب إلى مكانك يا صاحب السمو؟”
“إلى أين تقصدين؟”
“إلى المقدمة… هناك؟”
“لقد حضرت بصفتي أحد فرسان الهيكل، لذا لست مضطرًا للذهاب.”
كان صارمًا بحق.
توقعت أن يقف على الأقل مع العائلة الإمبراطورية عند دخولها، لكنه تصرف كأنه غريب تمامًا، وهذا ما أثار استغرابها.
لمحت لويسا ديميان محاطًا بالناس عند إحدى الطاولات البعيدة.
‘همم، لو بقيت معه سيتزاحم الناس أكثر. ربما من الأفضل أن أبقى بعيدة هكذا.’
تظاهرت بعدم رؤيته وأدارت رأسها.
الأصوات الهمهمة والأنظار الحادة التي تخترق بشرتها شعرت بها بوضوح، لكنها لم تُعرها اهتمامًا.
فهي تعلم أنهم لا يجرؤون على قول كلمة لها، فما الجدوى من الاكتراث؟ اكتفت بانتظار بدء الحفل ببرود.
“……متى سيبدأ؟”
“على الأغلب خلال خمس دقائق. هل تشعرين بعدم ارتياح؟”
“لا، بل… جائعة فقط…….”
لقد انشغلت بتجهيز الفستان والتهيؤ، فلم تأكل سوى بضع قطع فاكهة وبعض الخبز أعدته ماري.
وكانت تفكر أن في الحفل طعامًا وفيرًا، ففضلت الانتظار. لكن الآن شعرت بجوع شديد.
ضحكة قصيرة انطلقت من رافاييل.
لم تلتقطها لويسا لانشغالها بقرقرة معدتها، لكن ابتسامته الخفيفة كانت نادرة إلى درجة أن أنظار النساء حوله تعلقت به فورًا، وهذا طبيعي.
“ما رأيكِ أن نذهب إلى هناك؟”
“إلى طاولة الطعام؟ إذا اقتربنا الآن من الرائحة، سيزداد الأمر صعوبة…….”
“يمكنك أن تأكلي ببساطة، لكن يبدو أنك لا تحبين ذلك. فلتأكلي خلف ظهري إذن، ولن يراك أحد.”
“……أأنت جاد؟”
“نعم.”
حدقت فيه متعجبة.
‘يا له من شخص غريب الأطوار. يقول هذا الكلام بمنتهى الجدية… هل هو من الذين لا يحتملون الجوع؟ أما أنا فلست هكذا…’
ابتسمت بخجل وهي تحك خدها.
“على أي حال، سيبدأ الحفل قريبًا. آه! ها هم يخرجون.”
“أجل، حمدًا لله.”
دخل الإمبراطور والإمبراطورة وخلفهما بعد مسافة الأمير ساينف.
ساد صمت مطبق على القاعة حتى خفتت الأنفاس.
أمعنت لويسا النظر في الإمبراطور بعد طول غياب.
لم تتأمله جيدًا في يوم الخطوبة لأنها كانت نعسانة.
لكنه لم يشبه الأميرين في شيء تقريبًا.
رافاييل وساينف كليهما ورثا الملامح من جهة أخرى، فلم يتبقَّ من شبه الأب سوى لون الشعر والعينين، وحتى ساينف شعره مطابق لشعر الإمبراطورة الأبيض الفضي، مما جعله يبدو أبعد شبهًا.
‘الإمبراطورة وساينف نسخة واحدة… جمال يلد جمالًا. رافاييل أيضًا على الأرجح…….’
نظرت إلى الإمبراطور ببرود، ورأت أن ملامحه الصارمة لا توحي أنه كان وسيمًا حتى في شبابه.
ربما كان استثناءً نادرًا، إذ امتلك كل شيء ما عدا الجمال.
وبينما كانت تتأمل بملل بداية خطابه الطويل، وقع بصرها على امرأة تتحرك بحذر في زاوية القاعة.
وفي هذا الموقف الذي يجب أن يثبت فيه الجميع كالتماثيل، الوحيدة المسموح لها بالتحرك كانت بطلة القصة التي ستُكرَّم الآن.
“لقد أقمت هذا الحفل اليوم لأن لدي من أود تقديمه لكم. كان من المفترض أن يُعلن عنه رسميًا في الكنيسة أولًا، لكن الإجراءات طويلة، وخشيت ألا يُمهلني العمر، فأردت أن أسبقه. فأرجو أن تستقبلوها بفرح.”
مع أن كلامه بدا بريئًا، إلا أن معظم النبلاء فهموا أنه إنما فعل ذلك ليمنع الكنيسة من الاستحواذ على النفوذ، لكنهم أظهروا الجهل والتظاهر بالامتنان، وصفقوا بحرارة.
تقدمت المرأة بخطوات واثقة مرتدية فستانًا أبيض ناصعًا، وشعرها الأزرق الفاتح نصف مرفوع يتمايل مع حركتها.
“أُحيي شمس الإمبراطورية.”
“اسمك بيلا، أليس كذلك؟”
“أجل، إنه لشرف عظيم.”
‘آه، إذن اسمها بيلا.’
رمشت لويسا بعينيها، ثم وجهت إلى الإمبراطور نظرة باردة وهو يبتسم برضا ظاهر.
‘هذا الثعلب العجوز لا يبتسم هكذا إلا وفي جعبته مكر… إنه نفس الوجه الذي أظهره حين ضغط عليّ لإقناع عائلة بليك بالخطوبة من رافاييل.’
“يسرني أن أقدم لكم من ستزيل الظلال عن الإمبراطورية.”
ابتسم الإمبراطور ابتسامة مصطنعة، وأومأ إلى أحد الخدم الواقفين عن يساره.
“أود أن أشعر بفرحتي هذه بنفسي، فهل يمكن ذلك؟”
ناول الخادم بيلا صندوقًا صغيرًا من الحديد.
‘هذا الصندوق لا يبعث على الاطمئنان أبداً……’
شدّت لويسا ساقيها كي لا تتراجع خطوة إلى الوراء.
“أن ينظر إليّ جلالتك بنفسه، إنه شرف لا يُقدَّر بثمن.”
“هاه، سيكون من الجيد أيضاً أن تديري ظهرك ليتمكّن الجميع من رؤيتك. أما أنا، فأراك بوضوح تام.”
“أمرُك مطاع.”
استدارت بيلا ببطء وفق إشارة الإمبراطور.
كانت الفتاة ذات الملامح العذبة التي تخطف الأبصار ترمش بعينيها، ولم تكن سوى تلك التي رآها رافاييل معها في المرة السابقة.
ساورها شعور غريب.
كانت قد أدركت في حينها أنها البطلة الأصلية، غير أن مواجهتها مجدداً في قلب القصر الإمبراطوري جعلتها تشعر وكأن الأحداث الجدية بدأت بالفعل.
ألقت بيلا نظرة على الحاضرين بوجه يشوبه شيء من الارتباك.
ارتعشت عيناها الخضراوان للحظة بملامح واهنة، لكنها سرعان ما استجمعت أنفاسها وأطبقت شفتيها بعزم.
تركّزت كل الأنظار على يديها.
متى ستفتح الصندوق؟ ماذا يخفي داخله؟
الفضول ملأ القاعة.
وأخيراً، انفتح الصندوق بصرير خافت.
‘تبا……’
في داخله زهرة مقدّسة لوثتها قوى السحر الاسود.
أغمضت لويسا عينيها بإحكام، تستدعي في عجلة قواها المقدسة.
كانت تعلم أنّ البعد كافٍ لتفادي الخطر ما دامت لا تلمسها، لكن إن حدث وانفلت الأمر وتقيأت دماً أمام هذا الجمع، فسيكون ذلك كارثة محققة.
‘كان يجب أن يتم هذا في الكنيسة بحضور الكهنة. وإن لم تكن سوى زهرة، لكن ما كان للإمبراطور أن يتصرّف بخرف كهذا…’
تمتمت في سرّها ساخطَة، لكنها لم ترفع عينيها عن بيلا وهي تخرج الزهرة من الصندوق.
كان بتلاتها قد اسودّت كأنها محترقة، هشة توشك أن تتفتت من أدنى لمسة.
علت أصوات الدهشة في القاعة.
فالقليلون فقط سبق أن رأوا بأعينهم زهرة مقدسة لوثها السحر الاسود.
وما كان ليُكشف عنها اليوم لولا ظهور بيلا، وإلا لظلّ الأمر طيّ الكتمان.
ضغطت لويسا على أسنانها، متشبثة بهالتها المقدسة كي لا تمتص طاقة الفساد تلك إليها.
أطبقت بيلا جفنيها وأمسكت بساق الزهرة بكلتي يديها ثم بدأت البتلات من الداخل تتخلّص من السواد شيئاً فشيئاً كأن موجة بيضاء تغسلها.
تعالت همسات الإعجاب من كل صوب.
وإن لم ترَهم لويسا بعينها، فقد كانت تعلم أنّ الجميع صار ينظر إلى بيلا ككائن نبيل يبعث على التقديس.
تملكتها فجأة رغبة في أن ترى ردة فعل رافاييل، فمالت برأسها قليلاً لتنظر إليه.
‘……هاه؟’
فغرت فاها في دهشة.
كانت تظن أنّه سيركّز على بيلا، لكنه كان يحدّق بها بعينين غائرتين، نظرته تنفذ فيها بعمق غامض.
لم تدرك ما يجول بخاطره.
كان يبدو مصمماً على ألا يشيح ببصره أولاً، فما كان منها إلا أن صرفت عينيها مرتبكة.
كانت تريد فقط مراقبة رد فعله، لكن استمرار المواجهة البصرية معه أزعجها على نحو مقلق.
في تلك اللحظة دوّى تصفيق حار ملأ القاعة.
لقد نجحت بيلا في تطهير الزهرة تماماً.
ألقت لويسا نظرة سريعة على البتلات البيضاء النقية قبل أن ترفع بصرها نحو بيلا.
كانت بيلا تبتسم بصفاء، كزهرتها التي عادت نقية.
ابتسامة غاية في العذوبة.
***
ترك الإمبراطور القاعة بعد أن أوصى الحضور بالتمتع بالوليمة، متوارياً مع بعض الشخصيات المهمة، ومن بينهم الدوق بليك ورافاييل.
‘لابد أنهم سيعقدون اجتماعاً عاجلاً… فقد كُشف عن زهرة ملوثة حتى في الشمال، وما عاد بوسعهم التغاضي عن الأمر. لو استمر الحال، فانتشار السحر الاسود في العاصمة لن يكون سوى مسألة وقت.’
‘توقيت ظهور بيلا كان مثالياً حقاً…’
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات