انحنى الأطباء برؤوسهم في اعتذار، بينما شدّ ديميان على أسنانه ورفع ذقنه متحديًا.
كان يحاول كبح دموعٍ توشك أن تنهمر وهو يحدّق في السقف الزجاجي، فبدا منظره بطوليًا بلا طائل.
“آه حقًا……”
“هاه……!”
امتزج صوت تنهيدة لويسا مع شهقة ديميان المكبوتة.
***
بدأت التحضيرات للحفل.
كان من المفترض أن تُشرع بها فور سماع الخبر، لكنّ الجدول كان ضاغطًا على لويسا التي عاشت منشغلة في الشمال.
ثم إن الشمال لم يكن يحوي مصممين بارزين أصلًا.
عادةً ما يتوجّه الناس بأنفسهم إلى المتاجر، أمّا العائلات ذات الثراء فكان المصممون المشهورون يحملون إليهم الكتالوجات بأنفسهم.
وبالنسبة للويـسا التي لا يمكن أن تكلّف نفسها عناء الذهاب، فالحلّ الثاني كان الأنسب.
أمرت بإحضار مصمم قادر على إنجاز سريع، لكن براون لم يأخذ كلامها باستخفاف؛ بل استدعى أشهر وأمهر مصمم في العاصمة المعروف بصرامته وانتقائيته، تشـاركو مينغ.
التقت عين لويسا بعيون المصمم المتألقة حماسًا حين دخل بخطواتٍ سريعة بشَعرٍ أحمر ونظرات فيروزية تفيض توهّجًا.
ما إن رآها حتى احمرّ وجهه وصاح “برافو!” كأنما أمام لوحة فنية.
لم تجد لويسا ردًا على انفعاله المبالغ فيه.
“هل لكِ تفضيل خاص في الأزياء؟”
“لا، افعل ما تراه مناسبًا.”
“برر─افو!”
وأمسك بيدها باندفاع قائلاً:
“اطمئني! أنا تشـاركو مينغ، ولدتُ والخيط والحرير في يدي. إنني موجود فقط لأخلق الجمال!”
لم يكترث لبرود ملامحها، بل ظلّ يفجّر حماسه بلا توقف:
“لو أنّ حاكمة الربيع تجسّدت، فلن تكون إلا أنتِ! يا لها من هالة! أخيرًا وجدتُ ملهمتي التي كنت أبحث عنها!”
همست لويسا ساخرة:
“ملهمة؟ أيّ شيء أثار جنونك؟”
“حتى من دون زينة أنتِ فاتنة. لكن ما يميزكِ هو قدرتكِ على جعل أي تغيير يتجلّى كأنه جزء منكِ. آه، يجب أن نبدأ حالًا لأثبت كلامي!”
ثم أضاف بعد قليل:
“ومَن سيكون شريككِ؟ هل هو خطيبكِ ولي العهد الأول؟ أسأل فقط لأجل تنسيق الأزياء.”
“نعم، سأذهب مع سموّه. لكن أظن أنه سيحضر بزيّ الفارس المقدّس.”
“هاها، الرجال يزدادون سحرًا في بزاتهم الرسمية! حسنًا، سأصمّم لكِ فستانًا نقيّ الطابع يليق مع الزيّ الأبيض، بسيط لكن خاطف للأنظار ومتألق دون إفراط!”
بالغ في حماسه إلى درجة أن لويسا لم تستطع إلا أن تقلق من تبعات ذلك.
تسرّب نور الشمس عبر ستائر الغرفة نصف المسدلة.
وضعت لويسا يدها على أذنها؛ وكأن كلمة “برافو” ما تزال تصدح بداخلها.
ورغم أن ما حدث كان بالأمس، إلا أن ذكريات المصمم الذي ظلّ يثني على نفسه حتى غروب الشمس بدت وكأنها وقعت لتوّها.
لو لم يغادر القصر على عجل مدّعيًا أنه أصيب بوحيٍ خاطف، لربما ظلّ يزعجها حتى اليوم.
وبالفعل، لم يكن غريبًا أن يكون بهذا القدر من الانشغال، وهو الذي يصعب حجز موعد معه أصلًا بين النبلاء.
ومع ذلك، تمنت لويسا لو يخفّف قليلًا من انفعاله، فقد أنهكها قبل أن يبدأ العمل.
تمتمت بفتور:
“أكان موعد البارون اليوم…؟”
لو أنّ الأمر مالٌ فقط لكان لقاء الشريك التجاري مثيرًا، لكن مع حلول اليوم بدا لقاء البارون ألبيرت روزيه عبئًا ثقيلاً.
في الماضي كانت ستدعوه إلى منزلها، لكن بعد أن ذاع صيته بفضل نجاح النبيذ، صار الحذر واجبًا.
فقد تزايدت الطلبات بشكل هائل حتى بات عليهم توسيع معمل التخمير.
أراد ألبيرت أن يكشف عن هويّة شريكته في هذا النجاح، غير أنّ لويسا رفضت قطعًا؛ فلم تكن تطيق أن تتصدّر الأنظار.
أقنعته بأن الوقت لم يحن بعد، وأن عليها تأجيل الإعلان.
واتفقا أن يلتقيا في غرفة خاصّة لبحث أمور المشروع.
لكن اليوم بدا أنه حلّ أسرع مما توقعت، مما أثار حنقها.
لماذا يركض الزمن فقط حين لا ترغب بذلك؟ ولماذا يكون الطقس رائعًا في أسوأ الأوقات؟
“ولماذا بالذات كان لا بد أن يكون اليوم؟”
سقطت على السرير وضربته بقبضتها في يأس.
في ذلك اليوم الحار، خرجت مرتدية فستانًا أخضر فاتحًا بأكمام قصيرة منتفخة تعلوه قبّعة عريضة الحافة.
لحسن حظها أن الدوق وابنه لم يكونا في القصر، فتمكّنت من الخروج بسهولة.
لولا حالتها الصحية، لكان بإمكانها التجوال بحرّية.
لكن الحقيقة أنها لم تكن تميل أصلًا للتنقّل هنا وهناك.
سارت لويسا برفقة ماري نحو المكان المتفق عليه.
“آنستي، الآن أدركتُ… هذه أول مرة تحضرين فيها مهرجان الصيف، أليس كذلك؟”
“مهرجان الصيف؟ ومتى يُقام؟”
“كان من المفترض أن يُقام في هذا الوقت، لكن بسبب تزامنه مع الحفل تم تأجيله لأسبوعين.”
“آه، حسنًا. سأمنحكِ إجازة وقتها. اذهبي واستمتعي.”
“ماذا؟! لا، لا! لم أقصد ذلك إطلاقًا.”
قفزت ماري بفزع ولوّحت بكلتا يديها بسرعة.
وردّ فعلها المبالغ فيه جعل لويسا تتوقف عن السير مترددة.
“كنتُ فقط أقصد أن حضوركِ المهرجان ولو لمرة قد يكون أمرًا جيدًا. أما أنا فقد ذهبتُ سابقًا، فلا بأس إن لم أذهب هذه المرة.”
“همم، المهرجان في النهاية مجرد تجمع للناس يأكلون ويلهون، أليس كذلك؟”
“صحيح… لكن مهرجان الصيف أهم ما فيه هو الليل! قد لا تثير الأسواق الليلة اهتمام النبلاء، لكن الألعاب النارية كانت تحظى دومًا بشعبية كبيرة! حتى إن بعضهم يتشاجرون ليفوزوا بأفضل المقاعد لمشاهدتها!”
‘حقًا؟ إلى هذا الحد؟’
كان ذلك بالضبط النوع من الأجواء الذي تكرهه لويسا أكثر من أي شيء آخر، ازدحام، ضجيج، ومشكلات لا حصر لها.
لكنها لم تستطع أن ترد بالرفض القاطع، فقد كانت عينا ماري اللامعتان المتحمستان تحدقان بها برجاء.
“…سأفكر في الأمر.”
“حقًا! أعلم أن آنستي لا تستمتع كثيرًا بالخروج، لكن مجرد مشاهدة الألعاب النارية من مكان هادئ سيكون أمرًا رائعًا! سأبحث عن بقعة لا يعرفها أحد!”
‘لماذا ظهر منذ الأمس كل هؤلاء المتحمسون المزعجون؟’
تساءلت لويسا وهي ترسم ابتسامة باهتة نحو ماري المتوهجة حماسة بعد تشاركو مينغ بالأمس.
‘نعم… يبدو أن قدري أن أتعامل مع هذا النوع من الناس.’
تنهدت في سرها وأخذت تمشي من جديد ببطء.
لكنها تساءلت كيف تستمر هذه المواقف المزعجة في ملاحقتها، وبدأت تحدّق حولها بعين حذرة كأنها تتوقع أن يقع أمر ما.
حينها وقعت عيناها على هيئة مألوفة.
‘رافاييل؟’
رافاييل في شارع البوتيك عند الظهيرة؟ لم يكن مشهدًا مألوفًا.
عادة لا يظهر إلا عند مواعيد الغداء معها، فإما أنه كان أكثر نشاطًا مما توقعت… أو أنها لم تلحظ ذلك من قبل.
وبينما تنظر إليه بفضول، رأت خلف قامته الضخمة جسدًا صغيرًا لم تلحظه أولًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات