لم يفعل سوى تحريك شفتيه مرارًا دون صوت حتى مالت لويسا برأسها بدهشة.
عندها فقط ابتلع ريقه وأخيرًا تكلم.
“أجسدكِ بخير؟”
“نعم.”
“حتى لو سافرنا عبر البوابة، فالرحلة طويلة وقد تُرهق جسدكِ. فإن شعرتِ بتعب، فالرجاء أن تخبريني.”
“لا بأس. لم أشعر بمشقة من قبل. لكن…”
حدّقت لويسا فيه بنظرة مباشرة، مستغربة من إصراره هذه الأيام على إزعاجها بمثل هذه الأسئلة.
نظرة تقول بوضوح ‘أهذا ما جئت من أجله؟’
لم تعرف إن كان قلقه صادقًا أم أنه يترقب الفرصة ليفتح حديثًا عن فسخ الخطبة.
كان يسألها عن حالتها الصحية كلما رآها، كواعظ مهووس بالصحة، وقد سئمت هي الردّ بالمبررات في كل مرة.
ولما كانت تعرف أن في العاصمة ينتظر أطباء جلبوا طرق العلاج من الشرق، فقد ازدادت ضيقًا بفضوله هذا الذي بدا أقرب إلى المراقبة منه إلى القلق.
“أجئت فقط من أجل هذا؟”
سؤالها كان باردًا مقتضبًا.
حدّق فيها رافاييل برهة، ثم قال بصوت خافت:
“وماذا عن الحفل؟”
“الحفل؟ سأذهب، أليس لزامًا الحضور؟”
“لا أعني ذلك. أعني شريكك في الحفل.”
“شريك؟ هاه… أظنني سأذهب مع أخي.”
فُغر فم رافاييل قليلًا قبل أن يطبقه.
مال برأسه جانبًا، وأخذ يلمس أذنه اليمنى ثم مرر يده فوق شعره المرتب أصلًا.
رمقت لويسا طرف أذنه وقد احمرّ سريعًا، ثم عادت بنظرها إليه عند سماعها سعالًا متكلفًا خرج من بين شفتيه.
ورفعت عيناه الخافضتان تدريجيًا حتى التقت بعينيها.
“ألا ترين أن مرافقتي لك خير من مرافقة أخيكِ كما فعل في حفلة الكونت داليو؟”
تسعت عيناها دهشة.
“…عفوًا؟”
“نحن مخطوبان. إن دخلنا القاعة منفصلين ستكثر الأقاويل.”
عجبت من قوله.
فقد كانت تظن أنه يفضل مثل تلك الشائعات، إذ ستسهل عليه بعد ذلك المطالبة بالفسخ.
فلماذا يخشى الآن القيل والقال؟
أترى أنه ما دام لم يلتقِ البطلة بعد، فليس في نفسه عزم أكيد على الفسخ؟
مرّرت إصبعها على خدها بخفة دون أن تبدو على وجهها أيّ تعابير.
‘لا بأس. بدلًا من نقاش عقيم، فلأدع الأمر يمضي. سأرافقه لمرة، ثم أعود إلى الشمال، فما يهمّ بعد ذلك؟’
حدّقت فيه بملامح غامضة قبل أن تهزّ رأسها إقرارًا.
وكان لردّها الهادئ وإن جاء بعد لحظة وقع غريب على ملامحه.
بدا كأنه ارتاح قليلًا، وفي الوقت نفسه مرّ على وجهه طيف شعورٍ حائر وكأنه ينظر إلى شخص لا يزال غريبًا عنه.
“…سأعلّمك طريقة استخدام الأداة السحرية حال وصولنا إلى العاصمة. إن أتقنتِ استخدامها فستجدينها نافعة.”
“وجدت الطريقة بالفعل؟ هذا سريع.”
“صدفة… أو لعلها العناية. همم.”
أخفت لويسا دهشتها.
فهي نفسها لم تعرف طريقة استخدامها إلا من خلال أحداث الرواية، ومع ذلك فقد توصّل هو إليها بلا أدنى معلومة مسبقة.
‘حقًا، لم يُلقّب بطل الرواية عبثًا.’
فهو متفوّق في القوة المقدسة وفي السيف وفي إدراك خصائص الأدوات أيضًا.
‘إنه شخصية مثالية بكل معنى الكلمة. تُرى، كم سيكون الأبطال الآخرون مدهشين إذن؟’
والآن وقد ظهرت البطلة، فلا شك أن الأحداث ستتسارع وأن أرجاء الإمبراطورية ستغدو ضاجة.
‘من الأفضل ألا أتورط، فبمجرد أن يلتقي البطلة في الحفل سينصرف عني تمامًا.’
تأملت جانب وجهه وهو يغطي فمه بقبضته ويتظاهر بالسعال، وعادت عيناها إلى طرف أذنه الذي لم يزل محمرًّا.
‘سيؤسفني فقدان تلك الكتلة من القوة المقدسة… لكن لا حيلة.’
سحبت بصرها أخيرًا دون تردد، وألقت نظرة عبر النافذة.
كان الجو مشرقًا بلا غيمة.
‘يبدو أنه لن يهطل المطر قريبًا. ينبغي أن أسقي حديقة الزهور السرّية قبل الرحيل.’
***
كانت العاصمة غارقةً في أجواء الصيف. ومن بين الأوراق الكثيفة التي تُرى من نافذة الغرفة، انطلقت أصوات الصَّرَاصير العالية.
ورغم هذا الضجيج المزعج، فتحت لويسا النافذة على مهل لتستمتع بدفء الطقس الذي لم تشعر به منذ زمن.
صحيح أنّ الطقس في إقليم بليك كان قد اعتدل قليلًا، غير أنه ظلّ باردًا في نظرها. وكانت تظن دائمًا أنها أضعف من غيرها أمام البرد، لكنها بعدما وصلت إلى العاصمة أدركت أنها على العكس تمامًا، أكثر تحمّلًا للحرارة.
فمهما اشتدّت أشعة الشمس وأطبق الحرّ، لم تكن تشعر حتى بقطرة عرق، بل بدا لها الجوّ جميلًا لا أكثر.
قال ديميان وهو يطلّ عليها:
“لويسا، من الجيد أن ترتاحي قليلًا من عناء السفر، لكن أليس من الأفضل أن تخضعي لفحص طبي؟”
كانت قد وصلت بالأمس إلى بيت العائلة في العاصمة، واستغلّت طول الطريق كذريعة لتأخذ يومًا كاملًا من الراحة دون إزعاج، غير أنّ إبقاء الأطباء الذين كانوا بانتظارها منذ أيام معلّقين إلى أجلٍ غير مسمّى لم يكن ممكنًا. ويبدو أن نفاد صبرهم بلغ حدًّا جعل ديميان يأتي بنفسه.
“حسنًا، سأجري الفحص.”
“حقًا؟ أحسنتِ صنعًا، سأستدعيهم حالًا!”
راقبت لويسا ظهر ديميان وهو يخرج مسرعًا بنفسه بدل أن يكتفي بإرسال أحد الخدم.
لو لم يتصادف أن بصقَت دمًا أمامه في المرة السابقة، لكانت الآن تجادل بثقة أنها تعافت.
لكن القدر جعل الأمر ينكشف، فوضعتها الواقعة في موقف صعب.
‘أي دواء هذا الذي جلبوه من الشرق؟ وهل سيكون العلاج به آمنًا؟’
لم تكن مطمئنة لتناول ما يصفونه على مرضها؛ فالدواء ليس خيرًا مطلقًا، وإن لم يلائم جسدها فقد يجلب مضاعفات أسوأ.
تنهدت بعمق.
لمَ لا تكفّ المتاعب عن ملاحقتها؟
لم تجد فرصة لترتاح حقًّا.
ومن جوّ العائلة كما بدا، فلن يسمحوا لها بالعيش وحدها أبدًا. لعلّ زواج ديميان وحده يمكن أن يخفّف من حدّة اهتمامهم بها… وإن كانت تعلم أنّه سيظلّ أسيرًا لحبٍّ من طرف واحد للبطلة، فهل سيتحقق ذلك أصلًا؟
‘ألم يكن رافاييل هو الأكثر قربًا لبطلة الرواية؟ أما ديميان وساينف، فشخصيتهما كانت أقرب إلى أدوارٍ ثانوية؟’
لكنها لم تتذكر الخاتمة بدقّة.
في الحقيقة، حتى البطلة نفسها لم تترسخ في ذاكرتها جيدًا؛ فهي لم تتذكر سوى أن البطلة كانت تملك قدرة التطهير وأنها أصبحت قديسة، لكنها لم تعد تذكر ماذا فعلت بعد ذلك.
هزّت رأسها داخليًا: “آه، كفى. ما شأننا بهذا؟”
ما يهمّ الآن أن تُظهر للجميع أنها بخير حتى يزول القلق عنها.
لذا كان عليها أن تتظاهر بتلقّي العلاج بهدوء، وأن تبدي أنها لا تعاني من شيء.
“لويسا، هل ندخل؟”
“تفضل.”
دخل ديميان، وخلفه الطبيب الخاص ومعه مجموعة من الأطباء لم ترهم من قبل.
حيّتهم لويسا بإيماءة رصينة ثم جلست على السرير.
قال الطبيب:
“يا آنسة، كيف حال الأعراض في الآونة الأخيرة؟”
“أصبحت أفضل بكثير. منذ ذهابي إلى الشمال قلّت نوبات الألم بشكل واضح.”
وبعد أن أنهى ما أراد، رفع نظارته الصغيرة على أنفه ونظر إليها.
“لحسن الحظ، جسدكِ لم يزداد سوءًا. لكن المشكلة أنّ عرض نفث الدم قلَّ، غير أنّنا لا نستطيع القول إنه زال. لذا أوصي بالعلاج الدوائي.”
“آه…”
“سبق أن ذكرتُ أن حالتك قريبة من مرض يُعرف باسم اليُقْسُنْغوي. وبعد فحص ومقارنات عديدة، تبيّن أن العقاقير التي سنصفها لا تهدف إلا إلى تدعيم جسدك. لذا حتى لو لم يكن هذا هو المرض بعينه، فلن يكون في الأمر خطر على صحتك.”
“هذا مطمئن على الأقل…”
“نعم. إذا واظبتِ على تناوله فستكون النتائج طيبة. سنُعدّ الدواء ابتداءً من اليوم، ويُشرب مغليًّا بعد الوجبات صباحًا ومساءً.”
أدركت لويسا أنها لن تفلت من ذلك. مجرد فكرة الشراب المغلي كافية لأن تجعلها تنقبض.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات