لأول مرة شعرت لويسا بوخز في ضميرها. فعلى الرغم من أن الرجل كان فظًّا في طبعه، إلا أنها كلما عاشرته أكثر أدركت أنه لا يتوانى عن القلق عليها.
لكن الاستمرار في التغاضي عن ذلك له حدّ، وإمعانها في التجاهل جعل طعم فمها مرًّا وكأنها ترتكب شيئًا دنيئًا.
قالت بصوت خافت:
“نعم… شكرًا لك. والحق أنك جئت باكرًا اليوم. كيف حال الوضع على الحدود في هذه الأيام؟”
أحست أنها لا تستطيع المضيّ على هذا النحو، فغيّرت مجرى الحديث على نحو طبيعي وهي تعبث بقطعة الحلوى أمامها.
قال الدوق بحزم:
“الوضع يسير نحو الاستقرار. ستزول الوحوش الشريرة قريبًا، فلا تقلقي وعيشي مطمئنة.”
وأضاف ديميان مبتسمًا وكأنه يتلقف كلام الدوق:
“صحيح، فحتى قائد فرسان الهيكل قد حضر بنفسه، ولهذا تسير الأمور بسرعة. كل ذلك بفضلك يا لويسا.”
فكرت لويسا في استغراب:
‘لماذا يزجّ باسمي فجأة في الأمر؟’
وعلى الرغم من تساهلها المعتاد معه، بدا لها أن نسب الفضل إليها في كل شيء أمر مبالغ فيه، فبدت على وجهها ملامح عدم الرضا.
“وما علاقتي أنا بذلك؟”
“فكري قليلًا، لِمَ جاء إلى هنا أصلاً؟”
“جاء لأن الوضع في الشمال خطير طبعًا.”
“الشمال ليس بالخطورة التي تستدعي قدوم ولي العهد. كان بإمكاننا التعامل مع الأمر وحدنا.”
“آه… أحقًّا؟ إذن ربما طرأ تعديل داخلي على الخطة…”
“لست واثقًا، لكني سمعت أنه كان من المفترض أن يتوجه إلى الشرق، إلا أنه غيّر وجهته فجأة نحو الشمال.”
“……كان من المفترض أن يذهب إلى الشرق؟”
“نعم. ومن المؤكد أن خطوبتك به قد أثّرت على ذلك. فالوقت متزامن بشكل لافت؛ إذ ما إن رحلنا نحن إلى الشمال حتى أُعلن عن التغيير.”
قطّبت لويسا حاجبيها وأمالت رأسها شاعرة أن الأمر تكلف في التفسير.
فهي على يقين أنه لا يمكن أن يتخذ قرارًا مصيريًّا كهذا من أجلها.
لكن ديميان بدا مؤمنًا بذلك كل الإيمان.
بل إن الدوق نفسه بعد أن عقّب بكلمة قصيرة ثم سكت وهو يرمقها، أوحى لها أو هكذا ظنّت بموافقة ضمنية على ما قاله ديميان.
قال الدوق:
“ومهما يكن، فقد كان في ذلك تسهيل كبير علينا، لذا فهو أمر نشكره عليه. ولهذا فالفضل يعود إليك أيضًا.”
“آه… نعم.”
عندها قررت لويسا أن لا تجادل أكثر.
***
كانت أيام لويسا مزدحمة.
فقد اعتادت أن تتناول إفطارها ثم تذهب مع رافاييل إلى الكنيسة.
في السابق كانت تستيقظ عند الظهيرة تقريبًا، فتأكل على مهل ثم تستلقي في سريرها، وربما خرجت قليلًا لتتأمل غروب الشمس بأجواء شاعرية. لكن من غير قصد وجدت نفسها تعيش حياة نشيطة ومنظمة.
ولولا أنها ترافق رافاييل لذهبت متأخرة بعض الشيء، إلا أن الكاهن يوران أوصاها بأن تقضي وقتًا أطول مع رافاييل، فلم تجد بدًّا من أن توافق مواعيدها مع مواعيده.
وفور أن عقدت عقد توزيع مع الكونتيسة دالّيو، سارعت الكونتيسة إلى الترويج لنبيذ روزِيه في حفلاتها حتى ذاع صيته بين النبلاء بشكل واسع، وهذا زاد جدول أعمال لويسا ازدحامًا.
تبادلت الرسائل على عجل مع ألبيرت روزِيه تقريبًا كل يوم وأجريا الترتيبات النهائية ليُطرح النبيذ في بيع بالطلب المسبق، وقد حقق ذلك نجاحًا باهرًا.
فالتصميم المبتكر والأنيق للزجاجة الشفافة مع لون النبيذ البهيّ وطعمه الرقيق الحلو، أسر أذواق النبلاء وأبصارهم، فتدفقت الطلبات بكميات هائلة.
‘حين أزور العاصمة يومًا ما، سأرى بعيني كيف يشتهر نبيذ روزِيه هناك. لم يكن يهمني في السابق إن ذهبت أم لا، لكن الآن صرت أنتظر ذلك بفارغ الصبر.’
في الغرفة الصغيرة التي خصصت لها في الكنيسة منذ خمسة عشر يومًا والتي اعتادت عليها الآن، جلست لويسا تحاول جمع شتات أفكارها والتركيز من جديد.
في يدها اليسرى كانت تحمل زهرة مقدسة دنّسها السحر، بينما أمسكت بيدها اليمنى يد الكاهن يوران.
وسرعان ما بدأت أناملها تشعّ بضوء خافت لتستعيد الزهرة التي اسودّت لونها الطبيعي شيئًا فشيئًا.
عندها أفلت يوران يدها بحذر.
“لقد بدأتِ تدركين الأمر جيدًا. سرعة استيعابكِ مدهشة.”
فتحت لويسا عينيها لتتأمل الزهرة في يدها؛ كانت قبل قليل ذابلة، أما الآن فقد تفتحت ناصعة البياض وتنبض بالحياة.
“نعم… أظن أني بدأت أفهم قليلًا.”
وضعت يدها على موضع قلبها.
في البداية بدا لها طلب الكاهن أن تشعر بالقوة المقدسة أمرًا غامضًا، لكنها أدركت ذلك صدفة، ومنذ تلك اللحظة مضت عملية تعلمها بسرعة لافتة.
بدأت أولًا بمحاولة نشر القوة المقدسة من قلبها إلى جسدها كله، ثم التدرج في التحكم بها حتى تركزها في أطراف أصابعها. وكان ذلك يتطلب صبرًا ومداومة.
ورغم أنها لم تصل بعد إلى التحكم الكامل، إلا أنها أصبحت قادرة على كبح قوتها كي لا تتسرب إلى الخارج دون إذنها.
لم يتبقَّ سوى أن تتعلم استدعاءها متى شاءت، لكنها تساءلت في نفسها:
‘وهل أحتاج أصلًا إلى أن أبلغ ذلك الحد؟’
وبدأت تفكر في تقليل زياراتها للكنيسة.
قال يوران بإعجاب:
“يبدو أن لديكِ حسًّا بالقوة المقدسة أرقى من سائر الناس. أن تحققي هذا القدر في وقت قصير أمر مدهش. وبهذا، فلن تخشي على صحتكِ بعد الآن.”
“يصعب عليّ أن أنسب ذلك إلى نفسي وحدي، فمعونة القائد كان لها النصيب الأوفر. ولولا وجوده لما خطر ببالي أصلًا أن أتعلم التحكم بالقوة المقدسة.”
فاحتكاكها اليومي بكتلة نقية من القوة المقدسة جعل طاقتها تزداد بسرعة كبيرة. ولو لم يكن رافاييل إلى جوارها لربما عانت الأمرّين، إذ كان جسدها سيتولى تطهير نفسه بتلك القوة الناقصة، فتتأذى كثيرًا.
‘ربما كان لقائي المستمر به هو ما أبقى حياتي محفوظة حتى الآن بفضل طاقته المقدسة.’
لكنها لم تستطع أن تطرد شعورًا بالحرج؛ فحتى إن لم يتأثر هو بذلك، فاستغلالها له من دون علمه أمر يبعث على الضيق.
وفوق هذا كله، أخذت تلاحظ مؤخرًا تغيّرًا في سلوكه، ولم تجد لذلك تفسيرًا.
فهو يحرص على مشاركتها الفطور كل صباح، ويرافقها إلى الكنيسة، بل ويقترح أحيانًا أن يتناولا العشاء سويًا.
ولو كان الأمر كما كان في الماضي لتجنّبها، أما الآن فقد صار يبادر بالحديث معها بين حين وآخر، حتى بدا ذلك لافتًا لنظر المحيطين بهم.
قال لها يومًا:
“هل تحتاجين إلى المزيد من الماء المقدس؟ إن احتجتِ فأخبِريني في أي وقت.”
وفي يوم آخر:
“الجو بارد اليوم. ارتدي معطفًا أكثر دفئًا.”
كان لطفه البسيط وحرصه على الاهتمام بها أمرًا غريبًا ومثيرًا للريبة في نظرها.
فالأصل أنه لا ينبغي له حتى أن يلتفت إليها، أما الآن فهو يُبدي من الاهتمام ما يجعلها تتساءل إن كان الأمر طبيعيًّا.
وكانت تخشى أن يزداد تقاربهما أكثر من اللازم، إذ إن عليها أن تماطل حتى ظهور البطلة الأصلية.
أما إذا تحسّنت علاقتهما هكذا فقد يفضي ذلك إلى أسوأ احتمال، وهو المضيّ في الزواج.
لكنها لم تكن تطيق أن تتعمّد الإساءة والوقاحة كي تتفادى الأمر، فهذا يتنافى مع طبعها ويُتعبها.
إضافة إلى ذلك، فإن المكانة التي تحظى بها علامتها التجارية للنبيذ لا تسمح بتشويه صورتها.
ومع ذلك، لم يكن في وسعها أن تبادر إلى طلب فسخ الخطبة، فهي لا تزال بحاجة ماسّة إلى ما يملكه من قوة مقدسة، مما جعلها في مأزق شديد.
قالت بلطف:
“أظن أن عليّ الانصراف الآن. شكرًا لجهودك.”
فأجاب الكاهن يوران:
“أي جهد بذلته أنا؟ بل أنتِ يا آنستي من تعب وبذل جهده.”
وتبادلا ابتسامة عابرة، ثم غادرا الغرفة الصغيرة وسارا معًا في ردهة الكنيسة.
وفجأة ضحك الكاهن يوران بخفوت:
“هاها، لقد جاء مرة أخرى اليوم. يبدو أن علاقتكما طيبة.”
“آه…”
سارت عين لويسا مع نظره نحو مدخل الكنيسة، فإذا بشخص مألوف يقترب.
‘هذا التطور لا يعجبني أبدًا…’
فما كان يضايقها أكثر من أي شيء آخر، ليس كلمات اللطف العابرة التي تسمعها، بل ظهوره بين الحين والآخر عند موعد عودتها إلى القصر.
قال رافاييل ما إن لمحها:
“هل فرغتِ من عملكِ؟”
ثم أومأ بتحية للكاهن، وطرح السؤال ذاته الذي اعتادت أن تسمعه منه كل مرة.
فترد لويسا بالدهشة عينها كل مرة:
“هل بقي لك عمل آخر في الكنيسة؟”
“لا.”
وأجاب ببرود وهو يتقدم نحو عربة الخيول، مادًّا يده لها كالمعتاد:
“كنت مارًّا في طريقي، فقلت لنعد معًا.”
‘رافاييل… باتت تصرفاته غريبًا جدًّا.’
****
على أطراف المقاطعة الشرقية عند حدودها القصوى.
استمر هطول المطر الغزير أسبوعًا كاملًا حتى لم تجد الأرض فرصة لتجف.
كانت آثار الأقدام تملأ الطين المبتل.
فمنذ شهر مضى اكتُشفت زهرة مقدسة دنّسها السحر الاسود، لتعلن المنطقة الشرقية حالة طوارئ.
والأمطار الغزيرة التي أتلفت الزروع لم تكن إلا بلاءً فوق بلاء، يضاف إليها الرعب من احتمال انهيار حدود المقاطعة. فغدا الوضع حرجًا للغاية.
وإذ كانت تلك أول حالة يُعثر عليها، لم يكن ثمة أي وسيلة لحلها، مما أثار الخشية من أن تتعرض مزيد من الأزهار المقدسة للتدنيس.
لذلك بدا القلق واضحًا على وجوه الفرسان القائمين بالحراسة.
قال أحدهم:
“هل اكتُشفت واحدة أخرى؟”
فأجاب الآخر:
“نعم، ها هي هنا.”
“هاه… لا بد من رفع تقرير عاجل بذلك.”
فمنذ أيام قليلة فقط اكتُشفت حالة مشابهة، وها هم اليوم يعثرون على أخرى ملوثة بالسحر الاسود.
فتناول ديميتري نائب قائد الفرسان الصندوق الذي وُضعت فيه الزهرة بيد معتادة.
وتذكر كلمات القادة وهم يبدون قلقهم من تقارب الفترات بين كل حالة وأخرى.
وانطلق مسرعًا يخترق العاصفة والطرق قد تحولت إلى أوحال بسبب المطر الغزير الذي استمر أيامًا.
وكان جواده يعدو بصعوبة حتى كاد يتعثر مرارًا.
أدرك أن عليه أن يخفف السرعة، وإلا أصيب بحادث لا محالة. غير أن عجَلته والضغط الواقع عليه دفعاه إلى أن يزيد من سرعة الجواد.
صهيل مفاجئ شق الأجواء، وإذا بساق الجواد تنغرس في الأرض الطينية، فيندفع جسده عاليًا ويُقذف بعيدًا.
سقط على الأرض بصوت مكتوم سرعان ما ابتلعته دمدمة المطر.
“أوه… الصندوق! أين الصندوق؟”
طار الصندوق من بين ذراعيه، فأخذ يتلفت حوله في قلق ويحاول النهوض وهو يستند إلى الأرض.
عندها دوّى في أذنه صوت امرأة مجهولة.
*****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات