‘على أي حال، ما وقع قد وقع… ربما من الأفضل أن أعلّمها كيف تستفيد من هذا بدل أن تتركه يضيع سدى.’
انتزع رافاييل بصره من الأثر السحري بعد طول تركيز ثم قال أخيرًا:
“هل تعرفين كيف تُستخدم هذه الأداة؟”
“… لا؟”
تأخرت لويسا قليلًا قبل أن تجيب، ثم حوّلت نظرها نحوه، لكنها سرعان ما أفلتت عينيه وأعادتها إلى الخاتم.
“فقط لاحظتُ أنه تحوّل فجأة إلى خاتم وتبيّن لي أنه قد نُقش عليّ، أما أكثر من ذلك فلا…”
“حسنًا. لا بد من التحقق بتفصيل لاحقًا، لكن أغلب الظن أن هذا الأثر ينتمي إلى فئة الهجوم.”
“أوه، وكيف عرفتَ ذلك مباشرة؟”
“لقد تعاملتُ مع أنواع كثيرة من هذه الأشياء، فاكتسبت بعض الخبرة.”
“واو…”
“همم… مثل هذه الآثار الصغيرة غالبًا ما تُفعَّل حين يلمسها من نُقش بها، لكن في الوقت الحالي ليس مناسبًا، لذا علينا أن نجرب لاحقًا في مكان أوسع.”
قال ذلك وهو يعيد إليها الخاتم.
تابعت لويسا وضعه في إصبعها الوسطى من اليد اليسرى، فحوّل رافاييل نظره إلى النافذة.
“هل ستبقين طويلًا في الكنيسة؟”
“يبدو أن الأمر يتوقف على ما سأناقشه مع الكاهن.”
التفتت نحوه بنظرة تساءل كأنها تقول ‘ولمَ هذا السؤال؟’
“… عند عودتكِ تأكدي من أن ترافقكِ فرقة من الفرسان المقدسين.”
“ماذا؟ فرسان مقدسون؟ لقد جاء بالفعل عدد من الفرسان لحمايتي فلا داعي للمبالغة. بل إن كثرتهم قد تصبح عبئًا.”
“إذن سأكتفي باثنين يلازمانك.”
“لا داعي حتى لذلك…”
“لقد وصلنا. تهيئي للنزول.”
ارتفعت نظراتها نحوه بامتعاض واضح لكنه تجنّبها وثبّت عينيه على باب العربة. وفجأة تسلّل نسيم بارد من الباب المفتوح ليلامس خده.
***
كانت الغرفة صغيرة على أن تكون مكتبًا خاصًا لكاهن مسؤول عن الكنيسة الشمالية.
تدفّقت أشعة الصباح عبر نافذة خشبية ضيقة، وفي الداخل جلس شخصان متقابلان لا ينقطع بينهما الحديث.
“هل تعانين من دوار؟”
سأل الكاهن يوران وهو يقطب بعطف وقد بلغه خبر تقيؤ لويسا للدم البارحة. كان وجهه الطيّب مشبعًا بقلق صادق لا تصنّع فيه.
“لا، ربما لأنني شربت الماء المقدس مباشرة بعد ذلك، فلم أشعر بأي أعراض.”
“الحمد لله. ومع ذلك، هل تأذنين لي أن أتفقد الأمر بنفسي؟”
مدّ يده نحوها، فوضعت يدها في راحته دون تردّد.
وكانت حرارة كفه فوق الطاولة الخشبية القديمة دافئة لدرجة بدّدت برودة الخارج.
ولم يكن ذلك من حرارته الجسدية فحسب، بل من الطاقة المقدسة النقيّة التي بثّها فيها فأحست بجسدها كلّه يدفأ.
ساد الصمت للحظة، ثم فتح يوران عينيه ببطء بعد أن كان قد أغمضهما:
“… عجيب. على عكس ما كنتُ أخشى، لقد ازدادت قوتك المقدسة كثيرًا.”
“حقًا؟”
رفعت لويسا يدها إلى حجرها واتسعت عيناها دهشة.
“نعم. وإن كان التقدّم أسرع مما توقعت، إلا أن ذلك أمر طيّب. وربما يكون لقربك المتزايد من قائد الفرسان دور في ذلك، لكثرة ما تقضين معه من وقت.”
“لم نقترب في الحقيقة، لكنه يقيم في قصرنا، فصرنا نلتقي أكثر.”
“هاها… لكن يبدو لي أن القائد يولي اهتمامًا كبيرًا بسلامتك.”
“أمم…”
أطلقت لويسا أنينًا خفيفًا وهي تحدّق في عينَيه الزرقاوين الصافيتين المشرقتين بابتسامة ودودة.
‘أليس هذا ما ينبغي أن أقوله أنا؟’
قبل لحظات بدا رافاييل أشبه برجل يتجادل مع الكاهن، لا برجلٍ يقلق عليها. كان حتى لحظة نزولهما من العربة هادئ المزاج، لكنه تغيّر منذ أن لمح يوران يستقبلهما.
لقد كانت في عينيه نظرة حذرة… بل أقرب إلى نفورٍ مكبوت. حدّة جعلت لويسا تكاد تظن أنه يرمق الكاهن بنظرة عدائية.
وفوق ذلك ظلّ متمسكًا بيدها كأنما يرفض إفلاتها.
“لا أظنه أبدى قلقًا عليّ. بل أراه بدا على غير وفاق معك أكثر. هل ثمة مشكلة بينكما؟”
‘الأفضل أن أسأل مباشرة بدل أن أظل حائرة.’
ابتسم يوران وهو يلوّح بيده نافيًا:
“هاها، أبدًا.”
ضحك بصفاء، كأن لا غرض له سوى الاستمتاع بالموقف. فتطلعت إليه لويسا بفتور ثم رفعت حاجبًا حين سمعته يقول:
“ربما كان تحذيره لي من أجلكِ لا أكثر. فمن الطبيعي أن يقلق عليكِ خطيبك أكثر من أن يثق برجل لم يركِ إلا مرات قليلة.”
‘أي هراء هذا… كان بوسعه أن يقول إنه لا يريد الحديث فحسب، لا أن يتذرع بهذا العذر الغريب.’
ضحكت لويسا باستخفاف، ثم لمعت في خاطرها فكرة:
‘ظننته كاهنًا تقليديًا لا يعرف سوى الجدّ فإذا به يمازح أحيانًا. هذا مفاجئ نوعًا ما.’
وبعد لحظات، زال اهتمامها بالأمر تمامًا.
فما شأنها إن كان بين الاثنين شيء؟
أزاحت نظرها إلى أرجاء الغرفة الصغيرة التي بدت عليها آثار القدم.
لم يكن فيها ما يستحق التفرّج كثيرًا لقلّة الأثاث.
وبينما تدور بعينيها وقعت على مكتب في زاوية المكان، فتمتمت:
“ما ذاك…؟”
حين لم يمضِ وقت طويل على قدومها إلى الشمال، كان على المكتب صندوق يشبه تمامًا ذلك الذي جلبه براون إلى المعبد.
وللحظة، تذكرت رافاييل وهو يذكر في الصباح أنّ الدوق بليك وابنه غادرا على عجل لأن لديهما ما يجب تسليمه.
“أهو تربة مقدسة؟”
“نعم، صحيح.”
تلاشى الهدوء المرح من عيني الكاهن يوران تدريجيًا.
كان يتبع نظرات لويسا نحو الصندوق ثم نهض من مقعده واقترب من المكتب.
“لم أتوقع أبدًا أن يُعثر هنا أيضًا على تربة مقدسة ملوثة بالسحر الاسود. ظننت أنّ الأمر إن حدث فلن يكون قبل مدة طويلة، لكن ظهوره أسرع بكثير مما تخيلت.”
إذن حتى في الشمال ظهر الأمر.
بدا وكأنه يظن أن لويسا قد علمت مسبقًا، إذ حدّثها بلا تحفظ.
ارتسم الجمود على وجهها وهي تصغي إلى نبرته التي غلب عليها شيء من المرارة.
“……كم زهرة عُثر عليها؟”
“خمس زهرات.”
“ماذا؟ خمس دفعة واحدة؟”
عددها يفوق ما وُجد في الشرق.
والمنطقة أساسًا تكابد ما يكابدها بسبب الوحوش، فإذا اجتاحها السحر الاسود سريعًا فلن يكون بوسع أحد التفكير في المستقبل أو التقاعد، بل بالكاد النجاة بالحياة.
‘ألم يكن من المفترض ألا تظهر البطلة الأصلية إلا بعد عدة أشهر؟ بهذه الوتيرة سأضطر أنا للبحث عنها بنفسي!’
اقتربت لويسا بوجه متجهم من المكتب.
كان الصندوق الفضي الرمادي أكبر قليلًا من ذاك الذي رأته في المرة الماضية.
“لقد قررنا توسيع نطاق التفتيش عند حدود المنطقة، وقد يُكتشف المزيد.”
انسابت أنامل لويسا لا شعوريًا فوق الصندوق، تلامس سطحه الصلب الملمّع ببطء.
“آنستي، من الأفضل أن تبعدي يدك، فحتى مجرد اللمس قد لا يكون آمنًا.”
“آه.”
لم تمضِ لحظات حتى ارتعشت يدها مبتعدة مع تحذير الكاهن الحذر. وفجأة اضطربت أحشاؤها قليلًا. لم يكن الأمر متواصلاً كالأعراض التي تسبق القيء الدموي، لكنه أزعجها بما فيه الكفاية لتضع يدها على صدرها مسرّحة أنفاسها ببطء.
“……آنستي؟”
“همم، شعرت فقط بشيء غريب في معدتي.”
وما إن أنهت كلامها حتى أسرع الكاهن يوران بالتقاط الصندوق والخروج من الغرفة بخطوات متسارعة.
دهشت لويسا من تلك السرعة وحدّقت في الباب المغلق بدهشة وهي تحك وجنتها بخفة.
‘ما الأمر……؟’
رأت أن اللحاق به الآن لا يناسب، فعادت إلى مقعدها تنتظر عودته بصمت. ولم يطل الوقت كثيرًا حتى فتح الباب وعاد.
“سيدي الكاهن، ما الذي جرى فجأة؟”
“آنستي.”
بدا الكاهن في حالٍ من الذهول، وصوته مشوب بتوتر ملحوظ وهو يناديها.
أمالت لويسا رأسها مستفهمة.
“نعم؟”
“ألا تشعرين بأي أعراض في جسدك؟”
“لا……. أشعر أنني بخير تمامًا. لكن، لماذا تسأل؟”
رفع يوران الكاهن الصندوق المغلق جيدًا أمامها.
“لقد تطهّر السحر الاسود الملوث مرة أخرى.”
“…..!”
***
ارتفع بخار خفيف من فنجان الشاي أمامها.
أطلقت لويسا تنهيدة خافتة وهي تحدّق بشرود في الدخان المتصاعد.
‘يبدو أنّ قدري أن أحيا حياة بعيدة عن الراحة.’
جلست لأول مرة في شرفة خارجية علّها تجد بعض الانفراج، لكن لم يكن ثمة إلا بردٌ لاذع، أما صدرها فلم يتخفف. بل ظلّ ذهنها يغلي بترديد ما دار في الكنيسة.
“لم تُطهَّر جميع الزهرات الملوثة. فما زالت ثلاث على حالها، بينما تطهّرت اثنتان.”
“لقد شعرت فقط بغثيان بسيط لا أكثر. ولو كان قد حدث تطهير، لظهرت أعراض ما…… إلا إذا كانت الزهرتان في حالة أخف من البقية؟”
“أرى أنّ الأمر غير ذلك. فقد تحققت بنفسي من تلوثهما بالسحر الاسود قبل مجيئك بلحظات. ثم حين لامستِ الصندوق، أحسست بموجة من القوة المقدسة.”
“قوة مقدسة؟ تقصد أنّها صدرت مني؟”
“نعم. على ما يبدو تتسرب منك القوة المقدسة بلا وعي. لكن ما يثير الالتباس أنّك كما تقولين لم تعاني من أي أعراض جسدية رغم ذلك.”
لقد ظهر متغير لم يكن في الحسبان.
عدم تقيؤ الدم كان أمرًا جيدًا، لكن تطهير الأشياء لمجرد وجودها قربها لم يكن أمرًا محمودًا على الإطلاق.
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات