الحركة حولها بدت مضطربة وفوضوية حتى يصعب تمييز ما الذي يحدث بالضبط.
لذلك ركّزت لويسا نظرها على من يتولون إعطاء الأوامر في المقدمة، وهناك رأت ديميان ورافاييل يتحدثان بوجوه يكسوها الجدّ.
وأمامهما كان ثمة عربة ضخمة محمّلة بجثث هائلة لا يكاد المرء يصفها.
“أهذه هي الوحش؟”
اقتربت لويسا من النافذة حتى التصقت جبهتها بالزجاج البارد، فارتعشت أعصابها وتيقظت.
لكن فجأة اجتاحها ضيق شديد في صدرها.
“آه… لعلّه من نومي بعد الطعام… لماذا أشعر بهذا الغثيان؟”
وضعت يدها على أعلى معدتها وأغمضت عينيها، إحساس بارد كالسهم انزلق على طول عمودها الفقري.
لم يكن هذا الشعور غريبًا عنها، ولهذا سرعان ما ارتسم الألم واضحًا على ملامحها.
“تبا… ثانية… كح! كح─!”
وفجأة اندفع من حلقها طعم الدم المعدني وملأ أنفها عبير حاد اعتادت عليه. ارتجفت رموشها الطويلة ثم ارتفعت كأنها أوراق ذابلة تتطاير.
أسرعت بكفها لتغطي فمها، لكن الدم تسرّب من بين أصابعها وانحدر على صدرها.
وما إن رفعت بصرها حتى التقت عيناها بعيني رافاييل الذي كان يرفع نظره إليها من ساحة القصر.
عيناه الزرقاوان المتلألئتان في الظلام اتسعتا دهشة وذعرًا.
“ه…ههف…”
لم يخرج مزيد من الدم، لكن أنفاسها اضطربت.
اختفى رافاييل من مجال رؤيتها، وفي اللحظة التالية انهارت ركبتيها تحتها وارتطمت بالأرض.
‘ما هذا الجنون…؟ لماذا الآن؟’
كانت تستند بيد على حافة النافذة والأخرى تعصر صدرها حين دوّى الطرق العنيف على الباب، ثم اندفع ليفتح فجأة.
التفتت، وإذا برافاييل الذي كانت قد تبادلت النظرات معه منذ لحظات يقف الآن أمامها.
“هل أنتي بخير؟”
لم يتردّد خطوة واحدة.
تقدّم نحوها وجهها شاحب غارق في الدم حتى إن بقاؤها واعية بدا معجزة.
أمسك بذراعها المرتجفة المسنودة على النافذة، وأسند ظهرها بيده الأخرى. ولما رآها عاجزة عن الحركة تمامًا، شدّ على فكه بعزم.
“سيدي القائد! ما الذي… لويسا!”
“آ… آنسة! سأ… سأستدعي الطبيب حالًا!”
ديميان الذي لحق به بدهشة رأى أخته منهارة بين ذراعي رافاييل، فارتسمت الصدمة على وجهه.
أما ماري فاندفعت مسرعة تستأذن لتجلب الطبيب، فيما احتضن رافاييل لويسا وحملها إلى السرير.
لم تُبدِ أي مقاومة، كأنها فقدت قواها كلها، لا تصدر عنها إلا أنفاس متقطعة واهنة وهو يضعها على الفراش بعناية.
أما عيناه فكانتا ترتجفان مثل سفينة وسط عاصفة.
***
ساد الغرفة صمت ثقيل.
الطبيب يفحص، والجميع يكمّ أفواههم خشية حتى من إزعاجها.
“آنستي، هل الأعراض كما هي؟”
“نعم… لكن النوبات أقل عددًا. ومنذ جئت إلى الشمال لم يحدث لي شيء كهذا من قبل.”
‘باستثناء الكاهن يوران في المعبد، لم ير أحدني وأنا أتقيأ دمًا. فعليًا هذه أول مرة هنا.’
ورسمت ابتسامة مطمئنة كأنها لا تبالي.
“…أعتذر. عجزتُ عن إيجاد علاج سريع.”
“لا! لقد قمتَ بعمل ممتاز.”
خشيت أن يُخرج من فمه كلمة استقالة، فسارعت تقطع كلامه. فهذا الرجل بذل جهده حتى بحث في البلاد الشرقية عن أعراض مشابهة، فكيف ترضى أن تُضيّع كفاءته بسببها؟
“ثم إن صحتي أفضل بكثير مما كانت. يمكنك أن تتحقق بنفسك.”
أجاب الطبيب:
“صحيح، ولهذا أشعر بالحيرة. لكن يا آنستي الفحص السطحي لا يكفي. ما يجري في الداخل لا نعلمه، وذلك أشد خطرًا.”
“لكنني حقًا بخير…”
“لويسا.”
رفعت بصرها نحو يد ديميان التي قبضت على يدها، حتى التقت عينيه.
“لا داعي لأن تتظاهري.”
قالها بصوت مبحوح يفيض أسى، ملامحه متحطمة بالحزن.
كلمات لم تتوقعها أبدًا.
وبمجرد أن رمشت بعينيها، جثا بجوار سريرها.
“لماذا تجهدين نفسك بالتظاهر بالقوة؟ من حقك أن تتدللي وتبكي.”
“ولِم أبكي؟ لستُ أتصنّع، بل حقًا أشعر بتحسن.”
“لويسا! لماذا تكابرين هكذا وتزيدين همّي؟… لا، لم يعد هذا يُحتمل. عليّ السفر إلى الشرق بنفسي.”
كان يبدو صادقًا في ألمه، غير أنّ ما هزّ قلب لويسا لم يكن الوجع نفسه، بل ما هو أشدّ وقعًا منه.
‘إلى الشرق؟ أيتوجّه حقًا إلى هناك من أجلي؟ ماذا لو أصابه مكروه؟’
فهو الابن الأكبر لبيت عريق. لو حدث له شيء وهو يبحث عن دوائها، فستُوسم هي بأنها الابنة المشؤومة التي أودت بحياة شقيقها بعد أن أثقلت كاهل العائلة.
اتسعت عيناها رعبًا تتساءل كيف توقف هذا العبث.
وهناك في زاوية الغرفة التقت عيناها بنظرات رافاييل الصامتة يتأملها.
‘لماذا كان لا بد أن يحدث هذا أمامه تحديدًا؟’
كانت هادئة ومطيعة طوال الوقت، وها هي يُساء فهمها أكثر فأكثر.
زفرت بعمق وحدّقت في ديميان.
“أخي… أنا حقًا بخير. وأنت لا يجوز لك أن تغادر. مكانك بجانبي.”
ارتجف صوته وهو يجيبها:
“لويسا… لمَ تتحدثين وكأنه آخر ما ستقولينه…؟”
ظنّت لويزا أن ديميان تمتم بشيء، لكنها رأت أن الأجدى أن تُلقي بحديثها أولًا، فتجاهلته.
قالت بسرعة:
“سألتُ الكاهن عن شرب الماء المقدّس، فأخبرني أنّ الاستمرار عليه سيُحسّن حالتي شيئًا فشيئًا. وهو يساعدني أيضًا بالعلاج بالقوة المقدسة.”
سألها ديميان:
“الكاهن؟ إذن يعرف ما هو مرضك؟”
“آه… لا، قال إنه لا يعرف الاسم الدقيق للمرض. لكن العلاج يؤتي مفعوله، وأوصاني بالعودة باستمرار ليتابعني. لذلك أذهب إلى الكنيسة هذه الأيام.”
غير أنّ صوتًا آخر قطع حديثهما لم يكن متوقعًا، وهو رافاييل الذي ظلّ صامتًا طيلة الوقت.
“ولِمَ لا تذهبين كثيرًا إذن؟”
“… ماذا؟”
“إذا كان الكاهن يساعدك بالعلاج، فلمَ تكتفين بالذهاب نادرًا بدلًا من المواظبة؟”
“لكن الكاهن لديه أعماله أيضًا. زيارتي المتكرّرة ستكون عبئًا عليه. وما أفعله الآن كافٍ تمامًا.”
تجعّد حاجبا رافاييل.
قد تبدو ردة فعل عادية للآخرين، لكن في داخله كان يتملكّه شعور بالارتباك؛ إذ لويسا التي يعرفها كانت دومًا أنانية، فكيف تخرج كلمة إزعاج من فمها الآن؟!
منذ خطوبتهما وهو يشعر أن شيئًا ما تغيّر فيها، وكان يُنكر ذلك في نفسه، لكن الحقائق بدت تتكشّف شيئًا فشيئًا أمامه.
مدّ يده ليمرّر أصابعه في شعره المبعثر، ثم اقترب من لويسا بخطوات ثابتة.
الأنفاس في الغرفة انحبست، والجميع يراقب، لكن عينيه لم ترَ سوى لويسا وحدها.
توقف عند جانب سريرها بلا تردد.
“ستذهبين إلى الكنيسة مرّة كل يومين. وسأرافقك.”
انعكست صورة وجهه الجامد في عينيها البنفسجيتين اللامعتين.
“… ماذا؟”
“اعتبري الأمر محسومًا. الآن استريحي.”
ثم أدار ظهره فجأة كأنه يفرّ من نظراتها، وغادر بخطى سريعة. ألحقت صوتها من خلفه:
“لا يا سيّدي! يا صاحب السمو!”
لكن الباب أُغلق بقوة ليقطع صوتها.
***
في صباح اليوم التالي، استيقظت لويسا وملامحها هادئة كمن بلغ مرحلة التسليم.
‘لأترك الأمور تجري على هواها…’
صحيح أن الأمر مزعج، لكن عليها أن تُريه الأداة السحرية عاجلًا أم آجلًا، ثم إن وجودها قرب رافاييل يخفف من مرضها بفضل القوة المقدسة فإذا نظرت للأمر بإيجابية فليس سيئًا تمامًا.
كل ما عليها أن ترجوه الآن هو أن ينتهي القضاء على الوحوش بأسرع وقت. وللحظة عادت صورة الجثث التي رأتها بالأمس إلى ذهنها.
‘هل يُعقل أن سبب القيء الدموي كان الطاقة الشريرة المتسربة من جسد تلك الوحوش؟’
لم تجد تفسيرًا آخر، فتلك الوحوش الميتة كانت الشيء الوحيد المختلف.
غريب أن تتأثر بطاقة شريرة من جثة حتى دون أن تقترب منها.
عندها خامرها الندم على قدومها إلى الشمال أصلًا.
“آنستي، هل استيقظتِ؟”
دوّى طرق خفيف على الباب، فقطع أفكارها.
استدارت برأسها نحو المصدر.
“نعم.”
“سأدخل إذن. هل حلمتِ أحلامًا سعيدة؟”
“لم أرَ أحلامًا… لكن نمت نومًا عميقًا.”
“ذلك أفضل. اليوم أحضرتُ لك فستانًا بلون السماء. ما رأيك؟”
بمجرد أن سمعت لويسا الحماسة في صوت ماري، أدركت أن الفستان لا بد أن يكون جميلًا.
غسلت وجهها ومسحت الماء بمنشفة ثم ردّت ببرود:
“جميل.”
“لكنّكِ لم تنظري إليه بعد!”
“بل نظرت.”
ولو لمحة عابرة. بدا شبيهًا بما ترتديه كل يوم، خفيفًا ومتماوجًا.
أعجبها اختيارها لأنها تفضّل الأقمشة المريحة. لكن ماري أظهرت وجهًا منزعجًا كأنها اعتادت على لا مبالاة لويسا.
“آنستي، أنتِ لا تهتمّين بالزينة أبدًا. أنتِ جميلة جدًا بطبعك، لكن لا بد أن تظهري بأبهى حُلّة لتأسرِي قلب من أمامك.”
“ومن عليّ أن آسره؟”
“القائد، طبعًا! خطيبك!”
“آه…”
حقًا… لقد غفلت عن ذلك للحظة.
ابتسمت بخجل وهي تحاول تغيير الموضوع.
“إنه ينتظر الآن أمام الباب. ما إن تخرجي، سيراكِ متألقة!”
“ماذا؟ من أمام الباب؟”
“القائد. كان هناك منذ الصباح الباكر.”
“… ولماذا؟”
****
فتحنا انا وصديقاتي المترجمات قناة خاصة بتسريب الروايات واعلانات الفصول وفعاليات وأيضا طلبات وحروقات … واذا اختفيت بتلاقوني هنيك
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات