رغم أن الشارع كان يعج بالضوضاء، إلا أن أنفاسه بدت غريبة الوضوح في أذنيها، وكأن حرارة عجيبة تتسرب عبر بشرتها.
ارتعشت رموش لويسا للحظة خاطفة.
لم يكن صوته سوى ذاك الصوت المنخفض المعتاد، لكنها كانت تسمعه همسًا حميمًا، حتى شعرت بحكة غريبة في عنقها، وارتبك ذهنها.
ولعل رافاييل قرأ حالتها على أنها تردّد، فرفع رأسه ببطء.
“أظنني تسرّعت بكلمة لم يكن يجدر قولها. هل أفزعتك؟”
“لا! لم يكن ذهولًا بقدر ما كنت أفكر كيف أجيب.”
“إن كنت قد حمّلتك عبئًا فـ…”
“لا، ليس ذلك. فقط شعرت أن الموافقة الفورية ستبدو خفيفة، فلهذا ترددت قليلًا.”
“……موافقة؟ تقصدين أنك تقرين ما قلت؟”
“نعم.”
كانت إجابة واثقة على غير ما كان قبل قليل من التردد. ولم تلبث لويسا أن أفلتت يده برفق لتقبض الأخرى داعيةً إيّاه إلى المضي.
وبشيء من الدهشة، انساق رافاييل خلف ذلك السحب الضعيف، وعيناه مثبتتان عليها.
أما هي فتماشت في خطوات سريعة، متجاهلة نظراته الملاصقة.
“فلنذهب سريعًا لنرى الألعاب النارية.”
‘يجب أن نراها أولًا، ثم سيُحسم كل شيء بعدها.’
أشعلت عينيها بعزم وهي تشق طريقها داخل الجموع.
‘يا إلهي، كم الزحام هائل! سنفلت من بعضنا إن استمر الأمر.’
كان الناس يتدفّقون من كل صوب استعدادًا لبدء العرض، فشدّت قبضتها أكثر على يده خشية أن تفقده. وما لبث أن أطبقت على كتفها يد ثابتة، تطوّقها بحنو.
“الأفضل أن أحيط خصرك.”
“آه… حسنًا.”
وبينما يحتضنها ليقيها ضغط الحشود، بدت ضئيلة بين ذراعيه، حتى ارتسمت في ملامحه مسحة قلق.
“أخشى أن يؤذيك مجرد شدّ بسيط مني.”
“مبالغتك كبيرة.”
“أنا جاد. حجمك الصغير يقلقني.”
“هذا من منظورك فحسب. أنا بطول متوسط أصلًا! ثم إني قوية البنية أكثر مما تظن. أتعلم كم يلزم من قوة بدنية لرعاية القوة المقدسة؟”
“حتى وإن بدوتِ أصحّ من ذي قبل… فلا ترهقي نفسك. إن أنكرتِ ضعف هذا الجسد وأرهقته، فسيكون عمري أنا هو الناقص.”
كان صوته في غاية الجدية، حتى خُيّل إليها أنه يقطّب ملامحه بصرامة.
ابتسمت لويسا قليلًا ومضت بخفة في خطاها.
دون اتفاقٍ مسبق، مضى الاثنان نحو الوجهة ذاتها.
وما إن قلّ الزحام حتى بان لهما جبل مألوف.
وعندها كأنما أمر بديهي، حملها رافاييل وصعد كما فعل في مهرجان الصيف آنذاك.
لكن خلافًا لارتباكها حينها، أحاطت عنقه الآن بثبات، تستسلم لطمأنينة بين ذراعيه.
‘ما زال حمله مريحًا كالعادة.’
داعب النسيم البارد وجنتيها، لكن بين ذراعيه غدا أشبه بنسمات خريف لطيفة.
وحين بلغ القمة، أنزلها بحذر، غير أن يده ظلّت تحتضنها ليدرأ عنها الريح، حتى التصقت به أكثر.
“آه… يبدو أنهم بدأوا.”
“هل تستطيعين الوقوف هكذا طويلًا؟ إن شعرتِ بمشقة، قولي.”
ابتسمت لويسا وهي تربت بخفة على صدره، كأنها تقول ‘سأكون بخير.’ ثم أسندت رأسها إلى صدره.
ومع ملمس وجنتها على صدره العريض، كان خفق قلبه يطرق مسامعها بكل وضوح.
إيقاعه كان باعثًا للسكينة؛ كأنه يحدّثها بلا كلام.
أغمضت عينيها لتصغي إلى ذلك اللحن الحيّ.
ثم ارتجّت الأرض بصوت انطلاق أول الألعاب، ففتحت جفنيها مذعورة قليلًا.
ارتسمت على عينيها البنفسجيتين ألوان متلألئة من شهب متفجرة.
تداخل دوي القلوب مع دوي المفرقعات، وكأن الكون كله يهتز بهما.
ومع وهج السماء الموشاة بالشرر، استسلمت لمشهد سحرها، ناسِية أن ترمش حتى.
“…ذكّرني هذا بالصيف.”
“تقصدين مهرجان الصيف؟”
“نعم. يومها أيضًا حملتني حتى وصلت بأمان إلى القمة.”
“أذكر ذلك. وقد أدهشني آنذاك كم كنتِ خفيفة. تساءلت كيف لهذا الجسد أن يسير كل هذا؟ بل وأعجبت بقدرتك.”
“ماذا؟! كنت تفكر بهذا؟”
“أجل. واليوم خطرت لي الفكرة ذاتها. خاصة وأن لديك عادة الصبر فوق طاقتك. إن دفعتِ نفسك بلا وعي إلى الحد الأقصى، فقد لا يحتمل هذا الجسد.”
وكأنه أخفى هذا القلق طويلًا، أفرغه الآن بلا مواربة، بعزم رجل حسم أمره. ولا شك أن رؤيته لها مجتهدة في تنمية قواها المقدسة، أو منهكة في الشمال مؤخرًا، قد زادت مخاوفه.
لكنها لم تفعل ذلك إلا لتطمئن بسرعة، ولتسرع بالعودة إليه. غير أن عينيه لم تريا إلا خطورة الأمر.
“لهذا رغبت أن أكون أقرب إليك دومًا… أن أكون سندًا حين تضعفين، وعونًا حين تحتاجين، وأن أكون إلى جانبك في كل حين.”
‘…هاه؟’
رمشت لويسا بدهشة.
رفعت رأسها ببطء فرأت في عينيه الزرقاوين المضيئتين بألسنة النيران المزهرة في السماء بريقًا كالنجوم المتناثرة.
أدركت جوًّا غير عادي، فتطلعت إليه مترقبة.
عندها انسابت من شفتيه المنفرجتين ببطء نبرة عميقة رنانة:
“لا أريد أن أثقلك. أردت فقط أن أبوح بما في قلبي… فإذا ما كنتِ مستعدة يومًا، فامنحيني الإشارة حين تشائين.”
ثم أفلت يدها وتراجع خطوة إلى الوراء. فاندفعت الرياح التي كان يحجبها عنها لتثير ثوبها بعنف.
“…سيد رافاييل؟”
“لويسا.”
جثا رافاييل ببطء على ركبة واحدة، وإذا بيدٍ ممدودة إلى الأمام تكشف عن علبة صغيرة لا يُعلم منذ متى كان يحملها.
“أريد أن أشارككِ أيامكِ جميعها ما حييت. هل تتزوجينني؟”
“آه…….”
أُبهتت حتى عجز لسانها عن النطق.
رفعت يديها على عجل لتكمّ فمها، وعيناها تتنقلان مرتبكتين بين الخاتم الذي في يده ووجهه المتأمل.
بدا الاضطراب على ملامحها، فارتسم التوتر في عينيه.
“ماذا أفعل الآن؟”
وفي صوتها نبرة ارتباك جعلته يسارع بالكلام:
“لويسا، لا أطلب منك جواباً في الحال. فقط خذي وقتك ورويداً…….”
“لكني أنا أيضاً أعددتُ الشيء نفسه.”
“……ماذا؟”
تجمد رافاييل للحظة وهو يحدق بها مذهولاً.
مدّت يدها إلى جيب عباءتها وأخرجت شيئاً ناولته إياه، غير أن عقله لم يستوعب فوراً ما يجري.
“آه، لقد كنت فقط أنتظر أن يحين منتصف الليل. لكنك سبقتني وخطفت المبادرة.”
لقد أعدّت الهدية بثقة معتقدة أن هذا بالذات سيكون ما يتمناه، ولم يخطر ببالها أن تتقاطع الأحداث على هذا النحو.
تكلمت بوجه يضيء أكثر من وهج المفرقعات المتلألئة في السماء:
“كي نكون معاً، أنا وأنتَ.”
وعندها ارتسمت على وجه رافاييل ملامح فرح غامر.
***
ارتجفت أهدابها المغمضة قليلاً.
حاولت لويسا أن تستدير على جنبها، لكن أوجاع خصرها دفعتها لإصدار أنين متألم.
“هل يؤلمكِ هنا؟”
وما إن قال ذلك حتى انزلقت يده الكبيرة برفق على أسفل ظهرها، تدلّك عضلاتها بعناية لتخفف شدتها.
ورغم ضخامته وصلابته، كان لمسه بالغ الرقة حتى إنها لم تستطع أن ترد بكلمة، واكتفت بأن تتأوه بين حين وآخر، إذ لم يعد في جسدها موضع يخلو من الألم، سواء في خاصرتها أم فخذيها.
واستسلمت لهنيهة لتلك اليد التي تدلكها صابرة، إلى أن انتفضت فجأة وكأن ذكرى داهمتها فأفاقت عيناها على اتساعهما.
‘آه…… الآن تذكرت البارحة…….’
لقد أرادت أن تبقى حتى منتصف الليل لمشاهدة الألعاب النارية، غير أن ذلك لم يتحقق في النهاية.
لم تشرب ولو رشفة من الخمر، لكنها انساقت مع الأجواء حتى بدا وكأنها قد سُكرت بالحال، ثم سرعان ما غادرا المهرجان متخفّيين عن الأنظار. وبعدها، لا تدري بأي عقل أو وعي وجدا نفسيهما حتى وصلوا إلى القصر الإمبراطوري.
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 135"