لست مصابة بمرض عضال! [ الجانبي 11 ]
نظرت لويسا إلى شفتي رافاييل الملامستين ظهر يدها بجرأة مترددة، ثم رفعت بصرها ببطء. فأسرتها عيناه العميقتان المتموجتان كالبحر الليلي تحت ضوء القمر.
اشتدت أصابع لويسا قليلاً، وبانفصال ظهر يدها عن شفتيه، اقترب ظهر يده شيئًا فشيئًا من شفتيها.
وعلى ذلك السطح البارز بالعروق هبطت شفتاها الرقيقتان بهدوء.
قالت بصوت خافت:
“وأنا كذلك… لذلك ازددت رغبة في معرفة جلالتك أكثر.”
هبَّ النسيم بينهما، لكنه لم يشكّل عائقًا، بل كأنما جمع المسافة الفاصلة، فالتقيا بعاطفة واحدة واحتضن كل منهما الآخر.
ذراعاها التفّتا تلقائيًا حول عنقه، وذراعاه أحاطتا خصرها بثباتٍ مريح.
اصطدمت أطراف أنفيهما مرارًا كأنها تحية. وتلألأ في عينيه البنفسجيتين البراقتين انعكاسُ نجوم السماء وهو يميل رأسه قليلاً نحوها.
ومع اقترابهما المتزايد، انحجبت الظلال حتى التقت الشفاه، فتراقص ظلّهما الموحَّد في ضوء القمر.
وكلما علت الحرارة وتداخلت الرؤى حتى كاد وعيها يتلاشى، توقّف رافاييل فجأة على وقع أنفاسه المتقطعة، متراجعًا بغريزته.
“…هل أنتِ بخير؟”
أومأت لويسا وهي تحاول ضبط أنفاسها.
عندها مدّ يده برفق ليعيد خصلات شعرها الكستنائي المبعثرة خلف أذنها، محدّقًا في ملامحها بدقّة كمن يريد نقشها في ذاكرته.
عيناها نصف مغمضتين بنعاسٍ لطيف، وأنفها وفمها متناغمان بتناسق مثالي.
ملامحها تحمل شيئًا من البرودة، لكنها تبعث أيضًا دفئًا غريبًا، فتشكّل تباينًا ساحرًا.
غرق رافاييل طويلًا في تلك الفتنة، يتأملها بعينين مفعمتين بالوجد.
“…جلالتك، لعلّنا ندخل إلى مكان ما أوّلًا.”
ابتسم رافاييل قليلًا وهو يضيق إحدى عينيه:
“إن طلبتُ أن تناديني باسمي… هل سيكون ذلك عبئًا عليكِ؟”
“الاسم؟ … ألا أناديك أحيانًا به؟”
“لم أعد أسمعه في الآونة الأخيرة.”
“آه…!”
رمشت لويسا بدهشة صادقة.
قال وهو يلين صوته:
“ربما شعرتِ بالمسافة بيننا لكثرة انشغالي في القصر مؤخرًا… أعلم أني أتفهّم ذلك، لكن مع ذلك أود أن تناديني كما في السابق.”
ضحكت وهي تهز رأسها:
“ليس الأمر كما تعتقد. فقط لم أعتد بعد. هذا كل شيء.”
“هكذا إذن.”
“تبدو غير مقتنع… لا بأس، سأعوّد نفسي على مناداتك دومًا. حتى لو أيقظني أحد من نومي فسأجيب باسمك، أليس كذلك يا رافاييل؟”
لم تتردّد في قولها.
لم تعلم لماذا لم تنادِه باسمه من قبل، لكن إن كان يرغب بذلك فما أسهل أن تلبّي.
ربما دون وعي منها، كانت تراه يترسّخ شيئًا فشيئًا كإمبراطور حقيقي، ولهذا لسانها كان لا شعوريًا يختار لقب جلالتك.
لكن الآن، رغبتها في أن تزيل عنه أي شعور بالخذلان دفعتها لأن تمنحه ما يريد.
قال مبتسمًا:
“إذن ينبغي أن أتحقق بنفسي إن كنتِ ستنطقين اسمي حتى وأنتِ نائمة.”
بجانبه؟ هل يقصد… الزواج الرسمي؟
‘إن كان كذلك، فلم أقصد ذلك المعنى… لكن، لا أنكر أنني لست رافضة. فبماذا أجيبه؟’
ترددت لويسا وحركت شفتيها بتوتر، فبادر رافاييل وانحنى ليطبع قبلة قصيرة مفاجئة.
“……!”
ارتجفت رموشها الطويلة وهي تطبق عينيها بعنف، إذ باغتها ظلّه القريب رغم أنهما كانا قد تبادلا قبلة عميقة قبل لحظات.
قال بصوتٍ خافت:
“ليت ذلك اليوم يحل سريعًا.”
تألقت عيناها للحظة، كزهرة بنفسج تهتز تحت النسيم.
تابع:
“في الحقيقة… وددتُ أن أخطبكِ حالًا، لكن خشيت أن يكون الأمر فجائيًا عليك، لذا لمّحتُ قبلها بهذا الحديث.”
“آه…”
“أرجو أن تهيئي نفسك لذلك.”
“…فهمت مقصدك.”
همّت بالكلام، لكن رافاييل سبقها بابتسامة رقيقة تُنير عينيه الطويلتين.
“أعلم أن الاستمتاع بالاحتفالات معًا في نهاية العام أمر جميل، لكنني أفضّل أن نسافر سويًّا، وحدنا.”
كان صوته كمن يغيّر الحديث بلطف، مطمئنًا بأنها ليست مضطرة للرد حالًا.
عيناه التي لطالما تجمّدت كالجليد ولم تعرف سوى السيف، بدت مترقرقة كأنها في حلم، إذ انعكس فيهما وجه لويسا المضيء تحت فيض القمر.
قالت بابتسامة خجولة:
“السفر… يبدو رائعًا. لم يسبق لي أن سافرت يومًا.”
ابتسم هو الآخر:
“وأنا كذلك. لعلّها إشارة إلى أننا مقدَّران لبعضنا.”
كان في الماضي لا ينظر إلا لما يتعلق بالعمل، لا يلتفت إلى أي شيء آخر ولا يهتم بغيره، لكن منذ أن اقترب من لويسا تلاشت تلك البرودة كلها.
صار من الطبيعي أن يرغب في معرفة ما يثير اهتمامها، أن يهيئ لها ما تحبه، وأن يرى ابتسامتها دومًا… حتى غدت تلك الرغبة هي التي تحكم عالمه.
ولكي يشبع تلك الرغبات، شعر أنه مهما عاش العمر كله إلى جانبها فلن يكفي.
صحيح أن رؤيتها وحدها تسعده، لكنه أخذ يفكر شيئًا فشيئًا في أن يهبها أيامًا مليئة بالبهجة إلى جواره، ومن هنا راحت أمانيه بالتشارك معها تتكاثر بلا حد.
قال:
“ثمة أشياء كثيرة أجربها للمرة الأولى، لكن لأنني أفعلها معك فهي أبهى.”
ابتسمت:
“صحيح، القدر… نعم، لعلها أقدار بالفعل. ففي هذه الحياة، اتصلت خيوطنا بطريقة أو بأخرى.”
“في هذه الحياة؟”
“…قرأت في كتاب قديم في الكنيسة أن الأرواح تُبعث بعد الموت. فربما كانت لنا حياة سابقة لا ندري فيها ما كانت علاقتنا.”
“آه، تقصدين دورة الحيوات… حياة سابقة إذن. ليتنا كنا معًا في تلك أيضًا. لكن إذ لا نعلم، فلنأمل أن نكون معًا في الحياة القادمة كذلك.”
“ها؟! تتحدث بالفعل عن الحياة القادمة؟”
قالتها لويسا بدهشة ممزوجة بالابتسام.
“أجل. فحياة واحدة لا تكفيني معك.”
أجاب رافاييل بوجه جاد وهو يومئ برأسه.
كان جديًّا إلى درجة أن الضحك انساب من شفتيها دون قصد.
“إذن، عليَّ أن أدعو من أجله أيضًا.”
“…سأبدأ من اليوم في الصلاة يوميًا عند عودتي.”
ارتسم البريق في عينيه عند سماعها تقول إنها ستشاركه الدعاء، فوجدت لويسا نفسها متأثرة بشدة.
لم تظن أن رجلاً بهذا الحجم يمكن أن يبدو بهذه الرقة، فشعرت بعمقٍ أنها وقعت في هواه أكثر من ذي قبل.
كان النسيم باردًا، لكن البرد لم يجد طريقًا إلى جسديهما.
ومضت لحظات طويلة لم ينتبها فيها إلى مرور الوقت، حتى بدأت لويسا تبتعد قليلًا، فيخفت الحديث بينهما.
والسبب أن عينيها ظلّتا تنجذبان إلى القصر المضيء في تلك الليلة المظلمة كأنه ممتلئ بالنجوم. وأخيرًا التفتت إليه وقالت:
“ما رأيك أن ندخل؟ أشعر أن الأنوار لن تُطفأ قبل عودتي.”
ولهذا بالذات كان يتوق إلى أخذها بعيدًا في رحلة بعيدة عن كل العيون. لكنه لم ينطق بذلك، واكتفى بأن يمرر أطراف أصابعه ببطء على جبينها وخدّها الناعم.
“…على الأقل يطمئنني أنني سأراك غدًا.”
كان في لمسته شوق عميق، لكنه كبح نفسه بشدّة لأنه يعلم أن التمادي الآن سيجعل الفراق عسيرًا.
وبينما لم يبقَ على عودته إلى القصر سوى أسبوع، بدأ القلق ينهش قلبه.
مجرد فكرة أنه سيبتعد عن لويسا في مكان لا يستطيع رؤيتها فيه، جعلت الفراغ يتسع في صدره ويثقل بالوحدة.
وأثناء استدارته ممسكًا بيدها بين أصابعه، وقعت عيناه فجأة على مشهد من نافذة في الطابق الأوسط للقصر: الدوق بليك واقف هناك بوضوح، كأنه يتعمّد أن يُرى.
…لابد أن أُهديها الخاتم في أسرع وقت ممكن.
وتعمقت نظرات رافاييل على الفور.
***
انقضى الأسبوع كلمح البصر.
كم بدا بطيئًا حين كان وحده، وكم صار سريعًا حين قضاها إلى جانب لويسا، حتى غدت كل لحظة فائتة خسارة مؤلمة.
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 132"