الأرض الملطخة بالدم، الأجساد الملقاة، والنيران المتأججة التي لا تنطفئ… إن لم يكن هذا جحيمًا، فما هو إذن؟
“هل… هل استعاد قوته بالكامل؟”
تماسكت لويسا بصعوبة، وهزّت رأسها نافية:
“ليس بعد… لم يكتمل تمامًا.”
“إذن يجب القضاء عليه قبل فوات الأوان.”
وقد انسحب الفرسان بأمان، لكن السحر الاسود الذي يغلّف ساينف بات أكثر كثافة من ذي قبل.
هزّت لويسا رأسها موافقة على كلمات رافاييل.
“لويسا!”
حشدت من جديد طاقتها المقدسة لتطلقها عليه… غير أنّ كرة نارية ضخمة انطلقت فجأة نحوها.
اندفع رافاييل واحتواها بذراعيه، قافزًا بها بعيدًا.
كواااااانغ!
اهتز الكهف كله، وتشقّق سقفه مهددًا بالانهيار.
وما إن هبط رافاييل حتى بحث بعينيه عن ساينف، لكن مكانه كان فارغًا.
لم يبق هناك سوى الإمبراطورة، لاهثة متداعية.
“أنقذوني…”
تمتمت بصوت متقطّع مبحوح.
“خذوني معكم… أنا أيضًا…”
كانت ترتعش وتكابد لتنهض، لكن هيئتها لم تكن سوى ظلّ مهزوم، أقرب لحشرة تتخبط، لا لتلك المرأة التي لطالما حملت كبرياءً متعاليًا.
التفتت لويسا نحو رافاييل.
كان رافاييل ينظر إلى الإمبراطورة بلا أي تعبير، ثم حوّل بصره عنها كما لو أنه لم يعد يرى فيها شيئًا يستحق.
“علينا مطاردته حالًا. إن تركناه يفلت، سيسقط مزيد من الضحايا.”
وافقت في سرّها.
لم يكن من الصواب إضاعة الوقت هنا، وخصوصًا من أجل المرأة التي تسببت في كل هذه الكارثة.
لم تشعر بأي دافع لتقرير مصيرها أو الحكم عليها.
إن ماتت في هذه الحال، فليكن ذلك قدرها المحتوم.
“ر… رافاييل!! كَههغغ…”
الدم يتفجّر من فم الإمبراطورة كما لو كانت تنزف كل ما تبقى في جسدها، فيما تلك العينان الزرقاوان الباردتان لا تنظران إليها إلا ببرود، وكأنها لا ترى أكثر من زخرفة على الأرض، ثم انصرفت دون أدنى تردد إلى جهة أخرى.
“أتريد أن تتركني؟! أأنت تجرؤ؟! كيف تجرؤ أن تتركني أنا…!”
“لويسا، ضعي ذراعيك حول عنقي.”
“لا! أرجوك، سامحني! سامحني، أقول! فقط لا تتركني!!”
“سنتوجه أولاً إلى مدخل الكنيسة.”
ارتجّت الأجواء بصرخات يائسة ممزوجة بالرعب، غير أنّ رافاييل كان يحتضن لويسا بحرص، يشدّ عليها بين ذراعيه وهو ينطلق بها بعيداً إلى الأمام.
اهتزّت الأرض بعنف، وتبعها دويّ صاخب لانهيارٍ خلفهما.
كووووورررررر─!
ما زالت لويسا تحدّق بعينيها في الكهف الذي يبتعد شيئاً فشيئاً.
من بين خصلات شعرها المتناثرة بفعل الرياح العاتية، لاح لها الكهف وهو ينهار تماماً، وكأن تماسكه لم يكن إلا وهماً.
الأشجار تساقطت متكسّرة، والأدغال تمايلت تحت هبوب الإعصار.
لقد قتلت تلك المرأة الكثيرين، ومع ذلك كانت تدّعي دوماً أنّها الضحية، متظاهرة بالتصوّف والسمو، لكنها في النهاية لم تكن سوى شيطانة أنانية فقدت جوهرها البشري.
اختياراتها الخاطئة ولّدت أنهاراً من الدماء، ونتيجة ذلك قد تجلب كوارث جديدة لا يمكن التنبؤ بها.
تقاطعت أمام عيني لويسا صورة بيلا التي كانت حتى الرمق الأخير تتمنّى أن تصبح إنسانة، مع صورة الإمبراطورة التي كانت تستجدي الحياة.
رفعت بصرها إلى السماء التي تلونت بشيء من البرتقالي، ثم حوّلت نظرها نحو الكنيسة الكبرى التي باتت قريبة.
لقد بدأ الفجر يلوح.
***
ما إن أنزل رافاييل لويسا أمام الكنيسة حتى أمر بانطلاق فرقة الملاحقة.
بعض الفرسان كانوا قد تبعوا آثار العدو مباشرة من جهة الكهف، لكن من الصعب أن يسايروا سرعة ساينف وحدهم، لذا قسّم القوات على أكثر من محور لتطويق المنطقة.
“ستذهب وحدك؟ وماذا عني أنا؟”
“الأفضل أن تبقي هنا.”
“لكن لماذا؟ أعلم أنّك قوي، يا رافاييل، لكن ألا تحتاج إلى قوتي أيضاً؟”
قالتها لويسا وهي تنظر إلى الفرسان الذين أحاطوا بها كالحلقة، وكان واضحاً أنهم عُيّنوا لحراستها، ومن بينهم كان آندي مجدداً.
“أعرف أنّكِ أقوى مني بكثير، غير أنّ ملاحقة ساينف والاشتباك معه في الوقت نفسه يحمل خطراً بالغاً. الأفضل أن نجرّه إلى هنا حيث يمكننا أن نحيطه.”
“وإن لم يتبعنا؟”
ابتسم رافاييل بخفة وهو يشدّ على ذراعيها:
“سيُجبر على اتباعي، فلا تقلقي. أنتِ فقط كوني في غاية الحذر.”
“أنا سأكون هنا فحس… هاه؟”
تبع نظرة لويسا إلى الخلف، فالتفت بدوره.
“لويسا!”
“أبي…”
لقد كان الدوق بليك وياميان. معهما عدة عربات ضخمة، وما إن قفزا عن صهوات خيولهما حتى أسرعا نحوها.
“توقيت رائع. وجودكم معاً يجعلني مطمئناً أكثر.”
ألقى رافاييل نظرة سريعة على الدوق، ثم غادر على الفور.
لكن عيني لويسا تبعتاه دون أن تستطيع الانصراف عنه، تحدّق في ظهره الذي يبتعد أكثر فأكثر.
كانت تعلم كم هو قوي، لكنها لم تستطع منع نفسها من القلق، فساينف قد امتص قوى الكهف، وهذا يجعله أكثر خطراً.
‘إما أن يُقتل ساينف… أو يُعاد إلى الجحيم. لكن هل يكفي أن نغمره بالقوة المقدسة كي يتحقق ذلك؟’
تأملت في كيفية القضاء عليه إن استدرجوه إلى هنا، بينما كان والدها وديميان يمسكان يديها ويفتشانها بقلق.
رسمت على محياها ابتسامة باهتة.
“لابد أنكم قضيتُم الليل في تعب، شكراً لجهودكم.”
“تعب؟ لم يكن سوى إحضار هذه العربات. أنتِ، هل أصابك مكروه؟”
سألها الدوق بجدّية وهو يتأملها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها.
كان يبدو مرهقاً ووجهه متغضناً بالقلق، وثيابه ملوّثة بالغبار وملطخة بالدم.
ابتسمت له لويسا مطمئنة وهي تخفض حاجبيها برفق. ثم أمسكت بيد ديميان الذي يرمقها بنفس النظرة القلقة وقالت:
“هل كل شيء موجود بداخلها؟”
“آه… نعم، موجود.”
“فلنبدأ بالتأكد فوراً. يجب أن نبعثر هذا حول المكان.”
قالت ذلك وهي تشدّ على يديهما معاً، كأنها لا تريد أن تسمع اعتراضاً، وسارت معهما باتجاه العربات.
كانت عشرات العربات مصطفّة تباعاً.
لم يبدُ أنّ وقتاً طويلاً قد مر، ومع ذلك جلبوا كل هذه الكمية… كان أمراً مذهلاً بحق.
وقفت لويسا أمام إحدى العربات وفتحت بابها على مصراعيه.
فإذا بضياء صافٍ يفوح برائحة عطرة، وقوة مقدسة تبعث في الجسد انتعاشاً وتمتد لتملأ الأرجاء.
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 118"