“صحيح، لقد بالغ في إرهاق نفسه. قضى أيامًا في الصلاة، فلا بد أنه استنزف الكثير من طاقته، بل إنه دعمني بقوته حين كنت أُجري التطهير.”
أومأ رافاييل برأسه بملامح متجهمة.
“ينبغي أن ينال قسطًا وافرًا من الراحة في الفترة القادمة. غير أنّ الأمر نفسه ينطبق عليكِ أيضًا……”
انتهت عبارته وفيها أنين متعب، فابتسمت لويسا ابتسامة مُرة.
“لا يقتصر الأمر عليّ وحدي، بل على الجميع. أنت أيضًا تعمل ليلًا ونهارًا، وكذلك أبي وأخي… ثم إن أبي سيزداد استعجالًا بعد الخبر العاجل الذي وصله. سيكون مرهقًا أن يجمع كل ذلك.”
“ماذا يوجد في الشمال؟”
“ما رآه في الحديقة الخلفية قبل أن نغادر الشمال.”
اتسعت عينا رافاييل قليلًا، متذكّرًا أن لويسا جمعت الخدم في حديقة القصر الخلفية قبل المغادرة تحسّبًا لأي طارئ.
“هل يوجد زهور مقدسة اخرى هناك؟ لقد كان في القصر الكثير بالفعل.”
“همم، في الشمال يوجد أكثر بكثير. لم نتفقدها جيدًا منذ أن زرعناها، لكن بالنظر إلى سرعة تكاثرها حتى الآن، فلا بد أن العدد وفير.”
“هذا حقًا مدهش.”
“أليس كذلك؟ يبدو أن الزهور المقدسة تتمتع بقدرة عالية على الانتشار.”
“كنت أعني أنكِ أنتِ المدهشة. لو لم تكوني موجودة، لانتهى بنا الأمر بلا مقاومة تُذكر، وتبخرنا في العدم.”
صدقت كلماتُه.
فالإله قال إن في حياتها السابقة كان الجميع ألعوبة بيد السحر الاسود.
ابتسمت لويسا بتكلف وأشاحت ببصرها عن نظرة رافاييل التي تلألأت بعينين يكاد يقدّسهما الإعجاب.
‘البقاء مع هذا الرجل يجعلني أنسى الوضع كل مرة.’
شعرت بحرارة تتصاعد في وجهها.
الحديث مع رافاييل أشبه بالقفز إلى البحر ثم الانجراف مع الأمواج.
لا، بل أشبه بالاندفاع وسط اللهيب نفسه، كلما ازداد جسدها حرارة كلما بدا كأنها تلقي بنفسها في النار.
‘لكن المهم الآن ليس هذا.’
أدارت نظرها إلى الخارج، فإذا بالكنيسة الكبرى تلوح في الأفق شيئًا فشيئًا، فرمشت بهدوء.
لقد أوشكت فترة الهدوء القصيرة التي نالتها على الانتهاء.
‘……هناك شيء غير مريح.’
منذ سماعها خبر نائب القائد، تملّكها شعور مزعج.
ولهذا تبعتهما على الفور، وها هي عند وصولها الكنيسة تزداد يقينًا أن إحساسها لم يكن خاطئًا.
صحيح أنها لم تألف يومًا أن يرتبط مجيئها إلى الكنيسة بخبر سار، لكن دخولها إياه كان دومًا يبعث في نفسها شيئًا من الطمأنينة، كما لو أنها تقف تحت شمس دافئة.
أمّا الآن، فالريح الباردة توغلت في عظامها، تبعث قشعريرة غريبة.
“رافاييل، هناك أمر مريب.”
“… هل تستشعرين السحر الاسود؟”
“لا. ليس على هذا النحو. لكن… أشعر أننا ينبغي أن نكون على حذر.”
“حسنًا. سنمضي مع الفرسان.”
كان لا ضرر في الأخذ بكلامها، فإلى جانب قوتها الهائلة، كان يثق بقدرتها على تمييز السحر الاسود بدقة تفوق حتى الكاردينال.
أمر رافاييل آندي بجمع الفرسان، ثم أمسك بيد لويسا بحذر.
رفعت عينيها إليه وهي لا تزال تفتش المكان بملامح متصلبة.
“كوني حذرة. إذا حدث شيء، فأنتِ أول ما سأحميه.”
“……”
“لويسا.”
“… حسنًا.”
أجابت، لكن نبرتها لم تكن حاسمة. ومع ذلك، بدا رافاييل راضيًا بهذا القدر، وبدأ التحرك مع الفرسان المقدسين الذين اجتمعوا سريعًا.
“سنتفقد الخارج أولًا، ثم ندخل.”
أومأت لويسا وهي تركز حواسها.
وبينما كانت تتنقل بين موجات الطاقة المقدسة التي تحيط بالكنيسة، أحست بذبذبات غريبة تتخللها.
شيئًا فشيئًا صار الفرسان يتبعون خطاها، من دون أن يسألوا، وكأن طريقها وحده هو الدليل.
كانت تمشي مركّزة، لا تلتفت حولها، حتى تجعّدت جبهتها فجأة.
“تمهّلوا. ماذا يوجد في هذا الاتجاه؟”
“ممر للتنزه.”
“غير الممر؟ أليس هناك ممر سري مثل المرة السابقة؟”
“لا، الممر السري هناك فقط. هنا لا يوجد سوى ممر للتنزه.”
“… غريب.”
“ما الأمر؟”
“أشعر بطاقة غريبة، ضعيفة لكنها مختلفة، من تلك الجهة.”
وأشارت بإصبعها إلى ناحية تحجبها أشجار كثيفة سدّت جانب الممر.
تلاقى نظرها ونظر رافاييل في الفراغ للحظة.
“كونوا على أهبة الاستعداد.”
“نعم!”
تقدّم رافاييل أولًا.
كان يتمنى إبعاد لويسا إلى الوراء، لكنه لم يستطع، فهي الوحيدة التي تشعر بتلك الطاقة. فاكتفى بأن شدّ على يدها أكثر.
أضاءت المشاعل التي يحملها الفرسان الغابة من حولهم.
الأشجار والأدغال كانت متراصة بشدة، كأنها أقيمت عمدًا لمنع الدخول.
كانت كثافتها مثيرة للدهشة، بل إن بعضها كان مربوطًا بخيوط دقيقة بين الجذوع كي لا تتسلل الحيوانات حتى.
لم تُغفل لويسا فجوة ضيقة بين الأشجار، ومع اقترابها منها تبيّن أن الطاقة المبهمة قد انكشفت.
إنها طاقة مقيتة، طاقة السحر الاسود.
“… أشعر بالسحر الاسود.”
“من هذا المكان؟”
“نعم. يجب أن نتحقق مما في الداخل.”
“سأقوم بذلك.”
اندفع آندي بسرعة.
كان يراقب الأشجار المكتظة حولهم، ثم بدأ يزيل كل واحدة منها على حدة.
على عكس لويسا التي كانت متوترة خشية أن يهاجمهم السحر الاسود، كانت يدا آندي تتحرك بلا تردد.
“……!”
وفجأة، مرت يد آندي عبر شجرة ما.
كانت تبدو كأي شجرة أخرى، لكن يده مرت في الهواء وكأنها خدعة بصرية مخيفة.
نظر الجميع إلى بعضهم البعض وكأنهم متفقون على الدهشة.
“الممر ضيق، احذروا.”
تقدم آندي والفرسان نحو الشجرة التي يمكن المرور من خلالها، وتبعهما رافاييل ولويسا.
كان الممر ضيقًا بحيث يمكن لشخص واحد فقط السير فيه، ومع مرورهم بين الأشجار أثناء تقدمهم، ظهر جدار أمامهم.
هل دخلنا في الطريق الخطأ؟
وبينما كان الجميع مرتبكين، تقدمت لويسا.
“أظن أنني أستطيع التعامل مع هذا.”
وضعت لويسا يدها على المكان الذي تركزت فيه طاقة السحر الاسود بقوة، وبثت فيه طاقتها المقدسة، فاهتز الجدار وانهمرت قطع الحجر المتساقطة.
سحب رافاييل لويسا بسرعة إلى صدره محاولًا حمايتها.
“ماذا؟”
انهارت القطع الحجرية، وانكشف الجدار المسدود، ليظهر ممر عميق. وفي تلك اللحظة، بدأ صوت غريب يتردد في الكهف.
تكت، تكت، تكت.
في البداية، ظنوا أنه سقوط قطع حجرية.
لكن الصوت المنتظم أصبح أقرب، وبدأ يبدو كأنه خطوات تتقدم نحوهم.
هبت ريح قوية من داخل الكهف، وارتجت المشاعل بشدة، واقترب الصوت حتى صار أمامهم مباشرة.
تكت، تكت، تادا داداداك─!
كان الصوت مرعبًا، كأنه سيهاجمهم في أي لحظة.
“وحوش سحرية!”
“ابتعدوا جميعًا عن الممر!”
كانت الكتلة السوداء وحشًا لم يسبق لهم رؤيته.
بلغ طوله مستوى كتف لويسا تقريبًا، وكان نحيفًا جدًا، وقفز نحو الممر الضيق بجسمه القبيح.
بوووم─!
التف الوحء على نفسه وهاجم الفرسان الذين حاولوا الدفاع بأقصى ما يستطيعون في ظروف لم تسمح لهم بتحريك سيوفهم بحرية.
بين الفرسان، كان بعضهم قادرًا على التصرف بمهارة، وأبرزهم كان رافاييل.
حمي رافاييل لويسا أثناء مواجهة الوحوش، لكنها استمرت في الظهور بلا توقف من داخل الكهف.
ترددت لويسا لوهلة، ثم أطلقت دون أي تردد خاتم الاثر السحري.
انطلقت شرارات الضوء، وبدأت الكهرباء تتدفق إلى الوحوش.
“لا تلمسوا الوحوش! حاولوا الابتعاد عنها قدر الإمكان!”
انتقلت تعليمات لويسا بسرعة، وطبق الفرسان أوامرها بحذافيرها.
“لويسا، لا تتقدمي!”
“يجب أن أطلق قوة التطهير. وإلا قد تُسحق أمام هذه الوحوش.”
كانت الوحوش تتدفق من الكهف بلا توقف تقريبًا، كما لو كان الوعاء لا ينضب.
أثر الاثر السحري على تحركات الفرسان، لذا كان هناك حد لاستخدامها باستمرار، لكن عندما استخدمت لويسا قوة التطهير على الوحوش الساقطة على الأرض، كانت النتيجة أكثر فعالية.
بعد أن تأكدت من اختفاء آخر وحش على شكل دخان أسود، تقدمت لويسا نحو مدخل الكهف تحت حماية رافاييل.
بدأ الضوء الأبيض يتجمع في يدي لويسا، وازداد حتى توقفت الوحوش عن الحركة وبدأت تراقبها بحذر.
فووووا─.
انتشر الضوء الأبيض من يدي لويسا كنسيم منعش.
شعرت بشيء يخرج من داخل جسدها، لكنه عاد سريعًا، واستمر الضوء الأبيض في التوسع.
أغمض الجميع أعينهم لحظة قبل أن يفتحوها، فقد كان الضوء قوياً جدًا.
المخلوقات التي كانت تتكاثر باستمرار اختفت تمامًا، ولم يتبقى سوى دخان أسود يتصاعد من الأرض إلى السماء كأهداب غامضة.
“هاه… لم أصدق أن كل ذلك تم تنظيفه بضربة واحدة.”
“يا سمو الأميرة، أنتِ حقًا مذهلة. بل، يجب أن نطلق عليكِ لقب القديسة!”
“بالفعل. رؤية مثل هذا المشهد مباشرة، كأن رغبة الفرسان المقدسين قد تحققت.”
“صحيح، قوة مقدسة هائلة كهذه، مشهد لم نكن لنراه في حياتنا كلها.”
انطلقت من الفرسان المقدسين كلمات الإعجاب والدهشة واحدة تلو الأخرى.
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 115"