لستُ مصابة بمرض عضال! [ 10 ]
كانت في قرارة نفسها قد أعجبت ولو للحظة بجرأته ولامبالاته بنظرات الناس، لذلك كان لرؤيته عن قرب أثر غريب في نفسها.
‘هذا الرجل الذي عاش بهذه الحرية يقع في غرام البطلة، ثم يدخل في صراع على العرش مع أخٍ كان على وفاق كبير معه… ما هذا الذي يُسمّى حبًّا؟’
حقاً منذ البداية كان أمره غريباً؛ فابن الإمبراطورة التي تتصنّع البراءة والزهد أمام رافاييل والإمبراطور لا ينبغي أن تكون علاقته بأخيه وثيقة إلى هذا الحد وكان من الطبيعي أن يأتي يوم تنقلب فيه الأمور.
قال الأمير مبتسماً:
“كم كنت أتمنى أن تكون لي أخت صغرى… رؤية علاقتكما تجعلني أشعر ببعض الغيرة.”
أجابه ديميان:
“أختي غالية على قلبي، لكن مثلها لا يوجد في الدنيا إلا هي.”
لا تدري لويسا لماذا بدا كلامه في أذنها وكأنه يقول:
‘أما أنتم، فليس عندكم مثلها.’
بدأت ملامحها تفقد حرارتها شيئاً فشيئاً، وصارت تشعر بالانزعاج من هذا الحوار العبثي، بل وقلقت من طريقة ديميان الجدية في مجاراة هراء الأمير.
ضحك ساينف وقال:
“هاه، ربما نحن لسنا محظوظين مثلكم. إذن، رجاءً…”
وبينما كانت تتوقع منه ردًّا لاذعاً على عادته كما يوحي لقبه المبتسم الخبيث، إذا به يقترب منها بخطوات هادئة.
كان أقصر قليلاً من ديميان، لكنه ما يزال أطول منها برأس كامل، إذ أن رجال هذه البلاد لا يقل طولهم عن ستة أقدام.
فحين اقترب، حجبت قامته أشعة الشمس وألقى بظلّه عليها كستار وارف.
قال بصوت منخفض:
“أتسمحين لي بقبلة قصيرة ليد آنسة جميلة؟”
…ما هذه الخلاصة الآن؟
‘آه، لا يهم… أريد العودة إلى المنزل.’
شعرت لويسا أن تركيزها يتلاشى.
لم تعد تكترث بمن أمامها، وكل ما فكرت فيه أنها إذا لم تجد شيئاً تأكله فالأفضل أن تذهب لترتاح.
مدت يدها بصمت.
لامست شفاهه قفاز الدانتيل الأبيض، لا لمسة خاطفة بل ضغط خفيف، فانتقل الإحساس الرقيق إلى بشرتها، غير أن ملامحها بقيت على حالها.
قال هامساً:
“أمر غريب…”
ثم رفع شفتيه، تاركاً مسافة قصيرة بين شفتيه وبين يدها، فيما أنفاسه الدافئة تلامس القماش.
“لدي حسّ جيّد بطاقة الآخرين، أفضل من معظم الناس.”
“……”
“لكن… لماذا أشعر بوجود قوّة مقدسة لديكِ؟”
“……!”
ارتجفت لويسا قليلاً، وكادت تسحب يدها، وبدت في عينيها بعد شرودها لمحة حذر.
قالت وهي تستعيد هدوءها:
“وهل تستطيع تمييز ذلك؟ هذا حقاً يثير دهشتي.”
لكنها ما لبثت أن أظهرت ملامح التعجب وحدها حين رفع رأسه.
“هكذا كان الأمر… موهبة كهذه تنفع أخي الفارس المقدس أكثر مني، لكن قدري أن تكون عندي أنا.”
ابتسم ابتسامة مشرقة، ورفع كتفيه بخفة.
قال ديميان بلطف وهو يسحب يدها برفق إلى الخلف:
“إذن تستطيع تمييز الطاقات؟ إن كانت هذه القدرة لدى سموك، فذلك أمر فذّ حقاً.”
ألقى ساينف نظرة على يده الفارغة، ثم التفت مبتسماً بعينيه:
“أرى أن الآنسة أكثر تفرّداً مني. أنا لا أشعر إلا بومضة طاقة بسيطة، وإن كانت قوّة مقدسة حقاً، فالأفضل أن تتأكدي منها في المعبد.”
“أشكرك على النصيحة، لكن أخشى أن تكون ضعيفة جداً فيثير الأمر ضجة لا داعي لها.”
“آها… تريدينني أن أكتم الأمر؟”
لم تقل لويسا شيئاً، بل اكتفت بابتسامة صغيرة.
أمعن ديميان النظر فيها، ثم رفع يده إلى فمه مقلداً حركة إغلاق سحاب.
قال ساينف ضاحكاً:
“بالطبع… فأنتِ ستصبحين من عائلتي يوماً ما، ومن الواجب أن أفعل ذلك.”
كانت كلمات لو سمعها رافاييل لأصيب بصدمة، لكن لويسا لم تمحُ ابتسامتها… أو بالأحرى، حاولت ألا تمحوها.
لكن فجأة، أحسّت بحرارة تشتعل في صدرها، فأخذت معدتها تضطرب بشدّة.
كان إحساساً مألوفاً يشبه تماماً ما اختبرته في الحمّام قبل أيام.
أول من لاحظ تغيّر لونها كان ديميان الذي كان يراقبها منذ قليل.
اقترب منها وأمسك بخصرها ليسندها.
“أتشعرين بالتعب؟”
سألها بنبرة هادئة، لكنه لم يخف صرامة ملامحه حين أدرك حالتها.
“لا… لا بأس، ربما أتعبني النبيذ قليلاً، سأذهب إلى غرفة الراحة.”
“حسناً، سأرافقك.”
“لا داعي… ابقَ بجانب سمو الأمير. سأعود حالاً.”
وغادرت قبل أن تسمع رد ساينف.
استدارت مسرعة وغادرت الحديقة، تاركة الأمير وديميان يحدّقان في ظهرها وهي تبتعد.
* * *
مرّت لحظة من الإزعاج على وجه رافاييل الأنيق وهو ينزل عن فرسه.
لم يكن راضيًا عن حضوره بنفسه إلى حفلة عائلة داليّو التي لم يكن ليتواجد فيها لولا طلب الإمبراطورة هالين التي تدهورت صحتها مؤخرًا.
‘ياللغباء… كان بإمكانكِ رفض الأمر ببساطة، فلماذا تتركين مجالًا لي دائمًا.’
وبما أنه كان يعلم أن ساينف سيذهب، وطلبت منه عن عمد زيارة منزل الكونت داليو وتسليم هدية نيابة عنها، فقد لم يستطع رفض ذلك.
لم يكن بوسع رافاييل الرفض، لأنه أدرك أن ذلك بدافع القلق عليه، فهو عادةً ما ينشط في المعبد فقط، ولا يحاول بناء علاقات مع النبلاء كأحد أفراد العائلة الإمبراطورية.
‘كل ذلك هو خطيئة جلالة الإمبراطور.’
قبل زمن طويل، عندما حوّل الإمبراطور نظره إلى هالين، خادمة الإمبراطورة السابقة، تسبب في معاناة الكثيرين.
فقد انقلبت والدته الإمبراطورة على رافاييل بقسوة إثر شعورها بالخيانة، بينما بدأت الخادمة تشعر بالذنب لأنها أحبت الإمبراطور بصدق، فحاولت حماية رافاييل.
في صغره، كان رافاييل يحمل بعض اللوم تجاه هالين، فلو لم تكن موجودة، ربما كانت أسرته بخير، وكانت والدته الحنونة لم تتغير هكذا… لكن مع مرور الوقت، أدرك أن السبب الحقيقي لكل شيء هو الإمبراطور نفسه، ذلك الرجل الذي لا يحب حتى أن يُناديه أبًا.
لحسن الحظ، لم ينجب الإمبراطور أطفالًا بعد الأمير الثاني، لكن المشاكل لم تتوقف.
‘لو كنتَ أفضل، لربما كان جلالة الإمبراطور سيأتي! هل تعتقد أن تصرفاتك هذه ستنال إعجابه؟!’
‘ألا تخجل من كونك ابني وأنت بهذا القدر من العجز! ألم أقل لك أن تذهب بعيدًا؟!’
‘لو لم تكونْ أنتَ، لما وقعتُ في هذا المأزق. لقد كان مولدك خطأً.’
تصاعدت نوبات الإمبراطورة الهستيرية حتى أطلق الأطباء عليها تسمية “الجنون”.
وبدافع تثبيت مكانة ولي العهد، أُرسل رافاييل في عمر العاشرة إلى الشمال ليكتسب القوة عبر مطاردة الوحوش الخطرة.
بعد أن تطورت قواه المقدسة بشكل كبير، عاد إلى القصر، وكان بانتظاره هناك الإمبراطورة معلقة في الهواء، رمزًا لغموض ما حدث.
‘ليس ذنبك يا جلالتك.’
كانت هالين تحاول في الخفاء الاعتناء برافاييل، لكنه كان يرفض يدها.
حتى قرارات الإمبراطورة التي لا يمكن التراجع عنها جعلت رافاييل مضطرًا لقبول مساعدتها.
تلك الكلمات الحزينة التي كانت تهمس بها له ما تزال عالقة في أعماقه.
‘حان الوقت لأن أنفصل عن هذا القصر القذر…’
رغم رغبته في الابتعاد عن القصر، لم يستطع تجاهل طلبات هالين المرتبطة به أحيانًا.
لكنه لم يظن أنها تحبه، فقد لاحظ قبل سنوات أنها كانت تنزعج منه سرًا.
‘في النهاية، لا أملك سوى نفسي لأثق به.’
حمل النسيم الربيعي العطر الرقيق للزهور، ووقف رافاييل يل يتأمل نبات الجيرانيوم المتفتح بعيدًا، قبل أن يعيد ترتيب زي الفارس الأبيض المتقن، ثم بدأ بالسير.
‘هل تلك هي الآنسة بليك؟’
لكن منظر لويسا وهي تهرب على عجل من الحديقة لفت انتباهه فجأة، فلم يستطع كبح نفسه وتوجه نحوها.
عندما وصل إلى خلف المبنى، شاهدها تدعم جدارًا وهي تتنفس بصعوبة، وكانت تبدو منهكة جدًا.
‘هل ينبغي أن أتركها وشأنها؟’
ربما كانت مريضة، وربما لا تريد لأحد أن يراها بهذا الشكل. خصوصًا أنها تكن له مشاعر، ولكن مجرد وجوده قد يسيء تفسيره.
‘لنعد.’
كان من غير المعتاد عليه أن يلاحقها حتى هنا، لذا كان من الأفضل أن يبتعد بهدوء، لكنه لم يستطع.
بصوت مخنوق، أطلقت لويسا تنهيدة وبدت وهي تتلوى من الألم وتدمى.
لم يكن هناك وقت للتردد، فاندفع رافاييل نحوها.
“ما الأمر؟ هل تسممتِ؟!”
حدقت لويسا به بذهول، وكأن وجوده أكثر إثارة للدهشة من حالتها.
“لماذا أنت هنا يا جلالتك؟”
أخرجت منديلًا بتردد لتغطية فمها، وحاولت إخفاء آثار الدم على الأرض والجدار.
“هل هذا مهم الآن؟ لنذهب للطبيب فورًا.”
“لا… هذا ليس…”
أراد أن يسألها إن كانت تستطيع المشي، لكنها قالت:
“ه-هذا ليس دمًا.”
————-
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 10"