ترددت إديث في الإجابة. لم يكن ذلك لأنها لم تكن تملك ما تقوله.
كان بإمكانها أن تقول بكل تهذيب: ‘بلا شك، سيكبر الأميرين ويحققان إنجازات عظيمة.’
ولكنها لم تفعل، لأنها شعرت أن الإمبراطورة لم تطرح السؤال لتسمع هذا النوع من الكلام.
فالإمبراطورة، لو أرادت، يمكنها سماع مثل هذا الكلام مئات المرات.
“دوقة ديفيون، هل تعرفين اسمي؟”
“أعلم أنه إليونورا.”
أجابت بحذر، فرفعت الإمبراطورة حاجبها قليلًا قبل أن تخفضه مرة أخرى.
ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة.
“بالفعل، من الجيد أنك من عائلة ديفيون. قد يُعتبر ذلك إطراءً لك.”
شعرت إديث ببعض الإحراج وخفضت رأسها. كانت تشعر بالخجل لارتباطها بسكاييل، الساحر الذي يُطلق عليه لقب عبقري القرن.
“أنت تعرفين ذلك، لكن اليوم لم يعد هناك الكثير ممن يعرفون اسمي.”
كان حديث الإمبراطورة صحيحًا. ولم يكن الأمر متعلقًا بها فقط.
فالإمبراطور نفسه كان يُعرف أكثر باسم “تريستر الثاني” بدلاً من اسمه الحقيقي “جازيف”.
كم شخص في هذا العالم يمكنه أن يخاطب أفراد العائلة الإمبراطورية بأسمائهم؟
إنه مصير يرتبط بالألقاب الملكية.
‘إليونورا مونديلا.’
ولكن ما جعل إديث تتذكر اسم الإمبراطورة هو دراستها المكثفة حول المجتمع الأرستقراطي.
فبسبب تأخرها عن الآخرين، اضطرت إلى دراسة كل شيء بشكل مكثف حتى لا تكون عبئًا على سكاييل .
‘أعتقد أن أسلوب التعليم المعتمد على الحفظ يناسبني.’
بالطبع، لم يكن له فوائد فقط، لكنه كان مناسبًا لها إلى حد كبير.
“إذاً، هل تعرفين كم كان عمري عندما خُطبت للإمبراطور؟”
شعرت بالارتياح لأنها درست جيدًا، لكنها سرعان ما أدركت العيوب التي تترتب على التعليم بالحفظ؛ وهو عدم تعمق التعلم.
“تسع سنوات.”
لم تكن قد حفظت ذلك مسبقًا، لكن الإمبراطورة نفسها أجابت.
‘تسع سنوات؟!’
حتى لو كان هذا عالماً مختلفاً، شعرت أن ذلك العمر صغير جدًا.
كيف يمكن لطفل في الصف الثالث الابتدائي أن يرتبط بشريك؟
رغم أنها عاشت في هذا العالم لسنوات عديدة، ما زال هذا الأمر يثير دهشتها.
بالطبع، حتى بمعايير هذا العالم، كان عمر تسع سنوات صغيرًا جدًا للخطبة.
“بالطبع، تمت الخطبة الرسمية عندما كنت في الخامسة عشرة. عائلتنا، مونديلا، أخرجت العديد من الإمبراطورات والملكات عبر الأجيال.”
عندما أضافت الإمبراطورة هذه العبارة، شعرت إديث بأنها تفهم الأمر أكثر قليلاً.
ومع ذلك، لم يتغير رأيها بشأن صغر السن.
“لذلك، بدأت التحضير لأن أكون إمبراطورة منذ سن التاسعة. تعلمت آداب قصر الإمبراطوري وتلقيت تعليماً متنوعًا. وقد أولتني الإمبراطورة السابقة عناية خاصة وعلّمتني الكثير.”
تحدثت الإمبراطورة عن ماضيها بلهجة عادية، ثم أخذت نفساً عميقاً قبل أن تتابع.
“منذ اللحظة التي تلقيت فيها المرسوم الإمبراطوري، أصبحت إمبراطورة بالفعل.”
ليس “إليونورا”.
بدت الكلمات التي لم تقلها وكأنها تُسمع في أذنيها.
“الأمير شازاد والأمير أندرو كذلك. الفرق الوحيد بيني وبينهم هو أن أدوارهم قد تم تحديدها منذ لحظة ولادتهم.”
فبينما تم اختيار الإمبراطورة من قِبل الإمبراطور السابق، فإن التوأم الإمبراطوري وُلدا مع ألقابهم وجاههم.
“إن من يحكم الآن هذه القارة، بل الإمبراطورية بأسرها، هو زوجي جلالة الإمبراطور. ومع ذلك، كما تعلمين، فإن الحياة الأبدية لم تُمنح لأي أحد.”
كان هذا قولاً بديهياً. فإلا ما يُطلق على الخلود حلم البشرية الأوحد على مر العصور والأماكن؟
“المستقبل يعتمد على أطفالي. وبالأخص، فإن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق شازاد.”
أومأت إديث برأسها. فثقل المكانة الإمبراطورية يقع بلا شك بشكل أكبر على عاتق شازاد باعتباره الابن الأكبر.
“وتربية هؤلاء الأطفال هي مسؤوليتي. أليس من المنطقي إذاً أن أكون من يصنع مستقبل هذه القارة؟”
ظلت إديث تستمع بإنصات لحديث الإمبراطورة، لكنها فجأة فتحت عينيها على اتساعهما وكأنها تلقت ضربة على رأسها.
لطالما سمعت عن عظمة الإمبراطور، وعن ثقل عرشه، وعن الوحدة والتعب الذي يصاحب تلك المكانة.
سمعت كثيراً عن دور الإمبراطور وإنجازاته، لكنها لم تفكر يوماً بعمق في دور الإمبراطورة.
كانت ترى الإمبراطورة فقط كزوجة للإمبراطور، وربما كانت تعتقد ذلك دون وعي.
لكن الإمبراطورة كانت تتحدث بكل ثقة، مؤكدة أن مستقبل القارة يعتمد على يديها.
كان ذلك أشبه برسالة إلى جميع الأمهات على هذه الأرض.
فحتى إن قُلِّلت من شأن الأمومة ووُصفت بأنها مجرد تربية أطفال، فإن الأمهات في الواقع يُربين قادة المستقبل.
شعرت إديث بصدمة جديدة، وشعرت بالخجل من نفسها لأنها لم تكن تدرك هذا من قبل.
رغم أنها كانت تعتقد أنها تُكنّ احتراماً كبيراً لجميع الأمهات، بدا أن ذلك كان مجرد كلمات.
“لذا، أبذل جهدي لكي يصبح أطفالي أشخاصاً عظماء في أماكنهم المناسبة. كما قامت والدتي بتربيتي كإمبراطورة، أقوم أنا أيضاً بتربية أطفالي ليصبحوا إمبراطوراً ودوقاً كبيراً.”
في وقفتها الثابتة ونظرتها الواثقة، كانت تتجلى الثقة في ماضيها الذي عاشته.
“ليس لدي أي ندم. أعتقد أنني قمت بواجبي بشكل جيد. ولكن…”
تلاشت كلمات الإمبراطورة فجأة.
وفي تلك اللحظة، هبّت ريح خلفها، فاهتزت أوراق شجرة الجميز الكبيرة واهتز معها ظل الشمس المتخلل بين الأوراق.
بدا وكأن عيني الإمبراطورة تهتز مع هذا المشهد.
“أحياناً، أفكر في هذا الأمر. لقد فقدت اسمي عندما كنت في التاسعة، لكن أطفالي لن يكون لديهم فرصة لحمل أسمائهم أبداً.”
لن يكون لديهم لحظة واحدة ليحلموا بأشياء أخرى.
همست بهذه الكلمات بهدوء، وتبددت في الممر الهادئ.
مرت الريح واستعادت الأوراق مكانها، فتوقفت عن الاهتزاز، ثم تابعت الإمبراطورة حديثها.
“لكن مع ذلك، لا يمكنني تغيير ذلك الواقع. لقد وُلدوا بهذه المسؤولية، وُلدوا ليكونوا حكاماً وقادة.”
نظرت إلى الأفق وكأنها ترى شيئاً بعيداً، ثم أضافت بصوت هادئ.
“كل ما يمكنني فعله هو التأكد من أن هذه المسؤولية لن تكون عبئاً يثقل كاهلهم، بل مصدر فخر وقوة لهم.”
إديث لم تستطع الرد على الفور. كانت الكلمات التي سمعتها تحمل وزناً لا تستطيع هي تحمله أو حتى تخيله.
شعرت للحظة بأنها ترى الإمبراطورة بطريقة مختلفة تماماً. ليست فقط زوجة للإمبراطور أو رمزاً للإمبراطورية، بل أماً تحمل على عاتقها عبء بناء مستقبل القارة بأكملها.
“أنا لا أطلب المستحيل، ولا أعتقد أنني وحدي قادرة على تحقيق كل شيء. لكنني أؤمن بأن ما أفعله الآن سيصنع فرقاً كبيراً لهم وللجميع.”
أخذت الإمبراطورة نفساً عميقاً، وكأنها تستجمع أفكارها، ثم أكملت
“لذا، أريدك أن تفكري في هذا، سيدة إديث. المستقبل ليس مجرد فكرة بعيدة، بل هو في كل قرار نتخذه اليوم.”
بدت كلماتها وكأنها تحمل رسالة، ليس فقط لإديث بل لكل من قد يسمعها.
“سمعت من ريولا الكثير عنك، فأصبحت أشعر بالفضول فجأة. كيف ترين أطفالي من وجهة نظرك؟”
عندما التقت أعينها بعيني الإمبراطورة مرة أخرى، كانت نظرات الأخيرة قد أصبحت أكثر هدوءًا وثباتًا.
“أتمنى لو كنتِ رفيقة حديث لأطفالي ولو لفترة قصيرة. أريد منك أن تراقبي ما إذا كانوا يمرون بهذه المرحلة على نحو جيد.”
ترددت إديث في الإجابة. أن تطلب منها تكوين علاقة مع الأمراء؟ شعرت بالقلق من أن يؤثر ذلك سلبًا على سكاييل.
بدت هذه المهمة عبئًا ثقيلًا بالنسبة لشخص مثلها، تخطط للمغادرة بعد سنوات قليلة من بقائها هنا.
“لا يمكنني أن أسلب منهم هذه اللحظات، حتى لو كانت مجرد لحظات عابرة.”
لكن الكلمات التي جاءت بعدها جعلتها تدرك الحقيقة.
“لقد سلبت منهم أسماءهم بالفعل.”
أدركت إديث أنها لا تستطيع رفض هذا الطلب بأي حال من الأحوال.
***
في ذلك المساء، وقبل العشاء، ذهبت إديث إلى مكتب سكاييل لتخبره بما حدث في الحفل.
عادةً ما كانت تحاول عدم كشف كل التفاصيل لحماية من تستشيره، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا.
“لقد طلبت مني جلالتها أن أعتني بولي العهد وأخيه.”
“حقًا؟”
شعرت بالخجل لعدم التشاور معه مسبقًا، وانخفض صوتها تلقائيًا. بدا وكأن هذا يحدث معها باستمرار، مما زاد من شعورها بالذنب.
“ومتى من المفترض أن تبدأي بالذهاب إلى القصر؟”
نظرت إلى الأرض، غير قادرة على مواجهته مباشرة، ولكن فجأة رفعت عينيها لترى أن نظراته بلون العقيق* المعتادة لم تتغير.
“سكاييل، هل أنت بخير؟”
“طلب الإمبراطور أو الإمبراطورة يشبه الأوامر في طبيعته. بغض النظر عن دوافعهم، فإنه لا يختلف كثيرًا.”
أجاب سكاييل بلهجة هادئة على سؤالها الحذر.
وكان محقًا. حتى لو لم تكن الإمبراطورة قد طلبت ذلك بهذه الطريقة، لكانت قد طلبت الوقت لإعداد نفسها، ولكن في النهاية، ربما كانت ستقبل.
“لقد طلبت مني جلالتها أن أبدأ من الغد إذا كنت مستعدة.”
“من الأفضل التعامل مع طلبات العائلة الإمبراطورية بسرعة وإنهائها. لا بأس بذلك.”
رغم أن تعليقه كان يبدو لاذعًا بعض الشيء، إلا أنه كان بمثابة موافقة.
شعرت بالراحة لأن الأمر كان يؤرقها بالفعل. وبينما كانت تنظر إليه مترددة، سألها فجأة
“إديث، هل قابلتِ أحدًا من العائلة الإمبراطورية من قبل؟”
___
العقيق هو نوع من الأحجار الكريمة التي تتكون من السيليكا (ثاني أكسيد السيليكون) في صورة غير نقية، ويوجد بألوان متعددة مثل الأحمر، البرتقالي، الأبيض، الرمادي، الأزرق، والأسود. يُعتبر العقيق من الأحجار ذات الشعبية الكبيرة في الحلي والمجوهرات، ويُعتقد في العديد من الثقافات أن له فوائد روحانية وخصائص حماية.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 80"