الفصل 120
تجمدت إيديث في مكانها دون أن تشعر، وأشاحت بنظرها عن سكاييل.
لم يكن ذلك عمدًا على الإطلاق، فقد تحرك جسدها قبل أن تفكر!
شعرت إيديث بحرج شديد، لكن في تلك الأثناء عاد سكاييل إلى مكانه وأجلس الطفل على الكرسي الأوسط.
‘…الآن كريستيان معنا، لذا سأشرح لاحقًا.’
بعد تردد قصير، حولت إيديث انتباهها نحو كريستيان.
رغم تشوش أفكارها للحظة، سرعان ما تلاشى ذلك حين ركزت على حالة كريستيان.
رغم أن الطفل اكتسب بعض الوزن، إلا أنه ما زال لا يبدو كأنه يبلغ السابعة من عمره.
كان صغيرًا وهزيلًا للغاية، بشكل ملحوظ مقارنةً بأقرانه.
علمت إيديث أن كريستيان بالكاد كان يتناول الطعام في المعبد.
ومع ذلك، ظل الطفل على قيد الحياة بفضل القوة المقدسة التي كانت تحافظ على حياته.
هذا كان دليلًا على أن كلام البابا عن استهلاك قوة مقدسة كبيرة لمنع انفجار كريستيان لم يكن مجرد ادعاء.
لو لم يكن ذلك صحيحًا، لما تمكن الطفل من البقاء حيًا.
“كريستيان، اليوم لدينا كاستيلا ناعمة! سنتناولها مع حساء المشروم.”
لكن إيديث كانت تعلم أن القوة المقدسة وحدها لا تكفي.
للنمو بشكل طبيعي وفق عمره، كان على كريستيان تناول وجبات غذائية متوازنة.
ولكن بعد صيام طويل، لم يكن بإمكانه البدء بتناول كميات كبيرة أو أطعمة قوية المذاق.
لذا كانت وجبات كريستيان بسيطة للغاية.
“سكاييل، هل يمكن أن تدع كريستيان يلمس الكاستيلا ليشعر بها؟”
كان التلامس، أو الاحتكاك الجسدي، أمرًا بالغ الأهمية للأطفال.
من خلال اللمس، يطور الأطفال حواسهم، ويحصلون على الاستقرار العاطفي من خلال تفاعلهم مع مقدمي الرعاية.
لكن كريستيان افتقر إلى كلا الأمرين، إذ لم يتلقَ ما يكفي من التلامس أو الاهتمام.
لذلك، كان من الضروري أن يجرب كل شيء بنفسه.
“كيف تشعر بها، كريستيان؟ هل هي ناعمة؟”
ساعد سكاييل كريستيان على لمس الكاستيلا بحركات لطيفة.
كانت إيديث مستعدة للإمساك بيد كريستيان لتحركها أكثر كي يشعر بالمزيد، لكنها توقفت فجأة وسحبت يدها بخفة.
لم تكن تعي سبب شعورها المفاجئ بعدم الراحة، لكنها لم تستطع تجاهل تلك الفكرة.
ربما بسبب حركتها المترددة؟
لاحظ سكاييل نظراتها وعرف ما تعنيه، فحرك يد كريستيان بلطف فوق الكاستيلا.
“هذه الكاستيلا، يا كريستيان. إنها مختلفة عن الكيك الذي تناولناه قبل أيام، أليس كذلك؟”
رغم أن كريستيان لم يبدِ أي رد فعل، واصلت إيديث الحديث معه بلطف.
وحين شعرت أن الوقت قد حان،
“هل تود تجربتها الآن؟”
فجأة، قال كريستيان بصوت خافت جدًا:
“خبز…”
كان الصوت بالكاد مسموعًا، لكنه كان واضحًا بسبب الهدوء في الغرفة.
تفاجأت إيديث والتفتت إلى سكاييل بدهشة.
بدوره، أومأ سكاييل برأسه مؤكدًا أنه سمع الصوت.
“صحيح، يا كريستيان! هذا خبز!”
بفرحة غامرة، نقلت إيديث قطعة من الكاستيلا من طبقها إلى طبق كريستيان.
تحدث كريستيان أخيرًا!
وليس ذلك فحسب، بل أدرك أيضًا ما أمامه.
“كريستيان، هل نأكل الكاستيلا معًا؟ ستدرك كم هي لذيذة وناعمة عندما تجربها.”
قطعت إيديث الكاستيلا إلى قطع صغيرة بالشوكة وقدمتها له.
لكن كريستيان كان يحدق فقط في القطعة، دون أن يتحرك.
“دعنا نجرب، كريستيان. هذه الكاستيلا ناعمة جدًا.”
قامت إيديث بإشارة لسكاييل، الذي ساعد الطفل على تحريك يده مرة أخرى فوق سطح الكاستيلا.
“هيا، لنفتح أفواهنا معًا.”
قربت القطعة من شفتي كريستيان.
وبعد وقت بدا طويلاً، فتح الطفل فمه ببطء شديد .
“آه…”
وضعت إيديث القطعة الصغيرة في فمه وشاهدت بفخر وهو يمضغ ببطء.
“لقد فعلتها يا كريستيان! هذا رائع جدًا!”
وضعت إيديث يديها معًا، وكادت دموع الفرح تغمرها.
لكنها حبست دموعها، مدركة أن ردود الفعل الإيجابية لها تأثير كبير على الطفل.
“لقد أحسنت يا كريستيان. لنأخذ قطعة أخرى…”
حين نظرت إلى الطبق، توقفت فجأة.
كان طبقها يحتوي على كاستيلا جديدة.
ومع إدراكها للطبق الفارغ أمام سكاييل، لم تستطع إيديث النظر في عينيه.
شعرت بإحساس غريب يغمرها، لكنها لم تستطع مواجهته.
لم تجرؤ على رفع عينيها إليه لفترة طويلة.
***
خرجت إيديث من الغرفة عند بزوغ الفجر.
حاولت النوم مجددًا، لكنها بقيت مستيقظة طوال الليل تقريبًا دون جدوى.
توجهت إلى غرفة كريستيان لتطمئن عليه وتتأكد من أنه ينام جيدًا.
بعد أن أغلقت الباب بحذر، عادت إلى الخارج.
“لا أريد العودة إلى السرير…”
هل أقرأ كتابًا؟
فكرت للحظة ثم هزت رأسها. شعرت أن ذهنها لن يستوعب أي شيء تقرؤه.
“سأخرج في نزهة قصيرة.”
قررت إيديث ذلك ونزلت الدرج بخطوات هادئة.
كان الوقت مبكرًا جدًا لدرجة أن الخدم لم يستيقظوا بعد، ولم تكن ترغب في إزعاجهم.
خرجت من المنزل دون إصدار أي صوت، وأغلقت الباب الرئيسي خلفها.
أخذت نفسًا عميقًا، وملأت رئتيها بهواء الفجر النقي البارد.
“في النهاية، لم أقل أي شيء…”
مع الزفير، تحول الهواء إلى تنهيدة عميقة.
كلما تذكرت أحداث العشاء في الليلة الماضية، زادت تلك التنهيدة عمقًا.
بالأمس، لم تتمكن إيديث من فتح أي حوار كما كانت تخطط.
بل لم تستطع حتى النظر إليه طوال العشاء.
وكلما التقت عيونهما، أشاحت بنظرها فورًا دون أن تدرك.
“هذا تصرف غير لائق حقًا.”
تنهدت مرة أخرى بسبب سلوكها الذي شعرت أنه لا يليق بها كشخص بالغ.
وبينما كانت تسير دون وجهة، قررت التوجه إلى صندوق البريد القريب من البوابة.
رغم أن المسافة كانت تستغرق عشر دقائق مشيًا، إلا أنها وجدت أنها فرصة مناسبة لتصفية ذهنها.
لشدة انشغالها بالتفكير، وجدت نفسها عند البوابة في غمضة عين.
كان صندوق البريد مائلًا إلى الداخل، بحيث لا يمكن استعادة الرسائل بمجرد وضعها فيه.
جمعت الرسائل الموجودة في الداخل، ولاحظت شيئًا غير متوقع.
“هذه رسالة موجهة لي!”
ألقت نظرة على الرسالة في الأعلى، وكانت موجهة إليها شخصيًا.
نظرت إلى اسم المرسل المكتوب أسفل الرسالة، وظهر على وجهها تعبير غامض.
“صوفيا هارتمان.”
كانت صوفيا في البداية مجرد أم لأحد الطلاب ومستشارة، لكنها الآن أصبحت صديقة مقربة.
كانت إيديث قد وعدت بلقاء صوفيا أثناء مهرجان الشكر، لكنها تغيبت منذ اليوم الأول ولم تتواصل معها منذ ذلك الحين.
والسبب كان واحدًا فقط: كريستيان.
كان إخراج كريستيان من المعبد أمرًا طارئًا وغير مخطط له بعناية.
كانت تعتقد أنه إذا لم تتصرف حينها، فلن تحصل على فرصة أخرى، لذا تصرفت بسرعة.
بسبب هذا الإنقاذ المفاجئ، لم تكن مستعدة للتعامل مع ردود الأفعال.
وانتشرت أخبار إطلاق سراح كريستيان بسرعة، ما أثار موجة من الجدل.
ملأت المقالات الصحف الأسبوعية، ووجدت إيديث أن معظم ردود الفعل كانت سلبية.
لكنها لم تندم.
بعد معرفة الحقيقة، شعرت أن إنقاذ كريستيان كان أمرًا لا بد منه.
رغم ذلك، أدركت أن الآخرين قد يرون الأمور بشكل مختلف.
وللأسف، الأشخاص الذين تهتم بهم لم يكونوا بمنأى عن تداعيات ما حدث.
لهذا السبب، لم ترسل إيديث أي رسائل لأصدقائها.
رغبت بشدة في التواصل معهم، لكنها كانت تخشى أن تلفت انتباه الصحفيين إليهم.
“…وأيضًا، قد لا يشعرون بالارتياح تجاه كريستيان.”
لم تستطع إنكار هذا الخوف.
فأصدقاؤها جميعًا من مواطني الإمبراطورية و مؤمنون، مما قد يجعلهم يتحفظون بشأن الأمر.
ترددت للحظة، لكنها قررت في النهاية فتح الرسالة ببطء.
التعليقات لهذا الفصل " 120"