الفصل 119
تبع صوت خطوات منتظمة خطوات سريعة بعض الشيء.
كانت إيديث تسير أمام سكاييل الذي يتبعها بهدوء.
المسافة بينهما لم تتجاوز خطوة واحدة، ولم تقترب أو تبتعد أكثر، بل بقيت ثابتة.
“ما الأمر؟ لماذا هما على هذا الحال؟”
“هل حدث شيء بين السيد والسيدة؟”
تبادل الخدم النظرات وهم يراقبون الزوجين يدخلان القصر في جو مشحون وغير مألوف.
ففي العادة، كانا يسيران جنباً إلى جنب ويتبادلان الحديث، أما الآن فكان الصمت سيد الموقف.
‘ما الذي يحدث هنا؟’
ومن بين الاثنين، كانت إيديث تفكر بالضبط مثل الخدم.
فمنذ عشر دقائق وحتى اللحظة، كان هناك سؤال واحد يدور في ذهنها مراراً وتكراراً.
‘ما الذي يحدث بحق السماء؟’
كررت إيديث السؤال في ذهنها عدة مرات إلى أن وجدت نفسها قد وصلت إلى الطابق الثاني.
في تلك اللحظة، أدركت أن سكاييل ما زال يتبعها.
وجهتهما كانت واحدة: غرفة كريستيان.
“كريستيان…!”
توقفت إيديث في مكانها وأخذت نفساً عميقاً.
لم تستطع جمع شجاعتها للنظر إليه.
“لابد أنه ما زال نائماً، سأبقى بجواره. يبدو أنك عدت باكراً اليوم ولديك الكثير من العمل المتبقي…”
“سأفعل ذلك.”
بينما كانت إيديث تتلعثم وهي تبتكر عذراً سريعاً، أطلقت نفسًا مرتجفاً عند سماع إجابته السهلة.
“سأعود عندما يستيقظ. ذكرتِ أن علي معرفة المزيد عنه، لذا أود استغلال الوقت.”
“نعم، بالطبع. فكرة رائعة. عندما تعود… سأشرح لك المزيد.”
ظلت إيديث تدير ظهرها له وهي تهز رأسها موافقة.
حتى لو كان سكاييل عادة لا يلاحظ تصرفات الآخرين، فلا شك أنه أدرك الآن أن إيديث ليست على طبيعتها.
لكن لم يكن لديها خيار آخر.
فقط إخفاء مشاعرها المضطربة كان مرهقاً للغاية.
بعد لحظة قصيرة من الصمت، سمعت صوت خطواته وهو يستدير مبتعداً.
عضت إيديث على شفتها ودخلت غرفة كريستيان بسرعة وأغلقت الباب خلفها بحذر.
ما إن أغلقت الباب، حتى شعرت بتعب جسدي شديد جعلها تنهار جالسة على الأرض.
“إذن الآن…”
استندت إيديث بظهرها إلى الباب واستعادت ذكرى ما حدث قبل قليل.
في تلك اللحظة، اختفى كل شيء من ذهنها عدا صورتها وصورة سكاييل.
بين العشب المتمايل بفعل الرياح، سكاييل…
“هل كان ذلك اعترافاً…؟”
وضعت إيديث يدها على فمها بصدمة.
لقد قال بوضوح إنه يحبها.
ليس فقط إعجاب إنساني، بل كإمرأة.
“يا إلهي، من يعترف هكذا؟”
شعرت برغبة ملحة في الصراخ.
رغم أنها لم تخض تجربة حب من قبل، لكنها ليست غريبة عن تلقي الاعترافات.
سواء في حياتها السابقة أو في حياتها الحالية كإيديث، فقد تلقت عدة اعترافات.
بعضهم طلب منها الخروج بصراحة، والبعض الآخر حاول إيصال مشاعره بشكل غير مباشر.
لكن مثل هذا الاعتراف؟ لم تواجه شيئاً كهذا من قبل.
كل شيء كان مختلفاً: الطريقة، والأسلوب، وحتى رد فعله.
“يقول ‘أعتقد أنني أحبك’؟”
في العادة، يعبر الناس عن حبهم بوضوح وثقة.
أما سكاييل، فقد بدا وكأنه يناقش مشاعره مع نفسه.
وجهه كان هادئاً، وصوته متزن وكأنه يتحدث عن موضوع عادي.
لم يكن هناك أي توتر ظاهر عليه.
أما الشخص الذي كان قلبه يخفق بشدة لدرجة أنها بالكاد تستطيع الوقوف، فكانت إيديث.
“اهدئي، إيديث. أنتِ منفعلة للغاية الآن.”
وضعت يدها على صدرها في محاولة للسيطرة على ضربات قلبها المتسارعة.
أخذت نفساً عميقاً وأخرجته ببطء، وكررت ذلك عدة مرات حتى بدأت تهدأ.
“حسناً…”
بينما كانت تجلس مستقيمة في وضع أشبه بالتأمل وتركز على تنفسها، سمعت فجأة صوتاً صغيراً قريباً.
“كريستيان؟”
نهضت إيديث فجأة من مكانها وتقدمت نحو السرير بسرعة.
لم تنتبه من شدة انشغالها إلى الاطمئنان على كريستيان أولاً.
لحسن الحظ، كان كريستيان لا يزال نائماً بعمق.
كانت ملامحه تبدو مرتاحة، وكأنه أصدر بعض الهمهمات أثناء النوم.
كان مختلفاً تماماً عن حاله عندما كان غارقاً في نوم عميق بسبب الأعشاب المخدرة.
“هل تحلم بأحلام جميلة، كريستيان؟”
جلست إيديث بحذر على حافة السرير وبدأت تمسد برفق شعر كريستيان.
ملمس خصلات شعره الوردي الناعم كان كأنه ينساب كالحرير بين أصابعها.
“هل زاد وزنه قليلاً؟”
رغم أن الوقت لم يمضِ على إخراجه من المعبد سوى أقل من أسبوع، إلا أن بشرته أصبحت أكثر إشراقاً بشكل واضح.
“ما الذي يحبه كريستيان الصغير؟”
الآن وقد أصبح بعيداً عن المعبد الذي كان كالسجن بالنسبة له، أرادت إيديث أن تجعله يرى العالم الحر ويختبر أشياء كثيرة.
“ما الأشياء التي يحبها؟…”
بينما كانت تفكر في الأنشطة التي يمكنها أن تشاركها مع كريستيان، توقفت فجأة.
ذكريات كانت قد نسيت أمرها عادت فجأة لتطفو على السطح.
“وفقاً لما قلتِ، أعتقد أنني… أحبك كإنسانة، وكامرأة.”
عيناه، التي كانت تعكس السماء الزرقاء، كانت تلمع بألوان الأوبال ولا تنظر إلا إليها.
عندما نطق سكاييل تلك الكلمات، بدا وكأنه يؤكد مشاعره بنفسه وهو يومئ برأسه ببطء.
سرعان ما احمر وجه إيديث مرة أخرى خجلاً من تلك الذكرى.
لكن هذه المرة لم يستمر ذلك طويلاً.
أعادت إيديث النظر إلى كريستيان، وحركت يدها مرة أخرى لتداعب شعره برفق.
“هل يحبني سكاييل حقاً؟”
رغم أن اعترافه المفاجئ أربكها، إلا أن الأمور لم تكن واضحة تماماً.
سكاييل نفسه لم يكن يعرف ما هو الحب بدقة.
سألها عنه لأنه لم يفهمه جيداً.
لذلك، حتى لو كان الوقت الذي يقضيه معها يبدو مميزاً له، فلا يمكن الجزم بسهولة بأن هذا هو الحب.
‘هناك أنواع مختلفة من الحب.’
حب الوالدين، حب الأصدقاء، كلها أشكال من الحب.
إذا فكرت بالأمر، فستجد أن الشرح الذي قدمته لسكاييل يناسب كل تلك الأنواع من الحب.
بمجرد أن أدركت ذلك، شعرت بالهدوء.
“علينا أن نتحدث مجدداً بهدوء.”
لم يكن من الجيد أن تزيد الأمور تعقيداً بسوء فهم.
وضعت إيديث يدها على صدرها مرة أخرى.
رغم أفكارها الهادئة، ظل قلبها ينبض بسرعة غير مألوفة.
لم يكن بيدها أن تفعل شيئاً حيال ذلك سوى أن تتنهد وتنتظر حتى يمر الوقت.
***
عندما مالت الشمس وأصبحت أشعتها بلون برتقالي دافئ، استيقظ كريستيان من نومه.
وفاءً بوعدها، طلبت إيديث من بيل أن يستدعي سكاييل.
رغم خشيتها أن يكون لا يزال مشغولاً، إلا أن سكاييل جاء إلى غرفة كريستيان على الفور، وكأنه كان ينتظر استدعاءها.
تناولوا العشاء في غرفة كريستيان.
لم تكن إيديث متأكدة مما إذا كان من المناسب أن يلتقي كريستيان بالكثير من الناس، وكان من الممكن أن يشعر الطفل نفسه بالإزعاج، لذا بدا هذا القرار مناسباً.
“سأذهب لغسل يديه.”
قال سكاييل ذلك بينما كانت إيديث تضع الأطباق على الطاولة.
“أرجوك، اهتم به.”
ردت إيديث بإيجاز، وراقبت بصمت ظهرهما وهما يغادران.
كان سكاييل يحمل كريستيان بسهولة كما لو كان هذا أمراً طبيعياً بالنسبة له.
لأطفال الذين يعانون من اضطراب التعلق التفاعلي مثل كريستيان يعتمدون كثيراً على مقدم رعاية.
لم يكن الأمر يتعلق فقط بمهارات مقدم رعاية أو سلوكه، بل حتى عدد مقدمين الرعاية كان مهماً للغاية.
فالأطفال الذين لم يشكلوا روابط قوية يعانون إذا كانوا محاطين بالكثير من مقدمين رعاية.
لهذا السبب، كانت إيديث تحاول أن تكون هي الشخص الذي يهتم بكريستيان قدر الإمكان منذ أن أحضرته إلى القصر.
بالطبع، سكاييل كان جزءاً من هذا أيضاً.
ففي النهاية، سكاييل كان عائلته، وتكوين علاقة قوية بينهما كان مهماً للغاية.
ورغم كونه وزير السحر، كان سكاييل يتعاون معها بشكل مذهل.
لقد أخذ إجازة لم يستخدمها من قبل، وكرّس وقته للعناية بكريستيان.
قد يبدو هذا بديهياً كونه شقيقه، لكن الحقيقة أن الكثيرين لا يفعلون ما هو بديهي.
في نظر إيديث، كان سكاييل يبذل قصارى جهده، بل وأكثر.
“يدك.”
قال سكاييل وهو يقف أمام الحوض حاملاً كريستيان.
بالطبع، لم يرد كريستيان.
ظل الطفل ينظر إلى الفراغ بهدوء دون أن يتحرك.
نظر سكاييل إلى يده اليمنى ثم أمسكها بلطف.
“هذه يدك.”
كرر سكاييل الكلمات، ثم أضاف بهدوء:
“علينا أن نغسلها لتكون نظيفة قبل الأكل.”
بعد هذا الشرح البسيط، بدأ في غسل يدي كريستيان برفق.
استخدم الماء الذي أعدته إيديث مسبقاً ليكون دافئاً، وكان حذراً في كل حركة يقوم بها.
حتى عندما جفف يد كريستيان بمنشفة ناعمة، قام بذلك كما علمته إيديث تماماً.
كان واضحاً مدى اهتمام سكاييل بملاحظاتها وتعليماتها.
الأكثر من ذلك، أنه لم يكن يرتدي قفازيه المعتادين أثناء وجوده في المنزل.
عندما أدركت إيديث ذلك، شعرت بتأثر شديد وابتسمت بهدوء.
“…”.
في تلك اللحظة، التقت عيناها بعيني سكاييل الذي كان قد استدار للتو.
التعليقات لهذا الفصل " 119"