“كـ- كريستيان لا يزال في الثانية من عمره. ما زال الوقت مبكرًا لتحدثه بشكل طبيعي…”
ظهرت امرأة ذات عيون حزينة كانت قد شوهدت سابقًا في إحدى اللوحات أمام الكونت مولت.
“في الثانية؟”
كانت الكونتيسة تحاول حماية كريستيان خلفها بينما تتحدث بتردد، لكنها سرعان ما صمتت أمام النظرة الحادة للكونت مولت.
“وماذا في ذلك؟ سكاييل تلقى التعليم منذ أن كان في الثالثة! وهذا الطفل؟”
على الرغم من وجود ابنه الصغير في نفس الغرفة، لم يكترث الكونت مولت وأخذ يصرخ بغضب شديد.
صوت الصراخ الذي كان كافيًا لإصابة الأذن بالطنين جعل إيديث ترتبك للحظة، لكنها استعادت تركيزها ونظرت إلى كريستيان؛ الحقيقي الذي كان بجانبها، والخيالي خلف الكونتيسة.
أسرعت إيديث نحو كريستيان الحقيقي وسدت أذنيه بحذر. كانت تتحرك ببطء لتجنب إخافة الطفل، ولم تغفل عن البقاء في مجال رؤيته.
لكن سواء كان ذلك لحسن الحظ أم لسوئه، لم يظهر كريستيان أي رد فعل. ولكنه بدأ يرتجف بخفة على عكس حاله السابق.
“المشكلة ليست في عدم التحدث بطلاقة، بل إنه لا يتحدث على الإطلاق! ليس أخرسًا، فلماذا لا ينطق بكلمة واحدة؟!”
“هذا…”
“كيف يعقل أنه كان يبكي عندما كان صغيرًا، والآن لا يتحدث على الإطلاق؟ بل إنه يتحدث أقل من العام الماضي!”
ركزت إيديث على كلمات الكونت مولت. كان اللقاء الأول بين كريستيان وسكاييل عندما كان كريستيان في الثالثة من عمره، وذكر سكاييل حينها أن كريستيان لم يكن يتحدث.
لكن الكونت مولت ادعى أن كريستيان “كان يتحدث سابقًا”.
إذاً، هناك احتمال كبير أن كريستيان لم يكن يعاني أي مشكلة في صغره، ولكن شيئًا ما حدث لاحقًا.
‘كان طبيعيًا في البداية، ثم ظهرت المشاكل لاحقًا…’
بينما كانت إيديث تفكر، دفع الكونت مولت زوجته جانبًا بقوة.
تراجعت الكونتيسة الهزيلة بدون مقاومة، مما كشف عن كريستيان الصغير الذي كان مختبئًا خلفها.
“هاه!”
ضحك الكونت مولت بسخرية، بينما توقفت إيديث عن الحركة تراقب الوضع بتوتر.
“كيف تجرؤ على النظر إلى والدك بهذه الطريقة؟”
كان كريستيان الصغير ينظر مباشرة إلى الكونت مولت بنظرة حادة وواضحة، على عكس الطفل الذي كان يبدو غائبًا عن الواقع.
“لا تفعل ذلك.”
لأول مرة تحدث كريستيان، على الرغم من أن صوته كان مترددًا وغير واضح تمامًا بسبب صغر سنه.
“لا تفعل ذلك؟ كيف تجرؤ أيها الصغير!”
تقدم الكونت بخطوات واسعة نحو الطفل، لكن الكونتيسة حاولت التدخل وأصيبت بجرح عندما ألقى الكونت شيئًا نحوها.
“لماذا أتيت بك إلى هذا العالم؟ لم تتمكني حتى من إنجاب طفل صالح، والآن تتجرئين!”
دفعه غضبه إلى التلويح بحزامه الجلدي، وكأن هذا التصرف كان مألوفًا له.
كان كريستيان يشاهد كل ذلك بعينيه الصغيرتين، والدموع بدأت تتجمع فيهما.
رفع الكونت الحزام ليضرب الطفل، لكن صوتًا صغيرًا أوقفه.
“لا تفعل ذلك لأمي!”
صرخ كريستيان بصوت أعلى من قبل، متقدمًا خطوة إلى الأمام.
توقفت الكونتيسة للحظة وغطت فمها بدهشة، بينما تجمد الكونت في مكانه للحظة، مصدومًا من كلام الطفل.
ولكن سرعان ما انطلقت ضحكة صاخبة من الكونت.
“أوه، هذا الصغير الجاهل! من يطعمك؟ أنت عديم الفائدة، ولن تصل إلى مستوى سكاييل أبدًا!”
رمى الكونت الحزام جانبًا وأخذ سيفًا كان معلقًا على الجدار.
“لن أسمح لعديم الفائدة مثلك بالبقاء هنا!”
رفع السيف عاليًا، بينما كان كريستيان يقف جامدًا، غير قادر على الحركة بسبب الخوف.
حاولت الكونتيسة النهوض بتوسل وهي تصرخ: “لا، أرجوك…”
لكن قبل أن تكتمل كلمتها، حدث شيء غير متوقع…
“آه!”
السيف الذي تم التلويح به بشكل عشوائي اصطدم بشيء ما وارتد، مما أدى إلى طيران الكونت بعيدًا بسبب رد الفعل العكسي.
ارتطم ظهر الكونت بجدار غرفة النوم، وأطلق أنينًا أثناء رفع رأسه بسرعة.
اتسعت عيناه فجأة.
“مـ من تكونين؟”
كانت هناك امرأة لم يسبق له أن رآها من قبل.
حدث الأمر فجأة لدرجة أنه لم يستطع استيعاب متى وأين وكيف ظهرت.
لكن كان واضحًا أنها ليست شخصًا عاديًا.
وإلا لما استطاعت ردعه بهذه القوة بعد أن لوح بالسيف.
‘ما هذا بحق الجحيم؟’
حتى إيديث كانت مذهولة.
عندما رفع الكونت مولت السيف،
رأت المشهد أمامها وعرفت أنه ليس حقيقيًا، لكنها لم تستطع منع نفسها من التقدم نحوه دون وعي.
لكنها لم تتوقع أن تتداخل مع هذا المشهد الذي اعتقدت أنه مجرد وهم!
وكأنها تعيش نفس الزمان والمكان مع هؤلاء الأشخاص.
‘لم أكن أعرف أن نافذة الحالة يمكن أن تعمل كدرع أيضًا.’
ما كان أكثر دهشة هو القوة التي أطاحت بالكونت مولت.
عندما اندفعت لإنقاذ كريستيان والكونتيسة من الأذى،
تنشطت نافذة الحالة فجأة وردعت الكونت.
لم تكن تعرف كيف حدث ذلك، لكنها ركزت على مساعدة الكونتيسة للنهوض والإمساك بيد كريستيان الصغيرة المرتجفة.
‘آه…’
أطلقت إيديث تنهيدة حزينة.
يد الطفل كانت باردة تمامًا.
إذا دققت في المكان الذي كانوا فيه، ستلاحظ أن أجزاء منه كانت شفافة، كأنها ذكريات باهتة.
هذا لم يكن واقعًا، ولم تكن قد عادت إلى الماضي.
كانت لا تزال داخل كابوس كريستيان.
لكن، رغم ذلك، كانت تعرف أن ما حدث في هذا المشهد كان حقيقيًا في الماضي.
لأن هذا الكابوس كان مبنيًا على ذكريات كريستيان.
هذه الحقيقة جعلت قلبها يغرق في الحزن.
فكرة أن كريستيان كان مكشوفًا تمامًا أمام هذا العنف جعلتها تشعر بضيق شديد.
الطفل الذي كان ينظر إلى يديه بصمت رفع بصره ببطء نحو إيديث.
في عينيه الشبيهتين بالسماء، كان هناك خوف ودهشة لم تختفيا تمامًا، ولكن خلفهما ظهرت لمحة من الفضول.
“كريستيان.”
كانت تعرف أن هذا ليس واقعًا.
لكنها لم تستطع تجاهل ما يحدث، لذلك تدخلت.
لم تكن متأكدة ما إذا كان لذلك أي معنى، لكنها شعرت أنه كان يجب عليها القيام بذلك.
لأن هذا الطفل الذي ظل في سبات طويل كان يعاني بلا توقف من هذه الكوابيس المتكررة.
لذلك انخفضت إيديث ببطء لتكون على مستوى عيني كريستيان.
هذه المرة، لم يهرب نظره بعيدًا.
“أنا آسفة لأني لم أتمكن من مساعدتك في ذلك الوقت.”
أمال الطفل رأسه، وكأنه لا يفهم ما تعنيه.
لكن إيديث أمسكت بيده الصغيرة بقوة أكبر، محاولة بث بعض الدفء فيها.
رغم أن الإحساس لم يكن يختلف عن لمس الفراغ، لكنها كانت تأمل أن تشعره بشيء من الدفء.
“أنا آسفة لأنني لم أفهمك حين كنت تعاني، ولأني لم أعرف مدى صعوبة الأوقات التي مررت بها.
ولأني لم أتمكن من التعرف عليك بشكل صحيح.”
كريستيان صغير ظل ينظر إليها بعينيه البريئتين، وكأنه لا يزال غير قادر على استيعاب كلماتها.
لكن على الأقل، بدا أنه أقل خوفًا مما كان عليه.
هذا كان كافيًا بالنسبة لها.
بينما كانت تفكر في ذلك، أمسك كريستيان الصغير يدها بحذر.
على الرغم من أنه مجرد وهم في الحلم،
كان من المفترض ألا تشعر بدفء يده، لكنها شعرت بذلك على نحو غريب.
“لديك أخ يا كريستيان، يدعى سكاييل. إنه أخ رائع حقًا.”
كان هذا الدفء مؤلمًا لها.
يد كريستيان الصغيرة كانت دافئة، تمامًا مثل شجاعته التي ظهرت وسط هذا الوضع القاسي.
“حتى سكاييل يشعر بالأسف.
إنه يعتبرك شخصًا ثمينًا للغاية.”
كريستيان رمش بعينيه عدة مرات عند سماع ذلك.
“سكاييل.”
ثم قال الاسم ببطء.
“أعرف. سكاييل.”
“أتعرف سكاييل يا كريستيان؟”
بالطبع، ذكر الكونت مولت اسمه عدة مرات، لكنها لم تكن تتوقع أن تكون له انطباعات جيدة عنه.
فالكونت مولت كان دائمًا يذكر اسم سكاييل ليقلل من شأن كريستيان.
مع ذلك، لم يبدُ أن كريستيان يحمل أي شعور سلبي تجاهه.
“رأيته. هناك.”
أومأ الطفل برأسه مشيرًا إلى الخارج.
كان هناك لوحة معلقة على جدار الممر خارج الباب المفتوح.
كانت صورة للكونت مولت وسكاييل معًا.
بناءً على مظهر سكاييل، يبدو أن اللوحة قد رسمت قبيل دخوله برج السحر.
الغرض من اللوحة كان واضحًا.
“سكاييل، أخي.”
قال كريستيان مرة أخرى. في عينيه اللامعتين كان هناك شعور بالتوقع.
“أخي، هل سيأتي ليراني؟”
كان كريستيان ينتظر سكاييل. ذلك الطفل الصغير، الذي لم ير أخاه إلا في صورة…
لم تستطع إيديث أن تنظر إلى الطفل مباشرة، فأغمضت عينيها لحظة ثم فتحتهما مجددًا.
“نعم. سيأتي ليرى كريستيان.”
عادت لإعادة التواصل مع الطفل وأجابته ببطء وكأنها تنقش الكلمات.
“سيذهب لإنقاذ كريستيان، ثم سيعود ليحمي كريستيان.”
“أنا؟”
“نعم. كريستيان.”
بدت عينيه وكأنه لا يفهم، أو أنه غير قادر على تصديق ما يسمع، لكن نظرته توقفت فجأة على شيء ما. كانت صورة سكاييل.
“…حسنًا.”
أومأ كريستيان برأسه مبتسمًا ابتسامة خفيفة. في تلك اللحظة، بدأ جسده يختفي شيئًا فشيئًا.
حتى الكونتيسة التي كانت تراقبهم بدهشة، والكونت الذي كان ممسكًا بصدره دون أن ينطق بكلمة، بدأوا يتلاشى أيضًا.
الآن، لم يبقَ سوى كريستيان في الظلام. نظرت إيديث إلى يديها الفارغتين اللتين كانتا ممسكتين بيد كريستيان الصغيرة، ثم رفعت رأسها نحو كريستيان.
“سكاييل…”
تحدثت إيديث إلى كريستيان آخر، إلى كريستيان الحالي.
“لقد جاء الآن ليخلصك، كريستيان.”
مدت يدها، التي كانت قد أمسكت بيد كريستيان الصغير، مرة أخرى إلى كريستيان.
“لنغادر هذا المكان. لنعيش جميعًا معًا، مع سكاييل.”
بدأت عيني كريستيان التي كانت فاقدة للتركيز تتوهج ببطء. ربما لأن الضوء الذي كان يحيط بجسد إيديث بدأ يزداد سطوعًا.
“لن أتركك بمفردك أبدًا بعد الآن.”
بينما كان كريستيان مترددًا، بدأ ببطء برفع يده. خلفه، ظهر وهم آخر في الظلام.
‘سكاييل…’
رأت إيديث في ذلك المكان ذكرى الاخوة مولت . كانت تلك ذكرى الطفل، أول مرة يلتقي فيها مع أخيه ويمد له يده ليقترب منه.
“لنذهب، كريستيان.”
إلى عالمنا حيث ينتظر سكاييل.
لحظة مسك يد كريستيان، تحطمت الظلمة كما لو أنها تفتت.
“إيديث! انتبهي…”
ظهر وجه سكاييل المصدوم لأول مرة أمام عينيها، مع اتساع عينيه وفمه المفتوح.
من ردة فعله، فهمت إيديث الحقيقة. لقد فتح كريستيان عينيه.
“كريستيان.”
أخيرًا، التقى الأخوان مجددًا. الأخ الذي لم يترك أخاه أبدًا، والأخ الذي لم يلوم أخاه قط، اجتازا الظلام ليجتمعا من جديد.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 109"