لكن كما يحدث مع كل السحرة، حين ظهرت قواه السحرية، تحولت حياته إلى جحيم.
خشي والده من أن يُفتضح أمر ابنه فتلوّثَ العائلة بالفضيحة، فزجّ به في مصحّةٍ عقليّة داخل ديرٍ تحيط به الحواجز السحرية — مكانٌ تُمارَس فيه أشد أنواع العذاب يومًا بعد يوم.
حتى هو، رغم قوته، لم يطق ذلك، فاستعمل قواه للهرب.
ومنذ ذلك الحين، بدأ يتنقل بين القرى الواقعة خارج نطاق الحواجز، بالكاد يحيا من يوماً إلى يوم.
كان مظهره الهادئ يكسبه حسن ظن الناس، فلم يعانِ من نقص الطعامٍ أو مأوى، لكن المشكلة كانت أن المعبد أخذ يمدّ الحواجز بسرعةٍ متزايدة.
“إذًا انتهى الأمر هنا أيضًا……سمعت أنهم سيقيمون الحاجز قريبًا.”
عند سماع الخبر، بدأ السحرة يغادرون القرية واحدًا تلو الآخر، حتى لم يبقَ منهم إلا القليل.
في تلك الليلة، شرب إدوين نبيذه الأخير، وجلس يتأمل الغابة في ثمالةٍ ثقيلة، ثم غفا بين الأشجار.
وحين فتح عينيه من جديد—
‘جنّية الغابة؟’
رآها أمامه، امرأةٌ غريبة تحدّق فيه مبتسمةً كما لو قرأت أفكاره.
كانت عيناها بلون أوراق الصيف، خضراوين صافيتين بشكلٍ يأسر الروح. فتأملها مذهولًا، لكن عندما لمح ثوب الكاهن الذي ترتديه، استدار بسرعةٍ محاولًا الهرب.
غير أن جسده المثقل بالدوار لم يُطعه، فسقط أرضًا، فيما نظرت إليه المرأة مليًّا و تحدّثت بابتسامةٍ شفافة،
“أنتَ هو……الشخص الذي اختاره قدري. يا لك من جميل.”
ثم شهقت فجأة وسعلت دمًا.
“آه……تكلّمت عن المستقبل مجددًا……”
لم يفهم كلامها إلا بعد مرور وقت.
كانت ميرنا كاهنةً قوية في المعبد، ذات قوى مقدسة عظيمة، ومحظية بحب العالم نفسه.
لكنها، على خلاف غيرها، لم تَخشَ السحرة ولم تمقتهم، بل أغدقت على إدوين حنانًا غير محدود.
“أولئك الكهنة يخدعون الجميع……بشأن أولئك الذين يمتلكون السحر.”
قالت ذلك في الليلة التي سبقت إتمام الحاجز حول القرية. وكان إدوين حينها قد أحبها بالفعل.
وبعد ذلك، بدأ المرض ينهش جسدها.
كانت كاهنات المعبد يتحدثن بالمستقبل فقط عبر “كتاب التوقعات”، وهو كتاب لا يُسمح لأي كان بقراءته. و لم يكن أمامه إلا أن يجمع شذراتٍ مما كانت تبوح به في لحظات ضعفها.
“نهاية العالم قادمة……”
قالت تلك الكلمات في اليوم الذي علمت فيه أنها تحمل طفلًا في أحشائها.
وعندما أدركت أن لابنتها القادمة لا مستقبل، استنزفت حياتها نفسها لتحكي ما رأت. و في تلك الليلة، أقسم إدوين أنه سيتحدى القدر.
و الآن، وعند بوابة المعبد العظيم، نصب عددًا من الأجهزة التي تُبطل السحر — نسخًا صنعها بنفسه بعد أن حاكى تصاميم ميلودي.
“يجب أن ننسحب قبل أن تتحطم الآلات.”
“نعم……!”
كان حوله عددٌ من السحرة الذين خرجوا معه من خارج الحاجز، وبعضهم لم يكونوا سحرةً بل عائلاتهم.
ارتدوا أرديةً بيضاء وأخفوا وجوههم، ثم تسللوا إلى داخل المعبد الكبير.
“فلنلتقِ من جديد، مهما حدث!”
صاح أحدهم، وتعالت في الوجوه نظرة عزيمةٍ قاسية.
كان ذلك اليوم آخر أيام مراسم التنصيب — اللحظة القصيرة التي تتوقف فيها أحجار الحاجز عن العمل لتُعاد إضاءتها بقوة الكاهن الجديد.
كانت تلك الفجوة الوجيزة هي الفرصة الوحيدة لإنقاذ السحرة المسجونين في الزنازين تحت الأرض.
لطالما اقتصروا على إنقاذ من يُؤخذ إلى الخارج فقط، أما هذه المرة فلم يكن بوسعهم التراجع. فالنهاية التي تنبأت بها ميرنا كانت تقترب، ولمنعها كان لابد من تحرير السحرة تلك الليلة بالذات.
‘ساعديني يا ميرنا……كي أستطيع حماية طفلتنا.’
وحين ينتهي كل شيء، سيعود ليرى ميلودي من جديد. ثم سيروي لها كل شيء — ما فعله، ولماذا اضطر لتركها دون كلمة.
و تمامًا كما خططوا، توجه هو ورفاقه إلى المبنى الغربي، حيث المدخل المؤدي إلى السجن الكبير تحت الأرض. وبفضل مساعدة أحد زملاء ميرنا القدامى، تمكنوا من التسلل دون أن يُكشف أمرهم.
وبينما كانوا ينتظرون اللحظة التي تُطفأ فيها أحجار الحاجز، بدأ الضوء في السقف يومض……ثم خيّم الظلام على كل شيء.
“اختفى الحاجز.”
كانت لأجهزة إبطال السحر حدود، وكان الألم الذي يضغط على أجسادهم يزداد حدةً شيئًا فشيئًا، حتى شعر الجميع بتلاشيه تدريجيًا.
“الأمر حدث أسرع من الوقت المحدد.”
“لنتابع الخطة كما هي.”
أشعل بعضهم النار في المخزن لصرف الأنظار، بينما توجه الباقون إلى الطابق السفلي. و كانت المساحة واسعة، لكن لم يكن هناك أي حارس.
دفع إدوين الكاهن الذي أمسك به إلى الحائط وأجبره على استخدام قوته المقدسة، فاهتز الباب المختوم وصرّ وهو يُفتح ببطء.
“آه……”
كان أول ما سُمع هو أنينٌ ضعيف، تلاه رائحةٌ فظيعة تشبه العفن.
سلّط إدوين ضوء المصباح فرأى مشهدًا جعل أنفاسه تتوقف؛ فقد كان السحرة الأسرى يتكئون على الجدران أو ممددين على الأرض كدمى ميتة.
عجائز، نساء، رجال، أطفال……لم يُستثنَ أحد. كلهم غارقون في العذاب، أحياءٌ بالكاد، لكن لا يمكن القول أنهم أحياءٌ بحق.
“لنبدأ أولاً.”
راحوا يضعون أجهزة إبطال السحر على معاصم أولئك الناس واحدًا تلو الآخر.
كانوا مرتعبين، لكنهم لم يقاوموا. حتى لو زال الألم، فإن لم يستطيعوا الحركة فكل شيء سيضيع سدى.
وفي اللحظة التي بدأ فيها اليأس يتسلل إلى النفوس، بدأ بعض السحرة يستعيدون وعيهم.
“هل……متّ؟”
تمتم أحد الرجال بنظراتٍ مذهولة، بينما بدأ طفل كان يتلوى من الألم ينهض ببطء.
“لا……لا أشعر بالألم بعد الآن……”
وعاد الضوء شيئًا فشيئًا إلى عيونهم.
ثم تحدّث إدوين بصوتٍ مرتجف وهو ينظر إليهم،
“لنخرج من هنا.”
ارتجفت أعين السحرة بين الأمل والخوف.
“نغادر هذا المكان؟ سنُعتقل مجددًا على أي حال!”
ومن حولهم تعالت أصوات الاختناق والخوف.
“لا تخرجوا! سنُقتل جميعًا!”
“حتى لو بقينا، سنموت أيضًا!”
رنّ صوت إدوين واضحًا في الظلام،
“أتريدون أن تظلوا هكذا؟ تعيشون أبد الدهر في الألم؟ أليس من الأفضل أن نحاول على الأقل أن نحيا بطريقةٍ أخرى؟”
لكن لم يأتِ الرد سوى بنشيجٍ متقطع.
فركع إدوين على ركبتيه، ولصق جبينه بالأرض، متوسلًا بيأس،
“إن مضى هذا اليوم، فلن تأتي فرصةٌ أخرى. أرجوكم، فلنهرب من هنا معًا.”
وبعد لحظات، بدا أن صدقه قد وصل إلى قلوب البعض، فبدأ عددٌ منهم ينهض متساندين على بعضهم.
“هل أنت جاد؟ سنموت كالحيوانات!”
“وهل حياتنا هنا أفضل من حياة الكلب؟”
“ما دمنا سنموت، فالأفضل أن نموت بسلام.”
بعضهم استسلم للموت، وإدوين لم يجبر أحدًا؛ فقد كان يعلم أن الحياة خارج الأسوار لن تكون سهلةً أيضًا.
“سنخرج نحن. فالموت تحت السماء أهون من الموت في هذا الجحيم.”
اصطحب إدوين أولئك الذين أظهروا عزيمةً حقيقية، وغادر بهم السجن العظيم.
وعند المخرج، كان أحد الكهنة بانتظارهم — زميل ميرنا القديم — ليدلهم الطريق.
“من هناك.”
لكن قبل أن يعتلوا العربة تمامًا، دوى خلفهم صوت خطواتٍ مسرعة.
“إنهم قادمون!”
“علينا الإسراع.”
وللأسف، قبل أن تنطلق العربة بلحظة، كان فرسان المعبد قد أدركوا ما يحدث وبدأوا يضيقون الحصار.
“هنا! السحرة يهربون!”
“أمسكوهم!”
فاهتزت الأرض تحت وقع صرخات الفرسان ووقع أقدامهم الثقيلة.
المهم قصة ميرنا وإدوين حلوه بس ميرنا مب كأنها استعجلت؟ طيب كان قعدتي تربين ميلودي بعدين افضحي كل شي مره وحده وافطسي ونصيح وخلاص 😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 119"