حين وصلت ميلودي إلى قاعة المعبد، كان الظلام الحالك قد أطبق على المكان.
دخلت من الباب الجانبي، فسمح لها الحارس بالدخول دون تردد، بعدما تأكد فقط من أنها ترتدي ثوب الكهنة.
‘أين والدي؟’
كانت القاعة مكتظةً بالكهنة القادمين من مختلف أنحاء الإمبراطورية حتى أنه لم يبق موطئ قدم.
نظرت حولها، لكن عدد الناس كان هائلًا لدرجة أن العثور عليه بدا شبه مستحيل.
‘بهذا الزي، سأكون في خطر.’
في المعبد أناسٌ كثيرون يعرفون وجهها، لذا استخدمت أداة السحر التي تخفي هيئتها، وتوجهت نحو المبنى الغربي حيث يقع قسم صناعة الأدوات السحرية.
ويبدو أن الطريق كان أكثر هدوءًا من المعتاد، ربما لأن الجميع ذهبوا لحضور الطقوس.
وما إن خطت داخل المبنى حتى سمعت صوتًا،
“لحظة.”
التفت أحد فرسان المعبد نحو الجهة التي كانت تقف فيها، رغم أنه لا يمكن أن يراها.
“كيف علمتَ؟ هل تراني؟”
“بصعوبة. لا أراكِ بعينيّ، لكن يمكنني أن أشعر بوجودكِ.”
تذكّرت ميلودي في تلك اللحظة محادثةً سابقة بينها وبين أهفين.
“شعرت لتوي بشيءٍ غريب……”
انحنت ميلودي بسرعة. فلم يكن يسهل التمييز بين الوهم والحقيقة في الظلام، لكن إن مدّ يده، فسيستطيع لمسها.
“هل معكَ مصباح؟”
“نعم.”
تقدّم الفارس بخطواتٍ ثابتة، وتوقف حذاؤه العسكري أمام أنفها مباشرة. فحبست أنفاسها، بينما اجتاز الضوء من فوق رأسها بسرعة.
“أنا متأكد أن شيئًا ما كان هنا……”
وفي اللحظة التي همّ فيها بمدّ يده—
طقطق!
صدر صوتٌ من الجهة المقابلة، فالتفت بمصباحه نحوه. و كان هناك سنجاباً يتسلق الجدار بخفة.
“……هل كانت فأرًا؟”
“إنه سنجاب، يظهر أحيانًا في ساحة المعبد.”
“آه، ظننته شيئًا آخر. ما بال الحيوانات تثير كل هذا الضجيج هذه الأيام.”
غادر الفارس المبنى بعدها، فأطلقت ميلودي نفسًا طويلًا وهمست للسنجاب الذي كان يقف قربها،
“لقد أنقذتَ حياتي، شكرًا لك.”
قفز السنجاب مذعورة وأخذ يشم الهواء بأنفه الصغير، فضحكت ميلودي بخفة وتابعت طريقها على عجل.
حين نزلت إلى القبو، لاح لها بصيص ضوءٍ في عمق الظلام، و هناك كان قسم صناعة الأدوات السحرية.
أوقفت أداة الوهم واقتربت بحذر، وما إن فتحت الباب حتى دوّى صوتٌ متذمر،
“ألا يمكنكَ التوقف عن زيارتي هكذا؟ لا أستطيع التركيز إطلاقًا!”
“العم زيك؟”
رفع الرجل متوسط العمر رأسه عن طاولة العمل التي كان يركّب عليها أداةً سحرية، واتسعت عيناه حين رآها.
“ميلودي……؟”
“العم زيك! مضى وقتٌ طويل منذ آخر لقاء.”
كان زيك أحد صنّاع الأدوات السحرية العاملين في المعبد من قبل، فارتفع صوتها فرحًا برؤيته من جديد.
وقد توقّف نظره قليلًا عند شعرها وثيابها قبل أن يتحدّث،
“هذا المظهر……”
“آه، في الحقيقة……”
“هل الأمر متعلق بأداةٍ سحرية؟ أم بالكاهن الأكبر……؟”
“لا، لا هذا ولا ذاك، لدي بعض الظروف الخاصة فحسب.”
أومأ زيك دون أن يستفسر أكثر.
“وهل عدتَ إلى المعبد يا عم؟”
“لم أنجح في التجارة كما كنت أظن، والانزواء هنا وحدي يمنحني راحة البال.”
قال ذلك وهو ينظر إلى الأداة التي يعمل عليها.
“أشعر بالأسف تجاهكِ، فقد أوليتِني اهتمامًا كبيرًا سابقًا.”
توقف عن العمل، ونزع نظارته ليدعك جسر أنفه، ثم التفت إليها مجددًا.
“……ألا يوجد ما أستطيع مساعدتكِ فيه؟”
هزّت ميلودي رأسها بعد لحظة صمتٍ قصيرة، فلو انكشف أمرها، سينال هو أيضًا عقوبةً قاسية.
“الأفضل أن تعود إلى منزلكَ مبكرًا الليلة.”
ثم أشارت إلى الخزانة،
“هل يمكنني استعارة مطرقةٍ وبعض الملابس؟”
“خذِي ما شئتِ، لا مشكلة في ذلك.”
ما إن ارتدت ميلودي ثوب العمل القبيح حتى شعرت بخفةٍ في قلبها.
ثم عدّلت لون شعرها إلى البني باستخدام أداةٍ سحرية، وجهزت الأدوات التي بحوزتها.
بما أن صنّاع الأدوات السحرية قد عادوا إلى المعبد، بدا التخفي في هيئتهم أسهل بكثير من التنكر ككاهنة.
و كانت على وشك مغادرة القسم حين ناداها زيك من جديد.
“ميلودي.”
فالتفتت إليه بهدوء، بينما تحدّثت بصوتٍ منخفض،
“هل تعلمين أن المعبد يستمد الضوء من طاقة أحجار الحاجز؟”
“نعم، ولهذا كانت المصابيح تتعطل جميعها حين تضطرب الموجة.”
“ليست المصابيح فقط، بل أجهزة تنظيم الهواء والحرارة أيضًا. كلها تعتمد على أحجار الحاجز. وهذه الأحجار متصلةٌ ببعضها بطاقة مقدسة تتفاعل فيما بينها.”
تجمد وجه ميلودي قليلًا.
“لطالما طلبتُ من أونيلو أن يربط كل نظام بحجرٍ مختلف، لكنه تجاهل كلامي، ولهذا لا يزال الوضع كما هو.”
تابع زيك كلامه وهو يحمل حقيبته.
“لو حدث أن أطفأتُ أنوار المعبد عن طريق الخطأ……فهل سيساعدكِ ذلك؟”
أحست ميلودي بنيّته الطيبة، فانحنت قليلًا برأسها.
“سيكون عونًا كبيرًا……شكرًا لكَ.”
“لا حاجة للشكر. وجّهي امتنانكِ لذلك الأحمق أونيلو الذي فشل في عمله. فبالمقارنة مع ما منحتِني إياه سابقًا، لا تستحق هذه الخدمة كلمة شكرٍ واحدة.”
نزع زيك أحد مصابيح الجدار وعدّل النقش المنحوت عليه.
“اذهبي الآن. تعرفين أين النظارات المخصصة للعمل الليلي، أليس كذلك؟”
“نعم.”
كانت تلك النظارات السحرية تمكّن من الرؤية في الظلام. فارتدتها ميلودي وسارت في الممر الذي خلا من أي حركة.
طقطق… طقطق…
تجمعت الطاقة المقدسة فجأة، وانفجرت المصابيح واحدًا تلو الآخر بصوت “بَف!”، وغرقت الممرات في ظلامٍ دامس. لكن بفضل النظارات، استطاعت أن ترى كل شيء بوضوح.
وبينما كانت تعبر الممر الفارغ، دوّى صوت الجرس في الخارج. تلاه ضجيج أقدامٍ تركض وصيحاتٌ متداخلة.
“حريق!”
“هناك شخصٌ مريب!”
“ساحر! آااه!”
اتسعت عينا ميلودي دهشة.
‘هل بدأ الأمر؟ بهذه السرعة؟’
كان الناس محتشدون في قاعة المعبد، والأنوار منطفئة……فهل رأى والدها في ذلك فرصةً مثالية للتحرك؟
تحولت القاعة الكبرى إلى فوضى عارمة في لحظات، و هرع الفرسان من كل جانب، وتعالت الصرخات. و لم يكن لديها وقت. فركضت بكل قوتها نحو غرفة أحجار الحاجز.
“من هناك!”
وصلت إلى وجهتها، لكن وقع أقدامٍ ثقيلة دوّى خلفها. و التفتت فرأت بضعة فرسان يسدّون الطريق أمامها.
“عرّفي بنفسكً!”
خفضت رأسها سريعًا كي لا يُعرف وجهها، وانزلقت نظارتها الكبيرة على خديها.
“أ……أنا صانعة الأدوات السحرية، جئت لإصلاح العطل الذي سبّب انقطاع الضوء……”
قبل أن تكمل كلامها، خطف أحد الفرسان حقيبتها وفتشها.
“بها مطرقة وأدوات تصليح، وملابسها تؤكد كلامها. يبدو أنها صانعةٌ بالفعل.”
“ارفعي رأسكِ.”
مدّ الفارس الأكبر يده ليتأكد من وجهها، لكن صوتًا صرخ من بعيد،
“الساحر هناك!”
“اللعنة، أنتَ! خذ هذه إلى غرفة الحجر! والباقون معي!”
تركها الفارس وتوجه نحو مصدر الصوت، فيما بقي شابٌ صغير من الفرسان ليرافقها.
“من هنا، بسرعة.”
خلال سيرهما، كانت أصوات الصراخ وارتطام السيوف تتردد في أرجاء المعبد.
بينما كانت تسير بخطواتٍ متعثرة، ثم فجأة تعثرت بشيء. و نظرت إلى الأسفل فرأت يدًا مضرجة بالدماء.
انقبض صدرها، وانحنت لترى وجه الرجل الملقى أرضًا — وقد كان فارسًا مقدسًا.
“أسرعي!”
“نـ-نعم!”
وصلت إلى غرفة الحجر، فأخرجت المطرقة وبدأت تنقش التعويذة دون تردد، بينما كانت الصرخات لا تتوقف في الخارج.
‘لم يكن ينبغي أن يحدث هذا……كان يجب إنهاء الأمر قبل أن يهرب السحرة……’
ارتجفت يدها وهي تمسك بالمطرقة.
‘تماسكي……’
طعاخ!
ضربت الحجر بقوة، فتورم ظهر يدها فورًا، لكنها لم تتوقف.
‘أرجوكِ……فقط أسرع قليلًا……’
كانت الدماء تسيل على الحجر وتغطي النقوش، فمسحتها بكمّها وأكملت الحفر.
“أمسكتُ بواحد!”
“اتجهوا إلى هناك!”
“آااه!”
‘قليلاً فقط……فقط قليلاً بعد……’
وفجأة، انفتح الباب واقتحم الفرسان الغرفة. فتجهم القائد وهو ينظر إلى من فيها.
“ما هذا؟ من أنتما؟”
“الفارس إيريك من الفيلق الثالث، وهذه صانعة الأدوات السحرية. جاءت لإصلاح الحجر.”
و توقف القائد لحظة وهو يهم بالمغادرة، ثم التفت.
“امرأة؟”
“نعم، سيدي.”
“لكن من أُبلغتُ عنه أنه صانع أدوات سحرية……كان رجلًا في منتصف العمر.”
ثم استل سيفه ببطء.
“أنتِ هناك……ضعي المطرقة أرضًا.”
____________________________
الو ديونيس لايكون راحت عليك نومه؟
وأهفين جعل حصانك تنكسر رجله وتطيح وتجي ركض عشان تعرف من تدافع عنه مره ثانيه ياحمار
المهم يارب ابوها ينقذها ثم بالصدفه تطلع بنته تكفى ياخي 😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 118"