هرولت ميلودي خارج الغرفة السرّية بخطواتٍ مضطربة، وما إن خرجت من المخزن حتى رأت غروب الشمس ينسكب بلونٍ أحمر فوق قمّة الجبل البعيد.
“ما الذي رأيتِه بحقّ؟”
سألها أهفين بقلق، فقد شحب وجهها حتى كاد يفقد لونه.
كان عليها أن تشرح الكثير — ظهور والدتها الطيفي، تغيّر التوقّع، والكلمات الأخيرة التي سمعتها.
لكن في رأسها لم يكن يتردّد سوى سؤالٍ واحد،
‘كيف أنقذ والدي؟’
لم يكن لديها وقتٌ لشيءٍ آخر. فتحدّثت بصوتٍ هادئ، لكنه مثقلٌ بالثِقل كله،
“والدي……ساحر.”
فتصلّبت ملامح أهفين على الفور.
“هذا مستحيل……لكن، كيف إذًا مع الكاهن……؟”
و لم تنتظر ميلودي أن يُكمل كلامه.
“وهو الآن في طريقه إلى المعبد. أرجوكَ، ساعدني كي أُنقذه.”
تذبذبت نظرات أهفين البنفسجية بلا اتجاه، وعلى وجهه الهادئ عادةً ظهرت شقوقُ اضطرابٍ لم يعرفها من قبل.
“……لكن الساحر يجب أن يُقبض عليه. حتى لو كان والدكِ، فلا استثناء.”
كانت تتوقّع هذا الجواب، ومع ذلك شعرت بأن قلبها ينهار.
“فهم جميعًا……لُعنوا بالوجود ذاته.”
قال ذلك بصوتٍ متعبٍ وهو يحدّق فيها.
ابتلعت ميلودي ريقها الجاف، ثم أخذت نفسًا عميقًا وقدّمت إليه كتاب التوقّع كما لو كانت تتخلّص من عبءٍ ثقيل.
“سأترك هذا لديكَ. لا أعلم كيف ستحكم عليه، لكن……”
استدارت لتغادر، غير أن أهفين أمسك بها بسرعة.
“لا يمكنني السماح لكِ بالذهاب. إن كنتِ تنوين مساعدة الساحر……”
“وأنا أيضًا لن أترككَ تعيقني.”
“……ماذا تقصدين بذلك؟”
دفعت ميلودي يده برفق، ثم رفعت خاتمًا سحريّ الشكل كانت ترتديه دائمًا، وقرّبته من جسده.
“أنا آسفة.”
“اهرب.”
مع همسها القصير، انطلقت دائرة السحر. ومن الخاتم خرج سمٌّ مخدّر أصابه بالشلل في لحظة.
“آه……!”
شهق أهفين بدهشة، ثم سقط أرضًا دون مقاومة.
كانت تعرف أنه إن بقي مستيقظًا، فسيشاركهم حتمًا في القبض على والدها. و لم تستطع المخاطرة بذلك.
“إنها غفوةٌ قصيرة فقط.”
قالت ذلك وهي تغطي جسده بمعطفه، ثم ركضت دون أن تلتفت.
و عندما خرجت من الدير، تنفّست الصعداء — فقد كانت العربة التي جاءا بها ما تزال في مكانها.
“إلى المعبد الرئيسي، بسرعة!”
قفزت إلى العربة وهي تلهث، وقلبها ينبض بعنف، بينما كانت تحاول تهدئة عقلها.
‘ما الذي أملكه الآن؟’
بدأت تُحصي بهدوء: ثوب الكاهنة، تصريح المرور، معرفةٌ دقيقة ببنية المعبد من الداخل، وقدرةٌ على استخدام رموز الرون السحرية.
خارج الحاجز السحري، يمكن أن يقع أي طارئٍ في أي لحظة، لكنها تذكّرت ما كان والدها يقوله دائمًا،
‘حين لا تعرفين ما تفعلين، اصطدمي بالواقع أولًا. فالحلّ دائمًا يختبئ في قلب الموقف.’
“أولًا، عليّ الدخول.”
كان هدفها: الوصول إلى السجن العظيم الذي يُحتجز فيه السحرة. فذلك المكان محاطٌ بحاجزٍ سحري قائمٍ على رموز الرون — حاجزٌ فحصته مرارًا من قبل، وكانت تعرف هيكله تمامًا.
“إن وصلتُ إليه فقط……”
نعم، كان هدفها الأول إضعاف الحاجز المحيط بالمعبد.
***
فتح أهفين عينيه مجددًا بعد أن كان الغروب قد ابتلع قمم الجبال.
“هاه……”
جلس متثاقلًا، فسقط المعطف وكتاب التوقّع عن جسده وارتطما بالأرض. فمدّ يده التي ما زالت متيبّسة قليلًا والتقطهما.
كانت كلمات ميلودي، ونظرتها الأخيرة، لا تزال محفورةً في ذاكرته.
أعاد الكتاب إلى صدره، وركض نحو الإسطبل. و بعيدًا، تحت سماء الليل الرمادية، كانت قُبّة المعبد الكبير تلوح في الأفق.
“أحتاجُ إلى حصان.”
لكن الكاهن العجوز الذي كان يعتني بالخيل هزّ رأسه بأسف.
“يمكنني إعطاءكَ حصانًا، لكنه لن يقدر على الجري. ربما يمكنكَ أن تلحق بعربةٍ في الخارج، سيكون أسرع.”
خرج أهفين من الدير مسرعًا نحو مكان العربات، لكنه وجد الإسطبل فارغًا.
ثم اقترب منه أحد العمّال بتردد،
“جميع العربات أُرسلت إلى قصر الدوق……بطلبٍ من أحد الضيوف.”
لم يكن بحاجةٍ إلى معرفة من طلب ذلك؛ فقد كان واضحًا له دون قول كلمة.
“أيمكن إيجاد حصانٍ واحد؟”
“يمكننا التجهيز، لكنه سيستغرق بعض الوقت.”
ربط يديه على شعره المشوش، ثم فتح أهفين الصفحة الأولى من الكتاب.
كان هناك رسمٌ للقوّة والنور، والقوّة المظلمة، متجهتين نحو الوحوش. لكن عند التدقيق، بدا أن القوّتين لا تتصارعان، بل تتحدان جنبًا إلى جنب.
‘هذا……’
تذكر أهفين أنه رأى هذا الرسم في أعماق المعبد تحت الأرض، لكن هناك كان نصف الرسم فقط — نصف ضوء.
التعليقات لهذا الفصل " 117"