كان دير الراهبات هادئًا وساكنًا إلى حدٍّ يجعل التوتر يبدو بلا معنى. و في أحد أركان الساحة، كانا فارسان عجوزان متكآن إلى وتدٍ، يحركان رأسيهما ببطء، بينما كان الكهنة المسنون يتجولون في الحديقة هربًا من حرارة الشمس.
كانت خطواتهم بطيئة وواهنة، كأن الزمن نفسه قد أنهكهم.
“يبدو أن السبب أنهم يحتفظون فقط بسجلاتٍ قديمة.”
“كل ما هنا عتيق، حتى الخيول أصبحت عاجزةً عن الركض.”
عندما التفتا إلى مصدر الصوت، وجدا كاهنًا مسنًّا يحدّق بهما مطولاً.
“وجهكما مألوف……أظنني رأيته من قبل.”
تقدّم أهلين بخفة، وحجب ميلودي خلفه.
“إنها كاهنةٌ جديدة.”
“وما الذي جئتما تبحثان عنه؟”
سأل الشيخ وهو يضع يديه خلف ظهره بلامبالاة، و في صوته نعاسٌ خفيف، وتعبٌ متجذر في التجاعيد المحيطة بعينيه.
“جئنا لنطّلع على توقّع.”
“آه……أتذكر حين كنت في مثل سنّكما، كنتُ أنا أيضًا أتوق لمعرفة توقعات القوة المقدسة.”
قادهم الشيخ دون ريبة إلى مبنى حجريٍ ضخم في زاوية الدير، كان يبدو أقدم من البقية. و عندما فُتح الباب الصدئ، ملأ صريره الحاد المكان.
“هنا تُحفظ التوقّعات القديمة والسجلات، جميعها تحققت بالفعل. لا يوجد ما يستحق القراءة فيها، لكنها تُركت هنا لأننا لم نجرؤ على التخلص منها.”
كان المكان أقرب إلى مستودعٍ مهجور. و الغبار يتطاير من الكتب العتيقة، والضوء كان يتسلل خافتًا من بين الشقوق في الجدران.
ما إن تنفست ميلودي حتى شعرت برائحة الورق العفن والرطوبة تخدش حلقها.
“من الأفضل لكِ قراءة صحيفة حديثة، ستكون أكثر نفعًا، فما هنا مجرد مضيعةٍ للوقت.”
تمتم الشيخ بذلك، ثم استدار مغادرًا.
“احرصوا على إغلاق الباب جيدًا عند خروجكم.”
أُغلق الباب بصوتٍ متهالك، فأضاءت المصابيح الجدارية واحدةً تلو الأخرى، لتغمر المكان بضوءٍ دافئ.
كانت ميلودي تحدق في المكان بشرودٍ حين تذكّرت في داخلها ذلك الصوت المألوف،
“لا، ليس الآن……لك لما تريدين الذهاب إلى المعبد في مثل هذا الوقت؟”
“إنه أمرٌ يخصّ والدتي.”
“سآتي معكِ.”
“لكن حضوركَ سيلفت الأنظار يا دوق.”
“……إذاً، سأنتظركِ. حتى تعودي.”
تراءى وجه ديونيس أمام عينيها، بعينيه المنحدرتين ونظرته الصامتة، وشفتاه المطبقتان بإصرار، وتلك الحبة الصغيرة على ذقنه التي كانت تميز ملامحه.
في الحقيقة، كان أحيانًا يبالغ في القلق عليها.
“ها هو كتاب التوقّعات، سيدتي.”
أعادها صوت أهفين إلى الواقع، فتقدمت بخطواتٍ خفيفة نحو الرف الذي أشار إليه.
و على أطرافه كانت هناك كتبٌ مربوطة بخيوطٍ باهتة اللون، مصفوفةٌ بعناية.
“يبدو أن اسمها كان ميرنا.”
لفت نظرها خيطٌ ذهبي باهت على الكتاب، فسحبته بحذر وفتحته. و كان الورق رقيقًا كأوراق الخريف الجافة، خشن الملمس.
صفحةً بعد أخرى، بدت التوقّعات مذهلةً في دقتها.
كلها كانت أحداثًا قد وقعت بالفعل — مرض الإمبراطور، فترات الجفاف، وحتى وباء المخلوقات المسحورة.
“تُرى……كيف سيكون شعور من يرى المستقبل؟”
تمتمت ميلودي دون أن تشعر.
هل رأت ميرنا مستقبلها هي أيضًا؟
“إن كان المستقبل مأساة، فمجرد رؤيته يصبح عقابًا بحد ذاته.”
فكرت ميلودي أن حياتها لا بد أنها لم تكن يسيرة.
“كل التوقّعات هنا تتحدث عن أحداثٍ تحققت بالفعل.”
“الأمر ذاته هنا أيضًا. لا أثر للتوقّعات المحظورة.”
“هل يمكن أنهم يحتفظون بها في مكانٍ منفصل؟”
وبينما كانت تتجول باحثةً في أرجاء القاعة، توقفت أمام جدارٍ حجري قديم.
على سطحه المظلم كانت نقوشٌ باهتة بلغة الرون. فمدّت إصبعها وتتبعت الخطوط حتى قرأت بوضوح جملةً منقوشة،
“الطريق المسموح به لكهنة القداسة وحدهم.”
وكان شرط فتحه دم الكاهن نفسه.
ترددت ميلودي قليلاً، ثم أخرجت خنجرًا وبدأت تعدّل الصيغة السحرية المنقوشة.
“ماذا تفعلين؟”
سألها أهفين بقلق وهو يقترب منها.
“هناك شيءٌ خلف هذا الجدار، أترى هذه الأحرف؟ إنها بوابة لا تفتح إلا لشخصٍ محدد.”
“إذًا، هذا يعني أن المكان لا يمكن دخوله إلا لمن يحمل الدم المباشر من نسلها.”
وبذلك لم يعد هناك أدنى شكّ—كانت ميلودي بالفعل ابنة الكاهنة، ميرنا.
تقدّمت ميلودي بحذرٍ إلى عمق الغرفة الخفية.
“معظم هذه التوقّعات قد أُلغيت……لكن لماذا احتفظوا بها بدلًا من حرقها؟”
“لأنها من القداسة. هناك من تجرأ على المساس بها ونال عقاب السماء.”
“لهذا أخفوها هنا إذًا……”
وبينما كانت تقلّب الكتب، عثرت ميلودي في أسفل الرف، في زاويةٍ مغطاةٍ بالغبار، على كتابٍ يحمل اسم ميرنا.
مدّت يدها على عجل وسحبته، ثم فتحته بتوترٍ واضح. و أول ما رأته كان رسمًا يغطي الصفحة الأولى—نصفه غارقٌ في ضياءٍ باهر، والنصف الآخر في ظلمةٍ عميقة.
قوتان متضادتان تتجهان نحو وحشٍ غامض.
“ما هذا؟”
“هل وجدتِ شيئًا مهمًّا؟”
“وجدتُه……لكن لا أفهمه.”
ولم تكد تُكمل جملتها حتى دوّى صوتٌ مألوف وغريب في الوقت ذاته.
“أخيرًا……جئتِ يا ابنتي.”
في تلك اللحظة، غمر البياض كل شيءٍ أمامها، واختفى ضجيج الواقع. و وجدت نفسها في غرفةٍ صغيرة يغمرها الضوء الأبيض، وفي ركنها سريرٌ بسيط يطل على نافذةٍ ضيقة.
لقد رأيت هذا المكان من قبل……في مكانٍ ما……
وما إن خطرت الفكرة ببالها حتى لمحت امرأةً ممددة على السرير، تكتب شيئًا على ورقٍ مصفر.
رفعت المرأة رأسها، والتقت عيناها بعيني ميلودي. كان ذات شعرٍ أزرق فاتح بلون السماء الصافية، وعينان خضراوان متلألئتان كزمردٍ في ضوء النهار.
وحين ابتسمت، كانت تلك الابتسامة دافئة لدرجة أن دموع ميلودي كادت تنهمر.
“كنتُ في انتظاركِ.”
مدّت المرأة يدها نحوها، بصوتٍ حنونٍ كهمس الأم لطفلتها. فمدّت ميلودي يدها لتلمسها، لكنّ المشهد تلاشى في اللحظة التي كادت أصابعها تلتقي بها.
وعادت فجأة إلى رائحة الورق القديم والغبار المتطاير في المخزن.
كانت المرأة التي رأتها……هي نفسها التي رأتها في أحلامها القديمة.
“أنتِ……أمي، أليس كذلك؟”
نظرت إلى الكتاب، فرأت الكلمات فوق الصفحات تتحرّك وتتغيّر أمام عينيها.
في البداية ظنّت أن بصرها يخدعها، لكنها سرعان ما أدركت أن النص يتبدّل استجابةً لوجودها.
التوقّع الذي كان يشبه رواية مبتذلة، أخذ يتحول إلى كلماتٍ ملؤها الرجاء والرجفة.
بدأت الجمل برجاءٍ غامض: أنقذوا ذلك الشخص. فارتجفت أنامل ميلودي وهي تقلّب الصفحات التالية.
كانت الأسماء مألوفة: أهفين، رايون، و ليهلين. لكن النص لم يعد يحمل أي وصفٍ فاحش أو مشهدٍ مبتذل كما من قبل.
التغيّر الحقيقي كان يبدأ من لحظة خروجها في الحملة، حيث تفشى وباء السحر، ومات الكاهن الأعظم……ومع ذلك، ظلّ مجرى الأحداث كله يتجه نحو مأساةٍ لا مفر منها.
ثم جاءت النهاية مؤرخةً بتاريخ اليوم.
في ليلة التتويج الأخيرة، داخل المعبد الكبير، يحاول السحرة الهرب. لكن من يقودهم إلى الخروج……يُقبض عليه، ويُقاد إلىالمقصلة.
شهقت ميلودي، وجسدها يرتجف مع كل سطرٍ تقرؤه. وعندما قلبت الصفحة ورأت اسم المقتول، توقف قلبها لحظة.
إيدوين ليوود. كان اسم والدها.
تطايرت الصفحات عائدةً إلى البداية، حتى توقفت عند الصفحة الأولى. و كانت هناك جملةٌ واحدة فقط منقوشة بخطٍّ واضحٍ لا لبس فيه:
[أنقذي ذلك الشخص.]
كانت تلك بلا شك الرسالة التي تركتها لها أمها بنفسها.
_____________________________
ابوهاااااااا لااااااااااااا
كله منس كان خذيتي ديونيس معس طب يعني كان يمديه يروح ركض ويكسر كل شي في المعبد 😭
بس ضحكت يوم دخلت الجدار هي تشوف الغرفه واهفين يشوف لاق 😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 116"