أحبكَ……أرادت قال هذه الكلمة لكن قبل أن تنجح في إتمامها، دوى وقع أقدامٍ قريب منها.
“هل تنوين ألا تعودي إلى المعبد أبدًا؟”
“لستُ متأكدة……كل ما أعلمه الآن أنني لا أريد العودة إلى هناك.”
كان الصوت صوت أهفين وليهلين.
تبادلا الحديث بخفة وهما يسيران بمحاذاة الحديقة، وصوتهما يزداد وضوحًا شيئًا فشيئًا.
تجمدت ميلودي في مكانها وقد شحب وجهها من الارتباك، فما كان من ديونيس إلا أن أمسك بذراعها وجذبها نحوه بسرعة. فانهار جسدها نحوه حتى غدت المسافة بينهما قصيرة حدّ أن أنفاسهما امتزجت، ولولا أنها أسندت نفسها بذراعيها لتصادمت وجنتاهما.
فرفع طرف شفتيه بابتسامةٍ جانبية وهمس بالقرب من أذنها،
“لا أستطيع أن أفسد لقاء العاشقين المتوقّعين.”
لكن……هل كان هذا حقًا السبب الوحيد؟
ألصقت جسدها أكثر بصدره، وفي تلك اللحظة أحست بنبض قلبه السريع يدوّي عند أذنها.
و لا تدري كم مضى من الوقت على تلك الوضعية حتى ابتعد الصوتان تدريجيًا، مبتعدين عن المكان.
“……لماذا أحضرتَ ليهلين إلى القصر؟”
سألت ميلودي وهي تعتدل في جلستها، و تتكئ على يديها. لكنه كان ما يزال قريبًا منها إلى درجة تجعل دقات قلبها تضطرب.
“لأنكِ كنتِ قلقةً عليها.”
أجاب وكأن الأمر بديهي، ثم أضاف بابتسامةٍ خفيفة،
“فعلتُ ذلك من أجلكِ. ألا أستحق مديحًا على الأقل؟”
من أجلي……؟
همس بتلك الكلمات بصوتٍ خفيض، فما كان منها إلا أن طبعَت على شفتيه قبلةً سريعة.
لكن قبل أن تبتعد تمامًا، عاد هو و قبّل شفتيها ثانيةً.
“….آه، لدي ما أقوله، أرجوكَ—”
تقطّعت أنفاسها وهي تبتعد عنه، تتنفس بارتباك كمن خرج تَوًّا من حلمٍ عميق.
“قوليها.”
قال ذلك بنبرةٍ ملحّة، كجرو صغير لم يتعلم بعد كيف ينتظر. فتكشّفت ملامحه عن ضيقٍ واضح، وتجعد ما بين حاجبيه بعدم رضا.
هل تعترف له الآن؟
تساءلت ميلودي في تردد.
لكن……بدون زهور؟ بدون خاتم؟
كان الأمر يشعرها وكأنها تنطق تعويذة مقلوبة، شيئًا ناقصًا ومشوشًا.
“لا يمكن أن يكون الأمر هكذا أبداً.”
قالت ذلك فجأة، ثم نهضت مسرعة وركضت نحو غرفتها، تاركةً نظراته المذهولة تطاردها حتى غابت عن بصره.
***
في صباح اليوم التالي، خرجت ميلودي باكرًا بعد أن نالت إذنًا بالخروج.
توجهت أولًا إلى المكتبة واشترت كتابًا، ثم مضت إلى سوق الزهور، حيث كانت العربات مكدسةً بزهورٍ زاهية الألوان.
أخذت تتأملها بعناية، تختار واحدةً تلو الأخرى، وكأنها تنتقي كلماتٍ لرسالةٍ لا تُقال بالكلام.
“ما الأنواع التي ترغبين بها؟”
سألها البائع.
“بلغة الزهور……الحب الأبدي، هذا أولًا. الغيرة؟ لا، لا أريده. التطلع من بعيد؟ لا، هذا أيضًا لا. عهدٌ لا يتغير، نعم، هذا……وأضف هذا أيضًا.”
كم نوعًا من الحب يوجد يا تُرى؟
تساءلت ميلودي وهي تحدق في باقةٍ جمعت فيها كل تلك الألوان المتناغمة. فرفعت “آنا” حاجبها نصف إيماءة و تحدّثت بنبرة مشاغبة،
“باقةٌ فاضحة جدًا.”
“فاضحة؟ بأي معنى؟”
“بمعنى أن معاني زهورها كلها اعترافات بالحب. لا تخبريني أنكِ تنوين الاعتراف لشخصٍ ما؟”
اتسعت عينا ميلودي وقد قبضت على صدرها دهشة،
“كيف عرفتِ؟”
“أليس من الغريب ألا أعرف؟”
ثم نظرت إلى الباقة المفعمة بكل ألوان الغرام وسألتها بهدوء،
“وهل يعلم ذاك الشخص أنكِ تحبينه؟”
“قلبه هو وحده الذي يعرف الجواب.”
أجابت ميلودي، فكس، وجه آنا ملامح ضيق.
“لكن ماذا لو رفض اعترافكِ؟”
تجمدت ميلودي للحظة. لم ترد أن تفكر في ذلك، لكنها كانت قد أعدّت نفسها مسبقًا لكل الاحتمالات الممكنة.
“لو رفض……سأعطيه بعض الوقت، ثم أعترف مجددًا. لكن الآن أريد فقط أن أوصل مشاعري إليه.”
‘أن أخبره أنني أحبه، لا أكثر.’
نعم، كنت أرجو شيئًا في المقابل، لكن حتى إن لم يعد إليّ بشيء، فذلك لا بأس به. فهو لا يعرف معنى الحب بعد.
يكفيني أن تصل إليه مشاعري بصدق.
فتذكرت ميلودي كلمات ديونيس في الرواية،
[ “أتكرهني لدرجة أنكَ تريد قتلي؟”
“كراهية؟ ما أعرفه هو الألم، ولا شيء سواه.” ]
ثم ضحك وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة على يد رايون،
[ “ومع ذلك……هناك شخصٌ ما أود رؤيته قبل أن أموت.” ]
لقد رحل في النهاية دون أن يدرك أن الحنين الذي ظل يعتصره نحو ليهلين كان حبًا.
“إن حمل مشاعر لا تجد من يبادلها بها أمرٌ مؤلم فعلًا.”
قالت آنا ذلك وهي تضم باقة الزهور إلى صدرها.
“وربما حتى من لا يستطيع مبادلتكِ تلك المشاعر يشعر بالحرج بدوره. هل ستكونين بخيرٍ رغم ذلك؟”
‘هل سيتضايق حين يسمع اعترافي؟’
فكّرت ميلودي، لكن قلبها المفعم بالمشاعر لم يترك لها مجالًا لأي تردد.
“لمَ لا تحاولين أولًا معرفة ما في قلبه؟”
كانت عينا آنا تنضحان قلقًا حنونًا جعل ميلودي تتردد في الجواب.
“حتى ذلك الحين، سأحتفظ بهذه الباقة عنكِ.”
و حين نزلت من العربة، كانت يدا ميلودي خاليتين.
لم يكن يهمها أن تتألم، لكن فكرة أن تُثقل كاهله بمشاعرها جعلتها تتردد.
وبينما تسلك الطريق الجانبي المؤدي إلى القصر، رأت ديونيس يقف في ساحة التدريب مع ليهلين.
كانت ليهلين تنظر إليه بخجل وابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها. فغرز مشهدها هذا شوكةً في صدر ميلودي، إحساسٌ لاذع يشبه غيرة زوجةٍ تشاهد زوجها مع امرأةٍ أخرى.
هزّت رأسها لتطرد الفكرة واستدارت لتغادر، غير أن ظلًا طويلًا ألقى بظلاله فوقها. فالتفتت فوجدت أهفين يقترب بخطواتٍ ثابتة، وملابسه تبدو كمن خرج للتو من التدريب.
“إلى أين كنتِ ذاهبة؟”
“إلى السوق.”
أجابت ببساطة، فذكر لها أنه سيقيم في القصر يومين إلى أن ينهي ديونيس بعض أعماله.
“رؤيتكِ هنا تبدو غريبةً نوعًا ما.”
قال ذلك بابتسامةٍ محرجة، كما لو أنه يحاول كسر الصمت بينهما.
“هل تودين أن نمشي قليلًا؟”
وافقت ميلودي، إذ كانت بدورها تود سؤاله عن أمرٍ ما.
“بشأن المعبد……”
“الكاهنة……”
نطقا في آنٍ واحد، فتقابلت نظراتهما.
“تفضلي، سأسمعكِ أولًا.”
“كنتُ أتساءل إن كنتَ تعرف شيئًا عنها……عن الكاهنة. ما نوع الإنسانة التي كانت عليها؟”
ربما لأنها كانت والدتها، كانت تشعر برغبةٍ جامحة في معرفتها أكثر.
“يُقال أنها كانت امرأةً فاتنة.”
تمامًا كما وصفها والدها.
“وكانت حرة الطباع إلى درجة أنها كانت تختفي بعد كل توقّع، تاركةً الجميع يبحثون عنها في كل مكان. سمعتُ أنها سببت للكثيرين صداعًا دائمًا بذلك.”
اتسعت عينا ميلودي دهشة؛ لم تتخيلها يومًا بهذه الصورة. فقد كانت تظنها هادئة، رزينة، تشبه ليهلين.
“هذا مفاجئٌ فعلًا.”
“أتظنين ذلك؟”
“وكيف توفيَت؟”
تأمل ملامحها قليلًا قبل أن يجيب بحذر،
“لا أحد يعلم على وجه التحديد، لكن من المؤكد أن ثمة سجلًا يوثق الأمر.”
هل ماتت بسبب داء التحوّل السحري؟
تساءلت ميلودي وهي تنقر بأصابعها على ظفرها بقلق.
سارا طويلًا دون أن يتبادلا الكلام. ولم تنتبه ميلودي إلا بعد أن تخطّيا مدخل القصر ووصلت إلى الجدار الحجري المحيط به. بينما ظل أهفين طوال الوقت يسير بجانبها في صمتٍ حارس.
“لقد ابتعدنا كثيرًا.”
“لكننا ما زلنا داخل السور.”
قال ذلك بنبرة هادئة، ثم أخرج شيئًا من جيبه.
“لمَ لا تتحققين بنفسكِ؟”
وأراها بطاقة هويةٍ خاصة بالكهنة.
“سجلات وفاة الكهنة محفوظةٌ في ديرٍ يقع في العاصمة. لا حراسة مشددة هناك كما في المعبد الأعلى، والدخول إليه ليس ممنوعًا تمامًا.”
“ألن يعرفوني؟”
“معظم الكهنة الآن في المعبد الكبير بسبب مراسم التتويج، والحارس المسؤول عن الأرشيف لا يهتم كثيرًا بشؤون العالم الخارجي. لن يكون هناك خطر.”
فأومأت ميلودي ببطء، تفكر في كلماته.
***
استدعى أهفين عربةً مستأجرة، وارتدت ميلودي عباءتها ذات القلنسوة، تجمع بعض أدوات السحر الصغيرة وتتبعه.
“الدير يقع غرب العاصمة.”
قال ذلك وهو يفتح باب العربة.
كانت قد رأته من قبل من بعيد، ديرًا فوق تلٍّ يسكنه الكهنة المسنون.
و نظرت من النافذة بقلق، ثم أخرجت أداةً سحرية صغيرة ووضعت الخاتم في إصبعها، فبدأ لون شعرها يتغير تدريجيًا.
“ما نوع الأداة هذه؟”
“تغيّر لون الشعر. فلونه الطبيعي يلفت الأنظار كثيرًا.”
فابتسم قليلًا وردّ أهفين مازحًا،
“لو اختبأتِ بين الأشجار لما عرفكِ أحدٌ على أي حال.”
وبعد قليل، أصبح شعرها أسود حالكًا. فنظرت إلى انعكاسها في زجاج النافذة، وحين التقت عينها بعينيه، وجدته يحدق بها مأخوذًا.
“هل أبدو غريبة؟”
“أبدًا……كأنكِ وُلدتِ بهذا اللون.”
“إذًا تعني أن اللون يليق بي، صحيح؟”
“نعم……كثيرًا جدًا.”
واحمرّ وجهه بخجل.
“أشعر بالتوتر.”
“لا تقلقي. سأحرص على ألا يحدث لكِ أي مكروه.”
________________________
تـء تـء طالعين بدون استئذان ولي الامر (ديونيس)
بس عسا عشان يعرف يبعد عن ليهلين مستحيل ماشافها تستحي عنده حشا
وليهلين بعد مسكينه كله من أهفين الحمار دام شهر ميلودي الاسود اعجبك طيب وليهلين؟ شف شعرها اسود كل يوم!
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 115"