“أتفكر في قتل صانعة الأداة السحرية؟”
سأل أهفين، فرفع ديونيس كتفيه بوجه هادئ.
ذلك كان أسهل الطرق وأكثرها يقينًا، فلا سبيل لملاحقة من رحل عن العالم.
“أليس من الأفضل لكَ أن تجهل الأمر؟ ليس سهلًا على كلب المعبد أن يرفع الكذب إلى المعبد.”
“حتى لو كان لأجلها، فلن أبرر القتل أبدًا.”
ارتسمت الحدة على وجه أهفين وهو يجيب، فابتسم ديونيس ببرودٍ وأجاب،
“لن أقتل. أتراني من هذا الصنف؟”
راحتا عينان بنفسجيتان حادتان تفتشان ملامحه الحادة الوسيمة، غير أن صاحبه كان عصيًّا على القراءة، فلم يُدرِ إن كان صادقًا أم لا.
غاص ديونيس في مقعده، وجسده مسترخٍ، لكن في حمرة عينيه بريقٌ مختلف.
“أتظن أن طفلة القديسة…..قد تكون ميلودي؟”
أومأ أهفين، إذ خطرت له ذكرى بعينها.
“سيسقط الكثيرون. قريبًا ستنكسر الحواجز المقدسة، وسيلحق الدمار بالإقطاعيات.”
كان ذلك يوم عرضت ميلودي عليه حجر الشفق مقابل صفقة. ربما كانت تعلم مسبقًا ما سيحدث.
وبينما هو يغوص في ذكرى قصيرة معقدة، تحدّث ديونيس،
“يبدو أنكَ تراها احتمالًا واردًا.”
“…..نعم، هذا صحيح.”
“إذاً لا بد أن تعرف، لتأخذ حذرها من المعبد، ولئلا تقع في شراك فرسانه.”
اشتدّت قبضة أهفين على مسند الكرسي.
“ليس كل الكهنة متشابكين فيما فعله الكاهن الأكبر.”
“لكن من منهم يجرؤ على عصيان أوامر القديس؟”
ضغط أهفين على أسنانه وهو يقمع شعور العجز. فهو لم يستطع أن ينكر أن الكهنة أطاعوا أوامر القديس دون تردد.
ولولا أنه التقى ميلودي وعرف الحقيقة، لكان هو أيضًا سلك الطريق ذاته.
لقد شك، وتجرأ على خرق أوامر المعبد ليصل إلى هنا، فقط ليتأكد بعينيه أي دربه كان الحق.
نظر من النافذة بملل، فرأى خيوط الفجر تضيء شيئًا فشيئًا.
“لكن إن كانت حقًا ابنة الكاهنة تلك، فلا بد أن تعود يومًا إلى المعبد. لتستعيد ما تركته والدتها لها.”
فالكاهنة تلك هي من قامت بتعاويذ رئيسية للمعبد، الأقرب إلى القداسة، وميلودي من نسلها. ولو عادت، ستنال من المكافآت ما يكفل لها حياةً رغيدة ما بقيت.
لكن عيني ديونيس صارتا باردتين وهو يرد،
“هل نسيت أن الكاهن الأكبر حاول قتلها؟”
“ذلك الأمر..…”
تعثرت كلمات أهفين، فانطلقت من بين شفتي ديونيس ضحكةٌ ساخرة.
“والآن، بعد كل ما جرى، تدعُوها لتعود تحت راية المعبد؟ مثيرٌ للسخرية.”
“….…”
“لا تُفكر لحظةً أن تتفوه بهذه الترهات أمام ميلودي. وإلا…..سأفعل مالا أفعل.”
كان تهديدًا صريحًا. فانحنى رأس أهفين مثقلًا بالخزي.
كان يظن أنه يفعل شيئًا من أجلها، غير أنه أدرك أن نفسه لم تخلُ من رغبةٍ دنيوية: أن تكون ميلودي جزءًا من المعبد.
والآن لم يستطع حتى رفع نظره من الخجل.
وكان يؤلمه أيضًا أن الطريق إليها يمر عبر الرجل الجالس أمامه. فتمنى لو تتحرر من ظله يومًا.
ثم زفر بعمق، وكتم تنهيدةً حارقة.
***
غرفة الضيوف كانت في نهاية الطابق الثاني من المبنى الرئيسي، مباشرةً أسفل غرفة ديونيس.
بدت نظيفةً كأنها رُتبت للتو، وأجواؤها تعبق برائحة عطرة.
و كانت آنا منشغلةً تسحب الستائر وتفحص السرير وهي تفرغ سخطها،
“يا إلهي، كان أفسد مما ظننت! ذلك الكاهن الأكبر.”
القصة التي روتها ليهيلين كانت فظيعة. فقد خرجت تنفذ أوامر المعبد لتُعالج المرضى، لكنهم ألقوا عليها اللوم جميعًا، زاعمين أن موت الناس بوباء التحجّر السحري كان ذنبها. فما كان من ميلودي إلا أن قبضت يديها بقوة.
“لا أعلم من أين بدأ كل هذا الخطأ..…”
قالت ذلك بمرارة، فأجابت ميلودي وهي توقد المدفأة بأداةٍ سحرية،
“منذ أن وُلد الكاهن الأكبر نفسه.”
“صحيح! لولاه، لما وقعت كل هذه المآسي.”
مسحت ليهيلين عينيها الدامعتين مجددًا، ثم همست بصوتٍ مكتوم،
“شكرًا لكما على قولكما هذا…..وعلى السماح لي بالبقاء هنا.”
“أنا لم أفعل سوى إرشادكِ إلى الغرفة. الفضل للدوق فقط.”
“…..آه، نعم، صدقتِ.”
انطوت عيناها السوداوان بوميضٍ حالم، وكأنها تذكر لحظةً ما. فبدت ملامحها شاردةً يكسوها حنين.
“كنت أظنه يكرهني…..لم أتوقع أنه سيعينني على الخروج من المعبد، ويجلبني إلى قصره.”
كان في نظراتها وضوحٌ لا لبس فيه: إعجابٌ صريح.
فشعرت ميلودي بوخزةٍ حادة، كأن شرارةً لامستها. في قلبها أم أصابعها؟ لم تعلم.
ارتفعت يدها إلى شفتيها الملسوعتين، فيما تذرعت بأنها ربما أفرطت في تناول الحلوى. فمدت يدها تتحسس بطنها المسطح.
“ربما كنت مخطئةً في الحكم عليه. لقد قال…..أنه كان قلقًا عليّ.”
كان ديونيس يوليها اهتمامًا واضحًا. فعلى الرغم من نفوره من الكهنة، إلا أنه لم يأخذها إلى أي مكان آخر سوى قصره، وهذا لا بد أنه لأنه انشغل بشأنها.
حتى أنه تكلف بأن يجهز لها غرفةً في المبنى الرئيسي بالذات.
“هو قليل الكلام فعلًا، لكنه يُحسن معاملة الخدم أيضًا.”
“قد يبدو بارد النبرة، لكنه في الحقيقة طيب القلب.”
لوحت آنا بيدها معترضةً على كلام ميلودي.
“طيب القلب معكِ أنتِ فقط يا آنسة.”
ربما…..
فكرت ميلودي، لكنها لم تُنكر وهي تواجه نظراته الموجهة إليها.
أجل، لقد كان مميزًا معها وحدها.
“إذاً ارتاحي جيدًا، فلا بد أنك متعبة.”
وبينما خرجتا من الغرفة تاركتين ليهيلين خلفهما، تمتمت آنا وهي تلتفت نحو ميلودي،
“بالمناسبة…..ألا ترين أنها جميلة فعلًا؟ الكاهنة ليهيلين.”
“وأنتِ أيضًا جميلة. أقول ذلك في كل يوم أراكِ فيه. صدقيني.”
فاحمر وجه آنا من كلماتها.
“آه…..وأنا في عينيّ، لا أرى أجمل منكِ أبدًا يا آنسة ميلودي.”
“…..حتى أجمل من ليهيلين؟”
“لكلٍ منكما سحره الخاص.”
“تبا.”
وحين صعدتا الدرج، وقعت عينا ميلودي على مكتب ديونيس الذي لا يزال مضاءً.
أما غرفة ليهيلين فهي بالطابق السفلي، أقرب إلى معمل ميلودي. و وحده هذا منحها قليلًا من الطمأنينة.
دخلت غرفتها وأغلقت الباب، ثم دفنت نفسها تحت اللحاف حتى رأسها.
و كان هنلك شعورٌ غريب يخبرها أنها لن تنام بسهولة هذه الليلة.
***
لم يغمض لها جفن، لذا نهضت بجسد متعب وسارت نحو مكتب ديونيس. و هناك وجدته جالسًا كما بالأمس، وإلى جانبه أهفين في الوضعية ذاتها.
جلسَت قرب ديونيس بعد أن نقر على مقعده يدعوها للجلوس، ثم حدقت بوجه أهفين المقابل، فرأت على ملامحه بقايا إرهاق واضح.
“أتظن إذاً أن طفل القديس هب من صنعت تلك الأداة السحرية؟”
ما إن خرجت هذه الكلمات من فمه حتى تجمدت ملامح ميلودي.
كانت تظن ذلك لأن موت الكاهن الأكبر ارتبط بهم. ومع أن الأمر ليس بهذه البساطة، إلا أن نفيه كليًا لم يكن ممكنًا.
“أنا…..طفلة القديس؟ لكن هذا مستحيل. فهذا يعني أن والدتي كانت…..كاهنة.”
“ومن كانت والدتكِ؟”
“لا أذكر. لم ألتقِ بها أبدًا.”
ارتفع حاجب أهفين قليلًا، فتنهدت ميلودي وأكملت،
“لكن…..أظن أنني قرأت مخطوطة التوقع ذاك.”
“التوقع التي وُصف بالفاسد؟”
أومأت برأسها.
“وكيف..…؟ هل ما زال بحوزتكِ؟”
“ضُربتُ بمطرقة ذات مرة…..وفجأة تذكرت محتواه.”
تبدلت ملامح الرجلين على نحو غريب، وما لبث ديونيس أن انحنى نحوها فجأة.
فاندفع عبق المسك إلى أنفها، فيما أخذ يُدير رأسها يفحص جانبها ومؤخرة رأسها.
“هل مكان الإصابة بخير؟”
“هذا حدثٌ قديم.”
“لكنها مطرقة. ربما نزفتِ.”
“لقد عالجني كاهنٌ بعدها. ليس لذلك السبب فحسب.”
دفعت كتفيه بخجل وقد ضايقها فرط قلقه، لكنه ظل يتفحصها بلا كلل.
وحين رفعت رأسها، أبصرت وجه أهفين و قد تجمد من الانقباض.
“على أي حال…..من المخطوطة عرفتُ أن الحاجز سينكسر.”
“كنتُ أشك في ذلك، لكن الآن وقد تأكدت. هل رأيتِ المخطوطة مرة أخرى منذ ذلك اليوم؟”
“لا. كانت المرة الوحيدة.”
“ألديكِ قوةٌ مقدسة خفية ربما؟”
“لا قوة لديّ، ولا قدرة على العلاج. كل ما أعرفه هو ما ورد في تلك المخطوطة.”
ثم تدخل ديونيس وسأل،
“وما الذي ورد فيه تحديدًا؟”
“إنها…..قصة عن أربعة أشخاص، وقصص حبهم.”
______________________
ليهلين شذا النرجسية؟ متى قال انه قلقان عليس يختي؟😭 يقول فيه شخص ماقال هو
وآنا انفدا المعززين 🤏🏻✨
المهم لايكون ميلودي بتقول الروايه الصدقيه؟😂😂
بعدين لحظه اذا الي قرته مب روايه يعني هي ماتجسدّت ؟ نايس
Dana
التعليقات