نظرت ميلودي إلى ليهلين ثم إلى ديونيس بالتناوب قبل أن تسألها.
“كيف جئتما معًا؟”
“عثرت عليها في المعبد. أما هذا، فما الذي يفعله هنا؟”
قال ديونيس ذلك وهو يوجه نظره نحو أهفين ثم بدأ يقترب من ميلودي، حتى كاد الفاصل بينهما يختفي.
وحين بدت تجاعيدٌ حادة على جبينه توقف مكانه.
“لقد جاء لأنه لديه ما يود إبلاغه.”
لكن عيني ديونيس استقرتا على باقة الأعشاب التي تضمها ميلودي.
“هذا هو الأمر إذًا؟ ذوقكِ رديءٌ للغاية.”
رديء؟
شعرت ميلودي بصدمة وهي تسارع إلى ترتيب الباقة المرتبكة بين يديها، لكن كلما حاولت تهذيبها بدت أكثر ذبولًا. عندها رفع ديونيس حاجبه باستياء.
“آه…..السيد أهفين..…”
ثم تدخل صوتٌ واهن في تلك اللحظة، كان صوت ليهلين. وقد بدا وجهها غارقًا في الخوف وهي تهمس.
“هل كانوا يبحثون عني في المعبد؟”
“أبدًا. لم أكن أعلم حتى أنكِ هنا يا آنسة ليهلين.”
أجاب أهفين بسرعة، وكأنما يخشى أن يصدقها الشك. فنظرت إليه ريهلين مليًا، ثم هزت رأسها ببطء.
بعدها تقدمت بخطواتٍ مترددة لتختبئ خلف ظهر ديونيس، ويدها تتشبث بطرف سترته في مشهد لم يغب عن عيني ميلودي.
“تكلم.”
قال ديونيس ذلك وهو يميل برأسه قليلًا نحو أهفين.
“ما الذي جاء بكَ إلى هنا؟”
كان صوته صارمًا يقطر بالضيق.
“هناك أمرٌ لا بد أن أطلعه عليكَ على انفراد.”
لم يبدُ وجه أهفين عاديًا، بل كان جادًا على نحو يشي بأن شيئًا جللًا يحدث. و استشعر ديونيس ذلك أيضًا، فانقبض جبينه.
“لننتقل إلى الداخل ونتحدث هناك.”
قال كبير الخدم ذلك بلباقة، بينما كانت قطرات الماء تتساقط من ثياب أهفين المبتلة لتصنع بركًا صغيرة على أرضية الرخام.
“سيدة ميلودي، لقد أحضرت منشفة…..أيمكنني أن أعطيها له؟ لكن الجو متوترٌ قليلًا..…”
كانت آنا قد أسرعت بالعودة وهي تهمس خلف ميلودي.
“سأعطيه أنا.”
أخذت ميلودي المنشفة من آنا ومدّتها نحو أهفين.
“هاكَ..…”
وقبل أن تكمل جملتها، امتدت يدٌ قوية وانتزعت المنشفة.
“وأنا قد ابتللت أيضًا.”
كان ديونيس قد تقدم فجأة، وأخذ المنشفة لنفسه ببرود. فرفعت ميلودي عينيها نحوه بارتباك.
لم يكن على بزته السوداء سوى قطراتٍ ضئيلة، أما شعره فكان جافًا تمامًا، لكنه لف المنشفة حوله بجرأة.
“الجو بارد.”
قال ذلك بغير مبالاة، ثم مضى إلى الداخل.
“الكاهنة ستبقى هنا لفترة، أعدوا لها غرفة. أما أنتَ يا لورد أهفين، فاتبعني.”
تعلقت عينا ليهلين السوداوان بديونيس في صمت. أما روهان فقد ألقى نظرةً على ميلودي قبل أن يسير خلف سيده.
“سنجهز غرفة الضيوف حالًا.”
بدأ الخدم يتحركون بخفة ونشاط تحت أوامر كبير الخدم. بينما اقتربت ميلودي من ليهلين التي كانت تدور بعينيها باضطراب ظاهر.
“أنا سعيدةٌ جدًا لأنكِ بخير.”
“…..نعم.”
“بفضلكِ، استطعنا معاقبة نائب الكاهن حين أحضرتِ الماء المقدس. وبذلك تبرّأ صانعو الأدوات السحرية من التهمة أيضًا. حقًا، شكركِ لا يكفي..…”
لم تكمل ميلودي حديثها حتى اغرورقت عينا ليهلين بالدموع ثم انفجرت بالبكاء.
“آه…..”
ارتبكت ميلودي وهي لا تعرف كيف تتصرف، فنظرت إليها آنا مشيرةً بيديها أن تضمها. فاقتربت ميلودي برفق واحتضنتها.
“كنت….مرعوبة….هيئ.….”
“لا تقلقي. كل شيءٍ سيكون بخير.”
لكن بكاء ليهلين لم يتوقف، بل تصاعد أكثر فأكثر كأنها أخيرًا تخرج كل ما خبأته من رعب ووحدة.
لم تستطع ميلودي حتى أن تتخيل حجم العذاب الذي تحملته تلك الفتاة وهي تعرف سر المعبد وتبقى صامتةً وحيدة.
و بعد وقت، رفعت ليهلين رأسها خجلة، وقد احمرّت جفوناها. فابتسمت لها ميلودي ابتسامةً حانية.
“ألا تشعرين بالجوع؟”
“…..قليلًا.”
عندها صفّقت آنا بيديها وقالت.
“إذًا فلنذهب ونأكل شيئًا لذيذًا.”
***
“ما الأمر؟”
كان صوت ديونيس مفعمًا بالضيق، غير أن أهفين لم يصغِ إليه.
أي كلماتٍ عليه أن ينتقيها الآن؟ كيف تجرأ وجاء هكذا بلا سابق إنذار؟
بل تسلل ندمٌ حاد إلى رأسه.
“لا أعلم من أين أبدأ حديثي.”
سمع ديونيس من ديرين أن المعبد قد زاره بالفعل. إذًا فكل ما يعرفونه حتى الآن، لا يتجاوز أن ليهلين هي من قتلت نائب الكاهن.
“حقيقة القديس لا يجب أن يعلم بها أحد.”
بعد أن هدأت الفوضى، جمع بينديكت المعنيين بالأمر وأوصاهم بذلك.
“ولماذا يجب أن يكون الأمر سرًا؟”
“لأنه لا يرغب في أن يعرف أحدٌ بوجوده…..ليس قبل أن يحين ذلك اليوم.”
“وأي يومٍ هذا؟”
“اليوم الذي يعود فيه مجد المعبد من جديد.”
وبعد عدة أسئلة وأجوبة، طأطأ أهفين رأسه كالعادة، وكأنه يعلن إيمانه.
لكن حين صدر الأمر بأن يُحضر ميلودي إلى القديس، لم يستطع الامتثال.
“أحضرها إليّ.”
لم يقدر حتى على الإيماء بالموافقة، ولم يعرف سبب عجزه عن ذلك.
“إنها إحدى الأدوات التي صنعها صانعو الأدوات السحرية. لا أعلم تحديدًا من صنعها، ربما مرّت على أكثر من يد.”
وبينما هو يتحدث، لم يدرك أنه يتذرع بحجج واهية.
“إذاً عليّ أن أراهم جميعاً.”
حين سمع ذلك، خفض رأسه سريعًا ليخفي صرامة ملامحه. وكانت تلك آخر مرةٍ قابل فيها القديس.
والآن…..
مع أن التمرد على إرادة المعبد ليس من طبعه قط، إلا أن رؤية ميلودي هنا جعلته يظن أن ما قرره ربما لم يكن خطأ.
“إن كان يصعب عليكَ البدء، فسأساعدكَ. هل يتعلق الأمر بالقديس؟”
“!”
رفع أهفين رأسه بدهشة من سؤال ديونيس المفاجئ.
“إذًا الأمر كذلك.”
“كيف علمتَ؟”
“أجبني أولًا.”
قرأ أهفين اليقين في وجه ديونيس وأدرك…..هل استمع بالفعل إلى التسجيلات في الأداة السحرية؟
فمسح وجهه بكفه وأجاب بصوتٍ متثاقل.
“القديس يبحث عن صانعة الأداة السحرية.”
“السبب؟”
“يبدو أنه يعتقد أن من صنع آلة التسجيل هو طفل القدّيس.”
تجهم وجه ديونيس فجأة، وعيناه تحملان نفورًا وهو يحدق في أهفين بحدة.
“طفل القدّيس الذي قيل أنه سيتسبب في موت الكاهن الأكبر؟”
“لقد سمعت ذلك إذاً.”
لم يعرف أهفين كيف وصلت التسجيلات إلى يديه، لكنه رأى أن الأمر ربما كان خيرًا.
“الكاهن الأكبر مات، والنبوءة تحققت بالفعل، فما نفع البحث عن الطفل بعد ذلك؟”
عودة القوة المقدسة، عودة القديس…..كل ذلك لا يزال مجرد أمنياتٍ لم تثبت صحتها بعد. فقرر أهفين أن يصمت عن هذا الجزء.
“…..أنا نفسي لا أعرف أكثر من ذلك.”
ثم تذكر حواره مع القديس وهز رأسه ببطء.
“ما أعلمه فقط هو أنه بحاجةٍ إلى صانعة الأداة، وأنه يؤمن بأن طفل القديس سيحقق أمنيته.”
“أمنيته؟”
“قال…..أنه سيصنع جسدًا للقوة المقدسة.”
حتى هو لم يفهم معناه. فالكهنة دومًا يفضلون التعبير الرمزي الغامض.
ثم حل صمتٌ ثقيل لا يقطعه سوى طقطقة أصابعه على سطح الطاولة.
“مجيئكَ إلى هنا وأنتَ بهذا الحال لم يكن لمجرد أخذ ميلودي، صحيح؟”
ارتدّ بصر أهفين إلى ديونيس عند سماع صوته، بعد أن كان شارداً. فشعر وكأن أسراره قد كُشفت، وزفر تنهيدةً حارة.
ثم عض على أسنانه وتابع ما لم يستطع قوله من قبل.
“…..قلت له أن أحد صانعي الأدوات هو المسؤول. لذا، طلب أن يراهم جميعًا.”
فخرج من بين شفتي ديونيس ضحكةٌ ساخرة قصيرة.
“كم هو أمرٌ يثير اشمئزازي.”
ثم أضاف بنبرةٍ باردة.
“امنحني يومين فقط. بعد ذلك سأتصرف بنفسي.”
“لكن…..كيف؟”
“إذا اختفى طفل القديسة، سينتهي كل شيء، أليس كذلك؟”
_______________________
بيطق مع ميلودي؟✨✨✨✨✨ تكفىىىىى عشان تبعدون عن ليهلين
أهفين زين كذب بس خلاص يكفي انتهى دورك قم انقلع
ليهلين ياعمري يوم بكت😭 بس ليه رايحه تنحش ورا ديونيس عسا ماشر من متى المعرفه؟
Dana
التعليقات