***
“إنها كذبة.”
تركت ميلودي خلفها ديرين الذي لم يستطع حتى النهاية أن يلتقي بعينيها وهو يحييها، وقالت ذلك بحزم.
فوافقها ديونيس.
“هذا ما يبدو.”
و ما إن خرجوا من المبنى حتى وجدوا روهان بانتظارهم. وبسبب تقييد الدخول، لم يكن في الطريق المؤدي إلى القاعة أي أثر لأحد.
خفض روهان صوته وسأل،
“يقولون أن مقابلات الكهنة ستكون محدودةً لفترة. هل تحققتم من الأداة السحرية؟”
“لقد عثروا على الجاني.”
“إذاً انتهى الأمر.”
“كلا.”
هزّت ميلودي رأسها.
“أشعر أن هناك شيئاً ما يزال مخفياً.”
بدت الوفاة كحادث بسيط، لكن موت الكاهن الأكبر كان ينطوي على ما يثير الريبة.
كما أن توتر ديرين كان مشبوهاً للغاية.
ساد صمتٌ قصير. وبينما ينتظرون العربة تجرأت ميلودي على الكلام.
“من تراه يكون؟ أليس الإمبراطور وحده أعلى مقاماً من الكاهن الأكبر؟”
“و في الماضي كان هناك قديسون.”
ققطّب ديونيس جبينه عند سماع كلمات روهان.
“لكن القديسين عاشوا قبل أكثر من مئة عام. لعله يقصد أحد النبلاء.”
“سأتحقق إن كان أحد النبلاء قد قصد قاعة المعبد الليلة الماضية.”
وصلت العربة بعد قليل، لكن ميلودي بقيت واقفةً في مكانها ولم تستطع التقدم بسهولة.
“هل ستنال ليهيلين عقابها؟”
“لن يرغبوا في إعلان أن الكاهن الأكبر مات داخل المعبد، لذلك سيتكتمون على الأمر. و لو كنتُ مكانهم لجعلتها تقضي بقية حياتها في الدير.”
“لقد كان…..حادثاً.”
“لكنها لم تكن وفاةً واحدة فقط. حتى وإن لم تعلم، فلا بد أن تنال جزاءها.”
“ما رأيكَ أن نلتقي بالسيد أهفين؟”
بمجرد أن أنهت كلامها، صوّب ديونيس نظره نحوها بسرعة.
“ينبغي أن نلتقيه، لكني لا أظنه سيكون ذا نفع.”
تابع ديونيس بوجهٍ عابس،
“مهما كان ما يخفونه فلن يختلف هو عن السيد ديرين. أليس فارسا مخلصاً للهيكل؟”
كانت تعرف أن أهفين رجلٌ عادل، لكن كما قال ديونيس، قد يفضل معالجة الأمر في الخفاء داخل المعبد دون أن يخبرهم بشيء.
“لنعد إلى القصر أولاً.”
أخرجت ميلودي بعد أن صعدت إلى العربة نواة سحرية من جيبها وقد نُقشت عليها معادلاتٌ سحرية معقدة.
ثم أخذت من الصندوق تحت المقعد مطرقتها وإزميلها.
“ما الذي تفعلينه؟”
سألها ديونيس وهو يراها تستند إلى الكرسي كأنها تنحني فوقه.
“إنها النواة التي استُخدمت في أداة التسجيل السحرية. لقد استعرتها وأعادوها إليّ.”
قبل قليل تلاعبت بالأداة وسرقت إحداها خلسة. وعلى كلامها الجريء ابتسم ديونيس ساخراً.
“من حسن الحظ أن الشيء عاد إلى مالكه. لكن سماع نفس المحتوى مراراً لن يجدي نفعاً.”
“كان في المعادلة السحرية جزءٌ معدل.”
أشارت ميلودي إلى الرموز المنقوشة على النواة. فاتجه بصر ديونيس إليها.
“أجل، بالكاد يُرى أن حروفاً طُمست.”
“من فعل ذلك ذو مهارةٍ عالية. فالعبث بسحر شخص آخر ليس بالأمر الهيّن.”
قالت ميلودي ذلك بإعجاب وهي تواصل حديثها.
“التعديل يعني التوقف. إذا أعدناه إلى صورته الأصلية فربما سنكشف شيئاً.”
“لكن ألم تقولي أن هذا ليس بوسع أيٍ كان؟”
“وأنا لستُ أياً كان.”
ابتسمت بخفة ورفعت كتفيها، ثم بدأت تنقش مجدداً وهي تضرب بالمطرقة. و كان العمل أكثر تعقيداً لأن النواة سبق أن عُدلت مرة.
ثم طرق ديونيس جدار العربة بصمت، ومع تباطؤها وتوقفها في مكانٍ ما، غاصت هي في عملها من جديد.
أنهت عملها قبل أن تغرب الشمس. و كان إنجازها أسرع مما توقعت حتى أنها رفعت رأسها بدهشة.
“انتهيت!”
و بينما كانت ميلودي منشغلة بعملها، اقترب منها ديونيس الذي كان ينتظر خارج العربة لمساعدتها على التركيز. وكان روهان برفقته.
“هل اكتشفتِ شيئاً؟”
“علينا أن نتحقق الآن.”
ما إن أعادت تشغيل الأداة السحرية حتى عاد صوت ليهيلين يُسمع من جديد.
حتى تلك اللحظة كان الأمر مشابهاً لما قبل. لكن فجأة، جاء صوت ارتطام مكتوم، تلاه تنفس متقطع وخشن لم يتوقف.
• “لم تمت..…؟ آه، ما زالت حية.”
كان ذاك صوت الكاهن الأكبر، بدا كأنه يتنفس الصعداء.
“كانت ليهيلين، هي التي سقطت.”
حدّقت ميلودي بدهشة نحو ديونيس، فزم هو جبينه متحيراً.
“إذاً هناك من قتل الكاهن الأكبر غيرها.”
“ثم ألصق الجريمة بليهيلين.”
أصغت ميلودي من جديد إلى الأداة. بينما ترددت كلمات الكاهن الأكبر وهو يلهث متذمرًا.
• “طالما تشككين في إرادة المعبد… فلا مفر. سأجعلكِ تصمتين إلى الأبد.”
تلا ذلك صوت شيء يُجرّ على الأرض، مع أنفاس متقطعة.
• “سيادتكَ..…! الكاهنة..…!”
وفجأة قاطع الصوتَ صوتُ كاهنٍ آخر على ما يبدو.
• “إنها فاسدة. من الأفضل أن تُطهَّر بالماء المقدس.”
• “آه…..”
جاء رد الكاهن الأكبر متألماً، بينما اختلطت الأصوات بضجيجٍ متشوش.
“هل أطعموا ليهيلين ذلك الماء المقدس؟!”
صاحت ميلودي في ذهول، فزفر ديونيس طويلاً.
“لا أستطيع الجزم…..لكن على الأرجح.”
ثم جاء صوت خطواتٍ متسارعة على أرضية من الرخام.
• “لإثبات براءتي يجب أن يُكشف أن تعويذة الكاهن المزعوم كذب. بأسرع وقت ممكن.”
• “لكنهم يصدقون التعويذة إيماناً راسخاً، أليس كذلك؟”
• “إذاً لا سبيل إلا بإظهار قداسةٍ أعظم. ولأجل ذلك…..لابد من حضور ذاك الشخص…..”
ثم توقف صوت الكاهن الأكبر فجأة.
• “ماذا..…؟”
و تمتم بصوت مرتجف وقد اعترته الرهبة.
• “آه…..لقد أرسل لي الكاهن هدية. فجئت لأقدم له شكري.”
كان الصوت الشخص الجديد منخفضاً رقيقاً، لكن في نبرته شيءٌ مخيف. بشهق الكاهن الأكبر فزعاً.
• “ذاك، ذاك الماء المقدس…..كان خطأً…..”
• “خطأً؟ كما أخطأت حين طردتَ صانعي الأداة السحرية؟”
ارتعش صوت الكاهن الأكبر بوضوح.
لم يُعرف مَن ذاك الرجل، لكن الخوف كان جلياً في نبرته.
• “كنت…..كنت سأعيدهم! ما إن ينتهي الأمر، سأزجهم جميعاً في السجن!”
• “لكنكَ فشلتَ بالفعل. ويبدو أن التعويذة لم تخطئ حين وصفتكَ بالخاطئ الذي أخّر النعيم بكذبتكَ.”
• “تلك لم تكن تعويذة…..بل هراء قاله عديم القداسة.”
• “صحيح. فالتعاويد انقرضت منذ زمن بعيد…..بيدكَ أنت.”
التقت نظرات ميلودي بديونيس، وقد بدا الذهول بادياً على وجهه كذلك.
• “قالت التعويذ أنكَ ستموت، أليس كذلك؟”
• “كان هراءً قاله حين بدأت قداسة الكاهن بالظهور، لكن ذلك لن يحدث أبداً—”
• “نعم. لا يمكن. أو ربما هو ممكن؟”
• “ماذا؟ كَهْفُ..…!”
تردد صوت اختناق مرعب، وكأن نفس الكاهن الأكبر يُنتزع. و تنهداته المتهالكة تعاقبت كحيوان يُذبح، بينما تلاها صوتْ ثابت بارد، كأن شيئاً لم يحدث.
• “سيكون من العجيب…..أن تخطئ التعويذة.”
ثم دوى صوت ارتطام ثقيل لشيء ضخم سقط بلا حراك.
• “أيها القديس….لماذا..…؟”
ثم تقطع النفس شيئاً فشيئاً حتى انقطع تماماً.
“قديس..…؟”
مدت ميلودي يدها لتمسك بالنواة السحرية، لكن صوتٌ حاد نفذ إلى أذنها فجأة.
• “لديكَ شيءٌ مثيرٌ للاهتمام.”
كان أقرب إلى همسٍ قريب جداً.
• “آه…..القديس…..”
ثم خيم الصمت.
“انتهى؟”
“…..نعم.”
مررت ميلودي يدها على ذراعها وقد أصابتها قشعريرة.
لقد قتل إنساناً للتو…..ومع ذلك ظل صوته بارداً هادئاً وكأن شيئاً لم يكن. من يكون هذا بحق؟
“يبدو أنه هو من يخفيه المعبد.”
“لكن ألم تقولا أن القديس قد اختفى منذ زمن بعيد؟”
“صحيح. فحسب السجلات، آخر قديس ظهر قبل مئة عام.”
فمن يكون هذا الرجل الذي دعاه الكاهن الأكبر بالقديس؟
حدقت ميلودي برفيقيها وعينيها تملؤهما الريبة.
“وماذا عن تلك القديسة؟”
“يُقال أنه قبل أن يتولى الكاهن الحالي منصبه، وُجد أثرٌ حقيقي لطفلٍ ذو قداسة.”
قال روهان ذلك و كأنه تذكر فجأة.
“قبل عشرين سنة. ولعل المقصود ذاك الكاهن الذي عُزل بعد أن أطلق توقعاً.”
“أكان هناك شخصٌ كهذا؟”
“نعم. فقد توقّع موت الإمبراطورة بعد ولادتها لسموه.”
تنهد ديونيس وهو يمرر يده في شعره.
“موت أمي، تقصد.”
“وما كان ذلك التوقّع المشينة؟”
“لا أعلم على وجه الدقة، لكن يُقال إن مضمونها لا يُقال.”
فتبدلت ملامح ميلودي باضطراب عند سماع ذلك. و راودها خاطرٌ مقلق في تلك اللحظة.
________________________
يعني ديونيس قدّيس؟ احس ماتضبط يمكن ميلودي هي القديسه 😘
بعدين لحظه يعني ديونيس تو عمره 20 😭 ياعمرييييييييييييييي
Dana
التعليقات