الفصل 12
مرّت سنتان.
كنتُ أدير متجرَ أعشابٍ في العاصمة مع آين.
اخترتُ عدم فتح عيادة طبيّة خوفًا من مقابلة الدوق الأكبر أو التورّط معه.
لحسن الحظ، كان متجر الأعشاب ناجحًا، واكتسب شهرة في العاصمة، وأحبّت العيادات متجرنا “توكي للأعشاب”، فأصبح لدينا العديد من الزبائن الدائمين.
كنتُ أعيش في شارع 13، بعيدًا جدًا عن شارع 1 القريب من القصر الإمبراطوري حيث يقيم الدوق، فلم يكن هناك احتمال للقائهِ.
لكن الغريب أنّ الدوق لم يكن يطارد القدّيسة كما توقّعتُ.
“غريب، سمعتُ أنّ الدوق يحبّ القدّيسة لدرجة أنّه يتطوّع لحراستها أينما ذهبت.”
على عكس القصّة الأصليّة التي أعرفها، لم يكن الدوق بيريارت يلاحق القدّيسة يوربيلا بهذا الشكل.
رأيتُ يوربيلا إنتري، القدّيسة، في موكب بالشارع مرّة. كانت امرأةً جميلة بشعر فضيّ وعيون زرقاء كسماءٍ صافيةٍ.
اسمها يوربيلا، اسم راقٍ يليق بقدّيسةٍ.
لو كانت أقلّ جمالًا، لما وقع شريرنا في حبّها ولما رفع سيفه ضدّ أخيه.
“لمَ أنتِ بهذا الجمال؟”
لمتُ القدّيسة ذات الابتسامة الرقيقة في سرّي.
خلال السنتين، وأنا أعيش في العاصمة، كنتُ أتابع أخبار الدوق سرًا.
عاد إلى العاصمة بعد سنة من وصولي، وقدّم تحيّة للإمبراطور، ويبدو أنّه استأنف عمله بشكل طبيعيّ.
كان الدوق مجتهدًا ومحترمًا من الشعب.
“ما هذا؟”
هل اختفى جانبه الثائر على الإمبراطوريّة بسبب عيشه معي؟
هل شفيته الحياة الطبيعيّة؟ أم أنّ عدم كوني طبيبته غيّر القصّة؟
إذا كان الأمر كذلك، فهذا جيّد.
“لكن من الذي هاجمه بتلك الطريقة في البداية؟”
تذكّر الدوق بيريارت وهو يكاد يموت في حقل بيريتا جعل قلبي يرتجف.
من يجرؤ على مهاجمة أخ الإمبراطور بهذا الشكل؟
كلّما فكّرتُ، زاد عجزي عن الفهمِ ، لكنّني هززتُ رأسي، معتبرةً أنّه لم يعد يعنيني.
بينما كنتُ أفكّر، اقترب آين، الذي كبر قليلًا خلال السنتين.
“آيليت.”
“آه، آين.”
“ما الذي تفكّرين فيه؟”
“لا شيء.”
ابتسمتُ وداعبتُ شعر آين، لكنّه عبس.
“أنا لستُ ثعلبًا الآن، ستفسدين شعري، توقّفي.”
“آه، ثعلبنا وصل إلى سنّ المراهقة.”
هزّ آين رأسه وأعطاني أوراق طلبيّة.
“قالوا في عيادة هاولر إنّهم يريدون الأعشاب كالمعتاد.”
“حسنًا، سأذهب بنفسي.”
نهضتُ، فبدت على آين نظرةٌ آسفة.
“يمكنني الذهاب.”
“مظهركَ لافت جدًا، تذكّر المشكلة التي حدثت آخر مرّة.”
“آه، هذا لا بأس به.”
“لا بأس، ليس لديّ شيء أفعله الآن.”
ضحكتُ لآين وذهبتُ إلى غرفة الأعشاب.
بسبب وسامة آين المتزايدة، تشكّل له نادي معجبين في المنطقة، ممّا يسبّب له الإحراج أثناء التوصيل.
أفكّر جديًا في جعله ممثلًا بدلاً من رجل التوصيل. وجههُ يستحقّ ذلك.
أثناء تفكيري، راجعتُ قائمة الأعشاب المطلوبة من عيادة هاولر، وأخرجتُها بعناية من الأدراج.
على الرغم من أنّ آين يساعد في التوصيل، إلّا أنّني أتولّى اختيار الأعشاب بنفسي بسبب تعقيدها وتكلفتها.
وضعتُ الأعشاب المطلوبة في سلّة، ولفّفتها بعناية، وربطتُ شعري، واستعدّتُ للخروج.
كنتُ لا أزال أصبغ شعري خوفًا من أن يجدني سييت، فكان نصفهُ بنيًا داكنًا.
نظرتُ إلى أطراف شعري المصبوغة، وضحكتُ.
‘سأتوقّف عن الصبغ الآن. لمَ سيبحث دوق شرير استعاد ذاكرته عن فتاة جبليّة عاديّة؟ لقد بالغتُ.’
ربّما وجد طبيبًا جيّدًا بالفعل. قرّرتُ أن هذه ستكون آخر مرّة أصبغ فيها شعري، وغادرتُ المنزل.
“مرحبًا، يا آيليت.”
“مرحبًا، سيدتي.”
وصلتُ إلى عيادة هاولر القريبة، وسلّمتُ الأعشاب للسيّدة المالكة، وأخذتُ الدفع.
“يا إلهي…”
فجأة، خرج الطبيب هاولر من غرفة العلاج، يمسح عرقه بمنديل.
“ما العمل؟”
فوجئتُ برؤيته، وهو طبيب ماهر، في هذه الحالة، وسألتُ:
“ما الخطب؟”
“الجرح كبير جدًا…”
شرح لي الطبيب هاولر الوضع.
تشاجر رجل مع شخص ما في الشارع وطُعن بالسيف، وكانت هذه العيادة الأقرب، لكن الجرح عميق جدًا، ولا تستطيع مهارتهُ خياطته.
“يجب خياطة الأعصاب والأوعية الدمويّة، لكن بصري ضعيف هذه الأيّام…”
كان هاولر في الستينيات من عمره، فمن الطبيعيّ أن يضعف بصره.
“…اسمع.”
لم أرد التدخّل، لكنّني شعرتُ بالأسف على مستقبل فارس شاب، فقلتُ للطبيب:
“هل يمكنني خياطة الجرح؟ كنتُ أدير عيادة في القرية قبل متجر الأعشاب.”
“أنتِ، يا آيليت؟”
“نعم.”
“هل يمكنني الوثوق بكِ؟”
نظر إليّ هاولر متردّدًا.
من الطبيعيّ أن يصعب تصديقه.
لكن يجب التفكير في المريض أوّلًا.
“يمكنكَ مراقبتي، وإذا لم يعجبكَ، اطردني.”
“حسنًا، هذا يناسبني.”
أومأ هاولر، فلم يكن لديه حلّ آخر.
دخلتُ غرفة العلاج، ورأيتُ رجلًا نحيفًا مستلقيًا على السرير.
‘يا إلهي.’
كان لديه جرح في كتفه يبدو كطعنة سيف. ذكّرني ذلك بسييت، أو بالأحرى الدوق بيريارت، فشعرتُ بألمٍ في قلبي.
سييت، الذي كان كعائلة.
لكن ذكريات خيانتهِ لثقتي إجتاحتني.
‘ما زلتِ هكذا؟ استعدي وعيكِ، يا آيليت.’
هززتُ رأسي، وأخرجتُ أرفع إبرة خياطة، وبدأتُ بخياطة الأعصاب والأوعية الدمويّة ببطء.
كانت أوّل عمليّة منذ فترة، لكنّني تدرّبتُ باستمرار، فجرت العمليّة بسلاسة.
“هل يمكنكَ قصّ هذا الجزء الأخير بالمقصّ؟”
“حسنًا.”
“انتهى، الآن فقط التطهير.”
“رائع، يا آيليت.”
كان الطبيب هاولر يبالغ في تعليقاته، ممّا شتّت انتباهي.
“هل يمكنكَ التزام الصمت؟”
“آيليت جميلةٌ، لكن شخصيّتها مخيفةٌ.”
“وأنتَ لطيفٌ، لكن وجهكَ مخيفٌ.”
ضحكتُ وسخرتُ من هاولر، فتجهّم عندما تحدّثتِ عن وجهه.
“…”
تغيّر تعبير المريض بشكل غريب.
لمَ هذا التعبير؟ هل كان حواري مع هاولر أبويًا بعض الشيء؟
افترضتُ أنّ المريض انزعج من الضوضاء واعتذرتُ:
“آسفة، سننتهي من التطهير قريبًا.”
“لا بأس، أرجوكِ، أكملي.”
أجاب بأدب، فخمّنتُ أنّه جنديّ أو فارس.
ما الذي حدث ليصاب هكذا؟
فحصتُ جرح كتفه بعناية، وأخبرته بالعودة إلى عيادة هاولر بعد يومين، ثمّ أخرجتهُ.
لم أتخيّل أنّ ذلك سيكون خطأي.
* * *
القدّيسة يوربيلا نظرت بحزن إلى الدوق الأكبر سيرفيل بيريارت وهو راكع أمام الإمبراطور إدوين.
كان يتظاهر بالولاء لأخيه، رغم تعرّضه لهجوم من فرقة اغتيال الإمبراطور قبل قليل.
سمعت يوربيلا أنّ سيرفيل بخير، لكن بعض رجاله أصيبوا بجروح بالغة.
‘لماذا، لمَ يفعل إدوين هذا؟’
عندما استيقظت كقدّيسة في طفولتها، نشأت يوربيلا مع إدوين وسيرفيل كأصدقاء طفولة.
لكن مع التقدّم في العمر، شعر إدوين بالنقص تجاه سيرفيل، الذي كان متفوّقًا في كلّ شيء، وبدأ يكرهه.
وعلى الرغم من خطبته ليوربيلا، ظلّ يشكّ فيها، متّهمًا إيّاها بحبّ سيرفيل.
كان ذلك صحيحًا إلى حدّ ما، فقد أحبّت يوربيلا سيرفيل.
لكن من أجل الإمبراطوريّة، كانت مستعدّة للتخلّي عن مشاعرها تجاه سيرفيل وأن تصبح إمبراطورة بهدوءٍ.
لكن محاولات إدوين المستمرّة لاغتيال سيرفيل جعلتها تشعر بالضيق.
“سيرفيل، تبدو شاحبًا. هل هناك مشكلة؟”
سألهُ إدوين.
“لا، جلالتكَ.”
ردّ سيرفيل بهدوء على الإمبراطور، الذي سأله بوقاحة بعد محاولة اغتيالٍ بسببهِ.
التعليقات لهذا الفصل " 12"