وفي تلك اللحظة.
نظرت كلوديل مباشرةً في عيني كبير الخدم وقالت.
“إذا كنتَ ترى أنني أسرف أو أتصرّف بشكلٍ غير عقلاني، فلا تتردّد في إخباري.”
ثم أضافت بصوتٍ هادئ.
“لا داعي بشأن مشاعري. أنا لا أرغب في إهدار الميزانية الثمينة.”
“حسنًا، سيدتي.”
أجاب كبير الخدم بابتسامةٍ راضية.
لا أحد يُحب أن يُملى عليه ما يفعله في عمله.
وكان هذا الميل أكثر وضوحًا لدى ذوي المناصب.
لكن كلوديل كانت مُستعدةً لقبول النصيحة بترحاب.
“إذن لننهي ترتيبات قاعة الولائم عند هذا الحد. أودّ أن أولى اهتمامًا أكثر إلى غرف الضيوف…”
تبادل الاثنان أطراف الحديث.
وطوال الوقت، ظلّ تعبير كبير الخدم مشرقًا وهو يستمع إلى كلوديل.
* * *
في وقتٍ متأخّرٍ من تلك الليلة.
استدعى راينهاردت كبير الخدم سرًا.
“هل كانت هناك أيّ مشاكل تزعج كلوديل؟ أو أيّ شيءٍ تحتاجه؟”
سأل راينهاردت بقلق.
هز كبير الخدم رأسه برفق.
“لا شيء على الإطلاق.”
كيف يُعقَل ذلك؟
عبس راينهاردت قليلًا وحذّر مجددًا.
“حقًا لا شيء؟ ففي النهاية، لم يمضِ على زواجنا سوى وقتٍ قصير، لذا قد يصعب عليها قول شيءٍ يزعجها أو التذمّر.”
“من وجهة نظري، لم يكن هناك أيّ شيءٍ مزعج.”
ارتسمت ابتسامةٌ مشرقة، بالكاد يُخفيها، على وجه كبير الخدم وهو يُجيب.
“هل حدث شيءٌ جيد؟”
“آه، هذا..”
أجاب رئيس الخدم بحذر.
“قد يكون من الوقاحة أن أقول ذلك، لكن السيدة تبدو كما لو كانت تدير شؤون العائلة منذ سنوات.”
“حقًا؟”
تغيّر تعبير وجه راينهاردت إلى الدهشة.
“نعم، إجمالاً، إنها بارعةٌ جدًا في إدارة الأمور.”
في الواقع، كان راينهاردت على علمٍ بذلك أيضًا.
لم يكن خدم الدوق يثقون بكلوديل.
ومع ذلك، كان السبب إصراره على منحها الإذن الكامل، قائلًا إنه لا بأس لكلوديل باستخدام الميزانية كيفما تشاء.
خوفه من أن تشعر كلوديل، الوافدة حديثًا إلى فالديمار، بعدم الارتياح.
“سأراقب الأمور عن كثب، لكن في الوقت الحالي، أعتقد أنه يمكنكَ الوثوق بالسيدة.”
اختتم كبير الخدم حديثه بصوتٍ حازم.
علاوةً على ذلك، إذا كان ذلك كبير الخدم الدقيق مستعدًا للذهاب إلى هذا الحد، فهذا يعني أنه راضٍ حقًا عن تعامل كلوديل مع الموقف.
“حسنًا، سأعتمد عليك.”
أومأ راينهاردت راضيًا.
* * *
بعد أيام قليلة…
كانت كلوديل في المكتب تتفقّد أرقام الميزانية مرّةً أخرى.
‘يجب أن أُنهي القائمة الرئيسية اليوم مع رئيس الخدم. و…’
ثم …
دق دق.
دوى طرقٌ على الباب.
أجابت كلوديل بينما كانت عيناها مثبّتتان على الأوراق.
“ادخل.”
توك.
فُتِح الباب.
توقّعت أن يكون كبير الخدم، لكن المفاجأة كانت بينيلوبي.
لكن…
‘لماذا تبدو بهذا التعبير؟’
كانت تبدو مرتبكةً بشكلٍ غريب.
سلّمت بينيلوبي رسالةً لكلوديل باحترام.
“الكونتيسة مانفريد أرسلت رسالة.”
“الكونتيسة مانفريد؟”
أخذت كلوديل الرسالة وضيّقت عينيها.
لقد توقّعت أن يتم الاتصال بها قريبًا، لكن…
‘لم أتوقّع أن ترسل رسالةً بهذه السرعة.’
عندما مزّقت المغلف بسكين الورق، انبعثت رائحة عطرٍ قوية.
كشفت الرسالة، المُرشوشة ببذخٍ بعطرٍ فاخر، عن طبيعتها المُتباهية.
مع ذلك، لم تُعجَب كلوديل بالرائحة النفاذة نفسها.
‘آه، رأسي يؤلمني.’
لطالما كانت حسّاسةً جدًا للروائح، لذا نادرًا ما كانت تضع العطر.
[إلى دوقة فالديمار،
تحيّاتي الأولى.
بفرحٍ شديد، أمسك بالقلم لأهنّئكِ على قدومكِ كدوقةٍ جديدةٍ لفالديمار.
سمعتُ أنكِ مررتِ بوقتٍ عصيبٍ مؤخرًا. هل تشعرين بتحسن؟
أردتُ فقط أن أسألكِ إذا كان بإمكاني زيارتكِ قريبًا، إذا سمحتِ، دوقة.
أعتقد أنكِ ما زلتِ غير مُلِمّةٍ بالشمال، لذا أودُّ أن أُقدّم لكِ بعض النصائح.
مانفريد عائلةٌ عريقةٌ في الشمال، لذا أنا متأكدةٌ من أننا سنكون ذا عونٍ لكِ.]
همم.
ضيّقت كلوديل عينيها.
تلك الثقة المفرطة بأنها حتمًا بحاجةٍ للمساعدة، وبأن طلبها لن يُرفَض.
لكن…
‘لاقتلاع العشب السام، يجب الاقتراب منه أولًا.’
أصبحت نظرات كلوديل باردة.
“بينيلوبي.”
“نعم، سيدتي.”
“أرسلي ردًّا لأسرة مانفريد. اسألي إذا كان لديهم وقتٌ بعد ثلاثة أيام.”
“…..”
تردّدت بينيلوبي للحظة.
ألقَت كلوديل نظرةً سريعةً عليها.
“ما الخطب؟”
“لا شيء.”
… لكن تعبيرها لم يكن طبيعيًا أبدًا.
لتهدئة تردّد بينيلوبي، ابتسمت كلوديل عمدًا بحرارة.
“لا بأس، أخبريني.”
بعد إصرار كلوديل عدّة مرّات، فتحت بينيلوبي فمها بصعوبة.
“لم يتبقَّ الكثير حتى حفل القَسَم.”
“نعم، ما المشكلة؟”
“لكنني أخشى أن تُظهِر الكونتيسة اهتمامًا بالحفل…”
ثم أضافت بينيلوبي بسرعة.
“أعني، ليس لديها نوايا سيئةٌ بالطبع! لكنني قلقةٌ بعض الشيء.”
“……”
كانت كلوديل عاجزةً عن الكلام.
كانت بينيلوبي مجرّد خادمةٍ لا تعرف شيئًا عن صراعات النبلاء.
حتى أنها لم تطّلع على محتوى رسالة الكونتيسة.
لكنها مع ذلك كانت قلقةً إلى هذا الحد…
‘إلى أيّ درجةٍ كانت الكونتيسة تُظهِر طموحاتها علانيةً؟’
ألم تكن كلوديل، في حياتها الماضية، قد وثقت بمثل هذه الكونتيسة وعهدت إليها بجميع شؤون عائلة الدوق؟
اندهشت كلوديل من مدى حماقتها السابقة.
وبينما طال صمت كلوديل، بدأت بينيلوبي تتوتّر.
“آسفة، لقد تخطّيتُ حدودي أكثر من اللازم.”
“لا.”
هزّت كلوديل رأسها ونظرت مباشرةً إلى بينيلوبي.
“أريد أن أعتذر لكِ أولًا.”
“ماذا؟”
“أنا آسفة لأنني أقلقتكِ أنتِ وأُناس القصر دون قصد.”
ارتجفت عينا بينيلوبي بشدّة عند سماعها هذه الكلمات.
واصلت كلوديل بهدوء.
“ومع ذلك، يمكنني أن أؤكّد لكِ شيئًا واحدًا. لم أنسَ أبدًا أنني سيدة فالديمار.”
“…سيدتي.”
“أعدكِ. سأتصرّف دائمًا من أجل فالديمار.”
حتى لو كانت النهاية هي الفراق الأبدي من راينهاردت.
ابتسمت كلوديل بمرارة.
تحدّثت بينيلوبي على عجل
“لقد كنتُ متغطرسةً جدًا. اعتذاري.”
“لا. لقد تحدّثتِ عن شيءٍ صعبٍ من أجلي، أليس كذلك؟ هذا يجعلني سعيدةً جدًا.”
“سيدتي…!”
اغرورقت عينا بينيلوبي بالدموع.
لكن بعد ذلك ….
“كلوديل، هل أنتِ بالداخل؟”
فجأةً، نادى صوتٌ مَرِحٌ على كلوديل من خارج الباب.
كان الصوت راينهاردت.
“سعادة الدوق؟”
نهضت كلوديل فجأةً من مكانها، مندهشة.
“هل يمكنني الدخول؟”
“بالطبع.”
وبمجرد أن سمحت كلوديل، فُتح الباب على مصراعيه.
دخل راينهاردت إلى المكتب.
انحنت بينيلوب على عجل.
“أحييك، سعادتك.”
“نعم.”
أومأ راينهارد ردًا على التحية، ثم نظر إلى المكتب المليء بالأوراق.
توقفت عيناه البنفسجيتان على أصابع كلوديل الملطخة بالحبر.
ثم عبس قليلاً.
فَزِعةً، أسرعت كلوديل بإخفاء يديها.
“سمعتُ أنكِ مشغولةٌ جدًا هذه الأيام بالتحضيرات لحفل القَسَم.”
بدأ راينهاردت الحديث.
كان صوته لطيفًا، لكنه صارمٌ بشكلٍ غريب.
“ألا تبالغين في إرهاق نفسكِ؟”
“لا، لستُ مرهقةً على الإطلاق.”
هزّت كلوديل رأسها فورًا.
“أنا بخير. هذا ما يجب أن تفعله الدوقة.”
“سمعتُ أنكِ أحيانًا تفوّتين وجباتك.”
“هذا فقط عندما أكون مشغولة…”
“ألم تقولي للتوّ أنكِ لا ترهقين نفسكِ؟”
“…..”
عجزت كلوديل عن الرّد.
حركت شفتيها، ضائعةً في الكلام، حتى عبست أخيرًا وضغطت على فكها.
كادت بينيلوبي أن تنفجر ضحكًا.
‘السيدة تتصرّف هكذا فقط أمام الدوق.’
على الرغم من أنها لم تكن تخدمها منذ وقتٍ طويل، إلّا أنها لاحظت أن كلوديل كانت عادةً هادئة.
وتعبيرات وجهها لم تكن متنوّعةً كثيرًا، مما يعطي انطباعًا باردًا بعض الشيء.
لكن الأمر كان مختلفًا بجانب راينهاردت.
ففي تلك اللحظات، كانت كلوديل تشبه فتاةً وقعت في الحب لأوّل مرّة …
“لكن البقاء في الداخل طوال الوقت ليس جيدًا لصحّتكِ.”
ابتسم راينهاردت، كما لو كان يحاول تهدئة كلوديل المتجمدة.
“ما رأيكِ في نزهةٍ قصيرة؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 17"