كانت قاعة الاجتماعات الكبرى، الواقعة في الجناح الجانبي لقصر الدوق، صاخبة كالمعتاد هذا اليوم أيضًا.
ففي الأيام القليلة الماضية، كان هناك خلاف حاد بين الدوق ووزرائه بشأن منصب دوقة رينيز الجديدة.
جلس فلوَيد على المقعد المخصص لسيد العائلة وحده – ذلك المقعد الذي لا يُسمح إلا لرأس العائلة بالجلوس عليه – وأسند ذقنه إلى يده وأغمض عينيه للحظة، منهكًا من الإرهاق المتواصل الذي كان ينهال عليه.
لقد استغرق الأمر وقتًا طويلًا منذ أن حال دون ذهاب بعض الوزراء في اليوم الأول لإقناع إلينا مباشرة، وحتى بدأ هذا الاجتماع أخيرًا.
حتى أنه اضطر لتهديدهم صراحةً، قائلاً إنه إن تجرأ أحدهم على المساس بخطيبة الدوق المرتقبة أو الطفل الذي تحمله، فسوف يقتلهم جميعًا، قبل أن يتمكن من جرّهم إلى قاعة الاجتماعات.
لكن، هل يعني هذا أن نتيجة الاجتماع كانت جيدة؟
بالطبع لا.
> “هل تقول حقًا إنك ستجعل الآنسة، التي ليست سوى ابنة كونت وقضت ليلة واحدة فقط في القصر، دوقة رينيز، يا صاحب السمو؟”
> “لم أسمح لكم بالإساءة هكذا.”
> “أنت تعلم كم ضحّينا من أجل رينيز وصاحب السمو. لا يمكننا الموافقة على هذا.”
> “وإذا لم توافقوا، فماذا ستفعلون؟”
حاول فلوَيد أن يتفهم وزراءه لبعض الوقت. فالأمر حدث فجأة، وكان من الطبيعي أن يشعروا بالارتباك.
لكن، ألم يكن عليه أن يتحمل المسؤولية؟ بعيدًا عن رغبته في الزواج بمن يحب، هذه مسألة تتعلق بالمسؤولية، وهذا ما يقوله المنطق.
> “إذا أدخلت تلك المرأة كخليلة، فسنوافق. لكن دوقة؟ مستحيل.”
> “دعوني أقابل الآنسة! إذا استطعت إقناعها بالخروج من حياتك—”
> “أغلق فمك، كونت كول، وأنت أيضًا، كونت جينت.”
كان من المؤلم أن يتخيل أن الخادمات التافهات يتحدثن عن أشياء كهذه أمام إلينا.
لقد تجاوز الأمر حدود الغضب منذ وقت طويل. وإن كان هو نفسه غاضبًا بهذا الشكل، فكيف كانت حال إلينا؟
> “لماذا لا تُظهرون ولاءكم إلا في مثل هذه اللحظات؟ تبًا، لماذا ورثت عائلة كهذه؟”
> “يا صاحب السمو! كيف تُهين مؤسس العائلة بهذا الشكل؟!”
> “رجاءً، اسحب كلامك حالًا!”
كلما حاول التحدث بشكل جدي، ارتفعت أصوات الجميع أكثر.
جميع وزراء رينيز كانوا يكررون ذات الجملة:
> “لا يمكننا قبول إلينا كدوقة.”
لكي يتم الزواج رسميًا، كان من الضروري الحصول على موافقة الوزراء – أو بالأحرى دعمهم.
فالزواج من دون دعمهم ليس سوى زواج شكلي.
وكان هذا أمرًا طبيعيًا، إذ أن الوزراء هم من يديرون العائلة، لكن الوضع كان أكثر تعقيدًا في حالة عائلة دوق رينيز.
ففي إمبراطورية كوسيللي، لم يكن هناك لقب “دوق” منذ زمن بعيد، والوزراء الذين يعملون حاليًا من أجل رينيز، هم في الأصل خدم الأمير كيهيل، والد فلوَيد، وليس فلوَيد نفسه، ولهذا فإن تأثيرهم قوي جدًا.
وأبرزهم كان دوق سيلفستا.
> “أيها الدوق، هل يمكنك أن تجعل المرأة التي تحبها، وتحمل طفلك، خليلة فقط؟”
> “لو كنتُ أحبها حقًا، لما لمستها من الأساس. أليس من الطبيعي أن يتزوج أفراد العائلة الإمبراطورية زواجًا سياسيًا؟”
> “لو كنتَ تتصرف كالدوق، لما كنا في هذا الوضع الآن!”
> “صحيح. لم يعد بالإمكان التراجع الآن. نحن نعلم أنك لن تتخلى عن تلك المرأة والطفل، لكننا نطلب فقط أن لا تجعلها الدوقة.”
> “أنت تعلم جيدًا، أيها الدوق، كم بحثت عنها بشغف طوال هذا الوقت. ومع ذلك تطلب مني الزواج من ابنتك…”
> “الزواج من ابنتي سيكون الخيار الأفضل لعائلة رينيز، يا صاحب السمو.”
ندم فلوَيد على لقائه بإلينا في ذلك اليوم.
وليس لأنه التقى بها، بل لأنه التقاها وهو ليس في وعيه الكامل.
لقد سعد بلقائها، ووقع في حبها… والآن لم يعد متأكدًا من صدق مشاعره.
لكن الحقيقة أنه قضى الأسابيع الماضية يبحث عنها بجنون.
تمامًا كالأمير في الحكاية الذي بحث عن سندريلا بحذائها الزجاجي الذي تركته خلفها.
لقد بحث عنها حقًا بجدية.
لكن الواقع لم يكن مثل الحكايات.
فالأمير لم يكن يعرف سوى وجه سندريلا واسمها، لذا لم يتمكن من العثور عليها بسهولة، وفي النهاية اضطرت سندريلا للهرب تحت ظلم زوجة أبيها.
> “دعونا نكتفي لهذا اليوم.”
> “يا صاحب السمو، حتى لو أجلت القرار، فلن يتغير شيء. عليكم أن—”
> “قلتُ إنني سأتحمّل المسؤولية. انتظروا، سأتحمّلها كما يجب.”
خرج من الجناح الذي يقع فيه قاعة الاجتماعات.
كان فلوَيت نادمًا. وكان يشعر أن عليه أن يتحمل المسؤولية.
فهو لا يريد أن يكون شخصًا بلا مسؤولية كوالده.
ولا أن يتبع أسلوب الآخرين في اتخاذ الخليلات.
أسند رأسه إلى عمود من أعمدة الجناح، ومرّر يده بين خصلات شعره.
ماذا عليه أن يفعل الآن؟
الجميع يظن أن منصب الدوق يجعلك قويًا، لكنه في الحقيقة كان عبئًا أكبر.
كان يعلم أن كلما علا المنصب، زادت قيود الزواج.
لكنه لم يرد أن يجعل إلينا تعاني هكذا.
على الرغم من أنه يملك عددًا لا يحصى من الوزراء، وثروة هائلة، إلا أنه لم يستطع حتى العثور على إلينا عندما هربت، وهي تحمل طفله، من شدة الألم.
قال لها إنه سيكون بخير، وأنه لن تكون هناك أيام تعيسة بعد الآن، لكنه بدأ يشكّ إن كان قد كذب عليها بكلام لا يستطيع تنفيذه.
قد لا يمنعه أحد من الزواج بها رسميًا، لكن كونه دوقًا حديث العهد، ووجود والده السابق على قيد الحياة، جعل نفوذ الوزراء لا يزال قويًا، وهذا ما يقلقه.
وما زاد قلقه هو أنها أخبرته أن معدتها تنقلب كلما رأته.
وقف ينظر إلى الحديقة الواسعة الخالية لبعض الوقت، فشعر بشيء من الراحة.
أراد أن يذهب لرؤية إلينا، لكنه لم يستطع أن يجبر نفسه.
فهي قالت إنها تجد صعوبة في رؤيته، ولم يرد أن يزعجها، ولم يرد أن تُظهر مشاعره المتألمة بسبب الوزراء أمامها.
إن دخل إلى الجناح فسيجد قاعة الوزراء تعج بالاجتماعات، أما إن اجتاز هذه الحديقة، فسيصل إلى المبنى حيث تقيم إلينا.
وإن ذهب إلى مكتبه، فلن يسمع سوى صوت مساعديه المخلصين يرددون:
> “هل أنت بخير، يا صاحب السمو؟ لكنك قلت إنك ستتحمل المسؤولية…”
لقد سئم من كل ذلك، فبقي يدور بلا هدف في الحديقة القريبة من الجناح.
كان يشتاق لها بشدة، حتى رأى ظلًا مألوفًا للغاية.
> “إلينا…؟”
صحيح أنه لم يكن في وعيه الكامل هذه الأيام، لكنه كان أكثر صفاءً الآن.
كان متأكدًا أن إلينا تختبئ خلف تلك الشجرة الكبيرة.
بمجرد أن رآها، ركض نحوها.
لا يعلم كيف وصلت إلى الجناح، لكن شعر أن شيئًا سيئًا سيحدث إن لم يمسك بها الآن.
هل من الممكن أنها سمعت ما قيل في الجناح؟
لقد كانت الأصوات مرتفعة لدرجة يمكن سماعها من هنا أيضًا… حتى تلك العبارات السخيفة التي لا تغتفر.
عندما رأى وجه إلينا الشاحب، شعر أن حدسه لم يكن مخطئًا.
لم يعرف حقًا ما الذي يجب أن يقوله…
> “إلينا!”
ركضت إلينا إلى الاتجاه المعاكس محاولةً الهروب منه، لكنه أمسك بها بسهولة بعد لحظات.
لأول مرة نطق اسمها الحقيقي، وليس الاسم المستعار الذي أعطته له في ذلك اليوم.
إلينا فالوا.
> “لقد أردت رؤية سموّك… كنت أخشى أن تكون قد نسيتني. وأيضًا، بشأن ما قيل في السابق… كنت قلقة أن تكون قد انزعجت منه كثيرًا.”
> “ليس الأمر كذلك… لم أنزعج. فقط شعرتُ أنكِ تتألمين حين ترينني… لذا لم أذهب لرؤيتك. في الحقيقة، أنا أيضًا اشتقت إليك كثيرًا.”
> “إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يبدو وجه سموّك بهذا الشكل…؟”
بدا أن إلينا كانت ترغب في قول شيء آخر، لكنها سرعان ما أطبقت شفتيها من جديد.
نعم، ربما يكون كلام إلينا صحيحًا. ربما فعلاً انزعج.
ففي كل مرة كانت إلينا تتردد في تصرفاتها بهذا الشكل، كان يشعر بانقباض شديد في صدره.
> “يمكنكِ أن تلمسيني… لا تترددي.”
> “لكن كيف لي أن ألمس سموّك أنا…؟”
> “رجاءً، لا بأس… إلينا.”
وحين لامست يد إلينا – التي كانت معلقة في الهواء مترددة – خده أخيرًا، تجمّد وجهها فجأة، ثم أدارت جسدها محاولةً مغادرة الحديقة.
لم يكن يعلم بعد أن إلينا أصبحت تخاف من كل من في رينيز.
أمسك يدها الهاربة بإحكام، وأدار نظره نحو الجهة الأخرى.
> “صاحب السمو، ماذا تفعل هنا؟ إن كنت ستعود إلى مكتبك، فعود…”
لحسن الحظ، لم يكن الوزير الذي ظهر للتو ممن يكنّون مشاعر سيئة تجاه إلينا.
كان ذلك هو زيغيل، نائب دوق رينيز، الذي يبدو أنه نزل من المكتب الإداري الواقع في مبنى آخر بعدما لاحظ ما يجري في الجناح الجانبي.
وعلى عكس الوزراء الموجودين في الجناح، كان زيغيل من المخلصين تمامًا له.
وحين رأى إلينا – ويبدو أنه لم يكن يعلم بوجودها – انحنى لها بعمق ليحييها.
إلينا بدت متفاجئة قليلًا، ورمشت بعينيها قبل أن ترد تحيته.
في تلك اللحظة، وصلت أصوات الجدل المحتدم في الجناح حيث تجمع الوزراء إلى المكان الذي يقفون فيه.
كلمات من نوع:
> “مهما كانت الأسباب، تلك المرأة لا تصلح!”
رغِب فلوَيد بشدة أن يسدّ أذني إلينا كما فعل في لقائهما الأول، لكنه كان يعلم أنها قد سمعت الكلام بالفعل.
> “رجاءً… دعني أرحل فقط. أظن أن ذلك سيكون أفضل لي ولك يا صاحب السمو.”
تركت إلينا هذه العبارة المحمّلة بالمعاني وغادرت…
وكأنها كانت تتوقع تمامًا ما سيحدث بعد ذلك.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 17"