كانت الحياة المؤقتة في قصر الدوق مريحة. بل مريحة جدًا.
في هذا المكان، كانت إلينا تأكل ما تشتهي كل يوم. ولم تكن تتعرض لأي إهانة أو إساءة بأمر من السيدة لاشيتيه.
وكان بإمكانها أن تشرب عصير البرتقال المفضل لديها كما تشاء…
“سأنام الآن. اذهب، يا صاحب السمو.”
“…إيلا، أنا حقًا آسف. لقد أخطأت.”
كانت تعتذر لها كل يوم… فلويد، لا، بل الدوق رينيز بنفسه.
إلينا اختبأت مجددًا اليوم تحت الأغطية، متجنبة مواجهته. لم تكن تملك الشجاعة لتقبل اعتذاره بعد.
جسدها لم يتعافَ بعد، وكانت حالتها الذهنية لا تسمح باتخاذ قرارات واضحة. والأهم من ذلك… أنها كانت تكرهه.
تكرهه بشدة. لأنه أحبها، ولكنه في النهاية لم يكن سوى الدوق الوحيد في الإمبراطورية، شخص لا يناسبها أبدًا.
“هل حالتك سيئة جدًا؟ الطبيب قال إنك تحسّنت عن السابق…”
لامست يد فلويد الباردة خدها. شعرَت إلينا بالقشعريرة فورًا من لمسته، فأبعدت يده بسرعة ودفنت وجهها في الأغطية.
كانت على وشك البكاء. الرجل الذي كانت تشتاق إليه بشدة طوال هذا الوقت كان أمامها، لكنها كانت خائفة من الاقتراب منه.
“آ… آسف. هل أزعجتك؟ فقط… انظري إليّ قليلاً، إيلا؟”
وأخيرًا، سالت دموعها من عينيها دون توقف.
في الحقيقة، كانت تريد التمسك به، لكنها شعرت أنه لا ينبغي لها فعل ذلك.
عندما عرفت أن الجنين بخير وبدأ جسدها بالتعافي تدريجيًا، اجتاحتها قسوة الواقع شيئًا فشيئًا.
في ذلك اليوم… حين كانت مستلقية بلا تفكير في أحضان فلويد بعد سماعها خبر سلامة الجنين، لم تكن تدري أن ذلك كان أجمل لحظة في كل ما حدث.
كانت تعلم أن تصرفها الأخير كان أمرًا يستحق اللوم من الجميع.
ومع ذلك، ظنت أنها قادرة على تحمّل ما سيقوله الناس. فقد تحملت اضطهاد السيدة لاشيتيه طوال الوقت، وكانت قد قررت تحمّل مسؤولية الطفل في بطنها.
كانت تعتقد أن تحمّل المسؤولية عمّا حدث دون الهروب، سيجعل أحدًا على الأقل ينظر إليها بعين الرحمة.
لكن الواقع كان قاسيًا… قاسيًا إلى درجة الوحشية.
عندما استمعت إلى ما يقوله الناس، بدا الأمر وكأن كل هذا بسبب أن والد الطفل لم يكن أحدًا سوى دوق الإمبراطورية.
قالوا إنها تقرّبت عمدًا من الدوق بعد معرفتها بهويته لتحمل بطفله، وبعضهم قال إنه يجب التأكد ما إذا كان الدوق هو بالفعل والد الطفل أم لا.
كانوا يحذرون كلماتهم أمام إلينا، لكنها كانت تسمع كل شيء بوضوح.
“ماذا عن الآنسة سيلفستا؟ هل سيُترك الأمر هكذا بسبب تلك المرأة؟”
“هل ستصبح هذه المرأة عشيقة صاحب السمو؟”
كانت تظن أن أسوأ ذكرياتها هي ما تعرضت له من السيدة لاشيتيه، لكنها كانت مخطئة تمامًا.
في لحظة، أصبحت المرأة الوقحة التي قضت ليلة مع رجل مرتبط وأنجبت طفلًا لتقيّده.
لم تكن تعرف من أين تبدأ بتصحيح كل شيء. بل لم تكن متأكدة إن كان بالإمكان التصحيح من الأصل.
فبعض ما قيل… كان صحيحًا جزئيًا، لا يمكن إنكاره.
لم تكن تريد أن تُعرف بأنها المرأة التي دمرت عائلة نبيلة.
ولم تكن تريد أن تُصفَع وتُطرد من قبل خطيبة فلويد المدعومة من الخادمات اللواتي يناصرنها.
وفي نفس الوقت، لم تكن تريد أن تبقى عشيقة فلويد المتطفلة التي تعيش على رحمته.
ولم تكن تملك الجرأة لتقول: “سأتخلص من الطفل لأعيش حياتي براحة.”
هل يمكن أن تكون الحياة بهذا السوء؟
حتى السنوات التي قضتها تحت خداع السيدة لاشيتيه كانت مؤلمة، لكن ليلة واحدة خارجة عن المألوف قلبت حياتها بهذا الشكل؟
الدموع التي كانت تحمل يأسًا لا يمكن قياسه بدأت تنهال بلا توقف.
أنا المخطئة. لكنني لم أتوقع أن تكون النتيجة بهذه البشاعة.
“فلو… أنا، أنا خائفة جدًا…”
“لا بأس… أنا هنا.”
“أنا والطفل… قالوا إننا لا يجب أن نولد أصلًا، كيف… كيف يمكنني تحمّل ذلك… ههك…”
لم تكن إلينا تعرف أنها شخص ضعيف إلى هذا الحد. كانت تظن أنها ستلوم فلويد وتقول له “أنا لم أحبك من البداية.”
لكنها كانت تدرك أنها لا تملك الحق لقول مثل هذه الكلمات.
كانت تعلم أنها لا تملك شيئًا سوى أن تركع له وتتوسل إليه ألّا يتخلى عنها وعن الطفل.
فقد انتشرت الشائعات بالفعل، وإن خرجت وحدها لتلد وتربي الطفل، فلن تكون الأمور سهلة أبدًا.
“لا تقلقي. سأحل كل شيء.”
ماذا ستحل؟ وكيف؟
رغبت في الرد عليه لكنها كتمت ذلك، واكتفت بالاحتماء في حضنه.
لمست فلويد كانت تسبب لها القشعريرة، لكنها لم تستطع إنكار دفء حضنه.
مدت ذراعيها وضمّته بقوة.
توقف للحظة، ثم بدأ يربّت على ظهرها بلطف، ويمسح دموعها المنهمرة.
—
بعد عدة أيام
طلبت من فلويد والطبيبة الوحيدة اللطيفة في القصر، بيانكا، أن يغيروا الخادمات اللاتي ينظفن غرفة نومها.
فقد كانت الخادمات يثرثرن كثيرًا عن الشائعات التي تدور خارج الغرفة، ولم تعد تستطيع تحمّل ذلك.
في البداية، كانت فضولية بشأن ما يُقال عنها وعن فلويد في الإمبراطورية، لذا كانت تصغي.
ومع الأسف، كانت تهتم بتلك الشائعات.
ومن خلال ذلك، عرفت جيدًا من هو فلويد، وما الذي ارتكبته بالضبط.
في البداية، كانت تظن أن من واجبها أن تعرف، كجزء من العقاب.
“لو أن الطفل في بطنها مات لوحده، لانتهت المشكلة بسهولة.”
بعد بضعة أيام، انفجرت إلينا بالبكاء بعدما سمعت إحدى الخادمات تقول هذا الكلام.
مهما كان، لم تستطع تحمل الإهانات التي طالت الطفل في بطنها.
ربما كانت 90% من آلامها ناتجة عن تلك الكلمات التي قيلت للهو والتسلية.
لماذا أصغت لها منذ البداية؟ وهي كانت تعلم أن ما سيُقال لن يكون جميلًا…
الخادمات لم يُنقلن فقط من غرفتهن، بل طُردن تمامًا من قصر الدوق.
ربما كان فلويد من أعطى الأمر بنفسه.
“هل أُحضِر لكِ كوبًا آخر من عصير البرتقال؟”
“لا. لا حاجة.”
“إذًا، ماذا عن تارت البرتقال؟…”
كان فلويد يتصرف وكأنه مهووس بإطعامها.
ورغم أنها تناولت الطعام جيدًا من أجل الطفل خلال الأسبوع الماضي، إلا أن ملامحها صارت شاحبة بشكل واضح.
الخادمات اللاتي كنّ ينقلن أخبار العالم الخارجي اختفين فجأة، لكن الكلمات التي سمعتهن يقلنها ما زالت محفورة في رأسها.
عن “الآنسة سيلفستا”، التي كانت خطيبة فلويد المستقبلية.
حين رأتها لأول مرة مع فلويد، ظنّت حقًا أنها خطيبته. حتى عندما سمعت ثرثرة الخادمات في البداية.
لكن الحقيقة أنها كانت فقط “خطيبة مستقبلية” لم يتم إعلان الخطبة رسميًا.
وكان ذلك فرقًا كبيرًا.
فلويد لا يملك حاليًا أي امرأة رسمية، وإن توسلت إليه أن يتزوجها من أجل الطفل، فقد يفكر في الأمر.
رغم أن والد سيلفستا دوق، وهو شخص مهم جدًا لدى عائلة رينيز وفلويد…
“…أريد أن آكل تارت الفراولة.”
“أحضِروا تارت الفراولة. وليكن كبيرًا أيضًا.”
لأول مرة اليوم، عبّرت إلينا عن رغبة ما، فضحك فلويد بمرارة، وأمر الخادمة التي كانت تخدم بجانبه بالخروج من الغرفة.
كان يبدو سعيدًا لأنها طلبت شيئًا.
سحب الكرسي الذي بجانب السرير واقترب منها أكثر.
وبعد خروج الخادمة، لم يتبقى الا فلويد معها
> “السبب الذي جعلني أفعل ما أردتِ في تلك الليلة… هو ببساطة أنني لم أكن أرغب في رؤيتك تبكين.”
قد يبدو سببًا تافهًا لا معنى له، لكن إلينا، التي كانت تستمع إلى هذا الحديث الآن، استطاعت أن تتقبّله إلى حدٍّ ما.
لأنه في تلك الليلة أيضًا، كان هو غارقًا في الحزن تمامًا.
ربما رأى في ملامحها انعكاسًا لذاته.
لحسن الحظ، أو لسوئه، كان من المؤكد أنه أحبّ إلينا بصدق تلك الليلة.
لو لم تكن تلك المشاعر حقيقية، ولو لم يكونا يحملان نفس الإحساس تجاه بعضهما، لربما كانت إلينا قد هربت بالفعل من قصر الدوق الآن.
أما فلويد، فلم يعترف بمشاعره إلا بعد مرور عدة أيام على تلك الليلة.
حين أدرك أنه حمل مشاعر تجاوزت مجرد ليلة عابرة.
لكن في ذلك الوقت، كان الأوان قد فات.
عندما حصلت إلينا على عنوان مقر إقامته، استطاعت أن تجده بسهولة، لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة له.
ففي تلك الليلة، وعلى الرغم من أنهما تحدّثا عن ماضيهما العائلي، إلا أنهما لم يفصحا عن أي شيء دقيق.
وبعد أن زال تأثير الكحول، وانحسرت مشاعر الحزن التي كانت تملؤه بالكامل، كذب مرة أخرى بشأن هويته.
رغم أنه ترك لها عنوان قصر الدوق بكل وضوح، إلا أنه كرّر أنه “نبل من طبقة دنيا”، وهو ما بدا مضحكًا حتى بالنسبة له، لكنه لم يكن يملك وقتًا للتفكير حينها.
لو أنه أخبرها حينها عن حقيقته، عن كونه دوق رينيز، ربما كانت إلينا قد اختفت من حياته تمامًا.
فهو كان في وضع حساس وصعب إلى هذا الحد.
وكانت تلك كذبة صنعها التناقض بين شعوره برغبته في الاحتفاظ بها، وبين وضعه المعقد الذي يمنعه من ذلك.
> “حتى لو أخبرني صاحب السمو في ذلك الوقت أنه دوق رينيز…”
لو أنه أخبرها بحقيقته في تلك اللحظة، لربما لم تكن لتفكّر حتى في البحث عن قصر الدوق.
لقد شعرت بالمرارة تجاهه، وشعرت بالغضب من تلك الكذبة الصغيرة التي كانت نتيجتها كل هذا الألم.
لكنها لم تنكر أيضًا أنها شعرت بالطمأنينة عندما قال إنه مجرد نبل من طبقة دنيا.
فبمثل هذه الطبقة، كان من المسموح لها أن تقضي ليلة معه دون أن تُحاسب، بل كانت تفكر حينها أنها قد تقبل الزواج منه لاحقًا.
وهي لم تكن تدري أنها، ابنة لأسرة كونت محرومة حتى من حق الوراثة، قد قضت ليلة مع الدوق الوحيد في الإمبراطورية.
> “إلينا، كنت أبحث عنك… لكن كل ما كنت أعرفه هو اسمك المستعار، ووجهك، ولا شيء غير ذلك…”
بعد كل ما جرى، بدا كلامه كأنه أعذار واهية.
بالطبع، لا شك أنه بذل ما يستطيع من جهد. ولو كان شخصًا سيئًا بالفعل، لما حملها بين ذراعيه يوم سقطت من الدرج مع الطفل، ولما هرع بها باحثًا عن طبيب.
> “لكن الآن… ما أهمية كل هذا؟”
وراء كل ما يحدث في الحياة، دائمًا ما تكون هناك قصة. بغض النظر عن حجم الموقف، هناك من يتعاطف، وهناك من يُدين.
لكن في النهاية، لا يبقى سوى النتيجة.
وفي نهاية الأمر، تبقى الحقيقة أن فتاة غير متزوجة قضت ليلة مع أحد أفراد العائلة الإمبراطورية وحملت منه.
> “أنا… لا أريد أن أكون عشيقة لصاحب السمو.”
فالنهاية المتوقعة لمثل هذا الوضع… دائمًا ما تكون واحدة.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات