كان ذهني مشوشًا لدرجة أن فتح عيني كان صعبًا.
حاولت أن أستعيد وعيي بسرعة وأنا أرمش بعينيّ، لكن الأمر لم يكن سهلًا كما ظننت.
لم يكن أمامي خيار سوى البقاء مستلقية، أحدّق إلى الأمام، فلم أرَ سوى سقف عتيق الطراز ونظيف.
شعرت بغرابة، فهذا المكان لم يكن، بأي حال من الأحوال، قصر فالوا.
“لماذا أنا هنا…؟”
حاولت أن أسترجع ما حدث، لكن رأسي بدأ يؤلمني بشدة. كان جسدي مرهقًا بالكامل ولا أستطيع تحريكه بسهولة، يبدو أنني أصبت بحمى شديدة.
من خلال النافذة الكبيرة البعيدة، كانت أشعة الشمس تنسكب بطول الغرفة، ما يدل على أن الوقت كان صباحًا باكرًا.
ألينا مرّت بيدها على جبينها كعادتها، لكنها عبست حين رأت يدها مبللة بالعرق تمامًا.
جلست وأسندت نفسها على رأس السرير، ثم بدأت تتفقد أرجاء غرفة النوم الواسعة.
لم يكن هناك أحد في الغرفة، وكان هناك بعض الأشياء المبعثرة هنا وهناك.
بدت وكأن أحدهم كان يعتني بها للتو، إذ كان هناك دلْو من الماء فيه قطعة قماش مبللة.
حقيبة سفرها المألوفة، وفستان ملوث بالدماء لم يتم تنظيفه بعد…
لماذا يوجد فستان ملطخ بالدماء؟
ثم أدركت أنها ترتدي الآن بيجامة ناعمة للغاية وخُيطت بعناية لتبدو جديدة ونظيفة تمامًا.
حتى بالنسبة لعائلة ثرية، كانت هذه البيجامة فاخرة لدرجة يصعب استخدامها للنوم فقط.
لكن ما كانت ترتديه لم يكن مهمًا الآن.
ما شغل بالها هو الفستان الملطخ بالدماء، الذي لم تستطع أن تبعد نظرها عنه.
لم تكن فاقدة للوعي سوى بضع ساعات، لكنها لم تنسَ ما حدث.
بل ليتها نسيت تلك الذكريات.
تذكّرت بوضوح كيف تدافعت معه وسقطت من على الدرج. وكيف اصطدم بطنها بحافة الدرج الحادة.
ارتجفت، ونظرت ألينا إلى أسفل جسدها، ثم اهتز جسدها قليلًا وهي تفاجأ بأنها وضعت يدها على بطنها بشكل تلقائي.
ترددت إن كانت تزيل يدها أم لا، لكنها قبضت يدها بلطف.
رغم أنها صرخت في ذلك اليوم قائلة إنه لا بأس إن لم يبقَ الطفل، لكنها لم تكن تقصد أن تفترق عنه بهذه الطريقة.
لم تكن تقصد ذلك حقًا.
امتلأت عيناها الجافتان بالدموع فجأة، لكنها قاومتها بصعوبة.
فكرت أنها بحاجة لمغادرة هذا المكان أولًا.
ربما يجب أن تشكرهم لأنهم لم يطردوا ضيفة غير مرغوب فيها من قصر الدوق بهذه القسوة.
أو ربما لأنها كانت حاملاً من دوق، فاستحقّت هذه المعاملة.
نظرت إلى الغرفة الفارغة التي بلا أثاث، وشعرت بالأسى، وكأنها انعكاس لحالها.
وحين رفعت الغطاء الأبيض الناصع، رأت بقعة دم لم تنتبه إليها من قبل، فما كان منها إلا أن وضعت يدها على فمها وجلست على الأرض.
طفلي…
كان من المفترض أن يُجهض هذا الطفل على أي حال. فلماذا أشعر بهذا القدر من الذنب؟
“لا، في الحقيقة… ربما كان هذا أفضل.”
لو أنها كانت تنوي بالفعل إنهاء حملها، لكانت قد تراجعت بالتأكيد في منتصف الطريق.
الآن بعد أن انتهى كل شيء، أصبح من الواضح أكثر فأكثر.
سقطت من أعلى الدرج ونزفت، فكيف للطفل أن يظل بخير؟
رأسها كان يعجّ بالذكريات المؤلمة، وأرادت الخروج من هذا المكان بأسرع ما يمكن.
نهضت بصعوبة، تبحث عن الباب، فسمعت صوتًا خافتًا قادمًا من أحد الجدران.
الجدار العادي المزخرف بنقوش بارزة انفتح فجأة على شكل مستطيل.
وعندما دققت النظر، وجدت أنه كان مزودًا بمقبض خفي.
دخل من الباب الأبيض شخص لطالما حلمت به خلال الأشهر الماضية.
لكن المشكلة الآن أنه لم يعد وجهًا من الأحلام، بل كابوسًا.
ألينا تجاهلته ومضت متجاوزة إياه.
أو حاولت تجاوزه على الأقل، لولا أن مرضها أعاق حركتها.
لم تكن تعلم إن كان الألم في جسدها أم في قلبها.
كانت فقط ترغب في الجلوس والبكاء.
لم تستطع حتى فهم ما الذي حدث لها خلال يوم واحد. لم يكن لديها الطاقة للتفكير أصلًا.
“لا تتحركي.”
كلماته الأولى كانت غير متوقعة.
نظرت إليه بسرعة ثم حولت نظرها من حولها.
هل دهست شيئًا؟ هل جرّت الغطاء بقدمها؟
كانت تنظر إلى قدميها الحافيتين عندما رفعها فجأة عن الأرض.
كانت يداه حذرتين، كأنما يعرف أنها مريضة.
وضع إحدى يديه تحت خصرها النحيل والأخرى تحت ركبتيها، ثم رفعها بلطف ووضعها على السرير.
تبادلت أعينهما نظرات طويلة وصامتة لم تستطع مواجهتها وهي واقفة.
كان هناك الكثير مما يجب قوله. الكثير مما يجب شرحه.
ألينا قاومت نفسها كي لا تهرب من نظراته.
من هو حقًا؟
إلى أي حد كذب عليها؟
هل ما حدث بينهما كان خطأ في لحظة سُكر؟ أم أنه خطط لذلك؟
هل كان كذبه عندما قال إنه يحبها؟
حين بدأت تفكر في ما تريد قوله، لم تجد إلا مشاعر الغباء.
فقط أدركت كم كانت ساذجة حين صدقته وأحبّته بصدق.
لم تكن بينهما سوى ليلة واحدة، فكيف لها أن تسمي هذا حبًا حقيقيًا؟
بدأت ترى الآن أن الطفل ذهب إلى مكان أفضل. لم يكن هناك داعٍ لأن تشعر بالذنب.
تساءلت: لو كان الطفل لا يزال في بطنها، فماذا كان هذا الرجل سيقول؟
أن يُجهضوه؟
أم أنه سيعرض عليها زواجًا سريًا؟
شعرت أن أي كلام سيقوله سيكون مضيعة للوقت.
كل ما حدث هو أنه أمضى ليلة معها. لا أكثر ولا أقل.
فقط الطفل…
ألينا وضعت وجهها بين يديها وضغطت عليهما بقوة.
كل ما عليها فعله الآن هو العودة إلى حياتها الطبيعية.
خرجت من قصر فالوا بمفردها، وستعيش وحدها في الخارج، وتستعد لاستعادة ميراث والديها وحدها.
وحدها… سيكون الأمر أسهل هكذا.
تلك الخطة التي كانت تنوي من خلالها إخبار الرجل الذي أحبته خلال ليلة واحدة فقط عن حملها، ثم طلب يده للزواج، انتهت منذ زمن.
رجل يُعدّ أفضل عريس في البلاد، تظاهر بأنه نبيل من الطبقة الدنيا وخدعها بكلمات الحب.
بل في الواقع، لم يكن يمثل حتى، فقط هي من صدقت ما قاله.
هذا كل شيء.
كم كنت حمقاء. قالت لنفسها ذلك بمرارة.
“هل أنت بخير؟ لا يجب أن تتحركي بعد…”
“……”
“أنا آسف… آسف حقًا… آسف جدًا…”
كان يعتذر وهو لا يجرؤ حتى على لمس طرف بيجامتها البيضاء، رأسه منحني إلى جانب السرير.
ألينا تساءلت: على ماذا يعتذر هذا الرجل؟
أدارت وجهها ساخرًة، فكل شيء قد فات أوانه الآن.
لكن حين رأت بجانب السرير طبق شوربة فطر شهي لم يكن موجودًا قبل قليل، فتحت عينيها بدهشة.
ثم أدركت أنها كانت جائعة.
لطالما سَمعت أن فقدان الطفل يتطلب العناية بالجسد كما لو أنها أنجبته فعلًا.
لذلك…
فجأة خرجت ضحكة منها دون قصد، فأسرعت بتغطية فمها بيدها.
كان الأمر مضحكًا… ومُحزنًا في الوقت ذاته.
البعض يتمنى طفلًا بكل شغف، بينما هي فقدته فجأة وتتصرف وكأن شيئًا لم يكن.
أصبحت تحتقر نفسها.
لكنها لم تكن تريد أن تُظهر ضعفها أمام هذا الرجل.
وما زاد الطين بلّة، أن الكلمات بدأت تخرج من فمها بسلاسة، رغم أنها لم تكن تعنيها.
“على أي حال
لم يعد هناك أي تعلّق، حتى بقايا من الحنين، قد تخلّت عنها تمامًا.
“لقد كان أمرًا جيدًا…”
في النهاية، انفجرت ألينا بالبكاء كما لو أن سدًّا متضخمًا بسبب أمطار موسم المطر قد انهار فجأة.
كان بكاءً ممتزجًا باليأس العميق.
وبينما كانت تبكي، خارت قواها أكثر، فلم تعد قادرة حتى على دفع اليد التي اقتربت منها.
صرخت وبكت في حضن الرجل الذي لم يقدّم لها سوى اليأس.
ماذا فعلتُ من خطأٍ كبيرٍ بحقك؟
لماذا التقيتُ بهذا الرجل؟
وأنا آسفة جدًّا لذلك الطفل الذي رحل…
كان بكاءها بكاء أم فقدت طفلها.
أما هو، فقد كان مشغولًا بإخراج منديله من جيبه، يمسح دموع ألينا التي انهمرت بلا توقف على خديها.
“أنا آسف… آسف… لقد أخطأت حقًا…”
“لم أكن أريد أن أودّعه بهذه الطريقة… لم أكن أريده أن يرحل هكذا!”
حقًا… رجل سيّئ.
لكن ألينا لم تستطع أن تنطقها بصوت عالٍ، بل تمتمت بها لنفسها.
فهي كانت تعلم أن سقوطها من على الدرج كان خطأها هي.
“لكن… ما الذي فعلته؟”
الدموع التي بدت وكأنها هدأت قليلًا، عادت فجأة تتفجر من جديد.
بكت حتى اختنق صوتها، وبدأت تسعل سعالًا متكررًا.
“جسدك فيه حرارة…”
قالها الرجل بصوت ممتزج بالذهول، وهو يمسح جبينها المبلل بالعرق.
كانت الحمى التي هدأت بصعوبة قد بدأت تعود مجددًا.
“أنا… قتلت طفلي.”
قالت ألينا بصوت مرتجف، بينما كانت ترتجف هي أيضًا من رأسها حتى أخمص قدميها.
فجأة، التفت فلويد نحوها بدهشة، وكان قد أمسك لتوّه بمنشفة جافة من كومة منشورات بجانبه.
“ما الذي تقولينه منذ قليل؟ قتلتِ الطفل؟”
“لأنه… كان في بطني… أليس كذلك؟”
“…أنا خفت… خفت حقًا أن يحصل له شيء سيئ.”
ضمّها بلطف إلى صدره، وهو يتحدث بصوت مرتجف.
كانت ألينا بالفعل بين ذراعيه، لا تملك قوة لمقاومته، ومع ذلك، كانت حرارة حضنه دافئة، رغم أنه رجل تكرهه كثيرًا.
هممم؟
في تلك اللحظة، تدحرجت عينا ألينا ببطء.
وانزلقت دمعة أخيرة من طرف عينها.
“ما الذي تعنيه بكلامك هذا؟”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات