4
استمتعوا
وصلنا الى قلعةِ سان ميغيل أبكرَ مما توقّعتُ.
كانَ هناكَ نفقٌ سريٌ لا يبعدُ كثيراً عن المكانِ الذي تناولنا فيهِ الغداءَ.
يبدو انَّ أعضاءَ نقابة الاغتيال يدخلونَ القلعةَ ويخرجونَ منها سراً عبرَ هذا النفقِ.
كانَ الطريقُ قصيراً، لكنني سمعتُ العديدَ من الأشياءِ في الطريقِ.
1. لا يعرفُ هويةَ نقابة الاغتيال داخلَ مقاطعةِ سان ميغيل سوى الفيكونتِ، أي مالكِ الإقطاعيةِ. أما التابعينَ والموظفينَ فلا يعلمونَ شيئاً.
2. لذلكَ يستخدمُ أعضاءُ نقابة الاغتيال هوياتٍ مُنتحَلةً في قلعةِ سان ميغيل.
3. من بينِهم، فرقة النخبة هم فرسانٌ، بينما القائد يتظاهرُ بأنهُ المُستشارُ العسكريُ.
أما النقطةُ الرابعةُ والأخيرةُ فكانتْ……
“انظرْ، كلُّ هذهِ أسلحةٌ من صناعةِ تيكاري. انظرْ، مكتوبٌ عليها ‘تيكاري’ .”
تفاخرَ أعضاءُ نقابة الاغتيال بأسلحتِهم وابتسامتُهم تعلو وجوهَهم.
قلتُ بهدوءٍ.
“……ديغاري.”
“ماذا؟”
“هاه؟”
“أجلْ؟”
“……مكتوبٌ عليها ديغاري.”
سادَ الصمتُ بينَ الأعضاءِ.
وبعدَ فترةٍ وجيزةٍ، راحوا يُحدّقونَ في الأسلحةِ التي عاملوها كالمُقدّساتِ في الطريقِ الى القلعةِ بغلٍّ شديدٍ.
“هذا الحدّادُ العجوزُ الملعونُ……”
“كيفَ يجرؤُ على خداعِنا؟”
“لن نتركَهُ وشأنَهُ!”
ألقى الأعضاءُ أمتعتَهم وهرعوا كالريحِ.
أجلْ، هذهِ هي النقطةُ الرابعةُ الأخيرةُ.
‘معدلُ الأُمّيّةِ بينَ الأعضاءِ مرتفعٌ.’
لهذا السببِ اضطرّوا الى تكليفِ أنتونيو بمسؤوليةِ دفترِ الحساباتِ.
كانَ أنتونيو الأكثرَ إلماماً بالقراءةِ والكتابةِ من بينِهم.
على الرغمِ من انَّ أنتونيو كانَ هو الآخرُ على وشكِ الركضِ بلهفةٍ للعثورِ على ذلكَ الحدّادِ العجوزِ وتمزيقِهِ.
‘كلمةُ تيكاري صعبةٌ.’
خاصةً انها كُتبتْ بلغةٍ قديمةٍ، وليستْ باللغةِ الشائعةِ، لتبدو أكثرَ فخامةً.
عندَها……
بعدَ وصولِنا الى القلعةِ، عادَ العضوُ الذي كانَ قد صاحبَ القائد والفيكونتَ الى مكانٍ ما.
“نائبُ القائد يطلبُكُما.”
توقّفَ أنتونيو فجأةً.
تذمّرَ ونقَر بلسانِهِ، ثم قالَ لي.
“انتظري لحظةً. سأذهبُ وأقابلُ نائبَ القائد، ثم سأعودُ لتحطيمِ ذلكَ الحدّادِ العجوزِ وأُريكِ أسلحةَ تيكاري الحقيقيةَ.”
فقالَ العضوُ.
“نائبُ القائد أمرَ بضرورةِ حضورِ الأنسة معكُما.”
“يوستيا؟ لماذا؟”
“لم أُبلَّغْ بالسببِ.”
هزَّ أنتونيو كتفَيهِ.
“ربما يريدُ ان يدفعَ لكِ أجرَكِ.”
ذكّرني كلامُهُ بوضعي.
‘لقد وافقتُ على مُرافقتِهم كعاملةٍ للأعمالِ الشاقة فقطْ.’
لكنْ لماذا يريدُ نائبُ القائد ان يرانيَ بنفسِهِ؟
إذا كانَ الأمرُ يتعلقُ بالأجرِ، فكانَ يمكنهُ إرسالُ أيِّ موظفٍ آخرَ لتسليمِهِ.
بينما كنتُ أفكرُ في ذلكَ، تبعتُ العضوَ مع أنتونيو.
تحدثنا قليلاً ونحنُ في الطريقِ.
“يا لهُ من حقيرٍ مُحتالٍ. كيفَ يجرؤُ على الاحتيالِ؟”
“لِمَ لا تتعلّمْ القراءةَ والكتابةَ؟ عندَها لن تُخدعَ مرةً أخرى.”
“اللغةُ الإمبراطوريةُ صعبةٌ. اللغةُ الشائعةُ، اللغةُ الرسميةُ، اللغةُ القديمةُ…… لماذا هناكَ كلُّ هذا الكمِّ من الحروفِ؟”
“يكفي ان تحفظَ حرفَ ‘تي’. اللغةُ القديمةُ صعبةُ المظهرِ لأنها هيروغليفيةٌ، لكنها في الواقعِ مأخوذةٌ من الصورِ.”
“صورٌ؟”
“كلمةُ تيكاري تعني انَّ السلاحَ قد صُقِلَ بعاصفةٍ. حرفُ ‘تي’ يعني عاصفةً. يبدو هكذا……”
أخرجتُ مُفكرتي من الحقيبةِ وكتبتُ حرفَ ‘تي’.
“هذا الجزءُ هو المنزلُ. وهذا الجزءُ هو الرياحُ. ألا يبدو الأمرُ وكأنَّ منزلاً تقتلعُهُ الرياحُ؟”
“صحيحٌ.”
وبينما كنا نتحدّثُ، وصلنا الى مكتبِ قائدِ الفرسانِ.
يبدو انَّ الهويةَ المُنتحَلةَ لنائبِ القائد هي قائدُ الفرسانِ.
طرقَ العضوُ البابَ، وسُمعَ صوتٌ خافتٌ من الداخلِ.
“ادخلْ.”
دخلتُ أنا وأنتونيو الى مكتبِ قائدِ الفرسانِ.
وعندما واجهنا نائبَ القائد الجالسَ خلفَ المكتبِ، فُوجئنا للغايةِ.
‘هل تمَّ اختيارُ فرقة النخبة بناءً على الوسامةِ؟’
كانَ جمالُهُ قوياً لدرجةِ انَّ هذا السؤالَ تبادرَ الى ذهني.
كانَ وسيماً بملامحِ مدينةٍ، بعينينِ مائلتينِ وأنفٍ حادٍّ ومُستقيمٍ.
شعرٌ أسودُ وعينانِ رماديّتانِ.
إحساسٌ بالطهارةِ والزُهدِ يجعلهُ يبدو المثالَ للفارسِ.
‘أيُّ شخصٍ يراهُ لن يُخمّنَ أبداً انهُ قاتلٌ.’
سألَ نائبُ القائد وعيناهُ مُثبّتتانِ على الأوراقِ.
“ابنةُ الماركيزِ المطرودةُ من أندريس؟”
يبدو انهُ سمعَ قصتي من الأعضاءِ مُسبقاً.
كانتْ نظرتُهُ حادّةً.
عندَ هذا الحدِّ، فهمتُ لماذا أرادَ نائبُ القائد ان يدفعَ لي الأجرَ بنفسِهِ.
انهُ يشكُّ في العاملةِ التي انضمّتْ فجأةً الى الأعضاءِ ومن أصلِ الماركيزيةِ.
لذلكَ أرادَ ان يُلقيَ نظرةً عليَّ بنفسِهِ.
شبكتُ يديَّ بتوترٍ.
“أنا يوستيا. أتشرفُ بمقابلتِكَ. على الرغمِ من انهُ مُحرجٌ ان أطلبَ ذلكَ في أولِ لقاءٍ، هل يمكنُني الحصولُ على وظيفةٍ في القلعةِ بدلاً من الأجرِ؟”
“أنتِ حمقاءُ.”
“……!”
نظرَ اليَّ نائبُ القائد.
نظرةٌ باردةٌ ورماديةٌ انغرستْ فيَّ كالسهمِ.
“من هو الذي سيوظفُكِ، يا ابنةَ الماركيزِ المطرودةَ، ما لم يكُنْ شخصاً يائساً في لفتِ الانتباهِ.”
انقطعَ الكلامُ من فمي.
بالتأكيدِ، مكانٌ حسّاسٌ للأمنِ مثلُ المقرِ الرئيسيِ لعصابةِ اغتيالٍ لن توظّفَني أبداً.
‘اعتقدتُ انني قد أحصلُ على فرصةٍ لأنَّ الأعضاءَ أحبّوني.’
عندما التزمتُ الصمتَ، تصلّبَ وجهُ أنتونيو.
“إنَّ التحكّمَ في المعلوماتِ هو تخصصُ نائبِ القائد. إذا فعلتَ ذلكَ……”
“التحكّمُ في المعلوماتِ من أجلِ عاملةِ للأعمال الشاقة؟ يا لهُ من إهدارٍ للمالِ.”
“هذهِ الفتاةُ تعملُ بجدٍّ. انها طيبةُ القلبِ.”
لكنَّ نائبَ القائد قامَ من مكانِهِ بلا اهتمامٍ.
وتقدّمَ نحوي بخطواتٍ ثابتةٍ.
“أعلمُ انكِ بارعةٌ في الحيلةِ. لقد أغريتِ أنتونيو ببراعةٍ.”
“……”
“لذلكَ أنا غيرُ راغبٍ في تركِكِ تغادرينَ على قيدِ الحياةِ.”
“……”
انحنيتُ بهدوءٍ.
عندما رأى أنتونيو ذلكَ، انفعلَ ووقفَ بيني وبينَ نائبِ القائد.
“هذهِ الفتاةُ عملتْ بجدٍّ. لم تنمْ طوالَ الطريقِ الى هنا. كانتْ تستيقظُ قبلَ الفجرِ لإعدادِ كلِّ وجبةٍ، واعتنتْ بالقائد وهي تصلح الملابس أثناءَ فتراتِ راحتِنا.”
“هذا القدرُ من الجهدِ طبيعيٌ إذا كنتِ في موقفِها.”
“نائبُ القائد!”
“انها تعرفُ المقرَّ الرئيسيَ لنقابة الاغتيال ورأتْ وجوهَ الأعضاءِ. ألا تعلمُ كم هي خطيرةٌ المعلوماتُ التي تمتلكُها؟”
“هل تعتزمُ قتلَها؟”
“انها الطريقةُ الأكثرُ ضماناً ونظافةً.”
“هذا الرجلُ بحقِّ الجحيمِ……!”
بينما كانَ أنتونيو يصرخُ متجاهلاً اللياقةَ.
رفعتُ رأسي فجأةً.
“شكراً لكَ!”
“……ماذا؟”
“……؟”
نظرَ الاثنانِ اليَّ في نفسِ الوقتِ.
حككتُ رأسي بتعبيرٍ مُحرجٍ.
“لو كنتُ أنا نائبَ القائد، لكنتُ تخلّصتُ مني مُباشرةً عندَ دخولِي القلعةَ دونَ عناءِ استدعائِي الى هنا.”
لكنَّ سببَ مجادلتِهِ مع أنتونيو أمامي كانَ واحداً فقطْ.
“ألا يعني هذا انهُ تحذيرٌ لي للحفاظِ على السرّ إذا كنتُ أريدُ ان أعيشَ؟”
كانَ على وجهِ أنتونيو تعبيرُ الذهولِ.
“هذا يعني انَّ نائبَ القائد هدّدَكِ. كيفَ تكونُين شاكرة لهذا؟”
“لم يذكرْ والدتي.”
“……”
“أعلمُ انَّ أفضلَ شيءٍ يُنجحُ التهديدَ هو الرهائنُ.”
بعدَ ان طُردتُ من العائلةِ، هددَني عددٌ لا يُحصى من الناسِ بالقتلِ.
البعضُ الأكثرُ قسوةً قالوا انهم سيُؤذونَ والدتي.
عندَها كنتُ أسهرُ الليلَ لأحمي والدتي.
كانَ موتي أمراً مُرحّباً بهِ بالنسبةِ لي، لكنَّ فكرةَ موتِ والدتي البريئةِ بسببي كانتْ مُخيفةً للغايةِ.
“عدمُ لمسِ أضعفِ نقطةٍ لديَّ هو عملٌ لطيفٌ.”
“……”
“……”
صمَتَ نائبُ القائد وأنتونيو.
انحنيتُ مرةً أخرى وقلتُ.
“شكراً لكم على كلِّ شيءٍ حتى الآنَ.”
لا حولَ ولا قوةَ.
بما انَّ نائبَ القائد كانَ صارماً، يجبُ عليَّ التخلّي عن العملِ في القلعةِ.
بدلاً من ذلكَ، يجبُ عليَّ إيجادُ عملٍ بالقربِ من القلعةِ.
***
راقبَ نائبُ القائد يوستيا وهي تغادرُ القلعةَ عبرَ النافذةِ.
‘يا لها من غريبةٍ.’
شاكرةٌ لأنهُ لم يقتلها، بل هدّدَها؟
هذا هراءٌ.
لو كان شخصاً يستحقُ الامتنانَ، لكانَ من الأَولى ان يشكرَ يوستيا التي أحضرتِ القائد والأعضاءَ الى القلعةِ بأمانٍ.
لم تكُنْ مُهمةُ الأعضاءِ سهلةً هذهِ المرةِ.
كانتْ مهمةَ القضاءِ على عائلةٍ نبيلةٍ مرموقةٍ في الإمبراطوريةِ.
لكنَّ الأعضاءَ الذينَ كانَ من المفترضِ ان يكونوا مُتعبينَ كانوا مُفعمينَ بالحيويةِ.
لا بُدَّ انَّ يوستيا اعتنتْ بالأعضاءِ جيداً.
‘لقد هدّدتُ فتاةً كهذهِ مُباشرةً، لا بُدَّ انها تشعرُ بالظلمِ.’
تنهّدَ نائبُ القائد وحوّلَ نظرهُ.
التقَتْ عيناهُ بأنتونيو الجالسِ بميلانٍ على الأريكةِ.
كانَ وجهُهُ يوحي بالاستياءِ الشديدِ.
“هل لديكَ ذرةُ إنسانيةٍ؟”
“كفَّ عن ثرثرتِكَ وأحضِرْ لي دفترَ الحساباتِ.”
نقَرَ أنتونيو بلسانِهِ وألقى الدفترَ.
التقطَهُ نائبُ القائد بِخِفّةٍ بيدٍ واحدةٍ، وجلسَ الى المكتبِ مرةً أخرى.
‘كم سيكونُ فوضوياً؟’
لقد أسندَ اليهِ دفترَ حساباتِ هذهِ المهمةِ لأنهُ أفضلُ بقليلٍ من الأعضاءِ الآخرينَ.
لكنَّ الأمرَ سيكونُ حتماً كارثياً.
ولكنْ كانَ هناكَ شيءٌ غريبٌ.
لقد تمَّ ترتيبُ كلِّ شيءٍ بشكلٍ أنيقٍ ومُنظَّمٍ وذكيٍ. تكلفةُ الشراءِ، مكانُ الشراءِ، المنتجُ، الكميةُ، المبلغُ، وسببُ الشراءِ.
مُرفَقٌ معهُ الإيصالاتُ وطرقُ التواصلِ مع الشخصِ المسؤولِ.
بالإضافةِ الى تنسيقٍ مُتقنٍ يُمكّنُ من رؤيةِ كلِّ هذهِ المعلوماتِ بلمحةٍ واحدةٍ.
‘هل هذهِ لمسةُ عاملٍ مُلهَمٍ؟’
نظرَ نائبُ القائد الى أنتونيو.
“ما هذا؟”
“دفترُ الحساباتِ.”
“لم أسألْ جهلاً. سألتُ من كتبَ هذا.”
كانَ من الصعبِ تعليمُهُ الحروفَ، فمن المُستحيلِ ان يمتلكَ فجأةً مثلَ هذهِ البراعةِ في العملِ.
“آه. يوستيا هي من كتبتهُ.”
“تلكَ الفتاةُ التي غادرتْ……؟”
في تلكَ اللحظةِ، اجتاحَهُ شوقٌ جارفٌ لإيقافِها.
كم كانَ صعباً عليهِ العملُ وهو يُديرُ أعضاءَ نقابة الاغتيال الذينَ لا يُتقنونَ سوى استخدامِ أجسادِهم.
لقد تحسّنَ الوضعُ قليلاً بعدَ إخضاعِ سان ميغيل، لكن لا يوجدُ مواهبُ في المدنِ المُتواضعةِ.
فجميعُ المواهبِ الجيدةِ تذهبُ الى العائلاتِ الكبيرةِ.
‘اهدأْ.’
أمسكَ برأسِهِ المُتألّمِ وهو يُغلقُ دفترَ الحساباتِ الثمينَ.
ثم نظرَ الى أنتونيو.
“أنا لا أطلبُ منكَ ان تُتقنَ هذا. تعلّمِ الحروفَ لتتمكّنَ على الأقلِ من كتابةِ أسماءِ المنتجاتِ بشكلٍ صحيحٍ.”
“من ذلكَ البخيلِ العجوزِ؟ أغه، لا أريدُ.”
“ذلكَ البخيلُ هو المُعلّمُ الذي وجدناهُ بصعوبةٍ. هل تظنُ انَّ هناكَ الكثيرَ من الأشخاصِ الذينَ يمكنُهم التدريسُ ويحتملونَ الارتباطَ بنقابة اغتيالٍ؟”
“ومعَ ذلكَ، لا أحبُّ ذلكَ البخيلَ. انهُ مُتغطرسٌ لدرجةِ انني كبتُّ رغبتي في كسرِ عُنقِهِ حتى……”
ضَرْبٌ!
رمى نائبُ القائد بالكتابِ على أنتونيو.
“آه!”
“لهذا السببِ كسرتَ ساقَهُ بدلاً من عُنقِهِ؟”
بسببِ كسرِ أنتونيو لساقِهِ، ارتفعتْ رسومُ التعليمِ من عشرةِ عملاتٍ ذهبيةٍ الى عشرينَ عملةً ذهبيةً.
عشرونَ عملةً ذهبيةً هو مبلغٌ يكفي لوحدةٍ كاملةٍ من الجنودِ للعيشِ بِرَغدٍ وتناولِ الطعامِ لشهرينِ تقريباً.
“أنتَ من فرقة النخبة. عندما يتقدّمُ القائد الى المجتمعِ النبيلِ، يجبُ ان تسانِدَهُ في الواجهةِ.”
أليسَ هذا هو السببَ في انهم يدفعونَ رسومَ التعليمِ البالغةَ عشرينَ عملةً ذهبيةً بينما الغضبُ يكادُ يُمزّقُ أحشاءَهم؟
تمتمَ أنتونيو وهو يفركُ رأسَهُ.
“ذلكَ البخيلُ لا يُعلّمُ جيداً أيضاً. لقد استغرقَ وقتاً طويلاً لتعليمِ ما فعلتْهُ يوستيا في خمسِ دقائقَ……”
ما علاقةُ يوستيا بهذا الآنَ؟
نظرَ نائبُ القائد الى أنتونيو بفضولٍ.
“انها تُعلّمُ حتى اللغةَ القديمةَ.”
“لغةٌ قديمةٌ؟ لا يستطيعُ التحدّثَ باللغةِ الشائعةِ بشكلٍ صحيحٍ أصلاً.”
“أنا أعرفُها حقاً؟”
نظرَ أنتونيو حولَهُ باندفاعٍ، وأشارَ الى درعِ نائبِ القائد المُعلّقِ على الحائطِ.
“هذا هو حرفُ ‘تي’.”
“……!”
ارتعشَ نائبُ القائد ونظرَ الى الدرعِ.
ثم أدارَ عنقَهُ بصعوبةٍ لينظرَ الى أنتونيو مرةً أخرى.
“أنتَ تتحدّثُ ولا تعلمُ انَّهُ من صناعةِ تيكاري؟”
نهضَ أنتونيو باندفاعٍ وهو يُزبدُ من الغضبِ.
ثم بحثَ في الأوراقِ التي على المكتبِ ووجدَ حرفاً واحداً.
“هذا هو ‘باسا’. يعني نَمِرٌ.”
“……”
“يُستخدمُ لوصفِ رجلٍ مثلي.”
رفعَ أنتونيو ذقنَهُ بتعبيرٍ مُتفاخرٍ.
نظرَ نائبُ القائد الى الحرفِ بعينينِ مرتجفتينِ.
كانَ بالفعلِ حرفَ ‘باسا’.
“هل علّمتْكِ هذهِ الفتاةُ هذا حقاً؟”
“أجلْ، هذا ما أقولُ لكَ.”
إذا تمَّ التدريسُ بشكلٍ جيدٍ، فسوفَ أُتقنُ التعلّمَ جيداً جداً.
السببُ في طردي لأحدَ عشرَ مُعلّماً حتى الآنَ هو انهم لم يُعلّموا جيداً.
ابتسمَ أنتونيو بغيظٍ بتعبيرٍ مُتغطرسٍ.
ظلَّ نائبُ القائد مُسمّراً في مكانِهِ وهو يتذكّرُ عمليةَ استقالةِ المُعلمينَ.
المستوى اللغويُ الذي يتدرّجُ من الشائعِ، الى الرسميِ، الى القديمِ.
المُعلمونَ الذينَ وجدَهم بأستخدام جواسيسُ نقابه الاغتيال بصعوبةٍ فشلوا عندَ اللغةِ الشائعةِ.
ثم تلقّوا الضربَ بعدَ ان عاملوا أنتونيو كحشرةٍ لأنهُ لم يتقدّمْ كما توقّعوا.
وعندما ذهبَ نائبُ القائد لاسترضائِهم……
“يا للعجبِ!”
“أنقِذْني. أنقِذْني.”
كانوا يصرخونَ ان يتقبّلَ استقالتَهم وهم خائفونَ بشدةٍ.
‘لكنها لم تُعلّمْهُ اللغةَ الشائعةَ ولا الرسميةَ، بل اللغةَ القديمةَ؟’
وفي تلكَ اللحظةِ القصيرةِ؟
في اللحظةِ التي وصلَ فيها التفكيرُ الى هذا الحدِّ.
صوتُ ارتطامٍ قويٍ!
اندفعَ نائبُ القائد خارجاً على الفورِ.
وصرخَ بصوتٍ مُلِحٍّ.
“أينَ المُعلّمة؟”
التحكّمُ في المعلوماتِ صعبٌ؟
سأنجحُ في ذلكَ.
لأنَّ المُعلّمةَ يوستيا هي الوحيدةُ التي يمكنُها تعليمُ هذا الأحمقِ!
***
……هل هذا حُلمٌ؟
نظرتُ بوجهٍ شاردٍ إلى موظّفي مقاطعةِ سان ميغيل، وهم يبتسمونَ لي ابتسامةً باسمةً مشرقةً.
قبلَ ساعةٍ واحدةٍ فقطْ، كنتُ أُطردُ وأغادرُ القلعةَ.
بالطبعِ، لم أستسلمْ.
‘كنتُ أنوي البحثَ عن عملٍ في القريةِ المُجاورةِ إذا لم أتمكّنْ من العملِ في القلعةِ.’
ولكنْ……
استُدعيتُ مرةً أخرى الى القلعةِ.
بل انَّ الموظفينَ الذينَ يبدو انهم ذوو رتبٍ عاليةٍ كانوا يُقدّمونَ لي فُستاناً.
“أرسله قائدُ الفرسانِ.”
نائبُ القائد؟
على الرغمِ من انني كنتُ مُرتبكةً، الا انني أخذتُ الفستانَ عندما مدَّهُ اليَّ الموظفُ مرةً أخرى.
‘واو، انهُ فستانٌ جميلٌ.’
خامةٌ خفيفةٌ وناعمةٌ.
تصميمٌ محبوبٌ تُرحّبُ بهِ الفتياتُ في مثلِ سِنّي.
‘لماذا يُقدّمُ لي مثلَ هذا الفستانِ الجميلِ؟’
هل هو بدلٌ من أجري؟
لكنهُ أكثرُ من اللازمِ كأجرٍ.
‘هل هو يعني ان آخذَ هذا وأُغادرَ المدينةَ تماماً؟’
شعرتُ بالقلقِ وسألتُ الموظفَ.
“ألم يقلْ قائدُ الفرسانِ أيَّ شيءٍ آخرَ؟”
“تلقّينا أمراً بمعاملةِ الضيفةِ جيداً حتى يعودَ، لأنهُ اضطرَّ الى الخروجِ في مهمةِ استدعاءٍ عاجلٍ.”
زادَ قلقي أكثرَ عندَ هذا الكلامِ.
ولكنْ عندَها……
“ألم يُجهّزْ قائدُ الفرسانِ فُستاناً؟”
سُمعَ صوتٌ مُشرقٌ ونقيٌّ.
كانتْ فتاةً ذاتَ شعرٍ أشقرَ مُتجعِّدٍ، وعلى وجهِها تعابيرُ مُتحمّسةٌ.
توقّفتِ الفتاةُ التي دخلتْ بفرحٍ فجأةً.
عندما رأتِ الفستانَ في يديَّ.
“لماذا هذا الفستانُ في يدِكِ؟”
“آه، في الواقعِ……”
قبلَ ان أتمكّنَ من الإجابةِ، سارتِ الفتاةُ بخطواتٍ واسعةٍ وسحبتِ الفستانَ بقوةٍ.
ثم صرختْ على الموظفينَ.
“كيفَ تجرؤونَ على تركِ هذا الفستانِ الثمينِ في يدِ قذرةٍ مثلِ هذهِ؟”
كانتْ يدايَ مليئتينِ بالجروحِ، ومُلطّختينِ من تقطيعِ مكوناتِ الطعامِ.
لذلكَ بدتا قذرتينِ للغايةِ.
‘تبدو قذرةً فحسبْ، لكنني غسلتُها جيداً.’
نظرتِ الفتاةُ الى الموظفينَ بضجرٍ.
“اشكروا مزاجيَ الجيدَ. لولا ذلكَ لأخبرتُ خالي ليُعاقبَكم.”
ثم قاستِ الفستانَ على جسدِها ذهاباً وإياباً.
“قائدُ الفرسانِ لطيفٌ جداً. هل اعتقدَ انني لن أعرفَ انَّهُ هديتي عندما جهّزَ هذا الفستانَ؟”
وضحكتْ بانشراحٍ واحتضنتِ الفستانَ.
“يتظاهرُ بأنهُ لا يهتمُ، لكنهُ في الواقعِ يُفكّرُ في ابنةِ أختِ الإقطاعيِ.”
عندَ هذا الكلامِ، أدركتُ هُويةَ الفتاةِ.
‘هذهِ هي ابنةُ أختِ الفيكونتِ سان ميغيل.’
تلكَ التي أوصى الفيكونتُ بأن تكونَ ابنةَ القائد بالتبنيِ.
ولكنْ……
‘هممم.’
الفستانُ هو هديةٌ من نائبِ القائد لي.
لقد مدَّهُ اليَّ الموظفونَ قائلينَ. “أرسلَه قائدُ الفرسانِ.”
لكنْ من الواضحِ انَّ الفتاةَ تعتقدُ انَّ الفستانَ ملكُها، أليسَ كذلكَ؟
ومن خلالِ تلميحاتِها، يبدو انها تعرفُ بوجودِ نقابة الاغتيال.
لا بُدَّ انَّ هذا هو السببُ في انها تحاولُ ان تكونَ ابنةَ القائد بالتبنيِ بصفتِها ابنةَ أختِ الإقطاعيِ.
‘إذا تركتُها هكذا، ستشعرُ بالإحراجِ.’
قالتْ ابنةُ أختِ الفيكونتِ بابتسامةٍ مشرقةٍ.
“يجبُ عليَّ ان أجرّبَهُ.”
خوفاً من ان يتعثّرَ بها الفستانُ ويتمزّقَ، اقتربتُ منها بحذرٍ. وهمستُ لها.
“هذا الفستانُ تلقيتُهُ من قائدِ الفرسانِ.”
نظرتْ اليَّ ابنةُ أختِ الفيكونتِ.
أضفتُ لها بلطفٍ لكي لا تشعرَ بالمزيدِ من الإحراجِ.
“لا بُدَّ انَّ قائدَ الفرسانِ كانَ يُخطّطُ لتجهيزِ فستانٍ مُشابهٍ لكِ أيضاً. قد تكونُ هناكَ سوء فهمٍ……”
في تلكَ اللحظةِ.
ضَرْبٌ!
دفعتْني ابنةُ أختِ الفيكونتِ بقوةٍ على كتفي.
سقطتُ على الأرضِ بشدةٍ.
اصطدمَ أسفل ظهري بالأرضِ، فسالَتْ دموعي من شدةِ الألمِ.
“آه……”
“يا جُرذَ المجاري، كيفَ تجرؤُين على خداعي؟ هل تظنينَ انَّ مثلَ هذا الفستانِ يليقُ بكِ؟”
في اللحظةِ التي أصدرتْ فيها ابنةُ أختِ الفيكونتِ هذا الصراخَ، ارتعدَ الموظفونُ دهشةً.
“ماذا يجري؟”
سُمعَ صوتُ نائبِ القائد.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات