━━━●┉◯⊰┉ الفصل 27 ┉⊱◯┉●━━━
نَظرَتْ رِينا بهُدوءٍ إلى كايدن الذي كان يُحِيطُ بهِ جَوٌّ أكثرُ ثِقلًا.
في الواقِع، بعدَ لِقائِها البارُونَ كلوم مُباشرةً، أدرَكَت رِينا سَببَ شُعورِها بالضيقِ تُجاه السَّيدة ماري طَوالَ الفَترة الماضِية.
كانَ الشَّمالُ مُقرَّرًا لهُ أنْ يشْهدَ انقِسامًا داخليًا بعدَ ثلاثِ سنوات، تكونُ داليا كرينسيا مِحوَرَهُ.
كانَ سَببُ الانقِلاب هوَ تَهاوُن كايدن في مَنعِ وَفاة إيدن كرينسيا.
انغَمَس إيدن في الأبحاثِ بشكلٍ مُفرِط بعدَ فُقدانِ زَوجتِه الحَبيبة.
ولمْ يَترددْ في الذَّهابِ بنفسِه للاستِكشافِ في الأماكِن المَليئة بالوُحوشِ، ففَقد حَياتهُ بمَرضٍ مُتوطن مَجهولِ السَّبب.
ولمْ يَمضِ عامانِ على وَفاتِه حتى اندَلعتْ ثَورةٌ تَزعمتها داليا.
استَولَوا على القَلعة بينما كانَ كايدن في مُهمَّة لِلقضاءِ على الوُحوشِ المُصنَّفَة على أنَّها في مناطقَ مَعزولة، وتَم قَمعُهم بعدَ أقلَّ مِنْ ثلاثةِ أيامٍ مِنْ عودةِ فِرقة التَّطهير.
‘أليسَ هذا أمرًا مُسليًا حقًا؟ الظروف ضده مِنْ الدَّاخلِ والخارج.مِسكينٌ دُّوق كرينسيا. لقد تَلَقَّى طَعنةً قَوية في ظَهرهِ مِنَ الشَّماليّينَ الذينَ سَعى جاهدًا لحِمايَتِهم. هاهاها.’
ازدادتْ رِينا جِدِّيَةً عندما تَذكَّرَتْ كيفَ ضَحِكَ الإمبِراطورُ وقَهقَهَ على الأمرِ آنذاك.
لمْ يكُن عُمرُ داليا يتجاوزُ التِّسعَ سنوات.
وكَعِقابٍ على التَّمرُّد، جُرِّدتْ داليا كرينسيا مِنْ أَهلِيَّة خِلافة كرينسيا وحُبِسَتْ في البُرج.
كانَ مِنَ الصَّحيحِ التخلصُ منها، لكنهُ أصَرَّ على إنهاءِ الأمرِ بالسِّجن.
لكنْ لمْ يَمضِ وقتٌ طويلٌ حتى أَنهَتْ داليا حَياتَها بنفسِها، وكانتْ تِلكَ حادِثةً مأساويَّة جَعَلتْ كايدن بلا أيِّ أقارِبَ باقِينَ.
كانَتْ هذهِ حادِثةً قديمةً جدًا وعابِرةً، لِذا لمْ تَستطِعْ رينا تَذكُّرَها على الفَور.
كانَ اسمُ ماري مُدرَجًا ضِمنَ العائلاتِ التي شاركَتْ في التَّمرُّد آنذاك.
“العُنفُ العاطِفيُّ هوَ أيضًا نَوعٌ مِنَ الإساءة، كانَتْ داليا شديدةَ الحرصِ على رضا السَّيدة ماري بشكلٍ مفرط. كانَ عليها أنْ تَستأذِنَها في كلِّ تَصرفٍ تَقومُ بِه. أعتَقِدُ أنهُ كانَ هُناكَ غَسيلُ دِماغٍ مُستمِرٌّ لداليا.”
سَألَ كايدن بِوجهٍ غاضِب:
“كانَ لَديكِ سَببٌ لِتفكيرِكِ هكذا، أليسَ كذلِك؟”
“إلى حَدٍّ ما.”
الشَّخصُ الذي تَعَرضَ للإساءَة هوَ الأقدَرُ على تَمييزِ مَنْ تَعَرَّضَ لها.
‘قالتْ لي المُربيَّة ألَّا أتَدخلَ في شُؤونِ الكِبار.’
هلْ هذا أيضًا مِنْ شُؤونِ الكِبارِ هذهِ المَرَّة؟
يُمكنُ مَعرِفةُ ذلِك مِنْ الكَلِماتِ التي تَستخدِمُها ماري بِكثرةٍ بشكلٍ خاصّ.
لقد تَعَرضَتْ رِينا أيضًا لِنفسِ أسلوبِ التلاعُب النَّفسيِّ مِنْ الإمبِراطور.
“إنهُ مُجرد اشتِباهٍ في الوَقتِ الحالي، لكِنْ إذا بَدأنا بالتحقيقِ معَ المُعلمينَ الجُدُد الذينَ تَم استِبدالُهم، سنتمكنُ منَ الإمساكِ بِطرفِ الخَيط. مِنَ المُؤكدِ أنَّ أشخاصًا مُقربينَ مِنْ عائلةِ ماري مُتورطون أيضًا.”
“يَجبُ عليَّ أنْ أبحثَ عَنهُم وأستَأصِلَهُم جَميعًا على الفَور.”
مَنَعَتْ رِينا كايدن الذي كانَ على وَشكِ الذهاب.
“لا، فَقط ابدأ بالتَّحقيقِ مِنْ فَضلِك. إذا قُمتَ بِفَصلِ داليا عَنهُم بِتَهور، فَمِنَ المُؤكد أنَّ رَد الفِعلِ سَيكونُ كبيرًا. قدْ تَتأذَّى داليا في خِضمِّ ذلِكَ أيضًا.”
“أنا أيضًا أشعُرُ بالشَّيءِ نَفسِه، لكن لا يمكنني إبقاؤهم بجوار داليا.”
“أوافقك الرأي، لكِنني لا أعتَقِدُ أنَّ المعالَجةَ السريعةَ دائمًا هيَ الحَل الأفضَل. في مثل هذه الحالة، من الأفضل التريث.”
هدأ كايدن على مضضٍ وجلسَ بسببِ موقفِها الرَّزين.
“إذًا، ما هيَ فكرتُكِ؟”
“أنا…”
أخفضتْ رِينا صوتَها وقلَّصَتْ المسافة، فمالَ كايدن بجذعِه نحوها أيضًا.
بعدَ أنِ استمعَ إلى اقتراحِها بالكامل، سألَ بوجهٍ مُندهش:
“هلْ تتحدثينَ بِجدّ؟”
“أنْ أقومَ بهِ أنا هوَ أفضلُ مِنْ أنْ تقومَ بهِ أنت.”
“لكنْ قدْ تُثارُ ضدَّكِ أقاويلُ سيئةٌ عنْ غيرِ قصد.”
“لا تقلقْ بشأنِ هذا.”
“على الرغمِ مِنْ مظهري هذا، إلَّا أنني مُعتادةٌ تمامًا على دورِ الشِّرِّيرة.”
ابتسمتْ رِينا ابتسامةً رقيقة، فارتسمتْ على وجهِ كايدن تعابيرُ عدمِ الرضا.
كانَ هذا هوَ الحالُ خاصةً لأنها قالتْ تلكَ الكلماتِ بوجهٍ لا يبدو أبدًا أنه يتناسبُ معَ دورِ الشِّرِّيرة.
“هذهِ ليستْ طريقتي. كما أنني لا أحبُّ أنْ تُثارَ ضدَّكِ أقاويلُ بلا داعٍ.”
“صحيحٌ. هذهِ هيَ طريقتي أنا وليست طريقتك. ومعَ ذلك، فقطْ ثِقْ بي وشاهدْني. أنا لا أهتمُّ بسوءِ الفهم الذي يقعُ فيهِ الآخرون.”
“أنا أهتمُّ.”
تذمَّر كايدن بوجهٍ عابس، فضحكتْ رِينا.
يبدو أنَّ اقتراحَها كانَ مُزعجًا جدًا بالنسبةِ له، هوَ الذي اعتادَ دائمًا على أنْ يكونَ في المقدمةِ ويحمي رجالَه.
لكنْ في هذهِ الحياة، كانَ دورُها هيَ أنْ تحميَه.
بالامتنانِ والشعورِ بالأسف، ستحمي رجالَه مِنَ الإمبراطورِ بأقصى ما لديها.
قالتْ رِينا بحزمٍ وكأنها لا تنوي التراجع:
“أنا أحتاجُ فقطْ أنْ يثقَ بي كايدن. أنتَ تعرفُ الحقيقةَ حتى لو لمْ يعرفْها الآخرون، وهذا يكفيني.”
ارتسمتْ على وجهِ كايدن تعابيرُ الذهول.
لقد استغربَ ثقتَها بهِ التي بدتْ طبيعيةً جدًا.
‘هلْ يمكنُها أنْ تثقَ بي هكذا على الرغمِ مِنْ أنني لمْ أُظهرْ لها أيَّ شيءٍ بعد؟’
بالطبع، لمْ يكنْ شعورُهُ بأنهُ أصبحَ شخصًا جديرًا بالثقةِ بالنسبةِ لها شعورًا مكروهًا.
تجنَّبَ النظرَ إليها وتمتمَ:
“أنتِ تعرفينَ كيفَ تُغيرين آراء الناس.”
“أشعرُ بالرضا عندما أسمعُ ذلكَ مِنْ كايدن!”
ردتْ رِينا بمرح، فضحكَ كايدن قليلًا وأضافَ:
“إذا احتجتِ إلى مساعدة، أخبريني في أيِّ وقت.”
***
بعدَ بضعةِ أيام، عُقِدَ اجتماعٌ اجتماعيٌّ لسيِّداتِ الشمالِ النبيلات.
كانتْ مُنظِّمةُ الاجتماعِ هيَ رِينا كرينسيا، التي تزوجتْ مؤخرًا وجاءَتْ إلى الشمال.
ولأنَّ الاجتماعَ كانَ مُقامًا مِنْ قِبَلِ الشخصيةِ الأكثرِ إثارةً للجدلِ في الشمالِ مؤخرًا، فقدْ تجمعتْ فيهِ معظمُ سيِّداتِ الشمالِ النبيلات.
السَّيدةُ ماري كانتْ هناكَ أيضًا.
كانتْ تتفحصُ الحلوياتِ المُعدَّةَ في الدفيئةِ وتَسخرُ داخليًا:
‘كأنها ليستْ مِنَ العائلةِ الإمبراطورية، أتتْ للتوِّ وبدأتْ تستعرض. الشمالُ مليءٌ بالبائسينَ الذينَ يتضورونَ جوعًا وبردًا في الخارج، وهيَ وحدها مرتاحةُ البال. تبًا!’
بسببِ ما حدثَ في الماضي، كانتْ تحملُ ضغينةً ضدَّ رِينا، لذا لمْ تَرَها بعينِ الرضى مُطلقًا.
في حينِ أنَّ السَّيدة ماري نفسَها لمْ تتبرعْ ولو لمرةٍ واحدةٍ مِنْ أجلِ الشمال، كانتْ تلومُ رِينا الآن.
ومعَ ذلك، أصرتْ على قبولِ الدعوةِ لتُظهرَ للعَلنِ أنَّ لديها علاقةً وديةً معَ رِينا.
لأنها مِنْ خلالِ الحادثةِ الماضية، أدركتْ أنَّ رِينا خصمٌ لا يمكنُ الاستخفافُ به.
“يا إلهي، الاسمُ مكتوبٌ هنا.”
في تلكَ اللحظة، عبَّرن السيدات اللاتي أقتربنَ مِنَ الطاولةِ عنْ إعجابِهم.
كانَ على كلِّ كرسيٍّ لوحةٌ تحملُ الاسمَ، بالإضافةِ إلى هديةِ ترحيب.
كانتْ الهديةُ عبارةً عنْ بروشٍ مصنوعٍ مِنْ حجرِ الأوبالِ الذي جلبتهُ رِينا كمهرٍ لها.
“يا للعجب، انظروا إلى هذا اللونِ المتلألئ.”
كانتْ الضيفاتُ كلهنَّ مُعجباتٍ ومُنشغلاتٍ بالنظرِ إلى البروش.
عندما رأتْ السَّيدةُ ماري ذلك، بدأتْ تبحثُ عنِ الكرسيِّ الذي يحملُ اسمَها.
عبَّرتْ السَّيدة ماري التي اتجهتْ نحو المقاعدِ الرئيسية، عنْ وجهِها المتجهِّمِ تدريجيًا.
لمْ تجدِ اسمَها مهما بحثتْ.
‘هذا لا ينبغي أنْ يحدث.’
أثناءَ بحثِها عنِ اسمِها بوجهٍ مُتوتّر.
اكتشفتْ السَّيدة ماري اسمَها في مكانٍ مُتوسط، فغضبتْ.
كانَ مكانُها أسوأَ مِنْ مكانِ زوجةِ البارونِ برينغتون التي كانتْ دائمًا تعتبرُها أدنى منها.
‘هلْ مِنَ المنطقيِّ أنْ أكونَ في مقعدٍ خلفَها؟ أنا مُربيةُ الآنسةِ داليا التي ستقودُ كرينسيا في المستقبل!’
كانَ هذا بمثابةِ إهانةٍ مُتعمَّدةٍ لها.
كانتْ السَّيدةُ ماري مترددةً ولمْ تستطعِ الجلوسَ على الكرسيّ.
“أوه، السَّيدة ماري. مرَ وقتٌ طويلٌ لمْ نرَكِ فيه.”
ألقتْ عليها زوجةُ البارونِ برينغتون التحيةَ وهيَ تغطي فمَها بالمروحة.
جلستْ على مقعدِها، ثمَّ سحبتْ كرسيَّ السَّيدة ماري وابتسمتْ.
بدا الأمرُ وكأنها تسخرُ منها، فحاولتْ السَّيدة ماري إخفاءَ يديها المرتعشتين.
‘هلْ هذا هوَ الأسلوبُ الذي ستتبعُه؟’
كانَ كبرياؤُها قدْ جُرِحَ بالفعلِ بسببِ حادثةِ السوط الماضية.
حاولتْ السَّيدة ماري جاهدةً أنْ تُهدئَ غضبَها المتأجِّجَ في الداخل.
شعرتْ أنَّ مُجرَّدَ فصلِ رِينا عنْ داليا لنْ يشفيَ غليلَها.
‘سأُري هذهِ الأميرةَ الثعلبةَ أنَّ الشمالَ ليسَ لقمةً سائغة.’
بينما كانتْ تحترقُ حقدًا في داخلِها.
في تلكَ اللحظة، دخلتْ رِينا، بطلةُ اليوم، إلى الدفيئة.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي
التعليقات لهذا الفصل " 27"