━━━●┉◯⊰┉ الفصل 26 ┉⊱◯┉●━━━
“هل ستكونَ أنتَ من سيذهبُ معي؟”
أشارَ كايدنَ إلى الفرسانِ برأسِهِ وقالَ بلا مبالاةٍ:
“عليهم أن يتدرَّبوا.”
تحرَّكتْ شفتا رينا قليلًا.
كادَتْ أن تقتنعَ للحظةٍ بسببِ نبرتِهِ العاديةِ جدًا.
ولكن أمسكتْ رينا بكايدنَ متأخِّرةً وقالتْ:
“لا حاجةَ أن تذهبَ بنفسِكَ.”
“لماذا؟ ألا ترغبينَ في الذهابِ معي؟”
“ليسَ هذا ما قصدتُهُ…”
أشاحتْ رينا بنظرِها وهيَ تُبهمُ كلامَها.
بالطبعِ، كانَ وجودُهُ معَها هوَ الأكثرُ طمأنينةً.
لكن، نظرًا للشخصِ الذي ستلتقي بهِ، كانت متردِّدةً أيضًا.
لم تكن تعرفُ كيفَ سيكونُ ردُّ فعلِهِ
إذا علِمَ أنَّها تشكُّ في السيدةِ ماري.
طالَ الصمتُ، فمالَ كايدنَ برأسِهِ ليُلاقي نظرَها وقالَ:
“ألا تعتقدينَ أنَّهُ لا يوجدُ فارسٌ أفضلُ منِّي؟”
“…”
“إذا كنتِ لا ترغبينَ حقًا، يمكنني إرسالُ شخصٍ آخرَ…”
“لا!”
أمسكتْ رينا بهِ بقوةٍ وهوَ يهمُّ بالانصرافِ، وقالتْ:
“ليسَ أنني لا أريدُ، لكن هناكَ أمرٌ لم أخبركَ عنهُ بعدُ.”
“لماذا؟ هل كنتِ تخطِّطينَ للقاءِ رجلٍ آخر دونَ علمي؟”
مزحَ كايدنَ، فأومضتْ رينا بعينيها.
في تلكَ اللحظةِ من الصمتِ، ضيَّقَ كايدنَ حاجبيهِ وسألَ:
“أحقًا؟”
“إنهُ رجلٌ بالفعلِ، لكن ليسَ بهذا المعنى.”
“رجلٌ إذًا؟”
نظرَ كايدنَ إليها بدهشةٍ، فقالتْ ليلي، التي لم تستطعْ تحمُّلَ الموقفِ:
“لقد اتَّفقتْ على لقاءِ معلمِ التاريخِ السابقِ للآنسةِ داليا.”
“لماذا تريدينَ لقاءَ ذلكَ الرجلِ؟”
نظرتْ رينا إلى كايدنَ الذي مالَ برأسِهِ متسائلًا، وقالتْ بهدوءٍ:
“سأشرحُ لكَ في الطريقِ.”
***
نظرَ البارونُ كلوم إلى الشخصِ الذي أمامَهُ بوجهٍ متوترٍ.
كانَ قد اتَّفقَ على اللقاءِ بعدَ تلقِّيهِ رسالةً من الدوقةِ الجديدةِ.
كلُّ ما أرادَهُ هوَ توضيحُ ظروفِ إقالتِهِ الظالمةِ.
لم يتوقَّعْ أبدًا أن يأتيَ دوقُ كرينسيا معَها.
كانَ توترُ البارونِ كلوم في ذروتِهِ أمامَ هذا اللقاءِ المفاجئِ مع شخصيةٍ رفيعةٍ.
في هذهِ الأثناءِ، كانَ كايدنَ يحدِّقُ في البارونِ كلوم، الذي كانَ يمسحُ عرقَهُ بمنديلٍ فقطْ.
“كنتُ أنوي الذهاب إلى هذا اللقاءَ بسببِ شكوكٍ تتعلَّقُ بإقالةِ البارونِ كلوم.”
“يبدو أنَّ اهتمامَكِ بالدروسِ مبالغٌ فيهِ بعضَ الشيءِ. هل هناكَ شيءٌ آخرُ في ذهنِكِ؟”
“سأخبركَ بعدَ لقاءِ البارونِ كلوم.”
لم يستطعْ كايدنَ فهمَ لماذا أصرتْ رينا على لقاءِ معلمِ التاريخِ السابقِ لداليا فجأةً.
في ذاكرتِهِ، أُقيلَ البارونُ كلوم لأنَّهُ حاولَ الاقترابَ من داليا بشكلٍ غيرِ لائقٍ واكتشفتْهُ السيدةُ ماري.
كانَ من الغريبِ بعضَ الشيءِ أن ترغبَ
في لقائِهِ بمفردِها.
شعرَ أنَّ رينا، التي تجوبُ العالمَ دونَ خوفٍ، كانت كالطفلِ الذي يُتركُ على شاطئِ البحرِ، مما جعلَهُ يشعرُ بالقلقِ عليها.
كانَ يميلُ إلى الاعتقادِ بأنَّ العالمَ ليسَ جميلًا إلى هذا الحدِّ، فزادَ قلقُهُ.
سألَ كايدنَ بموقفٍ متجهِّمٍ:
“إذًا، ما الذي تريدُ مناقشتَهُ مع زوجتي على انفرادٍ؟”
كانَ موقفُهُ وكأنَّهُ يتحدَّاهُ أن يتكلَّمَ إن استطاعَ، فشعرَ البارونُ كلوم بالرهبةِ تلقائيًا.
لكنَّهُ لم يطلبْ هذا اللقاءَ دونَ استعدادٍ. لذلك قالَ بوجهٍ عازمٍ:
“أولًا، أشكرُكما على حضورِكما للاستماعِ إلى قصتي.”
“لا، بل أنا من يجبُ أن يشكرَكَ لردِّكَ على رسالتي المفاجئةِ.”
أجابتْ رينا بلطفٍ، فاسترخى البارونُ كلوم أخيرًا وتابعَ:
“لا أعرفُ إن كنتم ستصدِّقونَني، لكن تلكَ الحادثةَ كانت سوءَ فهمٍ بالفعلِ. كانت الآنسةُ داليا قد ابتلعتْ حلوى عن طريقِ الخطأِ، فسدَّتْ مجرى هوائِها. حاولتُ في عجلةٍ من أمري إنقاذَها بالضغطِ على صدرِها من الخلفِ، لكن السيدةَ ماري دخلتْ فجأةً وغضبتْ دونَ سببٍ، وإلا لما تطوَّرتِ الأمورُ إلى هذا الحدِّ.”
عبَسَ البارونُ كلوم وهوَ يشرحُ مظلمتَهُ. حينها سألَهُ كايدنَ، الذي كانَ يستمعُ بصمتٍ:
“إذًا، لماذا لم تقلْ داليا شيئًا؟ إذا كنتَ بريئًا حقًا، لكانت قد دافعتْ عنكَ.”
“هذا ما يحيِّرني أيضًا. لا يمكنُ أن تكونَ الآنسةُ داليا جاهلةً بالأمرِ. حاولتُ التواصلَ معَها مراتٍ عديدةٍ، لكنني لم أتلقَّ ردًّا، مما جعلني محبطًا.”
عندَ سماعِ كلامِ البارونِ كلوم، بدا كايدنَ غارقًا في التفكيرِ.
قالتْ رينا، التي كانت تراقبُهما بهدوءٍ:
“ربما لم تصلْ رسائلُكَ إلى داليا.”
“لم تصلْ؟ هل تعنينَ أنَّ شخصًا ما منعَها عمدًا؟”
ردَّ كايدنَ متسائلًا، فأجابتْ رينا بالصمتِ بدلًا من الكلامِ.
ربما كانت السيدةُ ماري قد اعترضتْ رسائلَ البارونِ.
تابعَ البارونُ كلوم:
“بعدَ طردي، انتشرتِ الشائعاتُ، فلم أجدْ عملًا في الشمالِ. لذا تفاجأتُ عندما تلقَّيتُ رسالتَكما. أنا ممتنٌّ لأنني أستطيعُ أخيرًا توضيحَ الأمورِ.”
“سأتحدَّثُ مع داليا، وإذا تبيَّنَ أنَّكَ مظلومٌ، سنعوِّضُكَ.”
“شكرًا، سيدتي الدوقةُ.”
نهضَ البارونُ كلوم فجأةً وانحنى.
رغمَ أنَّ رينا لوَّحتْ بيدِها محرجةً، استمرَّ البارونُ في الانحناءِ بعينينِ محمرتينَ.
عندما أصبحَ الجوُّ أكثرَ ودِّيةً، بدأَ البارونُ كلوم يشرحُ تفاصيلَ الحادثةِ بثقةٍ أكبرَ.
بعدَ مغادرةِ البارونِ كلوم، تكلَّمَ كايدنَ، الذي ظلَّ صامتًا طوالَ الوقتِ:
“لستِ تصدِّقينَ كلَّ كلامِهِ، أليسَ كذلكَ؟”
كانَ وجهُهُ يظهرُ شكًّا واضحًا.
قالتْ رينا وهيَ تُرتبُ مكانَها:
“حسنًا، أعتقدُ أنَّ الأمرَ يستحقُّ التحقُّقَ على الأقلِّ.”
“العالمُ مليءٌ بالذينَ يكذبونَ دونَ أن يرفَّ لهم جفنٌ. يبدو أنكِ ترينَ العالمَ جميلًا أكثرَ من اللازمِ.”
نظرَتْ رينا إلى كايدنَ، الذي قدَّمَ تقييمًا لاذعًا، وقالتْ:
“يبدو لي أنكَ أنتَ من يرى العالمَ جميلًا أكثرَ من اللازمِ.”
“ماذا تعنينَ؟”
“على الأقلِّ، قبلتَ شخصًا مثلي دونَ شكٍّ.”
“هل أنتِ مثلهُ؟”
عبَسَ كايدنَ وهوَ يعترضُ، فأجابتْ رينا بهدوءٍ:
“ما الفرقُ؟”
“…”
“أنا أيضًا مجرَّدُ شخصٍ لم تعرفْهُ إلا منذُ وقتٍ قصيرٍ.”
أمامَ ردِّ رينا الهادئِ، فقدَ كايدنَ كلماتهِ للحظةٍ. فرأتْهُ رينا وقالتْ بهدوءٍ:
“ألم تجدْ الأمر غريبًا أنَّ معلمي داليا يتغيَّرونَ بكثرةٍ في الأشهرِ الأخيرةِ؟ هذا ما أثارَ استغرابي أكثرَ من غيرِهِ.”
“…”
“ربما تكونُ مخاوفَ مبالغًا فيها، لكنني راجعتُ أسبابَ استقالةِ المعلمينَ السابقينَ. وكلُّها قُرِّرتْ بناءً على شهادةِ السيدةِ ماري، وبشكلٍ أحاديٍّ للغايةِ دون الأخذ بعين الأعتبار القصة من طرفٍ ثانٍ.”
“هل تعنينَ أنَّ السيدةَ ماري مشبوهةٌ؟”
أومأتْ رينا برأسِها بلطفٍ وقالتْ:
“الأوقاتُ تبدو متزامنةً بشكلٍ لافتٍ. بدأتْ هذهِ الأمورُ بعدَ وفاةِ الدوقةِ الصغيرةِ مباشرةً.”
عندَ ذكرِ الدوقةِ الصغيرةِ، أصبحَ تعبيرُ كايدنَ جديًا جدًا.
عندَ التفكيرِ في الأمرِ، لم يكنْ إيدن يعتني بداليا كثيرًا مؤخرًا بسببِ وفاةِ زوجتِهِ.
كانَ هوَ نفسُهُ منشغلًا بالتحضيرِ للحربِ ضدَّ الوحوشِ التي تحدثُ كلَّ مئةِ عامٍ، فأصبحتْ داليا في المرتبةِ الثانيةِ أمام أولوياتهِ مؤقتًا.
عندما أدركَ الظروفَ التي ربما سمحتْ للسيدةِ ماري بالتحكُّمِ بداليا، شعرَ بغضبٍ يغلي من داخلِهِ.
كيفَ تجرَّأتْ على محاولةِ السيطرةِ على ابنةِ أخيهِ؟
لكن الشعورَ التالي كانَ إحساسًا عميقًا بالذنبِ.
في النهايةِ، كانت هذهِ نتيجةَ إهمالِ الطفلةِ بسببِ ظروفِ الكبارِ.
“حتى لو كانت داليا وريثتي، إلا أنني لا أستطيعْ
مراقبةَ كلِّ من يثقُ بهِ إيدن.”
“أتفهَّمُ هذا.”
نظرتْ رينا إليهِ بعطفٍ وهوَ يبدو مشوشًا.
كانَ واضحًا أنَّهُ يشعرُ بالذنبِ الشديدِ لإهمالِهِ ابنةَ أخيهِ.
وعلى غرار هذا…سألَ بنبرةٍ منخفضةٍ:
“هل من الممكنِ أن تكونَ السيدةُ ماري قد أساءتْ إلى داليا؟”
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي
التعليقات لهذا الفصل " 26"