━━━●┉◯⊰┉ الفصل 25 ┉⊱◯┉●━━━
عبَسَ كايدن وكأنَّ طلبَ رينا كانَ أمرًا بديهيًا لا يحتاجُ إلى السؤالِ:
“هل ظننتِ أنني سأترككِ وحدكِ في عيدِ ميلادكِ؟”
“حسنًا… أنتَ مشغولٌ جدًا لذا…”
تردَّدتْ رينا وهيَ تُحرِّكُ يديها بتوترٍ.
كانت تخشى قدومَ عيدِ ميلادها القادمِ.
قبلَ عودتها في الزمنِ، تحمَّلتْ الحمَّى وحدَها حتى غرقَ العالمُ في الظلامِ داخل ذهنها المُرهق.
ثم رأتْ أولَ نبوءةٍ لها.
كانت تعرفُ جيدًا كيفَ أدَّتْ تلكَ النبوءةُ إلى انهيارِ حياتها، ولهذا كانَ الخوفُ يعتصرُها أكثرَ.
لقد جمعتْ شجاعتها لتقولَ ذلكَ، لكنَّ تعابيرَ كايدن المتجهِّمة جعلتها تخافُ قبلَ أوانِها.
“أنا بخيرٍ. يمكنني البقاءُ وحدي.”
غيَّرتْ رينا كلامَها بسرعةٍ وركَّزتْ على الطعامِ في طبقِها وكأنَّها تدفنُ أنفَها فيهِ.
عبثَ كايدنَ بشعرِهِ الخلفيِّ وهوَ يرى مظهرَها المتوتر، وقالَ:
“لطالما شعرتُ بذلكَ، لكن يبدو أنكِ ترينني إنسانًا فظًا جدًا.”
“ماذا؟”
“أيُّ رجلٍ يتركُ زوجتَهُ وحدَها في عيدِ ميلادِها؟”
“…”
“لن أترككِ وحدَكِ، فلا تظهري هذا التعبير.”
فتحتْ رينا فمَها بدهشةٍ.
ثم نظرتْ بذهولٍ إلى كايدنَ وهوَ يتفوَّهُ بكلماتٍ نابيةٍ خفيفةٍ بينما يشربُ الماءَ بنهمٍ.
كلماتُهُ التي وعدَها فيها بعدمِ تركِها وحدَها بدتْ حلوةً بشكلٍ غيرِ متوقَّعٍ.
على الرغمِ من أنَّهُ وبَّخَها، إلا أنَّ الابتسامةَ ظلَّتْ تتسرَّبُ منها.
“شكرًا.”
“لا تشكريني على أمورٍ بديهيةٍ.”
“لكنني ممتنةٌ حقًا.”
ابتسمتْ رينا بمرحٍ، فضحكَ كايدنَ ضحكةً خافتةً.
كيفَ يمكنُ لتعبيرها أن يتحوَّلَ من الكآبةِ إلى هذه الإبتسامةِ البريئةِ كالأطفالِ؟
“إذا كنتِ ترغبينَ في الذهابِ إلى مكانٍ ما في ذلكَ اليومِ، أخبريني.”
كانت رينا تعلمُ أنَّ الحمَّى ستمنعُها من الذهابِ إلى أيِّ مكانٍ، فأجابتْ ببساطةٍ:
“سأفكِّرُ في الأمرِ.”
***
تلقَّتْ رينا من الخادمِ دايف قائمةً بأسماءِ معلمي داليا السابقينَ.
كما قالَ كايدن، كانَ معظمُهم قد أُقيلوا بسببِ أمورٍ غيرِ لائقةٍ.
بينما كانت تتفحَّصُ القائمةَ بعنايةٍ، لاحظتْ رينا شيئًا غريبًا.
كانَ المشتكي في جميعِ الحالاتِ هوَ السيدةُ ماري، وكانت القضايا تُحلُّ بناءً على شهادتِها وحدها دونَ أدلةٍ ماديةٍ واضحةٍ.
استدعتْ رينا ليلي على انفرادٍ وأرسلتْ رسالةً إلى البارونِ كلوم، المعلمِ التاريخيِّ الذي أُقيلَ مؤخرًا.
وكانَ الردُّ الذي تلقَّتهُ مفاجئًا.
[لم أتوقَّعْ أن ترسلَ الدوقةُ بنفسِها رسالةً إليَّ.
كنتُ أشعرُ بالضيقِ بسببِ تلكَ الحادثةِ. أودُّ مناقشةَ التفاصيلِ بهدوءٍ وجهًا لوجهٍ.
إذا أخبرتني بالوقتِ المناسبِ، سأرتبُّ مكانًا هادئًا للقاءِ.]
بينما كانت رينا تستعدُّ للقاءِ البارونِ كلوم، سألتْها ليلي بنبرةٍ قلقةٍ:
“هل ستذهبينَ لمقابلتِهِ حقًا؟”
“يجبُ أن أفعلَ. لم أسمعْ بعدُ الجانبَ الآخرَ من القصةِ.”
“ومعَ ذلكَ، أنا قلقةٌ. ماذا لو كانَ البارونُ كلوم يحملُ ضغينةً ونصبَ فخًا؟ قد يحاولُ خطفَكِ للحصولِ على مكاسبَ كبيرةٍ!”
“هذا يبدو مبالغًا فيهِ بعضَ الشيءِ…”
“أنتِ لا تعرفينَ، سيدتي. في الشمالِ، هناكَ الكثيرُ ممن يتربَّصونَ بكِ. ألا يمكنكِ إخبارُ الدوقِ؟ اطلبي منهُ زيادةَ الحراسةِ.”
“همم.”
لم تستطعْ رينا رفضَ الطلباتِ المتكررةِ من ليلي، فتردَّدتْ.
لم يكن هناكَ ضمانٌ أن البارونَ كلوم بريءٌ فقط لأنها تشكُّ في السيدةِ ماري.
في النهايةِ، قرَّرتْ التوجُّهَ إلى كايدن لطلبِ حراسةٍ لذلك اتجهتْ إلى ساحةِ التدريبِ.
عندما وصلتْ إلى ساحةِ التدريبِ، سمعتْ صوتَ هتافٍ عالٍ مصحوبًا بصوتِ تصادمِ الحديدِ.
كانت التوتراتُ تملأُ ساحةَ التدريبِ حيثُ كانَ التدريبُ العسكريُّ في أوجِهِ.
“يبدو أنهم في تدريبٍ مشتركٍ.”
لم تستطعْ رينا الدخولَ بتهورٍ، فهمستْ ليلي وهيَ تُجهِّزُ مكانًا للجلوسِ.
جلستْ رينا بطاعةٍ ونظرتْ إلى كايدنَ.
كانَ يتغلَّبُ بسهولةٍ على الفرسانِ الذينَ يهاجمونَهُ بقوةٍ، وهوَ يتحرَّكُ بثقةٍ واضحةٍ.
كانت تشاهدُ بحماسٍ حركاتِهِ الخاليةَ من الزوائدِ وهوَ يصدُّ الفرسانَ، وحينها… ألقى أحدُ الفرسانِ رمحًا باتجاهِ رينا بالخطأِ.
ظنَّتْ ليلي، التي كانت مطمئنةً لأنَّ المسافةَ بعيدةٌ، أنَّ الرمحَ لن يصلَ، لكنها صرختْ عندما رأتْ الرمحَ يطيرُ بقوةٍ نحوَهما.
“سيدتي!”
عندَ سماعِ صرختِها، لاحظَ كايدنَ وجودَهما متأخرًا وألقى سيفَهُ بسرعةٍ.
تشانغ—!
معَ صوتِ تصادمِ الحديدِ، انحرفَ الرمحُ عن مسارِهِ.
كراااك–!
غرزَ الرمحُ في مكانٍ ليسَ بعيدًا عن رينا، فابيضَّ وجهُ ليلي من الخوفِ.
في المقابلِ، كانت رينا هادئةً بشكلٍ غريبٍ، بل وهدَّأتْ ليلي المذعورةَ.
“أنا بخيرٍ. هل أنتِ خائفةٌ جدًا؟”
“س– سيدتي! هل– هل أنتِ حقًا بخيرٍ؟ كانَ ذلكَ خطيرًا جدًا!”
“نعم، أنا بخيرٍ.”
قالتْ رينا بلا مبالاةٍ وهيَ تهزُّ كتفيها.
في البدايةِ، تجمَّدَ جسدُها من الخوفِ عندما استهدفَها الرمحُ، لكنها رأتْ تصرفَ كايدنَ بعدها مباشرةً.
كانت تثقُ أنَّ كايدنَ لن يخطئَ.
بل شعرتْ بالأسفِ لأنها ربما أزعجتْ وقت التدريبَ.
اقتربَ كايدنَ وأمسكَ بكتفي رينا.
“هل أنتِ بخيرٍ؟”
“شكرًا، لقد أنقذتني.”
ابتسمتْ رينا بابتسامةٍ خفيفةٍ، فتنفَّسَ كايدنَ بعمقٍ.
كانت هادئةً بشكلٍ مدهشٍ لشخصٍ كادَ يموتُ.
الذي صُدمَ حقًا كانَ كايدنَ.
لو تأخَّرَ قليلًا، لكانت رينا قد أُصيبتْ بجروحٍ خطيرةٍ.
كانَ قلبُهُ يخفقُ بقوةٍ لا يستطيعُ السيطرةَ عليها.
بينما كانَ كايدنَ يهدِّئُ أنفاسَهُ، اقتربَ الفارسُ الذي ألقى الرمحَ مرتبكًا.
“أعتذرُ، سيدي! لقد انفعلتُ دونَ قصدٍ وأخطأتُ في توجيهِ الرمحِ. لم أتوقَّعْ أن تكونَ الدوقةُ في تلكَ الجهةِ. لقد ارتكبتُ ذنبًا يستحقُّ الموتَ!”
رأى كايدنَ الفارسَ وهوَ ينحني معتذرًا، فتمتمَ بحدةٍ:
“قلتُ إنَّ إلقاءَ الرمحِ في فنِّ الرمحِ يتطلَّبُ نقطةَ تصويبٍ مؤكَّدةً. ألم أكرِّرْ أنَّ الخطأَ قد يؤدِّي إلى هجومٍ مضادٍ؟”
“…”
“لو كانت هذهِ معركةً حقيقيةً، لما أصبتَ شخصًا بريئًا فحسبْ، بل كنتَ ستفقدُ حياتَكَ أيضًا.”
“أعتذرُ، سيدي.”
لم يجد الفارسُ ما يقولُهُ حتى لو كانَ لديهِ فمينِ، فأطلقَ تنهيدةً عميقةً لخطئِهِ.
عندما أصبحَ الجوُّ ثقيلًا، أمسكتْ رينا بكمِّ كايدنَ.
“أنا حقًا بخيرٍ.”
“بخيرٌ؟ هذا لا يُسمَّى بخيرٍ…!”
رفعَ كايدنَ صوتَهُ بنزقٍ وهوَ يغضبُ من ردِّها الهادئِ.
قالتْ رينا بنبرةٍ هادئةٍ:
“بالطبعِ، كانت لحظةً خطيرةً، لكنني شعرتُ بالأمانِ عندما رأيتكَ. كنتُ أعلمُ أنكَ ستنقذني.”
“ماذا؟”
“في النهايةِ، بفضلكَ، لم أُصَبْ بأيِّ أذى. يبدو أنَّ الفارسَ نادمٌ بما فيهِ الكفايةُ، فلا تضغطْ عليهِ كثيرًا.”
نظرَ كايدنَ إليها بذهولٍ.
بطريقةٍ غريبةٍ، هدأَ غضبُهُ بشكلٍ مذهلٍ بسببِ كلماتِها.
“هل اطمأننتِ بمجردِ ذلكَ؟”
“لا يوجدُ في الإمبراطوريةِ فارسٌ يضاهيكَ مهارةً.”
كلماتٌ خاليةٌ من أيِّ شكٍّ.
كانت تلكَ الكلماتُ بمثابةِ سحرٍ جعلَ التوترَ الذي سادَ المكانَ يتلاشى بشكلٍ مذهلٍ.
“أنتِ تقولين كلامًا غريبًا حقًا…”
رأى الفارسُ كايدنَ وهوَ يبتسمُ بخفةٍ، فصُدمَ.
كانَ يتوقَّعُ تأنيبًا قاسيًا وعقوبةً شديدةً.
كانَ دوقُ كرينسيا أكثرَ قسوةً أثناءَ التدريبِ.
لم يكنْ هناكَ من يستطيعُ تهدئةَ غضبِ دوقِ كرينسيا حتى الآنَ.
حتى مساعدُهُ بِن كانَ يتجنَّبُهُ في مثلِ هذهِ اللحظاتِ.
لكن الدوقةَ، التي وصلتْ إلى الشمالِ مؤخرًا، هدَّأتْ غضبَهُ بسهولةٍ مذهلةٍ.
أدركَ الفارسُ سريعُ البديهةِ الوضعَ على الفورِ.
خلافًا للشائعاتِ، كانت علاقةُ الدوقِ والدوقةِ
جيدةً جدًا.
بل ربما كانت الدوقةُ هيَ من تسيطرُ على الدوقِ.
بينما كانَ الفارسُ ينظرُ إلى رينا بإجلالٍ لأنها أنقذتْهُ من جحيمِ عذابِ الدوق، قالَ كايدنَ بنبرةٍ منخفضةٍ:
“اقتلعْ الرمحَ وعدْ.”
أجابَ الفارسُ بسرعةٍ وأمسكَ الرمحَ واختفى.
نظرَ كايدنَ إليهِ بحنقٍ، ثم سألَ رينا:
“وما الذي جاء بكِ إلى هنا دونَ سابقِ إنذارٍ؟”
“آه، أنوي الخروجَ، وأحتاجُ إلى حراسةٍ.”
“حسنًا.”
صرخَ كايدنَ بالفرسانِ في ساحةِ التدريبِ:
“أكملوا التدريبَ المتبقي بأنفسِكم.”
“نعم، سيدي!”
أجابَ الفرسانُ بانسجامٍ ونظَّموا صفوفَهم.
ألقى الدوقُ نظرةً سريعةً عليهم، ثم وضعَ سيفَهُ في غمدِهِ وقالَ:
“هيا بنا.”
“ماذا؟”
“ألم تطلبي حراسةً؟”
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي
التعليقات لهذا الفصل " 25"