في قبوٍّ سفليٍّ لا يضيئُه إلّا بصيصُ ضوءٍ من شمعةٍ ذابلةٍ وحيدة…
أفاقَت رَيْنا من غفوتها الّتي أشبهَتِ الموتَ، على وَقْعِ خُطى غريبةٍ لم تألَفْها أُذُناها.
‘مَن هناك؟’
منذُ أن سُلب منها بصرُها، ازدادت حواسُّها حدّةً حدَّ الألم، وبسببها أدركت فورًا…
أنّ القادمَ ليس الإمبراطور.
هذا المكان لم يكن يُسمَحُ لأحدٍ بولوجه سوى الإمبراطور نفسِه.
ومع ذلك، ها هو ذا دخيلٌ غيره يسيرُ هنا.
نهضت رَيْنا بهدوءٍ مِن موضعها، وقد أيقنت أن النبوءَةَ الأخيرةَ التي نطقت بها قد تحقَّقت،
وأنّ الثورةَ الّتي تعثّرَت طويلًا…قد نجحَت.
‘مضى على ذلك عَقدٌ من الزمن…ربّما.’
في ما مضى، كانت تُنادَى بـ’الأميرة’ أمّا الآن…
فلا أحد يذكُرُ مَن هي، ولا اسمَها، فمنذ أن انكشفت قدرتُها على التنبّؤ، وسُلِب منها بصرُها، قد احتُجِزت في ظُلمةٍ لا يبلُغُها ضوء.
النبوءة كانت تأخذُ من عمرها، والإمبراطور…لم يكن ليعبَأ بحياةِ ابنتِه أصلًا.
لقد جعل من قُوَّتِها سلاحًا لحربه التوسُّعيّة الّتي طالما حلمَ بها.
‘حَتّى لو فقدتِ حياتَكِ، فأَثبتي أنكِ نافعة…فالأميرةُ العاجزةُ عن النفع، لا تستحقّ الحياة.’
وإن صمتَت…أجبَرَها على الكلام بتعذيبٍ لا يُحتمل.
لم يُبالِ بجسدها الذابل الّذي أخذَ يَنحلُّ كلّما استُنزِفت قواها بعد كُلِّ نبوءةٍ.
وربّما لهذا السبب… كذبت رَيْنا عليه في غفلةٍ منه.
‘دوقُ كرينسيا…ستكونُ هذه حربَه الأخيرة.’
حين نطقت بنبوءةِ موتِ خصمه اللدود، ارتسمت على وجه الإمبراطور ابتسامةٌ مشبَعةٌ بالرضا.
ولم يُدرِك المعنى الحقيقيّ لـ ‘حربَهِ الأخيرة’…
ومنذ ذلك الحين، لم يعُد يَطلُّ عليها.
فقد ظنّ أنّها باتت عاجزة، وأن لا شيء يُرتجى منها.
وهكذا…دنت ساعةُ رحيلِها، بعدَ راحةٍ عابرةٍ من عذابِ الأمبراطور لم تَكُنْ سوى سرابٍ بالنسبةِ لها.
‘أخيرًا…سأرتاح…’
جلست جلوسَ من يَنتظرُ موتَهُ في سكون، تُحدِّقُ بعينَيها العمياءَين في فراغٍ لا تُبصرُه.
ثم…توقّفت الخُطى أمامها.
لكنّ القادمَ لم ينطقْ، بل خُيِّل إليها أنّه يتأمّل حالَها.
وفي صمتٍ يخنقُ الأنفاس، قال صاحبُ الصوتِ أخيرًا:
“الأميرة رَيْنا… هل تستطيعين الوقوفَ وحدكِ؟”
‘…!’
ارتفعَ رأسُها من فوره حين سمعت هذا اللقب، ولم يكن الدافعُ مجرّدَ اندهاشٍ فقط…
بل إنّ القادمَ كان نقيضًا لما توقّعت.
مَن كان يظنّ أن الأميرةَ التي قيل إنّها ماتت مريضة، ما زالت حَيّةً، مُحتجَزةً في ظُلمةِ القصر؟!
أدركَت رَيْنا هُويّتَه، فابتسمت ابتسامةً باهِتة:
“لا تُخبرني…بأنّك جئتَ لتُنقِذَني؟”
“وإن كُنتُ كذلك؟”
“لا يَنبغي لك هذا. أنت قائدُ المُتمرّدين…وأنا ابنةُ الإمبراطور. يجب أن تحافظ على الشّرعيّة. وها أنت تعلمُ أنّني كنت أُعينُ الإمبراطورَ في حربه التوسّعية.”
“لستُ ممّن يهتمُ بمثل هذهِ التُّرَّهات. فهذه ليست طريقتي.”
“أنا…لم يَعُدْ لي حياةٌ لأعودَ إليها–”
قاطعَها كايْدِن فجأةً وهو يَرفعها بين ذِراعَيه بخفّة.
التعليقات لهذا الفصل " 1"