ومع أنني مددت يدي بخفة، إلا أن السحلية اقتربت بسرعة، وأخذت تدلك وجنتها على راحتي كما لو كانت تتدلّل.
كان ملمسها دافئًا، ملساء كحصاة جميلة دفئتها الشمس… شعرت براحة غامرة، كما لو أنني التقيت شيئًا كنت أفتقده منذ زمن. إحساس بالحنين اجتاحني فجأة…
وبينما كنت مستسلمة لذلك الشعور، تناولت الزهرة التي قدمتها لي السحلية بكل عناية. ثم، وكأنني مُسحورة، فتحت شفتيّ وقلت:
“هل ترغبين في الدخول؟”
— بييب!
ويا للمفاجأة، إذ هزّت السحلية—أو بالأحرى بييك—رأسها فورًا علامة على الموافقة. كيف فهمت كلامي؟
على كل حال، أدخلتُ بييك إلى المنزل.
ولم أنسَ أن أمسح باطن قدميها بمنشفة مبللة قبل الدخول، حتى لا تترك آثار أقدام على الأرض.
— بييب…
دخلت بييك المنزل ماشية على قدميها، تطلق أنينًا طويلاً وناعمًا، وتدور بعينيها في أرجاء الغرفة. اتساع عينيها الحمراوين أعطاني انطباعًا بأنها صُدمت من مدى اتساخ المكان… أو ربما كنت أتخيل فقط.
وفي تلك اللحظة تمامًا، دينغ دونغ—رنّ جرس الباب.
— بيب!
تركتُ بييك المذعورة من الصوت خلفي، وذهبت لاستلام الطعام.
وسرعان ما ملأت رائحة الطعام الشهي أرجاء الغرفة، فذاب حذر بييك في لحظة. رأيتها ترفع أنفها نحو الرائحة، وأذناها مطويتان للوراء وهي تستنشق بشغف.
فرشت المائدة الصغيرة على أرض الغرفة، وتهيأت لتناول الطعام، ثم أخذت قضمة من قطعة دجاج.
لكنني شعرت بنظرات بييك الثابتة عليّ، فتحدثت إليها بعفوية:
“هل ترغبين في الأكل؟”
ترددت بييك لبرهة، ثم أومأت برأسها بحذر.
تساءلت إن كان بإمكان السحالي أكل لحم الدجاج، لكن يدي وجدت نفسها تختار لها جزءًا غير حار.
بما أنها تفهم لغة البشر، فلن يؤذيها القليل من الدجاج… أليس كذلك؟
قطعت لها قطعة صغيرة وقدمتها، فتناولتها بلمح البصر. ومع كل حركة لفمها، كانت أذناها ترتعشان بتناغم لطيف، على نحو يفوق الاحتمال.
‘لكن… أشعر أنني رأيت هذا المشهد من قبل…’
وبينما كنت أقطّب جبيني محاوِلةً تذكّر مكان تلك الرؤية، اتسعت عينا بييك فجأة وهي تمضغ الدجاج.
كدت أرى دموعًا تترقرق في عينيها، ثم تشبّثت بقوة بثيابي، وبدأ جسدها يرتعش بالكامل، كمن يحاول تحمّل ألمٍ حارق. فجأة، انحنت للأمام برأسها وبدأت تصدر صوت حازوقة.
— بيي… كك، بيب. بييب— بيب.
يا للعجب! لقد أعطيتها جزءًا لا يحتوي على أي توابل، لكن يبدو أن نكهة الفلفل الحار قد تسربت إليه.
ومع ذلك… هل يُعقل أنني رأيت شرارة نار تتطاير من فمها في كل مرة تفتحه؟ لا، لا بد أنني أتوهم.
قدمتُ لها المشروب البارد الذي جاء مع وجبة الدجاج الحارة، فتناولته بكلتا يديها وشربته دفعة واحدة، ثم أطلقت تنهيدة ارتياح عميقة.
– بيييب…
“هل كان حارًا إلى هذه الدرجة؟”
– بييب.
أومأ بييك برأسه الصغير، ثم تسلّق إلى حجري واستلقى ملتفًّا مثل قطة، رافعًا عينيه نحوي بنظرة ثابتة. كان في عينيه إصرار غريب، وكأنه لا ينوي أن يحيد بنظره عني ولو لثانية، مما أشعرني بشيء يصعب وصفه.
‘يُشبه ذلك الرجل الذي رأيته قبل قليل…’
وبلا وعي، مددتُ يدي لأداعب ذقن بييك، تمامًا كما لو كنت أُداعب قطة.
تجاوب بييك مع لمستي بألفة، وكأنه اعتاد على يد البشر، بل وأغمض عينيه وأصدر صوت خرير خافت كمن يستمتع.
…لكن مهلاً، منذ متى بدأت أنادي هذه السحلية بـ”بييك”؟ ولماذا أتعامل معها بتلقائية وكأنها حيوان أليف يخصّني؟
راودني القلق للحظة… هل من الحكمة أن أسمح لكائن لا أعرف أصله أو طبيعته بدخول منزلي بهذه البساطة؟
لكن ذاك القلق تلاشى، كأنه لم يكن، ما إن التقت عيناي بتلك العينين الحمراوين المليئتين بالبراءة والهدوء.
‘طالما أنه لطيف، فذلك يكفي.’
تفكير لم أكن لأتبنّاه في الأحوال العادية، لكنني، دون أن أشعر بأي غرابة، قبلته ببساطة.
بعدما أنهيت وجبة الدجاج والبيرة، وقف بييك فجأة وكأنه كان ينتظر تلك اللحظة، وبدأ بتنظيف الطاولة. لم يكتفِ بذلك، بل غسل الصحون ورمى القمامة التي كنت أؤجّل التخلص منها بسبب كسلي.
وخلال ذلك، ظل يصدر أصوات “بييب بييب” وهو يطلب مني أن أبقى جالسة وألا أتدخل. كان مذهلًا حقًا أن جسده الصغير يُدير المنزل بكفاءة تفوقني!
‘ليست ربة منزل سحرية، بل… بييك سحري؟’
تساءلت في نفسي إن كنت أحلم، فقرصت خدي. لكن الألم الذي شعرت به أكّد لي أنه ليس حُلمًا. فحقًا… من أين جاءتني هذه السحلية الذكية بحق السماء؟
– بييب!
رفرف بجناحيه – اللذين كنت أظنهما مجرد زينة – ثم حط أمامي بكل فخر بعد أن أنهى الأعمال المنزلية.
وبدا وكأنه ينتظر مديحًا، فربّتُّ على رأسه. وما إن فعلت، حتى ابتسم ابتسامة مشرقة وفرك خده براحة يدي.
…لسببٍ ما، جعلتني تلك الابتسامة أشعر بوخزة في قلبي. شيء دافئ وثقيل تملكني فجأة، وكدت أبكي.
‘هل هو تأثير أجواء الخريف؟’
وبينما كنت غارقة في أفكاري، بدا أن خاطرًا خطر لبييك، فتورد وجهه فجأة وتراجع إلى الخلف بخجل.
ثم شبك يديه كعضوٍ في جوقة غنائية، وبدأ يتمايل يمينًا ويسارًا وهو يغني:
– بي… بييب، بيييب، بيييييب–
“……”
– بييب، بييييييب، بيييب–
“……”
– بيييييييييب… بيب، بيييب!
ورغم أن كلماته لم تتعدّ “بييب”، لم يكن غناؤه سيئًا. ربما كان متوترًا قليلًا، لكن صوته وإيقاعه بديا منسجمين بشكل مدهش.
صفقت له بحرارة فور انتهائه من الغناء. فغمره الخجل وأخذ يحاول إخفاء وجهه بيديه الصغيرتين، ثم استدار ببطء.
وبعد تردد قصير، وكأنه يجمع شجاعته، بدأ فجأة بأداء رقصة غريبة مستخدمًا وركيه، بلا أي إنذار.
– بي… بييب! بيييب!
انفجرتُ ضاحكة. بحق السماء، من أين أتى هذا المخلوق الظريف والمذهل؟!
وبينما كنت أضحك بلا توقف، نظر إليّ بييك بحذر، ووجهه الأحمر كالتفاحة يهتز مع كل حركة من حركات رقصه.
ثم، وفور انتهاء الرقصة، جرى إليّ وأطلق صرخات متوترة وكأنه يسألني: “كيف كان أدائي؟”
– بييب… بيييب، بيييب؟
“لقد كنت رائعًا.”
تعبيرًا عن امتناني للضحكة الكبيرة التي منحني إياها، احتضنتُ “بييك” وقبّلتُ أنفه بخفة.
وفي لحظة، تلاشت نظرات القلق عن وجهه، فألقى بنفسه في أحضاني بقوة.
ثم تبِع ذلك قُبلة طائر قصيرة جدًا منه، فتركته يفعل ما يشاء دون اعتراض.
في تلك الليلة، قضيتُ وقتًا ممتعًا مع “بييك”.
لكن مع اقتراب الفجر، غلبني التعب دون أن أشعر، وغفوت قليلًا. وحين فتحت عيني في الصباح، كان “بييك” قد اختفى تمامًا، وكأن وجوده لم يكن سوى حلمٍ عابر.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
ورغم أن السحلية التي رافقتني حتى وقت متأخر من الليل اختفت فجأة، لم يساورني شك، فاتجهت في اليوم التالي إلى المقهى المعتاد قرب منزلي.
كعادتي، طلبتُ كوبًا من القهوة وجلستُ أحدّق عبر النافذة المشمسة، أستمتع بلحظة من السكون والفراغ.
وعندها—
“……”
ظهر أمامي الرجل الأشقر الذي رأيته بالأمس.
كان يرتدي البدلة الرسمية ذات اللون البيج نفسها، ويحمل في يده كتابًا بدا واضحًا من مجرد نظرة عابرة.
وأشار بيده إلى الكرسي المقابل، وكأنه يسأل إن كان بإمكانه الجلوس. لم يدم اندهاشي طويلًا، فأومأت له بالموافقة.
وما إن جلس، حتى أخذ يُمعن النظر إليّ بعمق، بنظرة ذكّرتني على الفور بـ”بييك”، مما أشعرني بشيء من الألفة، فانفلت من فمي سؤال عفوي:
“هل نِمتَ جيدًا؟”
أومأ برأسه بلطف، وفتح فمه ليقول شيئًا، لكنه سرعان ما أغلقه مجددًا حين أدرك أننا لا نتحدث اللغة ذاتها. ثم مدّ إليّ الكتاب الذي كان يحمله بحذر.
حين رأيتُ عنوانه، اعترتني الدهشة:
[إتقان اللغة الكورية خلال 3 أشهر]
هل يعقل أنه يطلب مني أن أعلّمه؟ حين رمقته بنظرة متسائلة، أومأ بخجل.
أوه…
ورغم أن الأمر بدا غريبًا قليلًا، إلا أنه لم يكن طلبًا سيئًا. وبما أنني لم أكن منشغلة، وافقت بسرور على تعليمه.
منذ ذلك اليوم، بتُّ ألتقيه بانتظام لأعلّمه اللغة الكورية.
وكان مجتهدًا بقدر ما كان وسيمًا، إذ كان يؤدي كل ما أكلّفه به من واجبات، بل يراجع الدروس مسبقًا ويتقنها أيضًا.
وبعد فترة قصيرة، عرفت أن اسمه “رينوس”، وأنه جاء من بلد بعيد يُدعى “أرجينتايم” بحثًا عن امرأة.
“تقول إن تلك المرأة تُشبهني؟”
“ليست… تُشبهكِ… بل… أنتِ…”
ردّ “رينوس” متلعثمًا، لا يزال يفتقر إلى الطلاقة.
آه، فهمت. لا يقصد أنها تُشبهني، بل أنا تلك المرأة.
لقد سئمت من سماع هذه العبارة حتى رسخت في أذني، فتجاهلتها ببرود:
“نعم، فهمت. لكنني حقًا لا أتذكر ذلك.”
حين قطعتُ الحديث بتلك الجملة الصارمة، ارتسم الحزن على ملامحه. لكنه سرعان ما استعاد عزيمته، وأمسك بيديّ كلتيهما متوسلًا:
“عندما نعود… ستعود ذاكرتك.”
“أنا أيضًا أود ذلك، لكن عملي مزدحم جدًا هذه الأيام… لا يمكنني أخذ إجازة.”
وكان ذلك صحيحًا، فقد كنت أعود من العمل قرابة منتصف الليل كل يوم.
حين أدرك “رينوس” رفضي الضمني، عضّ شفته السفلى يأسًا، ثم تمتم لنفسه بصوت خافت، ل
كن كلماته وصلتني واضحة:
“لم يتبقَ الكثير من الوقت…”
“آه… هل عليك أن تعود؟”
“نعم. لذا أرجوكِ… ألا يمكنكِ أن تأتي معي؟”
كان صوته المتوسل يكاد يُدمي القلب.
═══∘ ° ❈ ° ∘═══
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 174"