مع أنّني أنا من استدرجته، لم أجد ما أقوله عندما رأيته يظهر بهذا الشكل.
إذ إنّ الظهور دون زيّ الكهنة يُعد إخلالًا بالإيمان، ويبدو أنّ المعبد بأسره اتفق ضمنيًّا على التغاضي. لكن الآن، لم يقتصر الأمر على كشف مدى عمق الفساد الداخلي، بل بلغ حدّ الفضيحة أمام الإمبراطورية بأسرها.
“……ما هذا المنظر بحقّ السماء؟”
كان الإمبراطور، الذي لم يكن يحمل أي ودٍّ للمعبد بسبب حادثة العبث بدواء رينوس، قد تجمّدت تعابيره عند رؤيته لهذا المشهد المهين.
ولم يكن الإمبراطور وحده؛ بل ارتسمت على وجوه جميع الحاضرين تعابير تدلّ على أنّهم شهدوا أمرًا مشينًا.
بلغ التوتّر ذروته حين سأل فتى صغير من النبلاء، وهو يمسك بيد والدته، سؤالًا بريئًا:
“أمي، لماذا قداسة البابا شبه عارٍ؟ ألا يشعر بالبرد؟”
ضحك أحد الكهنة رفيعي المستوى، ثم قال بلطف: “هذا رداء مقدّس منسوج بخيوط الأرواح. إذا نظرت بعين القلب، فستراه يا صغيري.”
لكن فتاة صغيرة من النبلاء، كانت تقف قريبة، سألت بجرأة:
“وما هي عين القلب؟”
“أنا أعرف! قالوا إنّنا إن صلّينا بإخلاص، فإنّ عين القلب ستفتح.”
“لكنني أصلّي كل يوم!”
“وأنا كذلك.”
“وأنا أيضًا…”
حدّق الأطفال نحو البابا بصمت، يتساءلون: لماذا لا يرون الرداء رغم صلاتهم اليومية؟
عندها، تبدّلت ملامح البابا والكهنة على الفور، وظهرت عليهم علامات الذهول والحرج.
ففي المعبد، يُنظر إلى الأطفال على أنّهم أطهر الأرواح وأقربها إلى الحاكم، لكن حتى هؤلاء لم يتمكّنوا من رؤية “الرداء المقدّس”؟
“ي–يا قداستك، من الأفضل أن… ترتدي شيئًا.”
أدرك أحد الكهنة الكبار متأخّرًا أنّ البابا كان بالفعل عاريًا، فخلع رداءه بسرعة وغطّى به كتفي البابا.
وسرعان ما تبعه باقي الكهنة الكبار، يغطّون جسد البابا المرتبك على عجل.
وسط هذه الفوضى المفاجئة، التقت نظرات البابا التائهة بنظري.
كان لا يزال غير مستوعب لما يحدث، وكأنّ عينيه تسألان: ما الذي يجري؟
أما أنا، فمتظاهرة بجهلٍ تام، وضعتُ يدي على صدري وسعلتُ سعالًا خافتًا كشخصٍ مريض، ثم مِلْتُ بجسدي نحو رينوس وكأنني على وشك الإغماء.
كنتُ أمثّل فقط. رجاءً، لا ترسلني إلى القصر. أنا بخير تمامًا.
بهذه الرسالة الصامتة، أمسكتُ بذراع رينوس بقوة، بينما في قلبي كنت ألوّح بمنديل وداعي نحو البابا الذي غادر مخزيًا، والكهنة المذعورين الذين هرعوا خلفه.
وداعًا.
فقد كانت سلطة البابا هشّة منذ البداية، وهذه الحادثة ستكون بالتأكيد الضربة القاضية التي تُطيح به من منصبه.
وحتى لو اشتكى لاحقًا مدّعيًا أنه خُدع، يمكنني ببساطة الادعاء بأنني أنا أيضًا وقعتُ ضحية خدعة من روح ماكرة.
“……همم، همم!”
سعل كبير الخدم بصوتٍ عالٍ، موجهًا نظر الحاضرين الذين ظلّوا يحدّقون في البابا المنسحب.
كان يحاول لفت الأنظار إلى المنصة، حيث من المفترض أن تُستأنف مراسم التكريم.
ولحسن الحظ، نجح الأمر. وبدأت أنظار الحضور تتجه تدريجيًا نحو المنصة.
بينما كان البابا يبتعد تدريجيًا، حتى اختفى تمامًا عن الأنظار.
وبمجرّد اختفاء السبب وراء الفوضى، بدأت الأجواء المتوترة تهدأ شيئًا فشيئًا.
وسط هذا السكون، بادر بعض الأشخاص الأذكياء بالتصفيق والهتاف فجأة:
“واو! يحيا سموّ وليّ العهد!”
رفعوا أذرعهم عاليًا بحماس، وهكذا، وبفضل هذه المبادرة، امتلأت الساحة مجددًا بهتافات الفرح والاحتفاء.
حين بدأ المنسّق ينادي الأسماء، صعد أولئك الذين حققوا نتائج مميزة في بطولة المبارزة إلى المنصة، واحدًا تلو الآخر.
وأخيرًا، بدأت مراسم التكريم…
“…باسم الإمبراطور المؤسس، جينوسايد الأول، واعترافًا بالأداء المذهل في هذه البطولة المُقامة على وصيّته، نأمل ألّا تكتفوا بما أحرزتموه اليوم، بل تواصلوا السعي نحو الأعلى، حتى تصبحوا يومًا ما سيفًا ودرعًا يحميان الإمبراطورية…”
تظاهرتُ بالاستماع إلى خطاب التهنئة الذي ألقاه الإمبراطور، بينما كنت أُلقي نظرات سريعة على الحشود، أبحث عن الأمير الثاني.
لكنّه لم يكن موجودًا.
مهما نظرت، لم أتمكّن من العثور عليه.
هل قرّر عدم الحضور؟ أم أنّه يترقّب اللحظة المثلى للظهور؟
من ملامح وجه روبليت المشدود بجواري، بدا واضحًا أنّ الأمير الثاني قريب من هنا، لكن حتى روبليت لم يكن قادرًا على تحديد موقعه بدقة.
لا بد أنّه استعدّ لهذا اليوم بدقّة متناهية.
فإن كان روبليت نفسه غير قادر على تعقبه، فذلك في حدّ ذاته أمرٌ يدعو للإعجاب. وهو أمر متوقّع؛ فكل شيء على المحكّ الآن، ومن الطبيعي أن يظهر وهو مستعدّ لكل طارئ.
وفي تلك الأثناء، كان خطاب الإمبراطور يشارف على نهايته.
ما إن ينتهي خطابه، ستبدأ مراسم التكريم بالترتيب العكسي.
وقبل أن أصعد إلى المنصة بصفتي “نجمة الصيف”، شعرتُ بحاجةٍ ملحّة إلى إنهاء هذه المواجهة.
بسبب وجود الإمبراطور على المنصة، فإنّ وقوع أيّ طارئ أثناء وجودي بقربه قد يؤدي إلى اتّخاذه رهينة، وهذا ما قد يُحدث كارثة حقيقية.
فالكثير من الفرسان سيضحّون بأرواحهم في سبيل إنقاذه.
وربما كان الأمير الثاني بانتظار هذه الفرصة تحديدًا.
وبينما تلك الأفكار تتردّد في ذهني، ربتُّ بأصابعي على ظهر يد روبليت.
فألقى عليّ نظرة جانبية سريعة، ثم أومأ لي إيماءة خفيفة، وغادر لبرهةٍ قصيرة، قبل أن يعود فورًا.
أما رينوس، الذي كان يراقب تحركات روبليت الخفية دون لفت الانتباه، فقد انسحب بدوره خطوة إلى الوراء.
وبعد لحظات، عاد إلى مكانه بتعبيرٍ متوتر، ووضعية وقوف غير متقنة.
في الواقع، كان كلٌّ من رينوس وروبليت قد استُبدلا بنسختين وهميتين باستخدام لفائف سحرية.
أما أنا، فقد هيّأت المقدمات مسبقًا، لذا كان من السهل عليّ التظاهر بالمرض والانسحاب من المشهد دون إثارة الشبهات. لكن روبليت ورينوس لم يكن لديهما تلك الحجة، وخروجهما المفاجئ خلال المراسم قد يولّد ارتباكًا لا تُحمد عقباه.
لهذا، جلبنا من فرسان القصر من يشابههم في البنية الجسدية، واستخدمنا لفائف الخداع البصري لتبديل مظهرهم بالكامل.
وإذا ما تراخى نوكس أو الأمير الثاني للحظة، فسيكون ذلك أفضل.
وبالطبع، لو دقّق أحدهم النظر، فسيلاحظ الفرق فورًا. لكن الهدف لم يكن خداعًا تامًّا، بل كسب الوقت وحسب.
وبعد أن تأكّدت من نجاح عملية الاستبدال، وضعتُ يدي على جبهتي، وأطلقت أنينًا خافتًا بينما تظاهرتُ بالدوار.
أوهَنتُ خطواتي، وكأنني على وشك الإغماء من سوء حالتي الصحية، ثم انسحبتُ بهدوء إلى الجزء الخلفي من المنصة حيث لا يوجد أحد تقريبًا.
رغم أنني لم أشعر بهما، كنتُ واثقة من أنّ رينوس وروبليت يتبعانني سرًّا من مكانٍ ما.
وفي تلك اللحظة، لمحتُ ممرًا جانبيًا شبه مسدود أمامي.
توجّهتُ إليه عمدًا، ثم استندتُ إلى الجدار، وجثوتُ على الأرض أتنفّس بصعوبة، متظاهرة بالإعياء.
الآن وقت الاصطياد!
وفي لحظة، خيّم ظلّ فوق رأسي. أمسك أحدهم بشعري فجأة، وجذبه بقوة إلى الأعلى.
“……أمسكتكِ.”
كان الأمير الثاني.
وقد بدا وجهه مشوّهًا من شدّة الألم، دلّ على أنّ الأرواح الشريرة التي تمزّقه من الداخل تنهشه بلا رحمة.
وفي اللحظة التالية، دوّى صوت خطوات سريعة تهرع في اتجاهنا.
كانا رينوس وروبليت، وقد وضعا أيديهما بالفعل على مقابض سيوفهما. وكانا يقتربان بالفعل.
في اللحظة التي أدرك فيها الأمير الثاني أنه وقع في فخٍّ محكم، تلاشى الدم من وجهه.
شعرتُ للحظة بأن قبضته التي أمسكت بي قد تراخت، ثم استدار مذعورًا محاولًا الفرار.
لكن—
“إلى أين تظن نفسك ذاهبًا؟”
أمسكتُ برسغه بإحكام، ثم حرّكتُ ظلي، فأطلقتُ المتاهة بالكامل.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
جدران كئيبة شاهقة تلامس السماء تكاد تحجب نورها.
سلاسل حديدية ضخمة تتدلّى من سقفٍ غير مرئي.
حممٌ تغلي، وسهامٌ تنهمر كالمطر، فخاخٌ قاتلة تملأ الأرض الحجرية.
انفتحت متاهتان في المكان ذاته.
وكما لا يمكن لشمسين أن تتواجدا في سماء واحدة، لا يمكن لمتاهتين أن تتعايشا في الحيّز نفسه.
ظهرت الأرواح الشريرة التابعة لسييلا، وتلك الخاصة بشيد، في الفضاء ذاته، فكشّرت عن أنيابها الحادة واندفعت في قتالٍ شرس، كلٌّ منها تحاول محو وجود الأخرى.
— كيهيهيهي.
— كيهيهيهيهي!
لكنها كانت معركة من طرف واحد، سواء من حيث المهارة أو العدد. فقد مزّقت أرواح سييلا، التي مضى على وجودها قرابة الألف عام، تلك الأرواح الوليدة قليلة الخبرة بلا رحمة.
حتى القلائل الذين أفلتوا من أنيابها، لم يصمدوا طويلًا؛ إذ سحقهم سيربيروس بقدمه الأمامية، فرِحًا بخروجه إلى النور بعد غيابٍ طويل.
— الرأس، الصدر، البطن! الرأس، الصدر، البطن!
ولم تتوقّف الفوضى عند هذا الحد، إذ إنّ روح القنفذ، التي تنتمي لعنصر الطبيعة وتشكل نقطة ضعف قاتلة للأرواح الشريرة، كانت تحلّق في الأجواء على ظهر الأرواح وهي تلهو، مطلقة أصواتًا غريبة، تطعن بأشواكها وكأنها رماح.
وسط هذا الجحيم غير المتوقع، شعر نوكس باليأس. فقد حوّل نفسه إلى روح شريرة واختبأ داخل المتاهة، معتقدًا أن اللحظة قد حانت.
— لا… لا يمكن أن يحدث هذا! مستحيل!
كان قد انتظر حتى يتأكد أن النصر مضمون قبل أن يتحرّك، فإذا به يقع في فخٍّ منصوبٍ بإتقان.
استنزف كلّ قوته ليمنع آبشوليكتار وجاستيس من دخول المتاهة من الخارج، لكن إن استمر الحال على ما هو عليه، فلن يحتاج الأمر إلى تدخّلهما، فالهزيمة مسألة وقتٍ لا أكثر.
أخذ يطحن أسنانه حتى سُمع صريرها، ثم صرخ غاضبًا في وجه شيد، الذي بدا كجثة هامدة:
— عليك أن تصمد! إن استُنزفت قوتك العقلية، فلن يستطيعوا السيطرة كما يفعلون الآن!
“……”
لكن شيد لم يستطع الرد. كان فاقد الوعي تقريبًا، واللعاب الزبدي يتسرّب من فمه.
حتى ذلك العدد القليل من الأرواح كان أكثر من أن يحتمله جسده دفعة واحدة—فقد أنهك تمامًا. والآن، بعدما دخل في صدام مباشر مع متاهة سييلا، لم يتبقَ له أي قدرة عقلية على المقاومة.
من يفتح متاهة ثم يفقد وعيه، يصبح وعاءً للأرواح الشريرة.
وكانت تلك الفرصة المثالية لنوكس للسيطرة على جسد شيد، لكنه لم يفعل.
بل تراجع سريعًا، متفاديًا جموع الأرواح التي اندفعت نحو شيد، تتصارع للسيطرة عليه.
لكي يحصل على الجسد، لا بد أن يهزمهم أولًا، لكنه لم يكن مهيّأً للقتال.
لقد حافظ على شكلٍ مطابق لجسده البشري كي لا يفقد وعيه، ولهذا افتقر إلى القدرات القتالية.
— تبًّا…
محاصرًا من كل اتجاه، تمتم نوكس بزمجرة مكبوتة.
أياً من استولى على الجسد، فلن يكون شيد ذاته. وهذا يعني أن نوكس لم يعد بإمكانه استخدام العرش كوسيلة للسيطرة عليه.
وفجأة، انبعث من الأمام صوت زمجرةٍ منخفضة لوحشٍ غاضب.
وحين التفت، رأى سيربيروس يحدّق فيه بعينين متوهّجتين يفيض منهما الشر، يقطر لعابه أرضًا
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 171"