كان البابا ينظر إلى يديّ الفارغتين، وعلى وجهه تعبيرٌ يشي بالحيرة، يوحي بأنّه لا يعرف ماذا يقول.
وفي تلك الأثناء، أطلق “جودوري”، الذي أعماه بريق المئة مليون، أداءً تمثيليًا ناريًا.
— آنستي، يا آنستي! أظن أن قداسته لا يرى الزيّ الكهنوتي! لا بدّ أنه لا يؤمن بالحاكم!
“حقًا؟”
تظاهرتُ بالدهشة من كلمات جودوري، وحدّقت في البابا. عندها، ارتبك البابا وقد ارتسمت الحيرة على وجهه، وسارع إلى تبرير موقفه.
“م-مستحيل! كنت فقط أبحث عن الكلمات المناسبة لوصف مدى روعته… إنّه أجمل من أي شيء رأيته في حياتي! هذا البريق قد كاد يعمي بصري! وتلك الجواهر الفاخرة! لم أرَ في حياتي زيًّا كهنوتيًّا بهذه الروعة!”
أخذ يمدح الزيّ الكهنوتي حتى جفّ لعابه من كثرة الثرثرة.
استمعتُ بصمت إلى مبالغاته، ثم تقدّمت كأنني أقدّم له الزيّ غير المرئي، وأضفتُ طبقةً جديدة من العبث.
“أليس كذلك؟ كنتُ واثقة أنّ قداستك سيتمكّن من رؤيته. والأجمل من ذلك أنّه خفيف الوزن على نحوٍ لا يُصدّق، مريحٌ حتى أنك لا تشعر بأنك ترتدي شيئًا على الإطلاق.”
“آه… حقًا؟”
“هل تودّ تجربته؟”
“…ربما لا يكون الوقت مناسبًا…”
— يجب أن تُجرّبه الآن، ليتسنّى لجودوري أخذ القياسات بدقّة! وإذا لم يكن مناسبًا، سأعدّله فورًا!
وبينما كان البابا يحاول التراجع بخفّة، تدخّل جودوري في المحادثة مرةً أخرى.
وعندما سمع البابا أن الروح ستأخذ قياساته شخصيًا، بدا عليه التردّد، وأخذت عيناه تدوران حائرة.
ثم، حين تمتم جودوري بنبرةٍ حزينة: “ربّما قداسته لا يحب جودوري…”، هزّ البابا رأسه على عجل وقال إنّه سيُجرّبه.
“أعتذر، لكن هل يمكنني طلب مساعدتك، يا دوقة؟”
“بالطبع.”
تظاهرتُ بأنني أمدّ له الزيّ الشفّاف، متموضعةً كما لو كنت أحمل الرداء بعناية.
ثم، حين رأيته يحاول ارتداء الزيّ الوهمي فوق ملابسه الحاليّة، فتحتُ عينيّ على اتساعهما بدهشةٍ مفتعلة.
“أتنوي ارتداءه هكذا؟”
“…وكيف ينبغي أن—”
— عليك أن تخلع ملابسك! وإلّا فلن أتمكّن من أخذ القياسات بدقّة!
كما أوصيتُه، صرخ جودوري في اللحظة المناسبة تمامًا.
تصلّب وجه البابا، ونظر إليّ بعينين مرتجفتين وكأنه يسأل إن كان ذلك ضروريًا حقًا. فأومأتُ برأسي بحزم.
“إن كنت تشعر بعدم الارتياح، فربما من الأفضل أن تطلب من شخصٍ آخر مساعدتك؟”
“…أظنّ أنّ ذلك سيكون أفضل.”
وبعد جهدٍ في اتخاذ القرار، استدعى البابا ثلاثة كهنة رجال كانوا بانتظار إشارته خارج القاعة.
وعندما رأوا الزيّ الشفّاف، بدت الدهشة على وجوههم واتسعت أعينهم، لكن ما إن أخبرتهم أنّ الزيّ لا يُرى إلّا لمن يؤمن حقًا بالحاكم، حتى بدأوا يُثنون عليه بحماس، ثم طلبوا مني الخروج من القاعة.
وبعد مرور بعض الوقت…
فُتحت أبواب قاعة الاستقبال، التي كانت مغلقةً بإحكام.
وهناك، رأيت البابا واقفًا على نحوٍ محرج، لا يرتدي سوى ملابسه الداخليّة، بينما كان جودوري يُصفّق بحماسة ويصرخ:
— رائعٌ للغاية!!! أنت مذهل!!!
“زيّ كهنوتي مصنوع من خيوط الأرواح… إنّه مذهل بحق.”
“إنّه يليق بك تمامًا، كما لو أنّه صُنع خصيصًا لقداستك.”
“بريقه يخطف الأبصار… لا أستطيع فتح عينيّ من شدّته.”
لم أكن وحدي مَن بالغ في المديح، بل حتى الكهنة الذين ساعدوا البابا على تبديل ملابسه أثنوا عليه بحماسة، كما لو أنّهم يرون الزيّ حقًا، على الرغم من أنّه لم يكن يرتدي سوى ملابسه الداخلية.
أليس هناك قولٌ مأثور يقول: إن كذب ثلاثة على أمر، نشأ منه وجود النمر، ولو لم يكن له وجود؟
فما بالك بخمسة محتالين، اتحدت ألسنتهم في المديح؟
عندها بدأ البابا، وقد غلبه الحرج من شبه عُريه، يُصدّق أنّه يرتدي بالفعل زيًّا مقدّسًا من خيوط الأرواح، بل ورفع صدره بفخر.
وانتهزتُ الفرصة لأُوجّه الضربة القاضية:
“ما رأيك، يا صاحب القداسة، في ارتداء هذا الزيّ في موكب سيف الشتاء القادم؟ فلا شكّ أنّ ظهورك بهذه الطلّة المقدّسة لأبناء الإمبراطورية سيُعيد للمعبد هيبته ومكانته.”
ما إن تطرّقتُ إلى مسألة هيبة المعبد، التي كانت قد انهارت بسبب الأحداث السابقة، حتى خيّم التوتر على وجوه البابا والكهنة.
لكنني تجاهلتُ الأمر، وكأنّني لم أُلاحظه، وواصلت الحديث بابتسامةٍ مطمئنة:
“إنه، في النهاية، زيٌّ صنعه الروح خصيصًا لقداستك. أما أنا، فسأبذل قصارى جهدي في الترويج لهذه اللحظة المجيدة. لذا، آمل أن تنظروا في الأمر بإيجابية.”
“إن كانت الدوقة تقول هذا… فلا بأس.”
وقد تأثّر البابا بعبارات المديح، ورغبةً منه في استعادة مكانة المعبد، فأومأ برأسه موافقًا ببطء.
رائع. لم يتبقَّ الآن سوى أن يُذَلَّ علنًا أمام أعين الجميع في الإمبراطورية.
أخفيتُ نواياي خلف ابتسامةٍ مهذبة: “أشكرك على سماع رأيي، صاحب القداسة.”
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
وبعد أن انتهى لقائي بالبابا، عدتُ إلى قصر دوقية لابرينث، حيث وجدتُ رينوس وروبليت في انتظاري عند البوابة بوجوهٍ متجهمة.
ما الأمر؟
ما إن ترجّلتُ من العربة، حتى هرع الاثنان إليّ، يتحدثان في آنٍ واحدٍ بلهفة وقلق:
“يا آنستي، هل زرتِ القصر الإمبراطوري اليوم؟”
“هل… هل قمتِ بفتح المتاهة؟”
“كلا، بالطبع لا! لمَ تسألان؟”
“الأمير الثاني اختفى. والمتاهة فُتحت داخل قصره.”
“ماذا؟”
حدّقتُ في روبليت، وقد صُدمتُ من أنباء اختفاء الأمير الثاني.
وسارع رينوس إلى شرح ما حدث:
“قبل مدّة قصيرة، اختفت الملكة من داخل قصر الأمير الثاني.”
ثم أضاف أنّه تمّ التستّر على اختفائها تفاديًا للفوضى والذعر في الإمبراطورية.
“ولهذا أُغلق قصر الأمير الثاني وبدأت عمليات البحث. لكن اليوم، فُتحت المتاهة فجأة، وابتلعت بعض الفرسان.”
“ظنّوا أنهم يُسحبون إلى العالم الآخر، لكنهم استعادوا وعيهم ووجدوا أنفسهم خارجها. سيريال، هذا ليس من فعلك، أليس كذلك؟”
“بالطبع لا! ولماذا قد أقوم بشيءٍ كهذا؟ كنتُ في المعبد طيلة الوقت.”
فقط حينها خفّ التوتر الذي كان يعلو وجهي رينوس وروبليت.
لكن رغم ذلك، لم تختفِ الغمامة تمامًا عن ملامحهما. فطالما أنّ هويّة من فتح المتاهة لا تزال مجهولة، فإنّ الشبهات ستنصبّ عليّ لا محالة.
ولولا وجود هذين الاثنين، لربما تمّ اعتقالي للتو بتهمة فتح المتاهة.
وحين وصلتُ إلى هذه الفكرة، عبستُ لا إراديًا. من هو الأحمق الذي تجرّأ على مثل هذه المزحة السخيفة؟
عندها، رفع رينوس بصره، وقد بدا وكأنّه توصّل إلى فكرةٍ ما…
تجمّدت ملامحه، واكتست وجهه برودةً قاسية كالثلج.
“لا بدّ أن الأمر من تدبير نوكس.”
“ماذا؟”
“نوكس هو من منح المؤسّسين قدراتهم، لذا ليس من المستغرب أن يكون قد منح الأمير الثاني قدرةً أيضًا. كنت أتساءل عن الغرض من اختطافه لأولئك الناس… ويبدو أنّه استخدمهم لاكتساب قوة المتاهة.”
“ماذا تعني بذلك؟ نوكس؟ من يكون…؟”
سأل روبليت بنبرة يغلب عليها الحيرة، إذ لم يكن يعرف شيئًا عن نوكس.
وعندما أدركت أنّ الحديث سيطول، دعوت الاثنين للدخول إلى قصر لابرينث.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
وبدا رينوس وكأنه لا يريد الخوض في التفاصيل، فاكتفى بشرحٍ مبسّط لروبليت: أن نوكس شيطان، كان يقيم سابقًا في المعبد، والآن ارتبط بالأمير الثاني.
“إنه كائن وُجد منذ زمن مملكة إلدورادو القديمة. هو من منح لابرينث قدرة المتاهة، وأعطى جاستيس قدرة القتل بضربةٍ واحدة، ومنح بيوريتنا قدرة التطهير… كل ذلك من صنع نوكس.”
أثناء استماعي بصمت، رمشت بدهشة.
هل من الحكمة إخباره بكل هذا؟ روبليت لا يعلم حتى أنّ رينوس هو نفسه التنين الشرير القديم من ألف عام.
لكن على عكس توقعاتي بأن يسأله روبليت: “كيف تعلم كل هذا؟”، فقد اكتفى الأخير بهزّ رأسه بهدوء، دون أن ينطق بكلمة.
ولم يبدُ عليه أي استغرابٍ من مدى معرفة رينوس بمملكة إلدورادو، ومن ردة فعله تلك أدركت أنّ روبليت كان يعرف الحقيقة مسبقًا.
كيف علم بالأمر؟
وبينما كنت أحرّك رأسي في حيرة، تابع رينوس شرحه بنبرةٍ هادئة:
“لمنح القدرة، لا بدّ من تقديم تضحيات بشرية متزامنة من أشخاص لديهم مشاعر أو دوافع متعلقة بتلك القدرة. على سبيل المثال، إن ضحّى عدد من الكهنة في آنٍ واحد بهدفٍ موحّد، فإن من يرث إرادتهم يُمنح قدرة التطهير.”
آه، هكذا إذًا.
كان السبب وراء ظهور أصحاب القدرات قبل ألف عام هو وجود عدو مشترك: التنين الشرير.
وبعد موته، اختفى الهدف الموحد، ولم يولد أصحاب قدرات جدد.
…لكن، كيف نال الأمير الثاني قوة المتاهة إذن؟
نظرت إلى رينوس وأنا أضمّر هذا السؤال.
عندها أغلق فمه للحظة، وبدت عليه علامات التردد والانزعاج، قبل أن يتحدث بحذر:
“المتاهة… مختلفة قليلًا.”
“وما وجه الاختلاف؟”
“لأن وجود الأرواح الشريرة شرطٌ لعملها. لذا، لا تحتاج إلى تضحية ذاتية بقدر ما تعتمد على الحقد والرغبة في الانتقام.”
بمعنى آخر، قوة المتاهة تُصنع من أرواح الموتى الذين لقوا حتفهم ظلماً.
لقد عرفت شيئًا ما كان عليّ أن أعرفه…
شعرت بالقشعريرة تسري في جسدي، ونظرت لا إراديًا إلى ظلي على الأرض.
…مهلًا.
إذا كان هذا صحيحًا، فهل يمكن أن يكون أولئك الذين اختفوا من قصر الأمير الثاني هم…؟
“ما تفكّرين فيه… صحيح.”
ارتعد جسدي، وسرت قشعريرة في عمودي الفقري.
هذا يعني أنّه لم يكتفِ بتحويل خدمه إلى أرواحٍ شريرة، بل حتى والدته، التي أنجبته وربّته، قد مسّها ذلك المصير البشع.
تغيّرت ملامح روبليت لتعكس اشمئزازًا مشابهًا، وسأل بن
برة يغلب عليها الغضب:
“وأين ذلك الوغد نوكس الآن؟”
“هل وجدت المرآة؟”
سارعت بطرح سؤالي على الفور، مجاريةً روبليت في قلقه المستعر.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 169"